الرائدة في صحافة الموبايل

أنا متضامن مع الإيغور وماذا بعد؟

زكريا العزوزي

ونستون تشرشل يقول: ” يعيد التاريخ نفسه لأن الحمقى لم يفهموه جيدا”.
استحضرت هذه المقولة مؤخرا حينما ذاع وانتشر بين الشباب وبعض السلفيين مقولة: (أنا متضامن مع الإيغور)، وهي كلمة حق لاغبار عليها وليست محل كلامي أصالة، فالإيغور شعب مسلم ومايضره ويؤذيه يضرنا ويؤذينا كذلك.
ولكن الذي أريد أن أشير إليه هو أن كثيرا من المقولات والدعاوى يكون لها هدف سياسي ما، ترجع مصالحه لجهة ما، قد تكون معلومة للبعض وقد تخفى عن البعض الآخر.
وليتضح هذا لابد أن نرجع لما يقارب جيلا وربع جيل من الزمن للوراء، وبالضبط لسنة 1979م، وهي السنة الفعلية التي احتل فيها (الجيش الأحمر الذي لايقهر) دولة أفغانستان المستقلة.
كان السبب وراء احتلال السوفيات لأفغانستان موضع نقاش كبير، وكانت دائما الإجابة الأسهل وهي الهدف الذي راود الروس لقرون بالوصول إلى المياه الدافئة، تتصدر جميع النقاشات، ويمكننا أن نقرأ الاستراتيجية السوفيتية على أنها محاولة لفك طوق الولايات المتحدة في جنوب آسيا.

في خضم هذه الأحداث لم يكن للشعب الأفغاني من سبيل غير المقاومة ضد المحتل الأجنبي الذي يريد تبديل الدين والمعتقد (كسابقه البريطاني) وهذا امر فطري وكوني وحق طبيعي لكل شعب اعتاد على الاستقلال والحرية.
لا سيما أن لديهم خبرة في مقارعة القوات الأجنبية بغض النظر عن مدى قوتها ومحاربتها على أرضهم الوعرة من الشمال حتى الجنوب. فهم يعرفون كيف يطيلون الحرب ويستنزفون العدو حتى تحقيق الغلبة عليه.

فوجدت أمريكا ودول الرأسمالية الفرصة الذهبية للقضاء على العدو المنافس الشيوعي الدب الأحمر وإستنزافه حتى يخرج متآكلا مليئا بالجراح ومثقلا بالخسائر المادية والمعنوية، وبالضبط هذا الذي حصل رغم أنف تعجرف وعناد الدب الأحمر، قامت أمريكا وحليفتها باكستان باحتضان المقاومين الأفغان ودعمتهم بكل مايلزم لاستنزاف الجيش الأحمر والقضاء عليه.. فصدرت مجموعة من الرموز والشخصيات وروجت لهم في الإعلام الدولي والمحلي على أنهم المقاومين الأبطال الشجعان أصحاب الراية البيضاء والمبادئ النبيلة..أمثال أحمد شاه مسعود وحكمتيار وعبد رب الرسول سياف وبرهان الدين رباني وغيرهم.. شكلوا الوية و كتائب ومجموعات عسكرية خاضت غمار المعارك الشرسة ضد الاحتلال السوفيتي دامت قرابة 9 سنوات خرج منها الجيش الأحمر يجر خلفه ذيول الهزيمة النكراء أمام مقاومة بدائية مزدراة من قبل القوى العظمى.! وذلك بدعم وتدفق أموال دول الخليج العربي بإيعاز من الولايات المتحدة الأمريكية وتسيير منها.

مع بدء الحرب السوفيتية الأفغانية، دخلت مفاهيم مثل “الجهاد” و”المجاهدين” إلى التداول بمساهمة كبيرة وفاعلة من وسائل الإعلام الدولية.

لقد كانت هذه المفاهيم خاصة بالشعب الأفغاني، وعممها لإيجاد وعي في العالم الإسلامي ضد الاحتلال “الشيوعي”. وبعد نهاية الاحتلال السوفيتي لأفغانستان..1989م لم تنتهي معاناة الشعب الأفغاني بل دخلت تلك الكتائب والمجموعات في صراعات داخلية لأجل السلطة والمال فاستغل الغرب ذلك فقرب بعضهم وأبعد البعض الآخر ودخلت البلاد في حرب أهلية عمقت الجراح وجرت شيطنة تلك المفاهيم من قبل وسائل الإعلام الدولية نفسها التي روجت لها.

جرى في هذه المرحلة تشجيع الشبان المسلمين، لا سيما من دول الخليج وباقي البلدان العربية، من أجل الذهاب إلى أفغانستان والمشاركة في الحرب، انضم مئات بل آلاف الشباب إلى الجهاد الأفغاني.

“استشهد” بعض هؤلاء الشباب في أفغانستان. وعاد بعضهم إلى بلدانهم بعد انتهاء الحرب، لملاقات مصيرهم (السجون) فيما توجه البعض الآخر إلى مناطق صراع أخرى. أما من بقي في أفغانستان فجرى تصفية قسم كبير منهم، في إطار حملة القضاء على حركة طالبان في أفغانستان التي قادتها القوات الأمريكية وقوات الشمال.
قد يقول قائل أن المعركة كانت بين الشعب الأفغاني المسلم والعدو الشيوعي الكافر هذا صحيح ولكن المنتصر الوحيد والمستفيد الأكبر هم الامريكان… أما الشعب الافغاني لاتزال معاناته قائمة وعميقة حتى الآن فرج الله كربتهم…

في النهاية إتضح أن العرب المسلمون( تيارات وكيانات) ماهم إلا خيول وبغال وحمير تم إمتطاؤها من قبل الغرب الرأسمالي للقضاء على الدب الأحمر وتفكيكه ومن ثم رجع إلى (خيوله وبغاله وحميره)فذبحها وشردها واحدة تلو الأخرى بذرائع مختلفة غير مبالي بخدماتهم وبطولاتهم ويادار مادخلك شر.!
قد يقول قائل وماعلاقة هذا بإخواننا الإيغور المعتدى عليهم..الخ

أقول : أن مظلمة الشعب التركستاني ليست جديدة بل هي قديمة مثلها مثل مظلمة الشعب الافغاني، ولايحل أزمتها حمل السلاح فحسب بل يزيدها ضرر وتوضيح ذلك يحتاج وقت خاص، ولكن من حسن الحظ أن محاورها شبيهة بقضية الأفغان تنافس (شيوعي إشتراكي مع ليبيرالي رأسمالي) وقوده المسلمون والعرب الجهاديون… قبل سنوات جمعني لقاء بأحد الإخوة من قادة الإيغور المجاهدين في الشام فدار نقاش بيننا عن مسألة الصين وتحرر تركستان من القبضة الشيوعية الصينية…فقال أنهم حينما كانوا محتجزين في تايلاند وهم في طريقهم إلى ماليزيا أندونيسيا كانت تأتيهم شخصيات ديبلوماسيةأمريكية رفيعة المستوى تعرض عليهم الدعم والمساعدة لاعلان الجهاد والتحرر من قبضة الصين الشيوعية بدل ذهابهم إلى تركيا أو سوريا !

لا أعني التخلي عن المسلمين وقضاياهم ولكن ماهكذا تورد الإبل.

العاطفة المنفصلة عن العقل تسمى جنون وتضر أكثر مما تنفع فتنبه رضي الله عنك.

لا أريد أن أدخل في كثير من التفاصيل فهذا يطول ولكن السؤال هل الأمريكان تهمهم قضايا المسلمين ومعاناتهم .؟
هاهم محتلين أفغانستان منذ تسعة عشر سنة ماذا فعلوا بها هل زرعوا الورود وبنوا الحضارة أم أهلكوا الحرث والنسل .؟!
ومن بعدها العراق ثم سوريا ولا نعلم دور من قادم،! ماذا استفادت الشعوب غير الخراب والدمار .؟
وعليه فلاغرابة أن تر مشيخات وعمائم ولحى وجلاليب تدعوا للجهاد والنفير والنصرة لقضية “إخواننا الإيغور” ضد الشيوعيين من جديد بإيعاز ومباركة من “الصهاينة” العرب والعجم على رأسهم راعية الديمقراطية وحقوق الإنسان وقضايا العنف، الولايات المتحدة الأمريكية.!

على غرار الأحداث الأفغانية والعراقية والسورية…
قالت العرب قديما : وعند جهينة الخبر اليقين
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال 《لايلدغ المؤمن من جحر مرتين》

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد