الرائدة في صحافة الموبايل

رغبات بين التشفي والتشافي

عبد المولى المروري

وباء كورونا لم ولا يستثني أحدا إذا صادفه في طريقه، ولا يميز بين كبير وصغير، غني وفقير، رئيس ومرؤوس، حليف وعدو. لذلك فهو خصم وعدو قاتل للجميع..
للأسف وكما يقول الخبراء أنه عندما يتلبس بضحيته ويخترق رئته يدمر أنسجتها ويأخذ في تعطيل جهازه التنفسي، محدثا تخريبا كليا له ، وما يصاحب ذلك من آلام وعذاب قد يصل بالمريض إلى موت من نوع خاص، موت مخيف، وجنازة لا تشييع فيها ولا عزاء..
أمام هول هذا الوباء وما يستتبعه من رعب وموت، لا يمكن إلا أن نأسف ونحزن ونتضامن مع كل من ابتلي به وعانى منه، سواء كان مسلما أو كافرا، مغربيا أو أجنبيا، حليفا أو عدوا ، هو تضامن بدافع إنساني محض، لا تتسرب إليه حسابات صغيرة، ولا مواقف حقيرة، ولا اعتبارات شريرة .. حتى لا تعمى فينا البصيرة، بل تنتصر فينا النفوس الكبيرة، ونطهر القلب والسريرة..
كلامي هذا بمناسبة إصابة الأستاذ الحبيب حجي بوباء كورونا، وظهور بعض المواقف والتدوينات التي لا تتناسب وأخلاق التضامن التي يجب أن تسمو على كل الاعتبارات والاختلافات.. فمهما كانت حدة الخلاف مع الشخص ، وعمق الهوة، وتباعد المواقف إلى درجة التصادم معه، فليس هاهنا مجال إثارة كل ذلك، وليست هذه هي الأوقات المناسبة.
بل المناسب والواجب أن ندعو له ولكافة المصابين بالوباء بالشفاء العاجل القريب.. والتضامن معه تضامنا يليق بإنسانيتنا ونبل أخلاقنا ..
ومن قال أو يقول هو كذا .. ومواقفه كذا .. وقد قال كذا وكذا عن فلان وعلان ، وبالتالي لا تضامن ولا تعاطف معه.. وليذهب عند هذا أو ذاك لينفعه أو يتضامن معه .. فلعمري إنه لكلام خال من نبل .. فارغ من إنسانية .. لا ضمير لصاحبة ولا ذرة له من حياء ولا قطمير ..
ولنقرأ لمواقف النبلاء عبر التاريخ كيف تعاملوا مع الأعداء وليس مع المخالفين، ولأعطي مثال واحدا من ثراتنا الخالد لصلاح الدين الأيوبي مع قلب الأسد ملك انجلترا ريتشارد الأول.. عندما جرح هذا الأخير وأرسل له صلاح الدين طبيبه الشخصي موسى بن ميمون كما تروي بعض كتب التاريخ، علما أن ملك انجلترا كانت له أطماع نحو بيت المقدس.. ولكن هذه الأطماع لم تعم صلاح الدين بل وجه اهتمامه إلى ما تعرض له العدو من جرح، وقام بواجبه الإنساني تجاه جريح وليس في مواجهة عدو .. فانتصر الناصر صلاح الدين بنبله وأخلاقه، وكذلك هم العظماء.
لذلك، أخلاقيا ، لا يجب التشفي في الأستاذ الحبيب حاجي بسبب خصومات سابقة أو خلافات قديمة .. بل يجب أن تتغلب الإنسانية على المواقف السياسية، وينتصر النبل على الأيديولوجيا، ويعلو الضمير على الأنا الصغيرة.
فالتشفي سلاح الضعيف، وأسلوب الصغير، وأخلاق الحقير..
ونضع نصب أعيننا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي رواه الترمذي في سننه عن واثلة بن الأسقع:” لا تُظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك”، فلقد نهانا الرسول عليه الصلاة والسلام أن نظهر الشماتة فقد يبتلينا الله ويرحم المبتلى.. وما ذلك على الله بعزيز، فالمسلم ليس سبابا ولا شتاما ولا شامتا ولا متشفيا ولا حاقدا …هكذا علمنا إسلامنا، وهكذا يجب أن يكون..
فكيف نقبل لضمائرنا أن تتشفى أو تشمت في شخص مريض، وهو الآن يعاني ويتألم ويصارع من أجل البقاء.. كيف نقبل لأخلاقنا هذه التصرفات والمواقف المخجلة الصغيرة .. بل الحقيرة.. شخص مريض يتألم .. وأنت تضحك وتتشفى! هل يعقل هذا ؟ أي موت هذا للضمير والإنسانية ؟
الحبيب حاجي في هذه اللحظات بين يدي رحمة الله، يعاني من المرض ويقاومه ويصارع المجهول، هو وزوجه والكثير من المغاربة، ومعهم آلاف البشر الذين نشاركهم الإنسانية والأرض، وهم في هذه اللحظة أحوج ما يكونون إلى التعاطف والتضامن والدعاء لهم بالشفاء، فلقد قال رسولنا عن الإنسان، إما أخوك في الدين أو نظير لك في الخلق.. ومعنى هذا ، إذا لم نشترك – نحن بني الإنسان – في الدين فإننا نشترك في أمور أخرى.. فلنغلب أخلاقنا ونبلنا، ونحرر إنسانيتنا من سياستنا، وضمائرنا من مواقفنا .. ونسأل الله للحبيب حاجي وجميع المرضى بالشفاء من هذا الوباء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد