الرائدة في صحافة الموبايل

قواعد في كيفية إدارة الآباء للأبناء أثناء الحجر الصحي المفروض


عبد المولى المروري

الأطفال من أكثر الفئات تضررا بجائحة كورونا، ليس من الناحية الصحية، فالواقع والإحصاءات تقول العكس، وإنما من الناحيتين النفسية والاجتماعية. وهذا سيؤثر حتما على الكثير من جوانب حياتهم..
فبحكم أن الأطفال في مختلف أعمارهم هم في مرحلة النمو على المستوى العقلي والحركي والاجتماعي والنفسي.. فهذه الجوانب سوف تتأثر حتما بسبب الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها جل الدول.
وأمام هذا الوضع الاستثنائي من المفترض أن تطفو على السطح بعض المشاكل التي سيعاني منها الأبوان والطفل على حد سواء ، الأمر الذي يجعل من اللازم والواجب إيجاد حلول سريعة وفعالة لاحتوائها في الوقت المناسب.
وأهم قرارين اتخذهما المغرب هو الحجر المنزلي واستمرار الدراسة عن بعد، قراران استثنائيان ومفاجئان لم تستعد لهما كل الأسرة مغربية بما يكفي من المهارات التربوية والوسائل المساعدة. أضف إلى ذلك أن القليل جدا من الآباء الذين يتسع صدرهم إلى تقبل ” إزعاج ” أبناءهم وضجيجهم وحركيتهم داخل البيت، هذا دون الحديث عن العدد النادر جدا من الآباء الذين يلاعبون ويمرحون معهم بشكل اعتيادي ومستمر.. هذا فضلا على أن نسبة من الخوف والذعر سيكون لها نصيب وافر عند العديد من الأسر، ناهيك عن احتمال معاناة أسر أخرى بسبب توقف دخلها ، الأمر الذي قد يزيد من ارتفاع منسوب القلق والتوتر داخل الأسر.

في الحقيقة – ورغم كل ذلك – يجب أن تكون هذه المرحلة العصيبة التي تمر منها البشرية جمعاء مناسبة جيدة من أجل الانفتاح على حياة جديدة بكل إيجابية وتفاؤل، والدخول من جديد إلى حياة أسرية بقواعد سليمة ورؤية متجددة وعلاقات تتجاوز الماضي وتنظر إلى المستقبل.

1/ معلومات عن أهمية النشاط الحركي:
من أهم ما يجب أن يدركه الآباء أن أبناءهم الصغار خاصة ما دون سن التمييز (10 سنوات) في أهم مرحلة من مراحل النمو الحركي، هذه المرحلة التي تتميز بارتفاع كبير جدا على مستوى النشاط الحركي عندهم، الأمر الذي يستدعي ويستلزم تفريغ فائض النشاط على شكل جري وقفز وحركات رياضية أو بهلوانية يقوم بها الطفل، وهي كما سماه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث ” … حتى يقضي حاجته ..” متحدثا عن حفيده الحسين عندما ارتحله وهو ساجد في صلاة الجماعة.
وبالتالي على الآباء أن يساعدوا أبناءهم على صرف فائض النشاط الحركي إلى أن يتحقق الإشباع والتوازن لديهم، لأن ذلك حق من حقوقهم الطبيعية التي لا يجب أن يحرموا منه تحت أي ظرف من الظروف. بل إن مساعدة الطفل على الحركة وتهييء الأجواء المناسبة له – كل أسرة حسب استطاعتها – من شأنه أن يخفف من الضغط والتوتر والقلق الناتج عن التخويف من الوباء مع التزام البيت وعدم الخروج.

وإذا كنت أشجع على إعطاء الحرية للأطفال من أجل حقهم في النشاط الحركي، ففي الوقت ذاته أنوه إلى ضرورة تنظيمه وضبطه حتى لا ينقلب إلى فوضى وتخريب للبيت، مع التغاضي عن بعض الحركات التي تستهدف الأغطية والأفرشة والمخدات مادامت لا تشكل خطرا بدنيا على الطفل، ويجد فيها متنفسا مناسبا لتفريغ فائض الحركة وارتفاع نشاطها. وكلما حقق الطفل إشباعه الكامل كلما تحقق له الرضى الذاتي والاستقرار النفسي، ويصبح بذلك أقل عنادا وتمردا، بل يصبح متعاونا ولينا ومطيعا.

2/ ضرورة فهم هذه المرحلة:
على الآباء أن يفهموا ويدركوا أن هذه المرحلة رغم صعوبتها وعسرها فإنها عابرة ومؤقتة، وليست دائمة. فلا يجب أن تكون فرصة لحسم مخلفات وحسابات الماضي مع أفراد الأسرة.. ولا يجب أن تكون مناسبة للتدقيق في تصرفات وأخطاء الأسرة فيما بينهم، خاصة مع الأطفال، ولا يجب أن يكون البيت عبارة عن سجن للأبناء، يتم فيه كتم الأنفاس والتضييق على الحرية بدعوة طلب الهدوء والراحة، أو الحفاظ على نظافة وترتيب البيت، أو استغلال الوقت من أجل الدراسة ..

والتعامل مع الأزمات العابرة والمؤقتة، يختلف عن التعامل مع الأزمات المستمرة أو طويلة الأمد، فالأولى تتطلب ذكاء نفسي واجتماعي يستجيب لتحدي الأزمة المؤقتة، وتكَيُّف سريع، مع تجاهل العديد من الأمور التي تعرض أمام الأبوية، مع وضع خطة بعيدة المدى تستجيب لما بعد مرور الأزمة. أما الأزمات المستمرة والطويلة فلها منهج يتأسس على القبول بالوضع مع ترتيب الحياة على ضوءها والرضى النفسي بما قدر الله إذا كانت مما لا حل له أو علاج، كالأمراض المزمنة والعاهات المستمرة وغيرها، أو التحدي وعدم الاستسلام إذا كانت الأزمة على المدى الطويل ومما يرجى رفعه أو انقضاؤها بالتحدي والعزم والإصرار.

ومادام الأمر متعلق بوباء كورونا والتي نعتقد أنه أزمة عابرة ومؤقتة، فلا يجب أن يطبع ما تبقى من حياتنا وعلاقاتنا مع أبناءنا مستقبلا.

3/ الحوار مع الأطفال خير وسيلة للتأثير
كما الإنسان الراشد، فللطفل أيضا عقل يفكر به، ومشاعر تحركه، وكيانه المستقل، وكرامته التي يريدها أن تصان، وذاته التي يريدها أن تحترم، له طموحاته وأولوياته الخاصة التي ربما تختلف أن أولويات وطموحات آباءهم.
لذلك فاحتراما لخصوصيته وذاته وكرامته، فإن منهج التعامل معه فيما يخص تدبير حياته وعوالمه الخاصة ومشاركته في النظام الاجتماعي والأسري لا يختلف عن منهج التعامل مع الراشدين، مع احترام خصوصية مرحلته العمرية على مستوى القدرات العقلية، ومستوى الوعي والنضج وبعض التمثلات والمفاهيم الخاصة بسن الطفولة، خاصة مفاهيم الزمان والمكان والأنا والعلاقات الاجتماعية والمآلات والأمور المجردة وغير المحسوسة.. التي تختلف عن تلك التي عند الراشد.

والمنهج المقصود والمطلوب مع الطفل هو الحوار المفتوح والهادف، فمن خلاله يمكن أن تكتشف طريقة تفكير ابنك وفيما يفكر، وما هي طموحاته وأهدافه وانشغالاته وهواجسه، فعندما يجد الطفل الأذن الصاغية والصدر الرحب والتقبل والتقدير، فإن كل ذلك بالنسبة له عامل محفز، وعنصر مشجع كي يبوح بكل ما عنده ويصرح ويعبر عن كل ما في دواخله.. وهي مناسبة للأبوين كي يشجعوا الصالح منها يالثناء والمدح، ويعالجوا المعوج والخطأ منها بالنصيحة والموعظة والكلمة الحسنة، بعيدا عن العنف اللفظي أو البدني..

الحوار قد يأخذ وقتا طويلا، وقد يدخل في قضايا معقدة قد تعجز الأبوين، أو تكون بعيد عن مستواهم أو اختصاصهم.. كل ذلك لا عيب فيه. وقد يدخل الأبوان مع أطفالهم في اختلافات في الرؤى ووجهات النظر إلى درجة التوتر .. فذلك عنصر إغناء وإثراء.. وأهم شيء هو أن لكل واحد وجهة نظر وقناعة معينة، وهذا لا يمنع أن يواكب هذا الحوار توجيه الآباء لأبناءهم بين اللين والرفق كأصل تربوي، والشدة والحزم كاستثناء تربوي.

4/ وضع القواعد ومتابعة التنفيذ:
كي ينجح هذا الحجر المنزلي ويحقق أمورا إيجابية، أو بتعبير أدق، من أجل اكتساب عادات اجتماعية وحياتية جديدة، وتكون هذه العادات منتجة ومفيدة، فمن الأجدر الاتفاق كأسرة – بجميع أفرادها – على صياغة قواعد وقوانين، ومن الأفيد أن يكون للأبناء النصيب الأوفر في اقتراحها وصياغتها، فمن جهة تعطي الأبناء مستوى جيد من روح المبادرة والتقدير الذاتي، ومن جهة أخرى يكونون مسؤولين بصفة شخصية على احترام هذه القواعد وحريصين على تطبيقها بنجاح.. وفي حالة خرقها أو عدم احترامها، تكون هناك جزاءات التي من الأجدى أن تكون ذات طابع معنوي أو حرمان من لعبة أو القيام بمهمة داخل المنزل، في جو من المتعة والنشاط.
ولابد من تتبع احترام وتنفيذ هذه القواعد، وتعهد هذه المسؤولية إلى أحد أفراد الأسرة، ومن المناسب جدا أن يكون أحد الأبناء أو بالتناوب، كي يتعلموا تحمل المسؤولية والالتزام وفن المتابعة.. مع كتابة تقرير يتلى آخر النهار لمعرفة مستوى التقدم أو التأخر في الإنجاز.

5/المشاركة في كل شيء:
الأطفال غالبا ما يستهويهم اللعب الجماعي والعمل الجماعي وكل ما هو مشترك، والحجر الصحي داخل البيت مناسبة جيدة لتربية الطفل على العمل الجماعي في كل شيء، من ترتيب البيت وتنظيفه، إلى غاية مشاركته دروسه وواجباته، ومشاركته الدراسة عن بعد، ومشاركته ألعابه الترفيهية وألعاب الحركات الرياضية والبهلوانية. فمن شأن ذلك كله أن ينمي الحب والألفة بين أفراد الأسرة، ويعمق المودة الأسرية التي أضحت تتلاشى مع ضغط الحياة وظروف العمل وقلة التقاء الأسرة فيما بينها إلا ليلا..

المشاركة تنمي روح التعاون والتضامن والإيثار، وكلها قيم هي أخرى أصبحت تتلاشى تحت حمأة المصلحة الشخصية وارتفاع مستوى الأنانية في المجتمع وبين أفراد الأسرة الواحدة.

6/الصبر ثم الصبر ثم الصبر
هو السلاح الذي سيساعد الآباء على تخطي هذه الأزمة وما صاحبها من مشاكل بيتية، على الآباء أن يتحملوا ليس الحجر الصحي الخاص بهم فحسب، بل مشاكسة الأبناء وضجيجهم وصراخهم، وتمردهم وعنادهم، والتزاماتهم الدراسية عن بعد بجميع صعوباتها وضغوطها ومستجداتها، وأن يتحملوا تعبهم ومللهم داخل البيت، وطلباتهم المتكررة والمستحيلة أحيانا، عليهم أن يتحملوا اختلال نظام النوم والاستيقاظ، ونظام الأكل.. كل شيء سيتأثر ويتغير.. وإذا لم يصبر الآباء ويتحملوا كل هذه الأمور، فالخوف كل الخوف أن ينعكس ذلك على نفسية الأبناء وعلى علاقتهم بهم وعلى تحصيلهم والدراسي، وعلى كل مستقبلهم وحياتهم.. لذلك فليس للآباء إلا الصبر والتحمل من أجل أبناءهم، لأنهم يستحقون ذلك.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد