الرائدة في صحافة الموبايل

امبراطورية كورونا العظمى..

ذ. عبد المولى المروري

استطاع هذا الحاكم المجهري اكتساح الكرة الأرضية برمتها، شمالها وجنوبها، شرقها وغربها، وفي زمن قياسي، بسط سيطرته ونفوذه على القارات الخمس، وأخضع تحت حكمه الجبار أعتى جبابرة العالم..
بدأ غزواته من دولة الصين ذات المليار ونصف نسمة، متخذا مدينة ووهان عاصمته المؤقتة، لِيُحَلِّق بغزواته المستمرة إلى كل آسيا ثم أوربا، وإفريقيا، وأخيرا القارة الأمريكية، وأرسى قواعده مؤخرا بالولايات المتحدة الأمريكية أقوى وأعظم دولة، وعنوان الغطرسة والليبرالية المتوحشة، متخذا من نيويورك عاصمة له، مدينة المال والأعمال العالمية.
هذا الإمبراطور أخضع في حكمه كل سكان الأرض، واستوطن جسم أكثر من مليون ومأتين وخمسين ألفا، وقضى على أكثر من ثمانية وستين ألف ضحية، وما تزال الأرقام في ارتفاع مستمر، وما يزال هذا الامبراطور يواصل غزواته ويحصد ضحاياه بلا شفقة ولا رحمة.
غزوات هذا الإمبراطور القوية والشاسعة والسريعة كشفت عن واقع دولي صادم ومخيف، حيث كنا نعتقد أن هناك ما يسمى بالاتحاد الأوربي، كنا نسمع عن قوة الولايات المتحدة الأمريكية، كنا ننخدع بمعجزة الصين..
كل ذلك انهار خلال أيام قليلة، بل ساعات قليلة..
ها هو ما كان يسمى الاتحاد الأوربي والوحدة الاقتصادية .. يتهاوى ويتلاشى، وها نحن نرى كيف تشكو إيطاليا خذلان جيرانها وأصدقائها الأوربيين، ونسمع كل دولة تقول نفسي نفسي وبعدي الطوفان، وبعد أيام سيصبح الاتحاد الأوربي أثرا بعد عين، ودرسا من دروس التاريخ ..
بل ها نحن نقرأ عن أخبار القرصنة واللصوصية الدولية، ونسمع ونقرأ عن أعمال سطو لكمامات وأجهزة طبية موجهة إلى دولة وسرقتها دولة أخرى.. مما يعني أن هذا الامبراطور الجديد عرى سوأة أوربا التي لطالما شنفت مسامعنا وخدعت عقولنا بأكذوبة “أوربا المتحضرة والراقية”.
في غضون شهر أسس الحاكم “كورونا” امبراطورية عظمى، لا تغيب عنها الشمس، إنها “امبراطورية كورونا”، التي أعجزت الدول العظمى عن التصدي لحاكمها الجبار.. والقضاء عليه، بعد أن فرق شملها، وشتت جمعها، وأهان عظماءها، وأذل جبابرتها..
كل الدول العظمى عجزت عن إيجاد سلاح لقتله، أو خطة لوقف زحفه، أو سبيل لطرده، وكل يوم يكتسح أراضي جديدة، ويقتل ضحايا جدد، ويحبس الناس في جحورهم، ويقطع عن الدول والمدن حدودها.
هل سمعتم في التاريخ أن حاكما بسط سطوته وسلطته بهذا الشكل؟
إنه قاتل جبار، هو شر وشنار، لا شك في ذلك، ولكن أعجب ما في جبروته وطغيانه أنه عادل، لم يفرق بين غني أو فقير، ولا حاكم أو محكوم، ولا رئيس أو مرؤوس، ولا قوي أو ضعيف، كلهم عنده سواء في البلوى والموت، من زاره مفقود، ومن شفي منه مولود..
لقد بدأت هذه الإمبراطورية تغير وجه العالم، وتخلل موازين القوى، وتزلزل الكثير من اقتصادات الدول، بعد أن انحسرت أو توقفت التجارة الدولية، وغلقت كل دولة حدودها على نفسها، وتوقفت المصانع والمعامل، ودخل العالم في كمون اجتماعي وركود اقتصادي لم تشهده البشرية من قبل.
ما تخطط له هذه الامبراطورية هو نهاية عالم وبداية عالم، نهاية مرحلة من تاريخ البشرية وبداية أخرى، وكأن الله يستبدل قوما بقوم آخرين..
هل ستنهار دول عظمى، وتترك زعامة العالم لجيل جديد من الدول؟ من أين سيبدأ الانهيار، هل من الاقتصاد؟ أم من نفاذ صبر الناس من حالة السجن المنزلي؟ هل ستكون هناك ثورات كبرى، تسقط أنظمة وتظهر أخرى بعد نفاذ المخزون الغذائي وعجز الأنظمة عن التحكم في الوضع؟ هل ستظهر حروب جديدة على البشرية؟
الأيام المقبلة ستكشف عن خطة الامبراطور كورونا، وما الذي سيفعله بالبشرية الضعيفة، إلى ذلك اليوم، العالم يضع يده على قلبه وهو يحصي ضحايا كورونا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد