الرائدة في صحافة الموبايل

نبيل ملين: إدارة الأوبئة في المغرب عبر التاريخ ومنظور الفقهاء بين المنطق والغيبيات

أناس – دنا بريس

تفاعلا مع موضوع وباء كورونا نظمت مبادرة طارق ابن زياد جلسة حوارية عبر تقنية المباشر على موقع التواصل الاجتماعي “الفايسبوك” مع المؤرخ و الباحث في العلوم السياسية “نبيل ملين” حول موضوع ادارة الاوبئة في المغرب عبر التاريخ، و ذلك يوم الثلاثاء 07 ابريل 2020.

و أوضح الباحث في العلوم السياسية “نبيل ملين” أن تاريخ المغرب مليء بالأوبئة و المجاعات و التي اثرت بشكل كبير على كافة المجالات و الاصعدة، فمنذ العصر الوسيط حاول الاطباء و علماء الدين و الفلاسفة ان يعرفوا الجائحة، و كانوا يريدون فهم الاسباب التي جاءت من ورائها هذه الاوبئة، خصوصا الطاعون الذي كان من ابرزها.

 و اشار المؤرخ “نبيل ملين” الى انه في ظل عدم وجود الوسائل العلمية لاكتشاف سبب هذه الاوبئة، فان التفسيرات التي كانت آنذاك توزعت ما بين صنفين من التفسير، الاول تمثل في محاولات لعقلنة تفسير هذه الظواهر حيث فسرها البعض بحركة الكواكب كقراءة فلكية، و هناك من كان يفسرها بتعفن الهواء، أما الصنف الثاني فيتجلى في تفسيرات اخرى غيبية حيث كان يتم ارجاع هذه الاسباب اما الى الغضب الالهي لان الناس لم يمارسوا شعائرهم الدينية بإيمان و اخلاص او تفسر بسبب السحر و الجن و العين.

و ذكر “نبيل ملين” أن الاوبئة في المغرب كانت بشكل دوري و ليست عاملا عارضا و انما هي  معطى بنيوي، وقد كانت متنوعة و كثيرة و كان منها الطاعون و الجذري، الزهري، الكوليرا و النزلات، حيث عرف المغرب ما بين القرن 12 و 19 حوالي 140 جائحة، بمعدل 17.5 جائحة في القرن، اي مرة كل خمس سنوات.

و بخصوص تأثير هذه الاوبئة بالمغرب فقد أفاد المؤرخ “نبيل ملين” أن اغلبية هذه الاوبئة كان لها تأثير محدود على مستوى الزمان و المكان لكن ما يقارب 40 وباء كانت لهم نتائج وخيمة على كافة المستويات،  فالأوبئة في المغرب كان لها ايضا تأثير على الذاكرة الجمعية للناس حيث انهم كانوا يسمون الاعوام بأسماء الجائحات مثل عام إيرني، عام خبيزة، عام بوهيوف، عام درهم بوقية…

و بالرجوع الى التاريخ المغربي فقد أكد الأستاذ “نبيل ملين” أن التدابير الاحترازية لمواجهة الاوبئة كانت قليلة، و فيها نوعين، اولها غلق الحدود، لان الوباء دائما كان خارجي اما من الشمال عبر البحر او من الشرق عبر الجزائر، و رغم ان هذه الوسيلة كانت فعالة الا ان السلطات المغربية خلال هذه القرون لم تلتجئ اليها الا أربع مرات فقط، أما النوع الثاني فهو ما يسمى بالحجر الصحي او ما كان يعرف بـ “الكارنتينا”، حيث ظهرت هذه الممارسة في القرن 14 بأوروبا، و لم يعرفها  المغرب الا في بداية القرن 18، كما انها لم تكن مقبولة من طرف السلاطين و ذلك لأسباب سياسية و اقتصادية و دينية ، حيث حاربوا هده الممارسة إما بسبب المحسوبية أو نظرا لضغط التجار وأيضا بسبب ان الاغلبية المهيمنة من الفقهاء كانوا يعتبرون الحجر الصحي بدعة من بدع الكفار.

وأضاف “نبيل ملين” أن المخزن كمنظومة تقليدية تاريخيا لم تكن له سياسة لمواجهة الجائحات و كان في اغلب الاحيان غائب على هذا المجال ، تدخل 11 مرة في 8 قرون لتوزيع بعض المواد الغذائية القليلة و البسيطة على الناس، وفي بعض الاحيان كان يعفي القبائل من الضرائب و يوزع البدور، لكن هذا يمثل فقط الاستثناء، فمنذ العصر الوسيط كان ما يسمى التضامن الافقي بين الناس، وفي هذا المجال لعبت الزوايا دورا اساسيا على الصعيد المحلي في اعانة المعوزين في فترة الاوبئة و المجاعات، بالإضافة الى قياديين كبار مثل “احمد الهيبة” و “محمد بن عبد الكريم الخطابي”، الذين كانوا يدعمون المناطق التي كانوا قائمين فيها، كما أن بعض مجموعات الحركات الوطنية كانت تعبئ من اجل ان يعم التضامن بين الناس و يتقاسمون فيما بينهم المواد الغذائية.

أما الموقف الديني من الأوبئة فقد أوضح المؤرخ “نبيل ملين” أنه كان انقسام بين رجال الدين في المغرب حول هذه المسألة، حيث أن الفريق الاول كان يمثل اقلية و الذي يمكن تسميته العقلاني، و يضم ابن الخطيب مؤرخ اندلسي، ابن خلدون، محمد الفيلالي و محمد السوسي، اذ كانوا يحاولون التنسيق بين النصوص الدينية و التجارب العلمية حسب معارف العصر، وكانوا يعتبرون الجائحات مثلها كباقي الامراض و وجب مواجهتها بالاحتراز و البحث عن العلاج، أما الفريق الثاني و الذي كان يمثل الاغلبية، و لديه هيمنة ذات نزعة إستسلامية و غيبية ، يعتبر ان الوباء غير ذا تفسير عقلاني وانما ديني و مجرد قضاء وقدر و هو اما اختبار او عقاب من الله، فلذلك يجب على كل مؤمن ان يخضع للإرادة الالهية، و كان هذا الفريق يحرم اتخاذ الناس اية تدابير احترازية او استشفائية، و نظرا لتبني هذا الموقف الديني من مجموعة من الفقهاء المعروفين و الذين كان لديهم تأثير على الناس و كذا في دوائر السلطة، فقد ترتب عنه نتائج وخيمة خصوصا على المستوى الديمغرافي بالمغرب.

و في الختام طرح استاذ العلوم السياسية “نبيل ملين” سؤالا مفتوحا حول امكانية الدولة من تدبير هذه الازمة على المستوى المتوسط و البعيد لاسيما و ان المغرب مقبل على ازمة اقتصادية على غرار مجموعة من الدول خصوصا في ظل غياب مؤسسات فعالة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد