الرائدة في صحافة الموبايل

قراء في كتاب Alfred bel: “الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي من الفتح العربي حتى الآن”، الفصل الثاني من الكتاب الأول، “الفتح العربي وقيام الإسلام السني في شمال أفريقية”(ج3والأخير)

د. محمد حماس

  • يمكن اعتبار كتابات ألفرد بل غير موضوعية، لأنها تجانب الصواب في كثير من الأحيان وتقدم المغالطات بخلفية تكن للأمازيغ والمسلمين بغضاء مضمرة. فكان هذا سببا لتقديم قراءة في الكتاب الذي بين أيدينا، ثم لأن هذه الكتابات، أي كتابات المستشرقين غزيرة ومادتها العلمية وفيرة، لكنها تبقى محط تشكيك لأنها تجانب الموضوعية في الكثير من الأحيان، خاصة إذا تعلق الأمر بالشأن التاريخي والعقيدة. وهذا لا يرفع عنها صفة العلمية والأكاديمية، خاصة في مجال العلوم الأخرى، إذ كبير الفضل يعود للمفكرين والأدباء الغربيين كل في مجال تخصصه. وقد ترجم هذا الكتاب الكاتب عبد الرحمن بدوي المتميز بغزارة إنتاجه، خاصة في مجال الترجمة، وهو أستاذ الفلسفة الميال للوجودية كما جاء بها مارتن هايدجر، حسب رأي العديد من المتتبعين لكتاباته.

ثم إن كتابات المستشرقين لا تلقى كبير متابعة لأجل التمحيص والتدقيق والتصحيح، كي لا تعتمد بما تحتويه من مغالطات، علما أنها واسعة الانتشار ومتوفرة بربوع البلدان الإسلامية.

وفي تاريخ ابن خلدون، بمناسبة الكلام عن مملكة نكور (بلدة في الريف ببلاد غمارة) (كتاب العبر، ابن خلدون، ج 6 ص 439 وما بعدها. طبعة بيروت سنة 1959، نشرة دي سلن ج1 وما يتلوها، الترجمة الفرنسية ج 2 ص 137 وما يتلوها)، يتحدث عن فتح بلاد المغرب ومدد الخلفاء لهم بالجيوش للمحاربة الأمازيغ. يضرب مثلا بصالح بن منصور الحميري الذي استخلص نكور لنفسه بمباركة الوليد بن عبد الملك، فنشر الإسلام وجمع حوله قبائل غمارة وصنهاجة .. لكن بعد أن ثقلت عليهم (قبائل غمارة وصنهاجة) الشرائع والتكاليف، ارتدوا وخلعوا صالحا ووللوا الرندي قبل أن يتوبوا ويرجعوا صالحا مرة أخرى (و هي معلومات استقاها ابن خلدون عن البكري – الجغرافي من كتاب “الممالك والمسالك” ط2 ص91/92)، فقتلوا الرندي، وبعد أن مات صالح تولى أمرهم ابن المعتصم بن صالح (أمه أمازيغية)، وبعده أخوه إدريس الذي اختط مدينة نكور دون أن يكملها، واستفحل أمره وكان ينزل بتمسمان … هذه الروايات تبين نشأة الجزر الإسلامية بالشمال الإفريقي وكيف أن الأمازيغ لم يلتزموا بقواعد الدين الشرعية، مما يدل على عدم إتقانهم للعربية.. والظاهر أن الأمازيغ لم تكن لهم سمعة طيبة في مصر والشرق الإسلامي، وقد نجم عن هذا كراهية كبيرة من أهل السنة تجاه الأمازيغ في القرنين 2 و3 الهجريين (8 و9م) بل أن بعضا من علماء البربر أنكروا نسبهم الأمازيغي ومتعلقين بالنسب العربي أمثال بهلول وإبراهيم بن العربي وغيرهم، وهو ما يمكن تفسيره بكون الأمازيغ انتشرت بينهم الخارجية (المذهب الخوارج) في ق 2 هـ – 8م .. كلام ألفرد بل هذا فيه تحامل على الأمازيغ بسبب تفشي الذهب الخارجي بينهم، فهو يقدم أحكام قيمة، الشيء الذي يفقده مصداقية الباحث …

وصل رجال الدين إلى المنطقة لنشر الدين وتعاليم الإسلام منذ العصر الأموي  فــ (Vondorheyden) يؤكد أن البدء الفعلي لتعلم الإسلام كان مع عمر بن عبد العزيز،717م/720م، الذي أرسل جملة من الدعاة المعلمين العرب  ليفقهوا الناس في الدين، جاؤوا من المشرق ومصر، ثم انطلق الأفارقة نحو الشرق لطلب العلم (أسد بن فراة وابن غانم … ) وعادوا إلى موطنهم ليعلموا الناس .. وفيما بعد سيكون المذهب السني وغيره من المذاهب أساسا لحركات سياسية كبيرة. كما الشأن بالنسبة للخوارج (بداية ق2هـ/8م)، ثم عند الفاطميين الذين سيضمون منطقة القبائل الجبلية ويقضون على المذهب السني (ق3هـ/9م) وعلى حكومة القيروان الأغالبية. ومع عبد الله بن ياسين ذو المذهب المالكي السني، الذي علم طواق الصحراء الدين باسم زعماء لمتونة وأعدهم لغزو المغرب في النصف الأول من ق2هـ … ثم في ق6هـ/12م، سيقوم ابن تومرت بنفس الفعل …

هكذا فالمحاولات الأولى لنشر الإسلام بين الأمازيغ من طرف العرب، أوجبت ضرورة تعليمهم علوم الدين واللغة. فلم يكن هناك إلحاح لتعليم أصول الدين، بل الشعائر الدينية فقط. فكان الداخلون إلى الإسلام يرسلون أولادهم إلى الكتاب لحفظ القرآن ويكتبون الآيات على الألواح كما الحال إلى اليوم .. وكان المعلم يأخذ أجر تحفيظ القرآن لتلاميذه، وكذا شرب الماء المستعمل في غسل اللوح اعتقادا من التلميذ أنه يملك تلك الحروف القرآنية..(راجع “رياض النفوس” للمالكي، ترجمة موجزة في R.E.I   سنة 1935 / الكراسة 2)  

أما التصوف فقد كان له ممثلون مشارقة في المغرب وله أتباع من الأمازيغ منذ وقت مبكر، ولنا أن نتصور حياة الزهد كيف عاشها الأمازيغ آنذاك (العالم بهلول بن راشد / توفي سنة 183هـ / 799م بالقيروان)  (انظر كتاب “طبقات علوم أفريقية” لصاحبه أبو العرب ق3هـ). 

كما أن [الرباط] كان له دور في نشر الإسلام، والتي انتشرت بكثرة خلال ق3 و4 و5هـ. وكان أول رباط سنة 180هـ/796م، ورباط سوسه سنة 206هـ/821م … ثم ما يعرف بالموناستير وهو يذكرنا بالمونستيريوم المسيحي). من هنا فدور الرباط كان لنشر الدين ولتحصين البلاد من هجوم النصارى وهداية البر الأمازيغ المنشقين (كما حصل مع برغواطة على الساحل الأطلسي لما انتشرت البدع). ثم ملجأ للمسلمين هربا من العدو. وكان بمثابة دير يحيى بداخله شيخ زاهد وأتباعه حياة التقوى وتلقي تعاليم الإسلام. فدور الرباط كان يتحدد بالقائمين عليه، فجاء دوره عسكريا أكثر منه دينيا أو العكس. وبداية من ق5هـ/11م، مع تغير الأحوال الحربية والسياسية للبلاد ونفاذ الإسلام في المنطقة تغير وجه المشكلة الدينية بقبول أهل السنة بالتصوف،  فتحولت الربط/الرباط إلى خانقاه (دير) للدين ـ رغم احتفاظها بالدور الجهادي ـ وتحولت إلى “زاوية” (مقام للمنقطعين لعبادة والزهد والمجاهدات الصوفية). في هذه الربط كان الناس يطلبون البركة منذ عصر البكري الجغرافي). هذا الطابع الصوفي سوف يستمر في النمو في القرون التالية (موضوع الكتاب الثالث لألفرد بل).

الرباط هو مقام للتقوى (كما أورد اليعقوبي الجغرافي ق3هـ – 9م) تطور فيما بعد واتخذ طابعه الديني، حيث ابتعد عن الثغور، مثل الرباط الذي انطلق منه المرابطون لغزو نهر صنهاجة في ق5هـ، أو الذي دفن فيه أبو مدين التلمساني في ق6هـ … أما في القرنيين 10 و11 الهجريين سيصعب التمييز بين الرباط والزاوية، هذه الأخيرة أصبحت مركزا للتوسع وانتشار الإسلام والتصوف والمرابطة والشريفية، من أجل حشد أمازيغ الغرب ضد النصارى والبرتغال على سواحل مراكش. ومهما يكن فالرباط شأنه شأن المسجد والمدينة كنواة لنشر الإسلام بين الأمازيغ.

أما تعليم الدين، ففي المدن كان أسهل بسبب وفرة المعلمين وإقبال أهلها على الإسلام أفضل من أهل الريف والأمر مردود عليه، لأن العكس هو الصحيح، هذا إن كانت هناك فعلا تعليم ديني في تلك الفترة … وهذا ما ساد على نشر المذهب السني، بحيث أن العرب استقروا في أفريقية (تونس) وهي أرض يسكنها مدنيون تعودوا حياة المدنية منذ عهد الفينيقيين والرومان. ثم إن الناس، الأمازيغ أو عربا كانوا يحترمون ويقدرون الفقهاء والعلماء.

رغم هذا فقد مر قرن من الزمن قبل أن تظهر ـ في صفوف البربر ـ الآثار المحسوسة لتدريس العلوم الدينية. ففي إفريقية(تونس) السنية كان الجهل بالعقيدة الإسلامية إلى مجيء الأغالبة (800 هـ) ونفس الشيء بالنسبة للمغرب الأقصى إلى غاية مجيء إدريس (راجع “القرطاس” ص15. طبعة فاس). أما المغرب الأوسط (عاصمته تاهرت) فقد نجح العلماء الإباضيون في نشر الإسلام هناك، حيث ساد مذهب الخوارج  منذ النصف الثاني من ق2هـ، والذي كان مقبولا لدا الأمازيغ. 

وفي القرن 3هـ عم الإسلام بلاد الأمازيغ، وتمكن كثير منهم من اللغة العربية (سكان ضواحي المدن الكبرى: فاس وتلمسان في الغرب، وتاهرت في الوسط، والقيروان وتونس في الشرق)، زد على هذا توافد العلماء المشارقة على كبريات المدن، فتونس كانت مرتبطة بمراكز الدراسات الإسلامية الكبرى في مكة والمدينة والحجاز والشام والعراق … في عهد الأغالبة، (راجع هنا كتب الأخبار والتراجم المتعلقة بهذه الفترة). ثم (كتاب “بنو الأغلب” لصاحبه ديردهايدن، حيث يتحدث عن المناقشات الحادة في التوحيد والفقه بين النقليين وبين أصحاب النزعات العقلية في المشرق والتي وجدت صداها في المغرب(أفريقية بالخصوص). هذه المناقشات تناولت تحديد الأحكام الفقهية والعقائد الكبرى مثل: – ماهية الله وصفاته – هل القرآن مخلوق أم قديم ــ الجبر والاختيار ..الخ .. وذلك بالاستناد إلى تفسير للأصول (القرآن والحديث) تفسيرا حرفيا أو تأويلها مجازيا …. وفي المغرب كما في المشرق انتصر النقليون على العقليين. 

هذه الناقشات والجدل الديني أذكت حماسة العلماء الأمازيغ وزادتهم تشبعا وتشبثا بالدين وتعلقا بالأمور الشكلية.

من هنا فانتشار الإسلام بالشمال الإفريقي كون دعاة من الأمازيغ صادقين نشروا العقيدة. ومع كل هذا فقد بقي عدد كبير من ساكنة البوادي لم تمسسه العقيدة والشريعة الجديدتين. ومع ذلك اعتنق الجميع الإسلام راضيا أو عنوة في تعبير قوي عن روح التسامح.

هكذا وبعد انقضاء العنف وتحقق نوع من الاستقرار السياسي بالمنطقة، حافظ الدين الجديد لليهود والنصارى على حرية دينهم باعتبارهم من أهل الكتاب، بشروط معلومة (دفع الجزية). أما الذين اعتنقوا الإسلام (الأمازيغ) من ديانات أخرى فلهم أن يحتفظوا بممتلكاتهم ومكانتهم السابقة، ومنهم من تولى الوظائف الهامة، ومنهم من شارك في الجندية بجانب العرب إلى الشمال الإفريقي وإسبانيا. هؤلاء الجنود الأمازيغ لا يختلفون عن العرب البدو الأوائل من حيث جهلهم بتعاليم الدين وفتورهم الديني. ربما سينقلبون على العرب إذا هم تمرسوا فيصبحون خطرا عليهم. وذاك ما أكده المؤرخون، ولو بشكل غامض، من أن العديد من القبائل الأمازيغية الخاضعة للإسلام ـ الإسلام السني بالخصوص ـ كان إسلامهم واهيا في البداية. فعدد القبائل المرتدة كان كبيرا رغم العقوبات التي يفرضها الإسلام على المرتد(مصادرة الممتلكات و سبي النساء والقتل) خاصة في القرون الثلاثة الأولى. و مرد ذلك إلى رغبة الأمازيغ قي الاستقلال والتخلص من سلطة الحكومات الإسلامية، ومن جهة أخرى رغبتهم في الحفاظ على معتقداتهم القديمة وعاداتهم التي تعلقوا بها زمنا طويلا. ثم كون الإدارة العربية أسيء فهمها ولم تتكيف مع أحوال الأمازيغ، من حيث سوء المعاملة والعدل. فالكثير من الحكام العرب تعاملوا بقسوة وطمع خارج الشريعة الإسلامية (اضطهاد موسى بن نصير لطارق بن زياد، ثم ما أقدم عليه يزيد بن أبي مسلم الذي أراد فرض الجزية سنة 720م على من اعتنق الإسلام، زد على هذا مضايقات الموظفين من الجند العرب للأمازيغ، والعنف والازدراء …) (راجع تاريخ ابن خلدون ج6، ص. 150 – 151 من نشرة دي سلان ). ثم ضعف الإسلام السني ومن يمثله … كلها أسباب تفسر الصعوبات التي وجدها الفتح العربي للمغرب. الشيء الذي سيدفع الأمازيغ منذ النصف الأول من القرن 2هـ/8م إلى الانتقاض على الحكومة العربية السنية بالقيروان والخوض في البدعة الخارجية ( كما حدث أيام روما المسيحية  والخوض في بدعة الأسقف دونات).

لقد كان سعي الأمازيغ كبيرا لتخلص من سلطان الحكومة العربية، ولحاجة دينية في نفوسهم، لهذا لم يتوانوا عن الخوض في الفرق الإسلامية المبتدعة والإصلاحات الدينية. الشيء الذي يفسر الانقلابات السياسية والدينية التي عرقها الأمازيغ منذ الفتح، خاصة الخارجية في ق2هـ/ 8م  والشيعي في ق4 هـ/ 10م والأشعرية الموحدية في ق6هـ/12م والشريفية المرابطية في ق10هـ/16م، وصولا إلى الحركة الوهابية في ق20م. 

——–

الهوامش

ألفرد بل، الفرق الإسلامية في الشمال الإفريقي من الفتح العربي حتى اليوم، ترجمة عبد الرحمن بدوي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى 1969

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد