الرائدة في صحافة الموبايل

عام؛ انتهى الكلام

كما يكتب سليمان الريسوني

تنسحب 2019 دون أن تسحب معها آلامها وخيباته، ومثل العجوز الشمطاء في الأساطير القديمة، كلما تقدم بها العمر أمعنت، أكثر، في إتيان أفعال شريرة؛ وحين تحس بدنوَّ نهايتها، توصد الأبواب على أطفالها، وترمي المفاتيح في البئر، وتغيب في السديم الغامض.

نقطة الضوء الوحيدة، في هذا السديم، هي التي انقشعت في الهزيع الأخير من عمر هذه السنة، بالإفراج عن زميلنا عمر الراضي. عدا ذلك، فإننا نودع عام «انتهى الكلام».

لقد أنهينا 2019 بثمانية اعتقالات، طالت نشطاء ومدونين احتجوا، بجرعات متفاوتة من الجرأة، على الأوضاع الاجتماعية والسياسية، عادة ما كان يقع التساهل مع مثلها في السنوات الأخيرة؛ أبرزها حالة الصحافي عمر الراضي، الذي خلف اعتقاله استياء واسعا حتى وسط شخصيات مقربة من مراكز القرار، خرجت تقول الآن إنها لا تفهم ما يحدث في أعلى البرج، ولا تعرف إن كان ساكنوه يعرفون أن نيران الغضب والاستياء تحاصره من كل الجوانب.

مع 2019، أصبحنا أمام أشخاص يتابعون بتهمة «الإساءة إلى شخص الملك» اعتمادا على الفصل 179 من القانون الجنائي الذي لم يقع تفعيله منذ دستور 2011. فكيف وصلنا إلى هذا؟

لنتتبع منحنى التعاطي الجنائي مع قضايا انتقاد المؤسسة الملكية، أو شخص الملك، في الأربع سنوات الأخيرة، ونقارن. في 2015، خرج وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، يقول إن «السياسة الجنائية التي نهجها المغرب لا تدع مجالا لمعاقبة شخص لأنه تحدث عن الملك»، وإن «الملك أمر بعدم متابعة أي مواطن انتقده، أو حتى تحدث عنه بسوء، لأنه لا يريد أن يقمع المغاربة، لكنه يريدهم أن يحترموه».

لكن الرميد نفسه سيقدم، نهاية السنة نفسها، تعديلات جديدة في القانون الجنائي، سيصادَق عليها في 2016، ستشكل خيبة أمل وسط الصحافيين والحقوقيين، المستقلين، خصوصا ما يتعلق منها بالعقوبات السالبة للحرية لـ«كل من أساء إلى الدين الإسلامي أو النظام الملكي، أو حرض على الوحدة الترابية»، حيث اعتبر ذلك تحايلا على قانون الصحافة والنشر، لجعل الطريق سالكا لمتابعة الصحافيين بمقتضى القانون الجنائي.

مع سنة 2018، ستعرف وسائل التواصل الاجتماعي تزايدا مطردا في عدد الذين أصبحوا يوجهون انتقاداتهم مباشرة إلى شخص الملك، بدل الحكومة أو السلطات، حيث سنشهد اعتقالات في حق أشخاص انتقدوا الجالس على العرش أو حملوه مسؤولية ما يجري أو أساؤوا إليه، إلا أن ما ميز هذه الاعتقالات أن المعنيين بها توبعوا بتهم أخرى لا علاقة لها بما قالوه عن الملك؛

فبعد نشر شريط البشير السكيرج المسيء إلى العائلة الملكية، في نونبر 2018، اعتقل الشخصان اللذان صورا ونشرا الشريط، وأدينا بسنتين حبسا نافذا لكل منهما، لكن ليس بتهمة السب أو المس بالحياة الخاصة للملك أو أعضاء الأسرة المالكة، بل بتهمة السرقة.

وفي دجنبر 2018، اعتُقلت عزيزة الحمري، التي حملت الملك مسؤولية هدم كاريان الواسطي بالدار البيضاء، وأدينت بسنة حبسا نافذا، لكن ليس بسبب مواقفها، بل بتهمة الاتجار في المخدرات.

وفي غشت 2018، حُلت جمعية «جذور»، التي احتضنت نقاش «ملحمة العدميين»، الذي وجه خلاله صحافيون ونشطاء، ضمنهم عمر الراضي، انتقادات غير مسبوقة إلى المؤسسة الملكية، ولم يكن حلها بسبب الانتقادات التي وجهت إلى المؤسسة الملكية وشخص الملك، بل بمبرر أن الجمعية استضافت نشاطا خارج قانونها الأساسي.

وفي 2018، دائما، صدرت أحكام صادمة، بناءً على تهم سريالية، في حق الصحافيين حميد المهدوي وتوفيق بوعشرين، وقد قالت شخصيات سياسية وحقوقية وازنة إن الحكم عليهما لم يكن بسبب الدبابات أو الفتيات، بل بسبب الخرجات المحرجة للأول والافتتاحيات المزعجة للثاني.

لكن، في 2019، أصبح متحف الأمجاد الضائعة هو المكان اللائق بما قاله الرميد في 2015، عن أن «الملك أمر بعدم متابعة أي مواطن انتقده»، خصوصا بعدما أصبح التلاميذ يُعتقلون ويتابعون بتهمة المساس بالمقدسات، والإساءة إلى هيبة الدولة ورموزها ومقدساتها ومؤسساتها الدستورية.

من حق وواجب السلطة أن تخشى على صورة الملك من تزايد أعداد الناقدين والناقمين، لكن ليس الحل هو المقاربة الأمنية، أو، بعبارة أدق، التخويف. بل يجب سن مقاربة شاملة، تراعي، من جملة ما تراعيه، توازن السلط، بما لا يجعل المغاربة يشعرون بأن النيابة العامة والإعلام والقرار السياسي والاقتصادي في يد الأمن.

وفي هذا الصدد، دعنا نجهر ما يهمس به الكثيرون: هل من العادي أن تزحف مديرية مراقبة التراب الوطني على مجالات كانت، حتى العهد القريب، محفوظة للإدارة العامة للدراسات والمستندات؟ وبقدر ما نفتخر بما حققته «DST» من إنجازات للحفاظ على أمن المغاربة وحتى الأوروبيين، نتساءل:

هل كان ضروريا أن يُستقبل وزير الخارجية الأمريكي، مايكل بومبيو، من لدن عبد اللطيف الحموشي في مقر «DST»، وأن تعلن الخارجية الأمريكية، على موقعها الرسمي، أنها أقنعت المخابرات المغربية بخطر الصين؟ فمتى كان «خطر الصين» شأنا استخباراتيا؟

ختاما، أعيد، مرة أخرى، نقل ما سبق أن حكاه لي القيادي الاستقلالي، مولاي امحمد الخليفة، عما حدث عقب المحاولة الانقلابية ليوليوز 1971، فبعدما تُلي بيان الانقلابيين في الإذاعة، واعتقد الناس أن عهد الحسن الثاني قد ولىَّ إلى غير رجعة، اقتلع مُسيرا فندقين شهيرين بمراكش صور الحسن الثاني، وهشمها أحدهما بقدميه، فجرى تقديمهما للمحاكمة. ورغم وجود ملف محكم وشهود إثبات للوقائع، فإن المحكمة برأتهما.

وفي إحدى المناسبات، سأل الخليفة، الذي كان ينوب عن المتهمين، رئيس المحكمة، القاضي الراحل، محمد اللعبي، عن السر وراء الحكم، غير المتوقع، على موكليه بالبراءة، فأجابه: «ألم ينفِ المتهمان المنسوب إليهما أمام المحكمة؟ فلماذا نجعل التاريخ يحكي أنه كان هناك، يوما، من أساء إلى الملك؟». فهل مِن متعظ الآن؟

سليمان الريسوني

تنسحب 2019 دون أن تسحب معها آلامها وخيباتها. ومثل العجوز الشمطاء في الأساطير القديمة، كلما تقدم بها العمر أمعنت، أكثر، في إتيان أفعال شريرة؛ وحين تحس بدنوَّ نهايتها، توصد الأبواب على أطفالها، وترمي المفاتيح في البئر، وتغيب في السديم الغامض.

نقطة الضوء الوحيدة، في هذا السديم، هي التي انقشعت في الهزيع الأخير من عمر هذه السنة، بالإفراج عن زميلنا عمر الراضي. عدا ذلك، فإننا نودع عام «انتهى الكلام».

لقد أنهينا 2019 بثمانية اعتقالات، طالت نشطاء ومدونين احتجوا، بجرعات متفاوتة من الجرأة، على الأوضاع الاجتماعية والسياسية، عادة ما كان يقع التساهل مع مثلها في السنوات الأخيرة؛ أبرزها حالة الصحافي عمر الراضي، الذي خلف اعتقاله استياء واسعا حتى وسط شخصيات مقربة من مراكز القرار، خرجت تقول الآن إنها لا تفهم ما يحدث في أعلى البرج، ولا تعرف إن كان ساكنوه يعرفون أن نيران الغضب والاستياء تحاصره من كل الجوانب.

مع 2019، أصبحنا أمام أشخاص يتابعون بتهمة «الإساءة إلى شخص الملك» اعتمادا على الفصل 179 من القانون الجنائي الذي لم يقع تفعيله منذ دستور 2011. فكيف وصلنا إلى هذا؟

لنتتبع منحنى التعاطي الجنائي مع قضايا انتقاد المؤسسة الملكية، أو شخص الملك، في الأربع سنوات الأخيرة، ونقارن. في 2015، خرج وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، يقول إن «السياسة الجنائية التي نهجها المغرب لا تدع مجالا لمعاقبة شخص لأنه تحدث عن الملك»، وإن «الملك أمر بعدم متابعة أي مواطن انتقده، أو حتى تحدث عنه بسوء، لأنه لا يريد أن يقمع المغاربة، لكنه يريدهم أن يحترموه».

لكن الرميد نفسه سيقدم، نهاية السنة نفسها، تعديلات جديدة في القانون الجنائي، سيصادَق عليها في 2016، ستشكل خيبة أمل وسط الصحافيين والحقوقيين، المستقلين، خصوصا ما يتعلق منها بالعقوبات السالبة للحرية لـ«كل من أساء إلى الدين الإسلامي أو النظام الملكي، أو حرض على الوحدة الترابية»، حيث اعتبر ذلك تحايلا على قانون الصحافة والنشر، لجعل الطريق سالكا لمتابعة الصحافيين بمقتضى القانون الجنائي.

مع سنة 2018، ستعرف وسائل التواصل الاجتماعي تزايدا مطردا في عدد الذين أصبحوا يوجهون انتقاداتهم مباشرة إلى شخص الملك، بدل الحكومة أو السلطات، حيث سنشهد اعتقالات في حق أشخاص انتقدوا الجالس على العرش أو حملوه مسؤولية ما يجري أو أساؤوا إليه، إلا أن ما ميز هذه الاعتقالات أن المعنيين بها توبعوا بتهم أخرى لا علاقة لها بما قالوه عن الملك؛

فبعد نشر شريط البشير السكيرج المسيء إلى العائلة الملكية، في نونبر 2018، اعتقل الشخصان اللذان صورا ونشرا الشريط، وأدينا بسنتين حبسا نافذا لكل منهما، لكن ليس بتهمة السب أو المس بالحياة الخاصة للملك أو أعضاء الأسرة المالكة، بل بتهمة السرقة.

وفي دجنبر 2018، اعتُقلت عزيزة الحمري، التي حملت الملك مسؤولية هدم كاريان الواسطي بالدار البيضاء، وأدينت بسنة حبسا نافذا، لكن ليس بسبب مواقفها، بل بتهمة الاتجار في المخدرات.

وفي غشت 2018، حُلت جمعية «جذور»، التي احتضنت نقاش «ملحمة العدميين»، الذي وجه خلاله صحافيون ونشطاء، ضمنهم عمر الراضي، انتقادات غير مسبوقة إلى المؤسسة الملكية، ولم يكن حلها بسبب الانتقادات التي وجهت إلى المؤسسة الملكية وشخص الملك، بل بمبرر أن الجمعية استضافت نشاطا خارج قانونها الأساسي.

وفي 2018، دائما، صدرت أحكام صادمة، بناءً على تهم سريالية، في حق الصحافيين حميد المهدوي وتوفيق بوعشرين، وقد قالت شخصيات سياسية وحقوقية وازنة إن الحكم عليهما لم يكن بسبب الدبابات أو الفتيات، بل بسبب الخرجات المحرجة للأول والافتتاحيات المزعجة للثاني.

لكن، في 2019، أصبح متحف الأمجاد الضائعة هو المكان اللائق بما قاله الرميد في 2015، عن أن «الملك أمر بعدم متابعة أي مواطن انتقده»، خصوصا بعدما أصبح التلاميذ يُعتقلون ويتابعون بتهمة المساس بالمقدسات، والإساءة إلى هيبة الدولة ورموزها ومقدساتها ومؤسساتها الدستورية.

من حق وواجب السلطة أن تخشى على صورة الملك من تزايد أعداد الناقدين والناقمين، لكن ليس الحل هو المقاربة الأمنية، أو، بعبارة أدق، التخويف. بل يجب سن مقاربة شاملة، تراعي، من جملة ما تراعيه، توازن السلط، بما لا يجعل المغاربة يشعرون بأن النيابة العامة والإعلام والقرار السياسي والاقتصادي في يد الأمن.

وفي هذا الصدد، دعنا نجهر ما يهمس به الكثيرون: هل من العادي أن تزحف مديرية مراقبة التراب الوطني على مجالات كانت، حتى العهد القريب، محفوظة للإدارة العامة للدراسات والمستندات؟ وبقدر ما نفتخر بما حققته «DST» من إنجازات للحفاظ على أمن المغاربة وحتى الأوروبيين، نتساءل:

هل كان ضروريا أن يُستقبل وزير الخارجية الأمريكي، مايكل بومبيو، من لدن عبد اللطيف الحموشي في مقر «DST»، وأن تعلن الخارجية الأمريكية، على موقعها الرسمي، أنها أقنعت المخابرات المغربية بخطر الصين؟ فمتى كان «خطر الصين» شأنا استخباراتيا؟

ختاما، أعيد، مرة أخرى، نقل ما سبق أن حكاه لي القيادي الاستقلالي، مولاي امحمد الخليفة، عما حدث عقب المحاولة الانقلابية ليوليوز 1971، فبعدما تُلي بيان الانقلابيين في الإذاعة، واعتقد الناس أن عهد الحسن الثاني قد ولىَّ إلى غير رجعة، اقتلع مُسيرا فندقين شهيرين بمراكش صور الحسن الثاني، وهشمها أحدهما بقدميه، فجرى تقديمهما للمحاكمة. ورغم وجود ملف محكم وشهود إثبات للوقائع، فإن المحكمة برأتهما.

وفي إحدى المناسبات، سأل الخليفة، الذي كان ينوب عن المتهمين، رئيس المحكمة، القاضي الراحل، محمد اللعبي، عن السر وراء الحكم، غير المتوقع، على موكليه بالبراءة، فأجابه: «ألم ينفِ المتهمان المنسوب إليهما أمام المحكمة؟ فلماذا نجعل التاريخ يحكي أنه كان هناك، يوما، من أساء إلى الملك؟». فهل مِن متعظ الآن؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد