الرائدة في صحافة الموبايل

ضحايا بلا مجد…

سليمان الريسوني

صادف يوم الاثنين الماضي اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة. لقد بدأت قصة هذا اليوم مع ثلاث شقيقات من عائلة ميرابال الميسورة والمثقفة في جمهورية الدومنيكان، هن باتريسيا وماريا وأنطونيا، جرى اغتيالهن بطريقة وحشية يوم 25 نونبر 1960، بأوامر من الديكتاتور رافاييل تروخيلو، لأنهن كن معارضات لسلطاته المطلقة. وتكريما لهن، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1999 تخليد ذكراهن من خلال الاحتفاء سنويا باليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة بالتزامن مع يوم وفاتهن.

في المغرب، هناك، أيضا، نساء فقدن حياتهن، وهن في عز شبابهن، بسبب أفكارهن السياسية، أشهرهن سعيدة المنبهي التي تخلد الحركة الحقوقية واليسارية ذكراها كل سنة، ويذكر الشعراء اسمها في القصائد، وترفع صورها في التظاهرات… كما أن هناك نساء جرت التضحية بهن، والمرور فوق سمعتهن لتصفية حسابات سياسية، أو بالأحرى، تصفية خصوم سياسيين، وقد تحدث عميل «الكاب1» أحمد البخاري، مطولا، عن هذا الصنف من النساء. غير بعيد من هؤلاء، هناك نساء استعملن حطبا لإحراق الصحافي توفيق بوعشرين، وهن اللواتي اخترت أن أتحدث عنهن بمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة.

سوف لن أعود إلى القضية التي يتابع فيها بوعشرين، والتي صدر فيها حكم وطني يدينه، وحكم دولي يطالب بالإفراج، فورا، عنه. لكن، تعالوا نرى حجم وتنوع العنف الذي مورس على هؤلاء النساء، ولنبدأ من الأخير؛ فمباشرة بعد الحكم الاستئنافي، كتبت إحدى هؤلاء تقول:

«سمعة وكرامة الناس ماشي لعبة… وفاش الواحد يكون باغي يقضي شي غرض باستغلال مقيت للثقة، وخصوصا إذا ارتبط الأمر بصورة ومصلحة البلاد، ما يستعملش الناس بحال شي جفاف ويلوحهم أول ما يصدر شي حكم». لقد ذهب أغلب من ناقش هذه التدوينة أو علق عليها، إلى أن الجهة التي هندست هذه القضية أخلت بوعد قطعته للنساء اللواتي استعملن في هذا الملف، بعدما همست في آذانهن بأن اعتقال بوعشرين يدخل في إطار «مصلحة البلاد».

إنني أتفهم ألم ومعاناة هذه السيدة وأمثالها وأتضامن معهن، خصوصا أن منهن من فقدت عملها، بل منهن من وجدت نفسها، رفقة زوجها، في حالة عطالة، ومنهن من ساءت علاقتها بعائلتها وأصدقائها، ومنهن من كادت تفقد عقلها من فرط التشهير والإساءة التي لحقت بها، ومنهن من اضطرت إلى العمل مع جلادها، أي مع الجهة التي شهرت بها، بعدما قاومت طويلا ورفضت أن تكون من حريم تجريم بوعشرين، قبل أن ترفع يديها مستسلمة وهي تقول: «لا غالب إلا لله»، ومنهن من دُمِّر مستقبلها، وهي في زهرة العمر، بعدما جرى إظهارها في شريط فيديو تمارس الجنس السحاقي مع صديقتها…

لكن، إذا كانت هذه التراجيديات مفهومة في عرف السلطوية التي تشتغل بمنطق «التقطني واضرب عدوَّك بي»، فغير المفهوم هو أن يشتغل حقوقيون ونقابيون، وضمنهم نساء، بهذا المنطق، ويضربون بوعشرين بنساء لا حول لهن ولا قوة. فتعالوا نتأمل أبرز ثلاث حالات عنَّفها من كان ينتظر منهم توفير الحماية والدعم لها:

الحالة الأولى، أواسط أبريل 2018، خرجت المحامية والقيادية في الاتحاد الاشتراكي، أمينة الطالبي، تقول لوسائل الإعلام إنها تملك دلائل على أن السيدة «أمل.هـ» مارست الجنس مع توفيق بوعشرين أكثر من مرة، مع أن حتى محاضر البوليس لا تقول ذلك.

فلماذا فعلت هذه المحامية، التي تنتمي إلى حزب يدعي الحداثة ويطالب بالمساواة في الإرث وعدم تجريم الجنس الرضائي، ذلك؟ لأن السيدة «أمل.هـ» جاءت إلى المحكمة وقالت: «توفيق بوعشرين لم يغتصبني ولم يحاول اغتصابي.. ما دفعت شكاية.. ما عرفت هادشي منين نزل علي».

إن ما قامت به هذه المحامية، إلى جانب كونه –حسب كل الشرائع والأخلاق والإيديولوجيات- يسبب الأذى لامرأة عزلاء ولها أبناء، فهو مناقض لحقوق الإنسان، وللفكر التقدمي التحرري، الذي تدعي السيدة الطالبي انتسابها إليه. إذ كيف لمحامية، حقوقية بالضرورة، أن تخرج إلى باب المحكمة وتعتدي على حقوق امرأة مثلها، وتزايد حتى على محاضر البوليس؟ أنا متأكد أن ما قامت به هذه المحامية في حق هذه المرأة العزلاء، لو حدث في عهد عبد الرحيم بوعبيد، لما بقيت يوما واحدا في حزب القوات الشعبية.

الحالة الثانية، نهاية ماي 2018، أي بعد حوالي شهر من فعلة أمينة الطالبي، الشنيعة، خرج قاض مطرود، تحول إلى محام، إلى باب المحكمة يصرخ بأن «عفاف.ب» ظهرت في شريط فيديو جنسي، والحال أن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي أفرغت الأشرطة وأنجزت المحاضر، والتي لها خصومة مع «عفاف.ب» التي طعنت بالزور في محاضرها، لم تقل إن «عفاف.ب» تظهر في أي من الفيديوهات.

فما الذي حدث بعد هذا الفعل الأشنع؟ جرى تخصيص استقبال حار لهذا القاضي المطرود في حزب أمينة الطالبي، وأصبح مناضلا اتحاديا، وبعدها بمدة خرج يقول إنه يتوفر على صور «فاضحة» لآمنة ماء العينين، قبل حتى أن تظهر تلك الصور في مواقع وجرائد التشهير المحسوبة على السلطة.

الحالة الثالثة، أواسط يوليوز 2018، قدم يونس مجاهد، وكان نائبا لرئيس الاتحاد الدولي للصحافيين، ثلاث نساء لا علاقة لهن بمهنة الصحافة، إلى رئيس الاتحاد حينها، فيليب لوروث، على أساس أنهن صحافيات اعتدى عليهن توفيق بوعشرين، فما كان من لوروث إلا أن وجه رسالة تضامن إليهن، يصفهن فيها بالزميلات العزيزات، ويهاجم فيها بوعشرين وعائلته أيضا!

وبما أن حبل الكذب والتحايل قصير، فقد قامت السيدة «أسماء.ح»، وهي، للتذكير، لم يسبق لها أن كتبت ولو مقالا في مجلة حائطية، بفضح هذه اللعبة، عندما نشرت الرسالة التي يخاطبها فيها فيليب لوروث بالزميلة العزيزة، على صفحة الفايسبوك نفسها التي سبق أن نشرت فيها تضامنها مع توفيق بوعشرين بعد اعتقاله، قبل أن تسحبه، وتتحول، بقدرة قادر، من متضامنة إلى أشهر «ضحية» اتجار بالبشر في المغرب.

مع هؤلاء الضحايا -ضحايا سلطة مفرطة ومجتمع مدني مختل- أعلن تضامني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد