الرائدة في صحافة الموبايل

L’Enfant Roi، أو”الصبي صاحب الجلالة”، الذي يعاني من تدفق عاطفي كبير…(ج2)

الدكتور محمد حماس
  • سابقا كانت الأسرة، رغم فقرها المعرفي، وقلة إمكاناتها المعيشية، تبذل مجهودا غير قليل لتربية أطفالها على القيم الجميلة، من احترام وتقدير للواجب والمسؤولية والأخلاق الحسنة … أعتقد أن الأبوين لا ينتبها لمسؤولياتهما تجاه الجيل المقبل، باعتبار أن الأسرة هي المهد الأول للتربية، وبالتالي فالطفل لا يقع عليه اللوم فيما بعد …

هل الأستاذ يقرأ؟ نتحدث عن الظاهرة؟ ماذا ينتج الأستاذ داخل او خارج القسم؟ هل لدينا أستاذا قارئا؟ 

  • لا خير في أسرة تحرض الأبناء ضد من يعلمونهم ..

ترمي الأسرة بحمل مسؤولياتها على المدرسة، وتبحث عن تبريرات لسلبيتها بإلصاق التهم بالمدرسة والأستاذ، بل تقنع أبناءها بأن الأستاذ مقصر ولا يقوم بواجبه وأنه فاشل .. تحرضهم ضد الأستاذ الذي يعلمهم .. فأي ثقة أوقيمة واحترام يتبقى للأستاذ أمام سلوك كهذا لأسرة فاشلة. فلا غرابة إذن أن يتجرأ التلميذ على ضرب الأستاذ أو غيره ممن يسهرون على تدريسه؟ سابقا كانت الأسرة، رغم فقرها المعرفي، وقلة إمكاناتها المعيشية، تبذل مجهودا غير قليل لتربية أطفالها على القيم الجميلة، من احترام وتقدير للواجب والمسؤولية والأخلاق الحسنة … فكانت تلك التربية تخلق لدى الطفل توازنا عاطفيا وروحيا وفكريا، في أبسط مستوياته، وهو الزاد الثقافي الذي سيلج به المؤسسة التعليمية والشارع ليتعامل مع الآخرين، غير أبويه وأفراد أسرته، فكنا تلامذة نتعرض للتعنيف من طرف معلمينا ولا يضيرنا ذلك في شيء، ولا يقلل من قيمة المعلم في نظرنا، بل حتى الوالدين لا يحتجان على ما نتعرض له من ضرب. وهذا لا يعني أن تعنيف الطفل ركن أساس في العملية التعليمية، وفي المقابل لا يعني خروج الطفل من بيت والديه لا يحمل من التربية غير السوء والعنف وعدم احترام الآخر، أن لا علاقة له بالقيم، لأنه لم يتلق هذه التربية، فالمؤسسة التعليمية لن تقوم بدور المربي، لأن مسؤوليتها تلقين المعرفة والتوجيه والحفاظ على المكتسبات القيمية التي يفترض أن يكون الطفل قد حملها من البيت عن والديه، أي التربية الحسنة، لأنه لا يمكن للمدرسة ان تلقن الطفل أن إلقاء التحية واحترام الكبير والأقران   

أعتقد أن الأبوين لا ينتبها لمسؤولياتهما تجاه الجيل المقبل، باعتبار أن الأسرة هي المهد الأول للتربية، وبالتالي فالطفل لا يقع عليه اللوم فيما بعد …

هل الأستاذ يقرأ؟ نتحدث عن الظاهرة؟ ماذا ينتج الأستاذ داخل او خارج القسم؟ هل لدينا أستاذا قارئا؟ 

نفس الأسئلة نطرحها عن الأسرة التي لا تقرأ ولا تشتري كتبا؟ فنحن للزمن الماضي بنوستالجيا متفاقمة حد البكاء، ونردد دوما عبارة “الزمن الجميل”، لأنه لا شيء يشد الزمن الراهن نحو المستقبل … تتالت أجيال لا تقرأ، غير المقررات الدراسية، ولا تعرف غير فروض وواجبات الامتحانات، شأنها شأن الآلات المبرمجة، وزادتها التكنولوجيا علة على علل .. تفشت عدة ظواهر، منها الساعات الإضافية، حيث تحول الأساتذة إلى أثرياء مقنعين، وهو دخل لا يمكن احتسابه، ويقتطع من جيوب الآباء ليروا نجاح أبنائهم وهم يلجون المدارس العليا .. 

يجب أن نحيط بالظاهرة من جميع جوانبها، وبشمولية أوضح، لأن أعطاب منظومة التعليم يساهم فيها الجميع، من مؤولين عن تدبير القطاع وفق سياسة إنتاج أجيال الضباع، على حد تعبير الباحث المغربي محمد جسوس، ثم الأسرة المتخاذلة التي تخلت أو أضحت لا تعي دورها تجاه أبنائها بعد الإنجاب، ثم هيئة التدريس، والتي منذ تسعينيات القرن الماضي، دخلت دوامة الإكراهات المالية وضغوطات العصر لتتخلى عن دوها، كشريحة واسعة عددا ونوعا، داخل الطبقة الوسطى

  • عن أي أسرة نتحدث؟

لعل أهم تعريف للأسرة هو الذي أورده عالم الاجتماع Auguste Comte، معتبرا إياها الخلية الأولى في المجتمع، ومنها ينطلق تطور المجتمع الذي سوف ينشأ فيه الفرد، ومن دون هذه الأسرة لا يمكن الحديث عن استمرار المجتمع، لأنه من خلال الأسرة يتجدد المجتمع وتضخ في شريانه الحياة والاستمرارية.

الأسرة بهذا المعنى، تنجب الطفل وتتولى رعايته من حيث الأكل والملبس والرعاية الصحية والأمنية حتى يترعرع ويكبر قبل أن يشرع في مغادرة بيت أسرته محاولا الاعتماد على نفسه، فينفتح على محيط غير وسطه الأسري الذي ولد فيه، بمعنى أن جهات أخرى سوف تتدخل لشارك الأسرة في تنشئة الطفل. من هنا يتجلى دور الأسرة الذي يشكل أساس بناء شخصية الطفل، بمعنى أن الأدوار التي سوف تلي دور الأسرة هي مكملة وضرورية وأساسية، لكن لابد لها من أساس هو ما قدمته الأسرة. 

لكن يجب الوعي بما يحدث من متغيرات داخل المجتمع، وهي متغيرات تؤثر بشكل كبير على الأسرة، سلبا أو إيجابا، وهي تأثيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية، وهي تغييرات بنائية تنعكس على مستوى القيم والعلاقات بين أفراد المجتمع، وهو الأمر الذي نلحظه بشكل يومي في الأماكن العامة وداخل المؤسسات العمومية، وفي الغالب تبدو هذه العلاقات سلبية إلى حد كبير، من عنف وغش وتراجع كبير لقيم الأخلاق تطال حتى أفراد الأسرة فيما بينهم.

يجب الإقرار أيضا بأن الأسرة لم تعد قائمة بشكلها التقليدي، وهذا طبيعي، لكن هو تطور يحمل القليل من الإيجابيات، إذ لم تعد المرأة حبيسة البيت، بل أضحت تضطلع بمهام أخرى تأخرت عنها من زمن بعيد للإسهام في الركب الحضاري، بعد ان عانت الإقصاء … لكن رغم كل هذا لم يتم الانتباه لدورها كأم، وكأن دور الأمومة غير أساسي، الشيء الذي أخذ منها الكثير، لأنه تم إبعادها زمنا عن دائرة الإنتاج.

لم يعد من الهين في زمننا الراهن، انطلاقا مما سلف، تحديد تعريف حقيقي للأسرة، لدرجة أنه يمكن التطرف في السؤال عن وجود دور فعلي للأسرة بسبب مظاهر التحديث ومقولات حرية الفرد وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل وما إلى ذلك من الترهات الدوغمائية التي استحوذت على فكر الفرد والجماعة وأخلته متاهة الشعارات الجوفاء التي تستهلكه من جيل لجيل. وعلى هذا الأساس يرى الباحث والأستاذ بجامعة ليون2 Jean-Hugues DÉCHAUX، أن التحول داخل الأسرة بدأ مع مطلع سبعينيات القرن الماضي بفرنسا، ونحن إذ نضرب مثلا بالمجتمع الفرنسي، فليس من باب الإسقاط، وإنما لأن مجتمعنا يعاني من إشباع الاقتداء بالنموذج الفرنسي، ثم لأن الباحثين الفرنسيين لهم كبير اهتمام بهذا المجال، وهو يخلص لضرورة الحديث او التفكير في بنية أسرة جديدة تأخذ بعين الاعتبار أنماط الحياة التي تتسم بالفردية الأخلاقية. 

  • حاجة الطفل للأمن العاطفي ..

يمكن الحديث عن المؤسسة التعليمية باعتبارها الوجهة التي سيلجها الطفل ويقضي بها سنين عدد، بين الدرس والتكوين حتى يلج سوق الشغل أو يتوقف بسبب الفشل الدراسي .. داخل المؤسسة التعليمية سوف يتعامل مع المدرس، الذي وصف زمان، بالأب الثاني، والمعلمة بالأم الثانية، باعتبار ان الطفل يقضي مع المدرس ساعات طوال اليوم، ومن الطبيعي أن تنشأ بينهما ألفة ومحبة، وهذا شيء طبيعي وغريزي عند الإنسان، حيث نجد التلميذ يتعلق بأستاذه، إلا إذا كان الأستاذ عنيفا لا يتمتع بروح مرحة، ثم في المقابل تعلق الأستاذ بتلامذته. هذه العاطفة من شأنها تذويب الجليد بين أطراف العملية التعليمية، وإنجاح العملية التعليمية في ظل شروط تربوية، إذ هذا الوضع يوفر الأمان العاطفي، وبالتالي الاستقرار النفسي والتوازن الروحي .. هذا هو الأمر المهم في حياة الفرد. وهو الأمر الذي يقوي العلاقات الأسرية والاجتماعية، على رأي Jean-Hugues DÉCHAUX، ويخلص لسؤال إشكالي، في كتابه Sociologie de la famille، الصادر سنة 2007، عن دار La Découverte, Paris، خلص إلى سؤال حول حقيقة الوظيفة الاجتماعية للأسرة؟؟ هذا ما يبرر الاهتمام المتزايد بالدراسات والأبحاث التي تخوض في موضوع دور الأسرة وغياب الصلات العائلية التي بدأت تتراجع بشكل ملحوظ داخل مجتمعنا المغربي، إذ أنها اضمحلت في المجتمعات الغربية ومنها المجتمع الفرنسي. ويكفي أن نقف لبرهة عند الأجيال المغربية التي ولدت أو نشأت في بيئة غربية، وكيف تقوم العلاقة بين أفراد العائلة الواحدة، خاصة الأبناء والوالدين؟؟ لا أثر لدفء أسري ..

لا غرابة إذن، أن يتراجع دور الأسرة أو يكاد ينعدم، ويظهر “الطفل الملك” …

د. محمد حماس 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد