الرائدة في صحافة الموبايل

لماذا أكتب ؟!

نادية الصبار إعلامية وكاتبة رأي

كثيرا ما شغل بالي سؤال بسيط في تركيبته مركب في بنيته و متشعبة دلالاته ؛ ” لماذا أكتب ؟!” … سؤال بات مؤرقا بل حائلا بيني و بين الكتابة ، يسبق حروفي المبعثرة منها و المرتبة ، يتسلل فيتربع على ورقتي البيضاء و يكتسح أكبر مساحة و يطرح نفسه للسؤال و يطلب التحليل و المناقشة ، فالجواب عنه أو محاولة الجواب ؛ لا محالة باعث لما أكتب و مبرر شرعي له .

لماذا أكتب !؟

سؤال محير فعلا و الجواب عنه محير أكثر و الخوض فيه مجازفة و ركوب مركب بلا مرفأ . فأحاول تجاوزه عمدا حتى لا تصدأ الجعبة و ينضب المداد . فثمة أجوبة تتراءى لي دون أن تظهر ، و كأنها رؤى ليل تحتاج لمن يفسر الأحلام و يحيل الرائي لتأويل رؤياه … لعلي أكتب للتنفيس ؛ فكثر هم يكتبون لأن الكتابة ملاذهم الأول و الأخير و الملجأ الذي يقصدونه للهروب من واقع مليء بالمتناقضات لعالم المثل و الممكنات … فالكتابة رئتي الثانية التي أطرح من خلالها ثاني “اوكسيد الكاربون” الذي يفسد الحياة ، بل إنه “الادرينالين” الذي يساعدني على البقاء و الاستمرار و التعايش مع كل هذه المتناقضات . فقد أكتب لألبي رغبة جامحة لازمتني منذ الصبا ، فما إن تمكنت من لغة الضاد حتى صارت حروف الهجاء من ألف إلى ياء تتراقص بدواخلي فتثير الصخب ، تشاكسني و تعاكسني و تلاعبني على بياض الورق ، تبعثر هدوئي ، توقظني ، تجبرني على عصيان العالم و من حولي طاعة لإلهة الحرف و ربة الإلهام ، تجبرني على أن أتبرم من كل شيء من أجل هذا الشيء. و حينها أكتب ؛ و برغم المرارة و الأرق قد أسعد … و سرعان ما تتحول الرغبة في إسعاد الذات الكاتبة لإسعاد ذوات أخرى ، و هنا يصير الكاتب كالارجوز الحاوي الذي يلعب على الحبلين محاولا أن يكتب النص مرتين؛ مرة ليخلص لذاته و مرات ليخلص لذات المتلقي. وهنا تجد الذات الكاتبة نفسها بالمحك ، فهل تنتصر لذاتها أم للآخر ؟! و لو أني أرى أنه ما من إخلاص للآخر إلا عبر الإخلاص للذات ، لأن الكتابة بالأصل سفر جواني ؛ و بقدر الشفافية في نقل تفاصيل هذا السفر بقدر نجاح العمل ووصوله لقلوب المتتبعين . و مادامت الكتابة انتصارا للأنا و الذات فإنها قد تزيغ إذا ما استحوذ على صاحبها غرور الإحساس بصفة الكاتب ، فتصير الكتابة لصيقة بصاحبها في نظر من يكتب و في نظر الآخرين ، فتصطاده شباك الشهرة قل حجمها أو صغر ؛ إما أن تخلص للذات الكاتبة فلا تكتب إلا إن حضر الإلهام و ربة الإلهام و الإبداع، أو تغيب عن عوالم الكتابة كلما غاب الإلهام و ضاع طريق المعبد و التعبد. أو تفتعل الكتابة فترضي غرورها و توجهه لللمتلقي و كأنك تقول ها أنا ذا أكتب ، فتأخذ القلم جبرا و المداد هدرا و تفتعل نصوصا قد تبدو جيدة متسقة من حيث الظاهر و غير متجانسة حد الهجانة ؛ فيغيب عنها الحس و يضيع سؤال الكتابة :” لماذا نكتب ؟!”

هذا عن كتابة الحدوس و ماذا عن ما أكتبه بمجال الإعلام و لما الإعلام الثقافي ؟!

لما ركوب الصعب ، فهل الحقل الثقافي ملاذي و فيه أروي عطشي و فيه أجد ضالتي … هل لأني أعيش من خلاله دور المثقف المتتبع حينا و المتفاعل حينا آخر ، هل أخفي فيه عورتي إذ لا أستطيع أن أعيش دور المثقف العضوي حسب الفيلسوف “غرامشي” و لا أقبل بدور المثقف التقليدي ، أم هو محاولة لكشف عورات الثقافة ببلدي ؟! أنى لي ذلك … وجدتني في كثير منها لا ألعب إلا دور المزينة فأزين من خلال مقالاتي كل لقاءاتي . لماذا علينا أن نضع الزينة و نرفع كل آلاء الجمال و الجلال . لماذا لا نقرأ الأحداث بصورة معكوسة ؟! لماذا نضع الطلاء و كاتم العيوب وكثيرا من المراهم ؟! لماذا أقلامنا مغلولة إلى أعناقنا تجعلنا نمارس إعلاما بدون رسالة ؟!

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد