الرائدة في صحافة الموبايل

كورونا بين المقاربة الدينية والمقاربة العلمية

بقلم الأستاذ حسن حلحول

إن الإنسان بطبعه وشيمه، اذا ما آعترضته مشكلة او ظاهرة طبيعية او انسانية ، سواء كان المشكل مجتمعي أصيبت به البشرية كوباء كورونا، أو يتعلق بالشخص في ذاته،فمن الناس من يرجع الأسباب ومسبباتها ، إلى العلة المتعالية خارج الطبيعة ، ومنهم من يرجعها الى العلل المادية الطبيعية،وهذا الطرح والنقاش كان منذ الأزل وليس وليد اليوم، فنجدهناك مدرستين مختلفتين متناقضين، وهما المدرسة المادية والمدرسة المثالية ،تتنازعان في الوصول إلى الحقيقة، وتتجاذبان إلى القول بالدوغماطيقية (الحقيقة المطلقة). لقد خاض هذا الصراع الفكري والجدال الفلسفي، فلاسفة الاغريق مثل أرسطو مقابل افلاطون ، وآستأنف هذا القول الفلسفي فلاسفة المسلمين ابن سينا والفارابي مقابل الغزالي في المشرق، وابن رشد مقابل الفكر النظري المشرقي(فقهاء متكلمون متصوفة فلاسفة) في المغرب، ثم من بعدهم فلاسفة عصر النهضة الأوروبية مثل السبينوزا مقابل القس توماس اكوني.وابن ميمون إن منظور النزعة المادية إلى الظواهر يختلف عن النزعة المثالية، فهي ترى أن الظواهر الطبيعية محض مادية، وليس هناك أية قوة غيبية تؤثر فيها، فتكون بذلك قد اعطت الاولوية للعلم والعقل في الكشف عن الحلول التي يتعرض لها الإنسان من مشاكل في حياته كيفما كانت ،طبيعية او انسانية او اجتماعية أو مرضية، فلا ينكر أحد أهمية العلم في الحياة، فبواسطته يمكن ان نجابه ونواجه اي خطر يحدق بالإنسان، وبواسطة المنهج التجربي يمكن الإجابة عن كثير من الأسئلة الشائكة، التي عجزالانسان إدراكها عبر التاريخ اللشرية. فإذا كان التهليل والاستغفار في الشوارع من أجل القضاء على وباء كورونا ومجابهته ضرب من الخيال، فان ذلك لن يزيده الا استفحالا وانتشارا،ولن يتورى هذا المرض ويزول بمقتضى معتقدات ميتافزيقية مبنية على السحر والخرافة ، لان قرار منع الاختلاط بين الناس توصل إليه العلماء بواسطة المنهج العلمي التجربي، فلا يمكن تكذيب هذه النتائج المخبرية، والتمسك بمبررات ميثولوجية غيبية صادرة عن بعض الدجالين التي اصتدمت بالواقع الملموس، المتمثلة في انتشارالوباء بشكل رهيب لا يحاصره لا تهليل ولا صباح في الشارع ،فإذا كان القرآن الكريم يحثنا على أن لا نؤذي أنفسنا لقوله تعالى “ولا تلقو بأنفسكم إلى التهلكة” فإنه لا يتعارض هنا مع العلم،فالإجراءات الاحترازية التي اتخذها المغرب منذ البداية بإقفال المساجد لتجنب الاحتكاك ليس فيها ما يمس اركان الدين في شيئ، فالصلاة غير معطلة يمكن ان تؤدى أينما ولى المسلم وجهه ، فحفظ النفس أولى من الصلاة ،فالرسول صلى الله عليه وعلى آله في حديث ما معناه آثار هدم مكة من ان تنتهك كرامة الإنسان ، فمكة رغم قدسيتها فأن حفظ حياة الإنسان اقدس من مكة، بالأحرى المساجد العادية التى لا تضاهي مكة في شيئ. فالواجب علي الإنسان المؤمن في هذه الظروف أن يتضرع إلى الله ويختلي بنفسه ويقنت لله طالبا ان يعيننا ويعيل البشرية على تجاوز هذه المحنة ، وأن يرشد العلماء والأطباء في إيجاد الدواء، وليس بالرقية التي هي ليس مجالها . نستنبط ان هناك علاقة جدلية بين الدين والعقل فلا دين بدون عقل ولا عقل بدون دين، ان العقل لا حدود له فهو خلق الله فلا تضاد ولا تعارض بين الدين والعلم (العقل) فمناط التكليف هو العقل، والدليل على هذا ما جاء في القرآن الكريم في عديد من الآيات عندما ربط الإيمان بالعمل ،لقوله تعالى ” ياأيها الذين آمنوا وعملوا ” فكلما ذكر الإيمان اقترن معه العمل المقصود هنا بالعمل هو العقل ، فلا يمكن تصورعمل بدون عقل لان العمل يعقل نفسه بالعقل. لاممارسة عملية بدون نظر عقلي ولا نظر عقلي بدون ممارسة عملية،فهناك تكامل وتداخل بينهما، كبرهان على أن الدين الإسلامي ،لا يلغي العلم ولا ينفيه، بل هو مطلوب ومحمود عنده في كثير من الآيات. إن الاختلاف بين ماهوديني وبين ما هو علمي،هو آعتباري وليس حقيقي ، العلم يستند على البرهان “المي ” والإني” كآلية للوصول الي الحقيقة العلمية، والدين يعتمد على الاخلاق والفضائل لتقويم السلوك ،والتي هي في جوهرها،لا ترفض التطور العلمي بل يكون هذا الاخير في حاجة اليه،ليكمل الجانب الروحي الذي يكون ركنا ودعامة له لتقويم العلم الذي يسخر ضد البشرية ، فوباء كورونا هو من نتائج العلم وظف ضد الإنسانية، استعمله علماء المستشارين التابعين للمؤسسات الحكومية والعسكرية لأغراض سياسية ومالية من أجل الغطرسة والهيمنة،فلو راعا  مستعملي هذا الوباء الخبيث الوازع الديني والاخلاقي في استعماله لقدم في خدمة البشر لا ضده، إذن العيب في الإنسان وليس في العلم ، كذلك بالنسبة للجانب الديني فإن العيب في علماء الدين وغلوهم في تأويل النصوص الدينية وليس في الدين الذي يفسح المجال واسعا للاشتغال بالعلم والعقل . وما يبرهن على ذلك هو أن الإنسان والكائنات الحية كلها تتكون من روح ومادة ، فهما يتكاملان فلا يمكن تصورهما منفصلين والحركة الجوهرية مستمرة ،فلا روح خارج الجسد ولا جسد خارج الروح، فأبو حيان التوحيدي يقول”اذا تعب البدن فإنه يطلب الراحة واذا كلت الروح طلبت الروح” ولقد يحصل أن البدن مرتاح غير متعب، في الوقت الذي نجد الروح مللت وكلت تطلب الروح . وفي هذا السياق نسوق مثلا يقرب صورة المحايثة بين العلم والدين ،هو الفرق بين الموت والموت إلى أجل مسمى، فالموت الأولى تعني أن الإنسان يلقى حتفه بيده،ولا دخل لارادة الله فيها بمعنى لا يمكن رده إلى الاجل ، وذلك عندما يرفض اي شخص نصيحة الطبيب الذي دعاه مثلا لإجراء عملية جراحية او اكل دواء معين لان حالته تتطلب ذلك، ورفضها وستهان بالعلم فمات ،مستندا في ذلك أن الموت والحياة في يد الله، غير صحيح فالله يامرنا بالاخذ بالاسباب،ففي الوقت الذي ندرك فيه المخاطر التي تحدق بالإنسان ليتم مواجهتها بالعلم يكون هو عينه ايمان بالله ،وإن لم نقل هو مطلق الإيمان ،لقوله تعالى “من أحياها كأنما أحيا الناس جميعا ” في هذه الآية فيها تعظيم لنفوس وحفظها، أ ما الموت إلى أجل مسمى فهي كما نسميه المكتوب ،لان الانسان يكون اخذ بجميع الأسباب التي يتيحها العلم ولم ينجح معه لتنتهي الحياة بامر من الله ان الصراع بين الدين والعلم، يجد جذوره في المراحل التاريخية التي مر بها الفكر البشري ،تتدرج من حقبة إلى أخرى، وهي حسب علماء انتربولوجية خمسة: المرحلة ما قبل التاريخ التي كان الإنسان ضعيف تجاه الطبيعة، يرصد حالة الطبيعة وتحكمها في الإنسان لعجزه فهمها. المرحلة الثانيةالتاريخية البدائية ،التي كان الإنسان فيها يحاكي ويقلد الطبيعة واكتشاف النارفلا يفرق فيها ما بين الفكر والمادة. والمرحلة الثالثة الاسطورة:مرحلة الفلاسفة السفسطائيين وهي بداية النقاش لفهم كثير من الأسئلة الانطلوجية ،والسلطة تسود لمجلس الحكماء.وبدأ التباين بين المفكرين يبرز والمرحلة الرابعة عصر الوسيط انتقلت السلطة إلى رجال الدين ،وساد في هذه المرحلة الظلم والجور بشكل فضيع، فابرزهذا الوضع صراع فكري حاد بين الفكر المادي والفكر المثالي، من أجل السيطرة على الحكم المرحلة الخامسة العصر الوسيط هو العصر الذي بدأ الصراع بين الدين والعلم. ويستنبط أن هذا الصراع هو صراع تاريخي أتنتجته تناقضات اجتماعية وسياسية لسيطرة على الحكم، فهوصراع من نتاج إلانسان، فإذا كان الإنسان صنع هذا الوباء بعلمه وعقله ،فإنه فقد السيطرة عليه وتفشى بشكل لم يتوقع صانعيه وهو آية من آيات الله في كونه ليتعض الانسان ويكف عن الطغيان والجبروت ،إذن هناك تكامل بين الحقلين فلا تضاد ولا تناقض بينهما ، فوباء كورونا نحاربه بالعلم الذي سيكشف الدواء وبالاجراءات المخبرية كالحجر الصحي ومقاطعة كل شيئ حتى المساجد وليس فيه تعارض مع الدين ، وبالدعاء والقنوت والتضرع الى الله ليساعد ويعين اهل العلم لإيجاد الدواء عاجلا لان كل شيئ في الوجود يتحرك بإذنه وقدرته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد