الرائدة في صحافة الموبايل

سعيد بويزري.. “إن عدت في ثابوت فلا أحد يبكيني فوطني اغتالني واغتال أحلامي” (حوار )

حاورته الإعلامية نادية الصبار

كثر هم هاجروا حلما بعيش افضل، من الأدمغة إلا من يبحثون فقط عن رغيف عيش ، ومنهم من كانت هجرتهم قانونية ، ومن هم من فضل ان ينضم إلى مصاف ” الحراكة” غير آبه بالموت الذي كان نهاية مأساوية لكثيرين منهم.

ولم تعد الهجرة او “الحركة “او ” الهربة “حكرا على هؤلاء، وإن لم تكن بنفس الأسلوب فهي بنفس العقيدة ، حيث طالت صفوف الإعلاميين والفنانين ، بل منهم من طلب اللجوء السياسي كالصحافي “مصطفى الحسناوي” ، وها هو “سعيد بويزري” ابن مدينة بني ملال، الحامل ل “بطاقة فنان ” ،يفضل ” الهربة ” على أن يستمر في أسلوب ” السعاية ” أمام مكاتب المسؤولين للحصول على دعم لمواصلة مسيرته الفنية، التي جعل لها من دروبات وأزقة المدينة ودواويرها المحيطة خشبة وفضاء مفتوحا يعرض فيها أعمالا مسرحية تراثية.

وفي رحلة لم تكن فنية بل إنسانية، تنقلنا لدهاليز الهجرة” الهربة ” أو ” الحركة ” أسبابها ومسبباتها ، فكان لنا مع سعيد بويزري الحوار الآتي :

مرحبا بك معنا ضيفا على جريدتنا دنا بريس، كيف جاءت فكرة الهجرة ولماذا الهجرة من الوطن ؟

 باديء ذي بدء اشكرك سيدتي نادية الصبار على هذه الالتفاتة متمنيا التوفيق والسداد لك بمسيرتك الإعلامية و لتجربتك الإعلامية الفتية “دنا بريس” كل التألق. وجوابا على سؤالك؛ لم أكن قط أفكر بالهجرة الى أروبا ولم أتخيل يوما أن اخوض مغامرة الموت كما يحلو للحراكة تسميتها بأراضي “حكم الديناصورات” .. الا أنه حين تجد نفسك منتجا في وطن يعطي الأسبقية للحاشية المقرية من الكراسي الانتخابية فإنك تكون مرغما على اخد قرار مغادرة الوطن، الذي ولى ظهره لأبنائه واحتضن شاربي دماء المغاربة وولاهم المناصب الوازنة.
بلغت الرابعة والثلاثين سنة، قضيت منها حوالي 13 سنة في المسرح، ضحيت بعملي ومصدر رزقي لأتفرغ للفن وأمتهنه، لكن الأمور تعقدت كثيرا بالسنوات الأخيرة حتى وصلت الحظيظ، فلم يعد بوسعي التحمل.

كيف وصلت الحظيظ ولم يعد بوسعك التحمل ؟

سأكون أكثر وضوحا معك سيدة نادية الصبار ، لقد بدأت أتعرض لمضايقات سياسية من طرف أشخاص كنت أكن لهم الاحترام ولازلت؛ ولكن لي موقف من عملهم بالسياسة .  
لقد كنت اشتغل بفرقة أوركا للمسرح والسمعي البصري بمدينة بني ملال من خلال مشروع “نمودج أوركا للتكوين المسرحي المستمر “، بغية المساهمة في خلق قاعدة شبابية واعية بالمشهد المسرحي ومدركة بأن تطور جميع الدول لا يكون فقط بالاستثمارات والمشاريع .. فالدول ترقى بالفنون كذلك ..

صورة من إحدى عروض مسرح اوركا

لم أجد اي مسؤول بالمدينة يهتم بمشروع مماثل لأنهم منشغلون بالسياسة والفنون ليست هما سياسيا بالنسبة لهم. كانوا يقدمون من الحين للحين اكراميات لكن؛ لعزة نفسي لم أكن لأقبل. بدأت الاشتغال على المشروع من مالي الخاص وقررت أن اعرض التجربة بالأحياء الشعبية بغية تعميم الفرجة المسرحية بالشوارع والأزقة والقرى بدون مقابل، وقد كان عنوانها “لعبوها مسرح في الدرب ” فكرة تنبني على تقديم عروض موجهة للطفل او ما يسمى “مسرح الشارع” وتقديم عروض من قبيل ” اجرادة مالحة” المستوحى من الثراث اللامدي الشفهي المغربي. شخص أدوار العرض الأول خريجوا السنة الاولى من التكوين المسرحي . وقد لقي استحسانا كبيرا خصوصا أنه كان يعرض بأزقة مدينة بني ملال وبأحيائها الهامشية إلى جانب عروض استعراضية تضم الاكروبات والرقص الحر والألعاب النارية.

إلى حدود ما ذكرت ، تبدو الأمور جيدة ، ما الذي دفعك للإقدام على خطوة مماثلة؟

زادت المضايقات من طرف بعض سماسرة الفن.. واصلت الفرقة مشروعها الذي كنت ادعمه من مالي الخاص، مع الاستمرار في تقديم العروض المسرحية التي كنت أقدمها بالمدارس الخصوصية وكذا بالمخيمات الصيفة. فبعد نجاح التجربة خصوصا وانها كانت تستهدف الأحياء الشعبية بالمدينة والتي يراهن عليها ساسة المدينة عند كل انتخاب، والمعركة كما هو معلوم في أوجها بين الأحزاب السياسية استعدادا لانتخابات 2021. ولم اكن اعي أنني سأكون كبش فداء واستدرج لتحقيق أهواء سياسية، ما جعلني بين المطرقة والسندان . لا انكر ان منهم من قدم لي دعما ماديا وظفته في الديكور ومستلزمات العروض المسرحية  حيث كنت مجبرا على قبوله شريطة عدم انخراطي في اي عمل سياسي ومع اي جهة أيا كانت.

بعد أن نظمت الجمعية الدورة الأولى لملتقى مسرح الطفل كانت هناك وعود لدعم الدورة لكن سرعان ما اكتشفت أني صرت مدانا بتسديد جميع مصاريف الملتقى من مالي الخاص، فقد تخلت عني وللأسف جميع الجهات المسؤولة من المجلس البلدي إلى المجلس الإقليمي وصولا إلى الجهة؛ جهة بني ملال خنيفرة..

وهل هذه أسباب كافية لأن تلقي بنفسك في الجحيم يا سعيد ؟

كان ممكنا أن افارق الحياة وانا في طريقي إلى أوربا ولا احد يعلم ما قد يقع لي الآن وأنا اجري هذه المقابلة في مخيم اللاجئين بويسالونيك الواقعة باليونان.. لم يترك لي الوطن إلا هذا الخيار

لقد استغلت الجهات الداعمة عدم إلمامي بالحسابات السياسية فصرت مدانا بوثيقة امضيت عليها من طرف … بالمجلس البلدي حيث كان من المقرر تقديم الدعم لكن بحيلهم الخبيثة تم الإيقاع بي . فلكي اسدد ديني اقرضوني مبلغا لاعيده حالما تتوصل الجمعية بالدعم . لكنهم قابلوا نيتي الحسنة بالمكر والخديعة.  فصرت لعبة بين ايديهم، لم تتوصل الجمعية بالدعم ولم أعد قادرا على اكمال عروضي المسرحية بالأحياء الشعبية . ما زاد الطين بلة هو ذاك الإحساس الذي رافقني حين ايقنت أنني تعرضت للتلاعب . لا انكر أن علاقتي مع رئيس المجلس الإقليمي جيدة؛ لكن رئيس المصلحة المكلفة بالدعم أهانني ورفض استقبالي قائلا وباستعلاء من على درج المؤسسة ” الرايس ما عارف والو، ويلا قال نسلمك الدعم راه ماعارفش ” في حين؛ أن رئيس المجلس الإقليمي لبني ملال أكد لي فيما مرة بأنه يعطي أهمية فائقة لعمل الجمعية والدور الذي تقوم به، لاكتشف ثمة حسابات سياسية ضيقة داخل المجلس الإقليمي كنت من بين ضحاياها.

هل نفهم أنك الآن في حالة فرار ؛ وعذرا على السؤال؟!

ما من مشكلة سيدتي نادية الصبار، لا عليك .. ساجيبك، لست في حالة فرار، فقط لم ارغب بالدخول في صراعات سياسية، كما أني لا أريد التشهير بأحد، على الرغم من أني متأكد بأن ما قامو به غير قانوني. فقد قمت بأداء ما علي من ديون  سواء ما تعلق بتكاليف المهرجان أو ما تم تقديمه لي على أساس أنه هبة أو دعم لأجدني مدينا.

“الهربة ” أو “الحركة : هي وسيلة اليائس للبحث عن حياة جديدة، فقد قضيت 13 سنة من عمري في العمل الفني وهو عمر لا يعوض وحان الوقت لأهتم بسعيد الإنسان قبل الفنان .

ولما الهروب أو ما أسميته “الهربة ” على حد قولك؟

هارب أنا الفنان سعيد بويزري من” مجتمع كيشوف فالفنان طلاب وسعاي ديما واقف قدام بيبان المسؤولين، هارب من مسؤولين كيجمعو لفلوس ويديروا فالعقارات ومسامحين فلمدينة لي فيها وحنا فسنة 2020 دار شباب واحدة ومركب ثقافي واحد” .

رغم كل العراقيل والعقبات نظمت الجمعية في سنتها الرابعة الدورة الأولى من مهرجان مسرح الشارع والذي كان وكما سبق وأن أخبرتك سيدة نادية الصبار؛ بناء على دعم مرتقب من طرف مجلس جهة بني ملال خنيفرة لأكتشف بعد توقيع العقدة و تنظيم المهرجان أن الميزانية التي خصصت له هي 20000 درهم ،غير التي رصدت للمشروع، وهكذا دخلت دوامة أخرى وهذه المرة بطعم المرارة والخيبة .

لا بأس، لعله مبلغ يفي بجزء من التزاماتك “لا تابع ولا متبوع”…

الطامة الكبرى أنه لم يتم تمكيننا من المبلغ بأكمله بل صرفو لنا الدفعة الأولى 10000 درهم على أساس أنه سيتم تسليم الدفعة الثانية بالموسم الموالي ، لنتفاجأ بعدم السماح لنا كجمعية من تقديم مشاريع، والمصيبة أننا بعد لم نستلم الدفعة الثانية التي وعدنا بها وحين استفسرنا عن الأمر كان الجواب بكل بساطة “ملف مرفوض”.

تلاعب بي مدير المصلحة من جديد بكلماته الزائفة التي تعودنا منه ومن امثاله المكر والخبث، فعلى اختلافهم يتشابهون، فلا حياة لمن لا فن في قلبه.

وماذا كان رد فعلك حينها ؟

قمت بتسديد دين المهرجان وقررت أن أهرب إلى اليونان أرض “عاهرة الحضارات” التي لطالما تغنيت بها بالمهرجانات، قد لا يعجب البعض ما تلفظت به لكني ذقت مرارة العهر عندما وطأت قدماي أرضها..

لماذا وصفتها ب ” أرض العاهرات “؟

يعاملون الناس بلا إنسانية، لديهم سجون تدعى التميمة لا يعلمها “المراكة ” ( المغاربة ) إلا من مر بها، وهي توجد بقرى نائية صغيرة على الحدود البلغارية تنعدم فيها أدنى شروط الحياة.

كيف سأسميهم بعدما اذاقوني المهانة والمذلة، ولطالما تغنيت بهم في كبريات المحافل والمهرجانات المسرحية..

هربت لأني استنفذت ما بجعبتي من صبر، أنا سعيد البويازري ابن مدينة بني ملال الفنان البار بمدينته ومسقط رأسه ، والذي جعل من الفن مهنة شريفة ورسالة عفيفة وحاولت أن أرقى بالفن في مدينتي فباءت أماني بالفشل .

ماهي رسالتك بالمناسبة ؟

إذا كان المعلم والشرطي والقاضي والمهندس والطبيب والوزير ورئيس الحكومة يتقاضون رواتبهم فلما لا يتقاضى الفنان أجرا نظير ما يقدم من خدمة للمجتمع، أم انه لا يخدم المجتمع ؟!… ولما علي أن أقضي الباقي من عمري أمارس” السعاية ” أمام مكاتب المسؤولين وعلي كذلك أن أجيد فن التملق .

هجرتي هذه أحزنت كثيرا من الأصدقاء بل هناك من عاتبني فلم اعد ارد على رسائلهم حتى لا تصلني معاتباتهم.

هل من كلمة أخيرة؟

إن عدت في ثابوت فلا أحد يبكيني فوطني اغتالني و اغتال احلامي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد