الرائدة في صحافة الموبايل

كي لا يصبح النموذج التنموي “حماية فرنسية جديدة”

الدكتور مصطفى كرين


النموذج التنموي لأي بلد ، ليس مجرد برنامج انتخابي يتغير بتغير الحزب الحاكم ، بل هو نتيجة خيارات إيديولوجية ودستورية وسياسية ثابتة متوافق ومتفق بشأنها ، ولذلك يمكن اعتبار لجنة النموذج التنموي المعين رئيسها حديثا في المغرب شكلا من أشكال اللجان التأسيسية ، التي يجب أن يتشكل أعضاؤها من أناس يتمتعون زيادة على النزاهة والوطنية والحياد والكفاءة والتنوع ، أن يكونوا من الذين لم ينتموا ولا يتحملون أية مسؤولية عن الإرث الفاشل للحكومات السابقة ، وإلا كيف يمكن تكليف من كان سببا أو جزءا من الأزمة بمهمة حلها .

وإذا كان العديدون قد توسّعوا عبر وسائل الإعلام في سرد السيرة الذاتية لرئيس لجنة النموذج التنموي الجديد ، دون ينسوا أي شهادة أو مهمة تقلدها ، في محاولة منهم لإقناع الرأي العام بأحقية الرجل في الإضطلاع بهذه المهمة ، فإن الحقيقة هي أنه ولا واحدة من تلك الشهادات والتكوينات والمسؤوليات التي تحملها تعتبر مبررا كافيا لتقلده ذلك المنصب وإلا لكان العديدون من المغاربة الذين يتوفرون على شهادات أقوى وأعلى وأحدث أولى بذلك التشريف ، بل حتى قراءة بسيطة في مساره المهني تبين أنه فشل في كل المهام التي أسندت إليه .

إن امتياز السيد شكيب بنموسى الأهم في نظري ، نابع من كونه رجل سلطة أولا وخريج المدرسة الفرنسية ثانيا ( خريج تلك المدرسة إيديولوجيا وسياسيا وأخلاقيا وليس فقط هندسيا) ولربما يحمل كذلك جنسيتها ، مثله مثل العديدين ممن تم وضعهم على رأس الوزارات والمؤسسات الهامة في البلاد ، ويأتي كل هذا في سياق يتسم بترسيم اللغة الفرنسية كلغة تدريس وتكريس التوقيت الصيفي لتقريبه من التوقيت الفرنسي رغما عن كل المعطيات العلمية والاجتماعية ، والعديد من الإجراءات الأخرى .

لذلك دعونا لا نتفاءل كثيرا من حيث المبدأ حول ما سيأتينا كنموذج تنموي جديد بناء على مؤهلات رئيس اللجنة ، لأنه حتما لن يخرج عن النموذج الفرنسي المتهالك والباحث عن توسيع قاعدته الجغرافية في وقت أصبحت فيه العديد من الدول الإفريقية وغيرها تنسحب منه ، بل إن هذا النموذج قد يجعل المغرب أكثر تبعية لفرنسا مما هو عليه اليوم ، وفي هذه الحالة سنجد أنفسنا أمام شيء يشبه “وثيقة حماية جديدة ” .

والمعروف أن النموذج الفرنسي بطبيعته لا ينطلق من الواقع ، عكس النموذجين الأنجلوسكسوني والأسيوي بشقيه الليبرالي والشيوعي ، بل إن النموذج الفرنسي مغرق في التنظير والتشريع وينزع نحو إجبار الواقع على التلاءم مع النظرية ، كما أنه ينبني سياسيا على الهيمنة العسكرية المباشرة والبيروقراطية وإخضاع الشركاء ولا يشتمل على أي بعد تشاركي ولم يطور نفسه ولا ينصت بل يعيش حالة استعلائية مرضية ، أما اقتصاديا فإنه ينبني أساسا على حساب الضريبة ( وليس القيمة المضافة مثل النموذج الأنجلوسكسوني ) ، ويظهر من خلال كل هذا أننا سنجد أنفسنا أمام نموذج لاينطلق من الواقع المغربي من أجل الارتقاء به ولن يكون مشروعا مغربيا-مغربيا كما يطمح إلى ذلك جلالة الملك ، بل سيأتي بنظريات مجردة عن الميدان والواقع وترتيبات بنيوية تؤدي إلى إلحاق بنيوي وسياسي واقتصادي للمغرب نحو فرنسا وربما يؤدي كل هذا إلى تعديلات دستورية تسحب كل التنازلات التي قدمتها السلطة والتي جاء بها دستور 2011 ، بينما لا يمكن في سياق الانتقال الديمقراطي تصور نموذج تنموي لا يمر عبر إعادة توزيع جديدة للسلطات يراجع مفهوم وصاية الدولة على المؤسسات التمثيلية ويجعل على الأقل الولاة والعمال تحت سلطة المنتخبين وليس العكس .

إن بلورة نموذج تنموي بالشكل الذي تكلمنا عنه لن يجد أبدا قبولا لدى الطبقة السياسية المغربية والمجتمع المدني والمهني والأكاديمي المغربي وبالتالي ستجد الدولة نفسها بعد كل هذا الجهد مضطرة للعمل على إرغام المجتمع المغربي بكل مكوناته على الخضوع والانضباط قسرا لكل ذلك ، مما سيتسبب في الكثير الانكسارات الاجتماعية والصراعات والاحتقانات السياسية ، وهذا ما سيشكل مصدر تعطيل كبير لمسيرة التنمية التي يفترض أن النموذج المقبل سيأتي بها .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد