الرائدة في صحافة الموبايل

في زمن كورونا.. ثلاث وزارات في الواجهة


ذ. عبد المولى المروري

المغرب كباقي دول العالم يواجه وباء كورونا بكل إمكانياته وطاقاته، بجميع رجاله ونساءه، بكل أجهزته ومؤسساته.. ويبدو أن الدولة لا تدخر وسعا من أجل محاصرته والقضاء عليه…
ومن الواجب – نحن الشعب – أن ندعم كل ما تتخذه الدولة من إجراءات وقرارات تراها الدولة ضرورية وواجبة الاحترام.. ونحن ندعو إلى الامتثال واحترام كل ما تتخذه وتسنه لفائدة الوطن والمواطنين.
ورغم أن الدولة – كلها – بجميع مؤسساتها ووزاراتها وأجهزتها تجندت من أجل محاربة الوباء، إلا أن هناك ثلاث وزارات هي التي تحتل الصدارة والواجهة في هذه الأزمة الخطيرة.. ورغم تقديري لما تقوم به هذه الوزارات من جهد مشكور من أجل القيام بالواجب، كل وزارة في مجالها وتخصصها، فهناك ثمة ملاحظات يجب التنبيه إليها ليس من أجل الاستهانة بما تقوم به، وليس من باب استصغار مجهودها أو التنقيص من أدوراها.. وإنما من باب الرغبة في تجويد عملها، وتجاوز بعض نقائصة وعثراته، حتى يصل هذا إلى الأهداف المسطرة له والنتائج المتوخاة منه، فاللحظة ليست لحظة جلد المؤسسات أو التشهير بها أو محاكمتها أمام الرأي العام ، بل إن اللحظة لحظة تعاون وتكامل وتعاضد ، فالوطن نحن، ونحن الوطن.. فإذا تضرر الوطن تضررنا، وإذا تضررنا تضرر الوطن.
والوزارات المعنية، هي وزارة الصحة، وزارة التعليم ووزارة الداخلية.

1/ وزارة الصحة:

لا يسعني إلا أن أقدم تحية إكبار وإجلال لجهاز الصحة المكون من أطباء وطبيبات، وممرضين وممرضات، فهم خط الدفاع الأول في ساحة المواجهة المباشرة مع الوباء، وفي خط التماس المباشر والقريب منه، بل في احتكاك دائم معه، وبالتالي هذا الجهاز هو الأقرب إلى خطر الإصابة، وتعرض رجاله ونساءه للعدوى. لذلك فمن الواجب أن نقدر دوره، ونعظم عمله، وندعو لأعضاء هذا الجهاز بالصبر والسلامة والنصر.. ومهما قلنا في حقهم من كلام جميل، فلا أعتقد أنه يصل إلى مستوى ما يستحقونه من شكر وثناء. وبالتالي ليسوا هم ( الأطباء والممرضين ) موضوع نقدي وتحفظي على وجه الإجمال.
عبر عقود خلت تعاملت الدولة مع قطاع الصحة تعاملا لا يليق بقيمتنا كمواطنين يتمتعون بالحق في الصحة، وذلك انعكس بشكل واضح من خلال الميزانيات المخصصة لها، وما يستتبع ذلك من بناء مستشفيات كافية، وتجهيزات طبية على مستوى كفايتها وجودتها، وتخريج الأطر الطبية على مستوى الكم والكيف كذلك، وبالشكل الذي يغطي حاجيات البلاد.
لقد كانت هذه القضية معلومة وموضوع انتقاد دائم من طرف الأطباء والممرضين أنفسهم، ومن طرف الحقوقيين وعموم المواطنين بسبب ما يعانونه من متاعب ومشاكل في كل لجوء اضطراري إلى المستشفى.
في هذه اللحظات العصيبة تجني الدولة ما زرعته خلال سنوات ضعف الاهتمام بمجال الصحة.. والمؤسف والمبكي زاد انكشاف عورة قطاع الصحة مع وباء كورونا في جوانب أرى أنه من المخجل جدا أن تكون من ضمن عيوب وعورات هذا القطاع الاستراتيجي والحيوي والخطير. وهنا لن أتكلم عن قلة أسرة الإنعاش، علما أنه من ضمن العيوب الكبيرة، ولن أتكلم قلة المستشفيات، علما أن ذلك من مصائب هذا الوطن الكبرى، ولا عن قلة الأطقم الطبية، وهذا من كبائره أيضا..
بل سأتكلم من المعلوم من الصحة يالضرورة، وهو ما تم تسريبه مؤخرا عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

الأول/ واقع النظافة الذي تعرفه مستشفياتنا حاليا، في إطار مواجهة وباء يقتضي من ضمن أهم وخطر الإجراءات التي يجب اتخاذها هي جودة النظافة ودقة التعقيم..

لقد عشت زمنا طويلا خلال طفولتي في مستشفى ابن سينا في الرباط، سواء المستشفى الأول منذ أواسط السبعينيات إلى نهايتها، أو مستشفى الأطفال مع بداية الثمانينيات إلى غاية 1985.. وبحكم هذه السنوات فإني أخبر هذا المستشفى جيدا.. وطيلة تلك السنوات كنت أعاني كباقى المرضى الصغار من قلة النظافة، ولكن لم تكن بالغة السوء، علما أنه يجب أن تحظى المستشفيات بأحسن وأجود مستوى تنظيفي ممكن حرصا على صحة المرضى وبسبب ما يعانونه من ضعف في مناعتهم..
ما لاحظته في الفيديوهات المسربة أن مستوى نظافة المستشفيات دون المستوى المطلوب، ليس في المستشفيات، بل في البيوت والشوارع. وهذا المستوى السيء والرديء ليس بسبب قلة التجهيزات، ولا بسبب قلة عاملات وعمال النظافة، وليس بسبب قلة مواد النظافة والتعقيم … بل بسبب قلة الاهتمام التي توليه الدولة لقطاع الصحة، والمستوى المتدني في سلم أولوياتها، وتجلى ذلك الآن بوضوح في زمن الأزمة. أليس من المخجل والعيب أن تفتقد مستشفياتنا إلى أبسط الضروريات في مجال الصحة، وهي النظافة، خاصة بالنسبة للمصابين حاليا بالوباء؟

الثاني/ معاملة المرضى عموما، ومرضى وباء كورونا خصوصا..

وهنا لا أقصد التعامل الإنساني، رغم أن أطر الصحة عموما يختلفون في ذلك، فمنهم الإنساني والطيب والبشوش .. ومنهم غليظ القلب والأرعن والخشن والفاقد للإنسانية.. والناس طبائع وأخلاق لا تتطابق ولا تتشابه، وللأسف المجال الإنساني ، في كيفية تعامل الأطباء والممرضين مع المرضى ، لا أجد له مسلكا في التدريس والتكوين..
هنا سأركز على بعض صور الإهمال التي تسربت في هذه الفيديوهات.. ولا مجال لإنكار هذه الظاهرة في المستشفيات، فلقد عشتها وعانيت منها خلال شهوري التي كنت أقضيها في المستشفى بعيدا عن أسرتي..
لقد عشت ألم أن تكون جائعا أو ضمآنا في المستشفى ولا تجد من يمدك بكسرة خبز أو شربة ماء وأنت تنتظر دورك من أجل الخضوع لفحص معين .. لقد عشت ألم ” الحكرة ” وأنت تتألم من وجع ما، وينهرك ممرض أو شخص يعمل بالمستشفى بأسلوب في غاية السوء كي تكف عن الأنين أو النداء.. لقد أحسست بهؤلاء المساكين الذين ابتلاهم الله بهذا الوباء وهم يعيشون هذا الإهمال الأشبه بالنسيان، وكأنهم غير موجودين، لا يسمع لندائهم ولا يستجاب لتوسلهم، والبعض من المسؤولين يفرون منهم خشية العدوى أو التعفن.. ولأنني سبق وأن رأيت ذلك بأم عيني في سنوات المرض الذي ألم بي… فلن يقنعني أحد بأن مثل هذه الممارسات الحاطة بالكرامة منعدمة أو فردية أو محدودة بمستشفياتنا.
هذا النوع من الإهمال يدفع المريض إلى أخطر مستويات التذمر والإحباط.. ويزيد من تضاعف المرض، ومن إضعاف مناعته واستجابة جسمه للشفاء.. صدقوني هذه هي الحقيقة المرة، فلقد عشت كل هذا وأكثر.
قطعا، كما قلت هناك أخرون يشرفون قطاع الصحة تشرفت بمعرفتهم وحسن تعاملهم خلال تلك السنوات، وأذكر منهم برحيوي وقبله العلمي وبنحمو رحمهم الله جميعا، والدكتور عمر أوترحوت أطال الله في عمره..
هنا أتحدث عن ظاهرة الإهمال الممنهج كأسلوب يطبع مستشفياتنا، هذا الإهمال الذي كان موضوع استنكار الأطباء الذين ذكرت والذين لم أذكر.. هو إهمال دولة من خلال سياستها الصحية، وليس إهمال بعض رجال ونساء الصحة الشرفاء..
اهتمام الدولة بمواطنيها يظهر بوضوح وجلاء من خلال ما تعده لهم في مستشفياتها عندما يحتاجون للعلاج، من خلال جودة وكفاية المستشفيات والتجهيزات والأطقم الطبية، من خلال الرعاية الصحية والنفسية وحسن معاملة المرضى، منذ دخولهم المستشفى إلى غاية شفائهم ومغادرتهم.. من خلال توفير كل أشكال الراحة والاستشفاء.. مع توفير كل حقوقهم وما يحتاجونه دون أن يطلبوه.. ودون ذلك هو إهدار للكرامة وإضاعة للحقوق ومغامرة سيئة بالصحة العامة.

(يتبع)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد