الرائدة في صحافة الموبايل

العفو.. يجب أن يراعي وضعية المجرم ووضعية الضحية بذات الوقت

د. ادريس الكنبوري

بعض الفيديوهات التي انتشرت عن أشخاص كانوا ضحايا مجرمين استفادوا من العفو الملكي الأخير هي فيديوهات محزنة جدا وتملأ القلب حسرة. لكن النقاشات التي برزت كثير منها لم يكن موضوعيا، وأعتقد أن هذه أيضا واحدة من الدروس التي يجب أن نستفيد منها في مرحلة ما بعد الوباء، فما يحصل في هذه الأيام هو أننا أصبحنا مثل المقاول الذي اكتشف أن العمارة التي بناها بها انحرافات كثيرة بسبب غش العمال.
وفعلا، لدينا ظاهرة غش العمال، لا رئيس الورشة.
هذه الحالات الاجتماعية التي ظهرت سوف تدفع الدولة بالتأكيد إلى التدقيق في العفو، بحيث يتم تأطيره بعدد من الشروط والحيثيات، على نحو يأخذ بعين الاعتبار وضعية المجرم ووضعية الضحية وذويه في وقت واحد. حتى الآن العفو كان يتعامل مع واقع المجرم المعتقل، دون ملاحظة وضعية الضحية، والسبب أن العفو لم يكن يثير مشكلة اجتماعية كما رأينا اليوم. صحيح، لقد طرح موضوع العفو الملكي من زاوية نقدية في أعقاب الاعتقالات التي طالت السلفيين الجهاديين بعد تفجيرات الدار البيضاء، وطرح أول ما طرح عندما فجر الشاب عبد الفتاح الرايضي نفسه في الدار البيضاء عام 2006 على ما أذكر، وكان قد غادر السجن بعفو ملكي، من ذلك الوقت طرح موضوع العفو الملكي، وقد ظهر فعلا أن الدولة ليست لديها مشكلة في انتقاد هذه المسطرة، وهذا التحليل هو ما أخر عملية العفو في حق السلفيين لمدة طويلة.
اليوم الدولة مدعوة إلى إعمال مبدأ العفو مع رد الاعتبار، أي النظر في حالة المجرم وفي حالة ذوي الضحية، وتقديم حقوق الضحية على حقوق المجرم، لأن الأصل في القانون هو العقوبة على الجريمة، لا العفو على المجرم.
الحاالات التي شاهدناها هي حالات لجرائم بشعة جدا، وراءها مجرمون من نوعية خاصة، والقضية لا تتوقف عند العفو على هؤلاء المجرمين بل على عدم استفادة الضحية من أي حقوق رتبها له القانون، ناهيك عن الشكوى من أن مدد الحكم تكون قصيرة لقاء بشاعة الجريمة. من هنا أعتقد أن ملف الإعدام سوف يفتح مجددا، فحتى الآن العقلية الحقوقية لا تزال تتعامل مع الموضوع من نفس الزاوية، زاوية تغليب حقوق المجرم على حقوق الضحية.
وباء كورونا اليوم هو بالنسبة لنا مدرسة لتعليم البناء، كيف تبني عمارة بعمال صالحين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد