الرائدة في صحافة الموبايل

مسرحية النمس وأخواته…

ذ. محمد أمين بنيوب

كتب النص المسرحي” النمس” اعتمادا على رواية الكاتب والشاعر المغربي ياسين عدنان هوت ماروك. نص روائي رسم راهن المغرب وتحولاته السياسية والاجتماعية والثقافية وبين شبكات علاقاته المتصفة بالانتهازية والنفعية والمصلحية. هوأقرب لبنية مجتمعية، يسود فيها القطيع، التابع والمتبوع، البشرفيه هائم في مزرعة حيواني. يؤكد المبدع عدنان ياسين في هذا المنحى عندما أشار (منذ البداية كنت أحب أن أكتب كوميديا حيوانية، لكن ليس على شاكلة كليلة ودمنة ولا مزرعة الحيوانات، بل كوميديا أتنقل داخلها بسلاسة بين البشر والحيوان، وهذا ما تحقق من خلال هذا العمل الذي جعل لكل شخصية من شخوصه الرئيسية قرين حيواني تماهى معه، إنها كوميديا حيوانية ساخرة أبطالها أناس من لحم ودم ومشاعر …)

نحن أمام رواية تقتنص هويتها من مدينة البهجة وشخصوها ودروبها وساحة جامع الفنا قطب الرحى في رتق الحكي. الحكي مباح ومستباح. والحكاء الناعورة في نظم الحكي وغزل خيوطه هو الشخصية المحورية رحال لعوينةـ السنجاب ـ الذي سيلبس اسم النمس في مسرحية أعدها الكاتب المسرحي المراكشي عبد الإله بن هدار وأخرجها المبدع المسرحي أمين ناسور صحبة مبدعين محترفين،طارق الربح،سناء شدال، عبدالله ديدان،هاجر الشركي، حسن مكيات، منية لمكيمل، عبد الله شيشة، عبد القادر مكيات، ياسين الترجماني، عبدالكريم شبوبة وعبدالرزاق أيت باها وذلك في إطار فرقة المسرح المفتوح.

في كتابه تشريح الدراما،يؤكد بجلاء مارتن إسلن على أن فن الدراما طقس جمعي وأفضل وسيلة حقيقية للاتصال الإنساني.عبرها نتعرف على الطبيعة البشرية وعلى الركح نكتشف وعيها ونمط وجودها وجدلية صراعاتها وأفق تفكيرها.بهذا المعنى،فالدراما حركة محاكية للفعل والتجسيد..

في هذا الاتجاه. ينهض عرض النمس على بناء حركي في مختلف صوره.نحن أمام ساحة عمومية تعج بحياة حبلى بايقاعات حركية لاتتوقف في دورة زمنية كاملة
أبطالها شخوص تعودوا يوميا على إتقان فني الحكي والقول .
هم حكائون وحكاءات، رأس مالهم رتق الكلام المنظوم .تطويع الجسد للرقص والغناء.زادهم مقالب وحيل .فكرهم مصيدات للعابرين والعابرات.

وإذ استعصت عليهم المواقف، فهم جند مرتجلون قادرون على منح حياة الركح تلوينات أشبه بزركشات ملابسهم المنمقة بأشكال هندسية مختلفة. يبدو للمتلقي أنهم ولدوا هناك في الساحة وقضوا بها زمنا طويلا وهم يروون للناس حجاياتهم ولازلوا في مهنة الحكي قاعدون لايتزحزحون ولايمكن لك كمتلق أن تتفوق على قوة حياكتهم الدقيقة للطبائع البشرية..
إذا ماذا تحكي هذه الشرذمة من القوالين والمداحين للناس؟؟؟
هم ببساطة يقصون قصص عدنان القصاص ويحكون نمس بنهدارو ناسور مع ممثلين بارعين، ولجوا غواية الحكي وطز أسراره.

فالحكاية تبدو بسيطة للغاية، شخصية تدعى النمس.. رحال لعوينة في رواية عدنان… رجل في جلباب حيوان كالزئبق، كثير الحركة، سريع الجري، يتنقل بسرعة فائقة. هذا النمس العجيب المفكك والمبعثر، أتى من هوامش مدينة البهجة ـ حي عين إيطي ـ الداخل إليه مفقود والخارج منه مولود. استطاع أن يتمم دراسته وأن يحصل على إجازة جامعية دون أن يجد عملا. بعد زواجه ،اضطرأن يشتغل في سيبر ـ CYBER ـ ليحقق فتوحاته عبر الفضاء الأزرق ومن خلاله نسج علاقات مع شخوصه الافتراصية ومن داخل هذا العالم الكوكبي، سنتعرف على زيف الأوضاع المجتمعية وبهتان النخب السياسية والثقافية. حكايات وأحداث ،قدمتا في قالب كوميدي ساخر، شعبوية رجل السياسة، بهتان رجل الدين الأفاق، انتشارتجارة الجنس وكل مايمنحه العالم الأزرق من مساحات للنصب والاحتيال والإغتناء وزرع الشك وتلفيق التهم….

في هذه الأجواء، تحول الركح لساحة شعبية معاصرة وأتخذ فن الحلقة لباس الحداثة والعصرنة.فالشبكة العنكبوتية أضحت بؤرة لنسج حكايات راهنية بعيدة كل البعد عن الطرق التقليدية في الحكي.هكذا وظفت موسيقى ثراتية وحديثة ممزوجتين في بنية لحنية متداخلة.فوظيفتهما دراماتورجية،لأنها ترافق الحركة والصوت والغناءوأحيانا ناطقة وموحية وليست ثانوية ومكملة أوتابعة أو مجرد فواصل لامعنى لها.فاختيارالموسيقى في عرض النمس، ليست اعتباطية بل هي روح الحركة والشخصيات تستمد منها إيقاعها الحركي والنفسي وأحيانا تفسح لها المجال للارتجال الرقصي والغنائي والكلامي..

مايشدك في عرض النمس هوشساعة بهو اللعب.أنت أمام سينوغرافيا وظيفية ممتدة حتى العمق ولاتتوقف عن الحركة.صور بصرية تمتح وجودها بألوان لباس الحكائين.فالموسيقيان جزء لايتجزأ من فضاء الحكي بل هما قوامه.وشخصية النمس ليست مفردة بل كل الشخصيات هي نموس تبحث عن ضالتها في مستنقع آسن وأكثر قدارة. تتحلق حول هيكل حديدي قابل للتطويع والتحويل.فهو يجمع ويطوى ليخدم حركة الممثلين وتنقلهم بشكل سلس وفي مرات كثيرة هو بالأساس لتسهيل أمكنة الحكي في عنفها وحميميتها وفي قوة وبهاء دلالتها المادية والرمزية.

مبدعو النمس حكاواتيون محترفون، يجمعون بين التجسيد والغناء والعزف والرقص والارتجال، إنهم جوالون، قوتهم الإبداعية في قوة ضبط روح الحركة واتقانها دون إسفاف؛ عبرمارتن إسلن عن ذلك بقوله:” الفن المسرحي هوفن الاقتصاد في كل شيء”… طبعا الاقتصاد في القبض وتدقيق تفاصيل الإبداع المسرحي بالمعرفة والعلم وحرفية صناعه، أما دون ذلك فسنكون ضمن منتوج مهلهل شكلا ومضمونا وتجاوبه مع المتلقي سيكون حكيا خداعا وحكاؤه مجرد نصاب أفاق على التاريخ و الذاكرة…

تختتم المسرحية بأغنية جيل جيلالة… وهذا له أكثر من دلالة….
يامن عاني ولازال معنا يعاني
من وعر السفر فالظلام والوحوش الهايمة
من قلة لمان فلمقام..الحزة فالمداومة…
يارفيقي فالخال يابحال لي فالحالة
هاد الحال للي طال مطلعت من طايلة (يتبع..عرض سماء أخرى لفرقة أكون)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد