الرائدة في صحافة الموبايل

محمد عابد الجابري: مسار وعطاء

الإعلامية ألطاف أفتحي – دنا بريس

لم يكن محمد عابد الجابري مفكّراً عادياً، أو كاتب رأي أو مؤلفاً لمجموعة من كتب الفلسفة فقط ، بل كان في نظر الكثيرين مدرسة فكرية قائمة بذاتها، ومختلفة عن غيرها من تيارات الفكر السائدة في العالم العربي. كما يعتبر أحد رواد الفكر العربي  المعاصر الذي أغنى المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات و الدراسات 

لقد كرس حياته  للحفر في قضايا التراث، حيث كان همه الوحيد  هو الإنتاج الفكري، كما عاش حياته رافضا بشدة كل القوالب الموروثة عن منظومة التفكيرالتقليدي  

من هو عابد  الجابري ؟

مولده  و منشأه :

ولد محمد عابد الجابري يوم 27 ديسمبر سنة  1935 في بلدة سيدي لحسن بمدينة فكيك شرق المغرب، وسط أسرة مفككة (بسبب الطلاق)، فنشأ نشأته الأولى عند أخواله.

التكوين و الدراسة :

نشأ الجابري في عائلة متدينة شغوفة بالمعرفة ، كان جده  يعمل جاهدا  على تعليمه القرآن و الأدعية ، فألحقه بالكتاب فتعلم القراءة والكتابة وحفظ ما يقرب من ثلث القرآن، وما إن أتم السابعة حتى انتقل إلى كتاب آخر . تزوجت أمّه من “فقيه” الكٌتاب، فتلقى الجابري تعليمه على يده لفترة قصيرة، ثم ألحقه عمّه بالمدرسة الفرنسية، حيث قضى عامين في المستوى الأول

كان الآباء لا يسمحون بتسجيل  أبنائهم في المدرسة الفرنسية إلا تحت ضغط السلطات الفرنسية، لذلك واظب الجابري على حضور دروس الشيخ محمد فرج  أحد رجال السلفية النهضوية بالمغرب والذي كان يلقي محاضراته بعد العصر

عام 1957 حصل الجابري على شهادة الباكالوريا، ثم سافر إلى دمشق وحصل هناك في غضون عام واحد على شهادة “الثقافة العامة”، ثم عاد إلى المغرب ليلتحق بقسم الفلسفة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط

الوظائف :

اشتغل معلما وأستاذا ونال مع توالي السنوات، شهادة الإجاز وشهادة الدراسات المعمقة، ثم دكتوراه الدولة عام 1970 عن موضوع “العصبية والدولة”، معالم النظرية الخلدونية في التاريخ الإسلامي”، فعمل بها أستاذا للفلسفة والفكر العربي الإسلامي بذات الكلية.

قبل أن يشتهر الجابري كفيلسوف أو مفكر، نشط في مجالات عديدة… وهو بعد صبيا، انتسب إلى خلايا العمل الوطني ضد الحماية الفرنسية، ثم انضم إلى حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فكان عضوا بارزا في مكتبه السياسي لسنوات طويلة، مع أن المعطيات التاريخية تشهد بأنه لم يتفرغ للسياسة، بل نظر إلى العمل السياسي كالتزام نضالي وحسب.

اشتغل الجابري كصحافي  في يومية “العلم” لسان حزب الاستقلال، وجريدتي “المحرر” و”الاتحاد الاشتراكي” الصادرتين عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ثم بعد ذلك قلما في مجلتي “أقلام” و”الأهداف”.

الافكار التي  اشتغل عليها        

حسب تصريحات الجابري نفسه؛ فإن منطلق فكره بدأ بمحاولة تجديد الفكر العربي  الإسلامي المعاصر، وإعادة بنائه من الداخل؛ لذلك اشتغل بدراسة محاور أساسية في ثلاثة مستويات، المستوى الأول: قراءة التراث العربي والإسلامي ،المستوى الثاني : مناقشة قضايا الفكر العربي المعاصر  المستوى الثالث التعامل مع الفكر الأوروبي نقدا واقتباسا و تبيئة، ما يؤكد مدى القوة والإحاطة الفكرية التي يتصف بها.

شهادات متنوعة  في حق المناضل و المفكر عابد  الجابري 

الأستاذ عبد المنعم كعدي عضو المكتب الإقليمي للجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة :

إن كنا سنقدم شهادة حول المفكر محمد عابد الجابري فهو قدم أكبر شهادة عن المغرب حين احتفلت اليونسكو باليوم العالمي للفلسفة سنة 2002 بالرباط و تم الاحتفاء بشخصيتين  أحدهما كان محمد الجابري، و هذا يدل على انه صاحب فكر كوني جمع بين المدرس و المفكر و المثقف ، فكتب في الفلسفة و في التربية و السياسة و التعليم و الثقافة و ساهم في إرساء برامج تدريس الفلسفة بالمغرب.

و أضاف  قوله :” و في غياب الاطر بعد الاستقلال حاول أن يغطي جميع ما يحتاجه المغرب ، فالجابري قام بعمل فريق بحث و نشر ما يوازي دار نشر و انجز مشروعا فكريا جديدا يأخد بتطبيف مناهج العلوم الحديثة في دراسة الثرات و تكوين العقل العربي و مرورا ببنية العقل العربي ، و دراسات قرآنية و صولا الى مجال العقل الاخلاق العربي و الذي انبنى على خمس مسلمات منها المروءة حيث كتب فيلسوفنا عبارة شهيرة  “ما أحوجنا اليوم الى أخلاق المروءة ” و فعلا في كل يوم و في جميع المناسبات لا زلنا نتذكر العبارة القوية ، ومع انتشار الرداءة في السياسة و التعليم و الاخلاق؛ نقول مأحوجنا الى أخلاق المروءة، ياشاهدا على عصر الرداءة لقد مضيت في صمت كما مضى أجدادك من ابن باجة و ابن رشد و ابن ميمون و ابن طفيل و ستطول اللائحة على فلاسفة الغرب الإسلامي العقلاني إذا لم نتخلص من الفلسفة المشرقية الغارقة في روح الديانات الغنوصية و المانوية.

يقول  الباحث في اللسانيات وتحليل الخطاب يونس  حباش:

محمد عابد الجابري  يعد علامة من علامات النبوغ المغربي المتجدد، وصاحب مشروع فكري مركب، اشتغل على قضايا متعددة ومختلفة، ودرس العقل العربي وبنياته، وأثار فكره نقاشات واسعة وكان له امتداد عالمي، حيث ترجمت كتبه إلى عدة لغات. وما ميز الجابري هو الجمع بين الفكر والممارسة، بحيث كان مثقفا صحاب رأي وموقف، ومن أهم ما ينبغي القيام به اليوم هو الاشتغال على الجابري ونقاده، واستئناف التفكير فيما اقترحه وطرحه من أسئلة وأفكار “.

نور الدين  آيت عبو باحث  في علم الإجتماع :

الجابري ذاك المنحدر من أقاليم الصحراء التي لا يتحدثون العربية، وهو الذي ذهب باللغة التي لم يتعلمها إلا بسن ال12 من عمره إلى أبعد الحدود، فهو الوفي لموقفه السياسي والإديولوجي (اليسار) حتى وافته المنية وهو على مبادئه، منتصرا لقضايا الإنسان رغم الإختلاف، كيف لا وهو الذي دافع عن العراق ضدا في الإحتلال ، وهو نفسه رفض جائزة من صدام حسين، ودافع عن ليبيا وبنفس الهمة يرفض جائزة من معمر القدافي، وأكثر من هذا رفض جائزة من الراحل الحسن الثاني في وقت كانت تعتبر فيه مخالفة الأوامر انتحارا أو على الأقل ذو تبعات جمة. الجابري الذي كان من القلة الذين اكتشفهم الزعيم الأممي “المهدي بنبركة” وبعد حين استطاع أن يقلب تصورات أستاذه المهدي عن المشرق، بعدما كان متمسكا من قبل بعبارة أحد الفلاسفة الإنجليز “الشرق شرق والغرب والغرب ولن يلتقيا” حتى ذهب إلى المشرق وقابل عبد الناصر وزعماء حركة التحرير وتأكد من كلام الجابري بنفسه بل وتغيرت طريقة نظره للعرب

انتقادات  لاذعة :

لم يسلم عابد الجابري من من الإنتقادات في  سياق مؤلفه بعنوان  “مدخل إلى القرآن الكريم”، الذي  أدى إلى إثارة ضجة عارمة في العالم العربي والإسلامي؛ نظرا لقداسة القرآن الكريم، لكن بعض أقواله كما يلاحظ الكثير غير مقبولة، ويصعب التصريح بها أمام مرأى ومسمع المسلمين حسب تصريح  البعض .

الجوائز  التي حصل  عليها :

– جائزة بغداد للثقافة العربية، اليونسكو، يونيو 1988.

– الجائزة المغاربية للثقافة، مايو 1999.

– جائزة الدراسات الفكرية في العالم العربي، نوفمبر 2005.

– جائزة الرواد، مؤسسة الفكر العربي، ديسمبر 2005.

– ميدالية ابن سينا من اليونسكو بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، نوفمبر 2006.

– جائزة ابن رشد للفكر الحر، أكتوبر 2008.

جوائز  رفض تسليمها  :

رفض مرتين جائزة قيمتها طائلة كان يقدمها الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، بدعوى أن استمارة الترشيح للجائزة لا تشمل تخصص الفلسفة

رفضه كذلك لجائزة تقدمها اليونسكو في الشارقة، بدعوى أنه نال جائزة مثلها في وقت سابق في بغداد، ورفضه أيضا لجائزة في مجال حقوق الإنسان من الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، إذ رأى أنه لا يستحقها لعدم قيامه بأي نشاط في حقوق الإنسان

بالمناسبة، رفض الجابري لم يطل الجوائز العربية وحسب، إنما المغربية منها أيضا، فقد كشف سابقا في كتيب يحمل عنوان “مواقف”، اعتذاره أكثر من مرة عن نيل جائزة المغرب للكتاب دون إيضاح الأسباب

أكثر من ذلك، اعتذر مرتين عن عضوية أكاديمية المملكة المغربية، في المرة الأول لرغبته في الاكتفاء بصفة كاتب والبقاء في موقع المعارضة (الاتحاد الاشتراكي)، وفي المرة الثانية، لأن حالته الصحية لا تسمح له

مؤلفاته  

– العصبية والدولة: معالم نظرية خلدونية في التاريخ الإسلامي، وهو نص أطروحته لنيل الدكتوراه.

– أضواء على مشكل التعليم بالمغرب.

– مدخل إلى فلسفة العلوم (جزآن).

– من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية .

– نحن والتراث: قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي.

– الخطاب العربي المعاصر: دراسة تحليلية نقدية.

– تكوين العقل العربي

– بنية العقل العربي

– السياسات التعليمية في المغرب العربي.

– إشكاليات الفكر العربي المعاصر.

– المغرب المعاصر: الخصوصية والهوية.. الحداثة والتنمية.

– العقل السياسي العربي.

– حوار المغرب والمشرق: حوار مع د. حسن حنفي.

– التراث والحداثة: دراسات ومـناقشات.

– مقدمة لنقد العقل العربي.

– المسألة الثقافية.

– المثقفون في الحضارة العربية الإسلامية، محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد.

– مسألة الهوية: العروبة والإسلام… والغرب.

– الدين والدولة وتطبيق الشريعة.

– المشروع النهضوي العربي.

– الديمقراطية وحقوق الإنسان.

– قضايا في الفكر المعاصر (العولمة، صراع الحضارات، العودة إلى الأخلاق، التسامح، الديمقراطية ونظام القيم، الفلسفة والمدينة).

– التنمية البشرية والخصوصية السوسيوثقافية: العالم العربي نموذجا.

– وجهة نظر: نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر.

– حفريات في الذاكرة، من بعيد (سيرة ذاتية من الصبا إلى سن العشرين).

– الإشراف على نشر جديد لأعمال ابن رشد الأصيلة مع مداخل ومقدمات تحليلية وشروح.

– ابن رشد: سيرة وفكر 1998.

– العقل الأخلاقي العربي: دراسة تحليلية نقدية لنظم القيم في الثقافة العربية.

– سلسلة مواقف (سلسلة كتب في حجم كتاب الجيب).

– في نقد الحاجة إلى الإصلاح.

– مدخل إلى القرآن.

– فهم القرآن: التفسير الواضح حسب ترتيب النزول.

الوفاة

توفى محمد عابد الجابري يوم الاثنين 3 مايو 2010 بالدار البيضاء، بعد معاناة طويلة مع المرض.

عابد الجابري قدم مشروعا قوامه ” تصور نضالي للفلسفة يجمع بين المحتوى المعرفي و المضمون الإيديولوجي ” ، كما حرص على إعادة بناء الماضي ، وتتميز كل أطروحاته بالجدل التي تتركه داخل المحافل الأكاديمية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد