الرائدة في صحافة الموبايل

مطرح النفايات “مديونة”..كارثة إيكولوجية وصحية تهدد ساكنة مدينة الدار البيضاء والمناطق المجاورة.

عبدالعالي الطاهري – دنا بريس

عندما أقدم المجلس الجماعي للدارالبيضاء، نهاية سنة 2018، على فسخ العقد من طرف واحد مع شركة «إيكوميد» المفوض لها تدبير وتأهيل مطرح النفايات بمديونة،وهو العقد الممتد بين 2008 و2026، سبق لعمدة مدينة الدار البيضاء، عبد العزيز العماري، أن أكد في تصريح صحفي آنذاك، أن الشركة المذكورة «لم تلتزم بأهم بنود عقد التدبير الخاص بإعادة تأهيل المطرح القديم، من حيث وضع شبكة للتجميع ونقل ومعالجة النفايات وفق المعايير العلمية والتقنية المعروفة وكذا شبكة تجميع ومعالجة الغازات الحيوية المحصلة من الأزبال».

ردُ الرئيس المدير العام لشركة “إيكوميد” أحمد حميدي،في هذا السياق،كان ردا بمعطيات علمية وتقنية،حيث أكد في حينه أن سبب وصول الملف إلى النفق المسدود،جاء نتيجة تعنت المجلس الجماعي للعاصمة الاقتصادية،التي رفضت،حسب قوله،الرد على رسائل الشركة ومقترحاتها،سواء تعلق الأمر بتدبير المطرح الجديد والتركيبة المالية للاستثمار به (112 درهما للطن)،أو تعلق الأمر بالإفراج عن المتأخرات المالية التي وصلت حتى نونبر 2018، 260 مليون درهم أي 26 مليار سنتيم،وهو النزاع الذي تمت تسويته بتدخل وإشراف مباشر من وزارة الداخلية.

وهو الملف القانوني الذي اتهم فيه الأمريكيون (الشركة الأم)،في وقت سابق،مجلس مدينة الدارالبيضاء بإخلاله بالتزاماته المحددة في العقد الموقع سنة 2008،والذي يخول لشركة “إيكوميد” استغلال المطرح القديم بصفة مؤقتة وبموازاة ذلك القيام بأعمال التهيئة والعمل لاحقاً على تصميم وإعداد وتمويل مطرح جديد على مساحة 82 هكتارا،لكن مجلس المدينة لم يوفر الأرض التي سيقام عليها المطرح الجديد.

وقد سبق لأحمد حميدي الرئيس المدير العام لشركة ” إيكوميد” أن أكد أن “ما يعني الشركة هو الالتزام بواجباتها المتَضَمَنة في العقد على المستويين التقني والتدبيري،وتنزيلهما على أرض الواقع بما يستجيب للمواصفات العالمية المعمول بها في مجال معالجة النفايات بشتى أصنافها،الصلبة منها والسائلة،وتوليد الطاقة وتثمينها،مؤكدا في ذات الإطار أن شركة “إيكوميد” لم تكن ولن تكون يوما معنية بالحسابات السياسية أو الانتخابية أو تدبير الصفقات خارج الإطار القانوني ومنهج الشفافية والوضوح،وهو مرجعيتها (الشفافية والوضوح) الذي يجمعها مع جميع شركائها على المستويين الوطني بالمغرب والدولي،وهو زيادة تأكيد على مهنيتها العالية تدبيريا و تقنيا وعلميا”،متسائلا في ذات التصريح الصحفي: كيف يعمد المجلس الجماعي لمدينة الدارالبيضاء إلى تحويل الأرض التي كانت مخصصة للمطرح الجديد إلى مشروع سكني خاص بإعادة إسكان قاطني دور الصفيح،والتأخر حتى سنة 2016 لإيجاد عقار تبلغ مساحته ثلث المساحة المتفق عليها حسب الوارد في العقد،حيث أصبحنا أمام مساحة 35 هكتارا بمنطقة المجاطية،عوض 82 هكتارا التي كانت مبرمجة كالتزام قانوني تعاقدي من طرف مجلس مدينة الدارالبيضاء،وهو المُعطى الذي أدخل الشركة في حلقة مفرغة ودوامة من المشاكل والخسارات المالية التي بلغت حتى تاريخ فسخ العقد من طرف جهة واحدة (المجلس الجماعي للدارالبيضاء)،بلغت حوالي 750 مليون درهم أي 75 مليار سنتيم.

جاء بسط هذه المعطيات التي سبق وأن تدوولت على مستوى الرأي العام الوطني وداخل مختلف الأجهزة التقريرية محليا ومركزيا،خاصة المعنية منها بملف أكبر مطرح للنفايات بالمغرب،ألا وهو مطرح “مديونة”،جاء ذلك لطرح آخر النتائج الكارثية التي ترتبت عن فسخ العقد الذي جمع بين المجلس الجماعي للدارالبيضاء وشركة “إيكوميد”،من طرف واحد ودون سابق تبليغ أو ما يبرر ذلك من طرف المجلس المذكور،وأولى هذه التبعات هو استمرار استقبال نفايات الدارالبيضاء في نفس المطرح الحالي (المطرح القديم)،الذي بدأ العمل به بصفة عشوائية منذ سنة 1986،وهو المطرح الذي وصل إلى حده الأقصى على مستوى طاقته الاستيعابية منذ حوالي 10 سنوات،وجراء هذا الاستغلال غير المعقلن، ظهرت مجموعة من التأثيرات البيئية السلبية على محيطه،خاصة على ساكنة الأحياء المجاورة جراء سيول العصارة الملوثة والتي تسببت،بعد هطول الأمطار الأخيرة،في غلق الطريق المحادية المؤدية إلى المدينة الخضراء وغابة بوسكورة،هذا علاوة على الغازات السامة وأدخنة الحرائق التي يحدثها النباشون (البوعارة) بُغية استخراج أسلاك النحاس والحديد عن طريق الحرق،وهو ما يفند رواية المجلس الجماعي للدارالبيضاء القائلة بكون الأمر يتعلق ب “الحرائق الذاتية” وكونها السبب وراء الروائح والأدخنة المنبعثة من مطرح مديونة..!!

وفي ما يخص الفرشة المائية، فقد أكد السيد آيت أوعدي الخبير في مجال معالجة النفايات والتثمين الطاقي،مدير الاستغلال السابق لمطرح النفايات “مديونة”،أنها أصبحت جد ملوثة نتيجة اختلاطها بعصارة النفايات المحملة بالمعادن الثقيلة والمواد الكربونية والآزوتية ،الشيء الذي يجعل من هذه المياه غير صالحة للاستهلاك البشري ولا الحيواني أو حتى كمياه لسقي الأراضي الفلاحية،خاصة أن جميع هذه المواد الملوثة هي بالأساس تحتوي مواد مسرطنة بدرجات تركيز جد عالية.

المجلس الجماعي لمدينة الدارالبيضاء أمعن في مزيد من سياسة الارتجال في هذا القطاع الحساس،خاصة بعد تسليم تدبير أكبر مطرح للنفايات بالمغرب لشركة محلية بأطر ومستخدمين لا تجربة ولا خبرة لهم في مجال معالجة النفايات وتثمين الطاقة،بل جل خبرتهم تنحصر في قطاع النظافة،ويتعلق الأمر بشركة الدارالبيضاء بيئة Casa Environnement ،حيث قامت هذه الشركة المحلية بإعداد مساحة أرضية في حدود 11 هكتارا،وهي المساحة التي لن تكفي إلا لسد خصاص سنة واحدة ققط،وهو ما لايعتبر حلا عمليا ولا مُمأسساً.

والسؤال: كيف يمكن تدبير قطاع بهذا الحجم على مستوى أكبر مدن المملكة،المدينة المليونية،بخطط ترقيعية لارؤية تقنية أو علمية تحكمها ،وكيف لحوض مُعَد لطمر النفايات ذي سِعة سنة واحدة ومعمل فترة عمله لا تتجاوز الثلاث سنوات خُصص لحرق نفايات الدارالبيضاء الكبرى،أن تحل معضلة ذات طبيعة استراتيجة وليس مشكلا ظرفيا أو مرحليا؟!

هذا الواقع،يضيف الخبير في الشأن البيئي ومعالجة وتثمين النفايات،السيد عبدالله آيت أوعدي،جاء أيضا وعلاوة على الأسباب والعوامل السالف عرضها،نتيجة إهمال مجلس مدينة الدارالبيضاء لتوجيهات ومعطيات الدراسة التي تضمنها المخطط التوجيهي(المخطط المديري لتدبير النفايات)،والتي تمَّ إنجازها تحت إشراف ولاية جهة الدارالبيضاء- سطات والعمالات التابعة لها،وقد أكد هذا المخطط على ضرورة اختيار بقعتين أرضيتين ،بكل من إقليم برشيد وإقليم المحمدية،دون أن يقوم المسؤولون المعنيون بمتابعة تنزيل باقي مراحل هذا المخطط على أرض الواقع،خاصة الدراسة الإيكولوجية التي تسبق أي تنفيذ لهذا النوع من المشاريع،والمتعلقة بالأساس بدراسة تهُم التأثيرات البيئية للمناطق المخصصة للمطرح أو مطارح النفايات على محيطها السكاني والبيئي،ما يجعل اختيار مكان إعداد المطرح يخضع للمعايير التقنية والعلمية والمواصفات المعتمدة عالميا في هذا الإطار.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد