الرائدة في صحافة الموبايل

كي لا نظلم التعليم الخصوصي

عبد المولى المروري
لابد أن أتكلم في هذا الموضوع بأقصى قدر من التجرد، وأكبر مستوى من الموضوعية والنزاهة، لن أميل كل الميل، ولن أترك الحديث فيه فيصبح القطاع كالمعلقة.. هي كلمة أوضح فيها ما غمض من واقع يعيش فيه قطاع التعليم الخصوصي في ظل جائحة كورونا، وأشرح ما التبس في أذهان الناس، وأفك بعض الرموز التي عجز المواطن العادي على فكها. 
سأتناول الإطار القانوني الذي يشتغل ضمنه، ودوره في تنشيط الحياة الاقتصادية والاجتماعية، ومساهمته في تربية وتعليم أبناء المغاربة، وأنتهي إلى الحديث عن الأزمة التي يعيشها الآن وخلفياتها وأهدافها ومآلاتها.. وتأكدوا أنني سأتحلى بمنتهى الموضوعية والتجرد، والوضوح اللازمة الذي ألزم به نفسي انتصارا لقناعاتي ومبادئي قبل أي شيء آخر.
1/ الإطار القانوني:مؤسسات التعليم الخصوصي لم تفتح مدارسها عبثا، بل وفق مسطرة في غاية التعقيد والصعوبة، الجزء الأول منها متعلق برخص البلدية أو العمالة، وهي مشمولة بمعايير تصل إلى درجة الإجحاف أحيانا، مع ما تعرفه إدارتنا المغربية من مشاكل لا تخفى على أحد، هذه الرخصة التي لها علاقة ببناء أو إحداث مؤسسة يتدخل فيها متدخلون كثر ، الوقاية المدنية والولاية و المكتب الصحي ومصلحة التصاميم ومصلحة التعليم الخصوصي، للتأكد مما مطابقة البناية مع دفتر التحملات الذي تفرضه الوزارة، وأشياء أخرى لا داعي لذكرها هنا، وقد يُرفض المشروع بعد أن ينفق عليه صاحبة الملايين، وقد يكون هذا الرفض لأي سبب!! فتأملوا هذه المغامرة، وما أقوله ليس من وحي الخيال، بل حقائق ووقائع صحيحة، ولا داعي لضرب الأمثلة.
الجزء الثاني من المسطرة متعلق برخصة الأكاديمية التي تبني موافقتها على وثائق ومعايير أخرى، لا تقل تعقيدا وصعوبة عن المسطرة الأخرى، من بينها رخصة البلدية أو العمالة.. هذه المساطر القبلية قد تستغرق أكثر من سنة في الجانب المتعلق بالرخص، ويد المستثمر على قلبه، قد يقبل مشروعه وقد يرفض بعد استثمار أموال طائلة..
والذي ينظم هذا القطاع هو القانون رقم 00.06 المعتبر بمثابة النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي، هذا النظام الذي يضم مجموعة من المواد المؤطرة والمنظمة لعمل هذه المؤسسات، ابتداء من طريقة الحصول على الرخصة، وتعيين المدير التربوي والمدرسين، والمناهج والبرامج المعتمدة والمتطابقة لزوما مع ما تقرره الوزراة ومصادقة الأكاديمية على ذلك، والإحالة على قوانين أخرى ذات الصلة مثل قانون الشغل، وخضوع هذه المؤسسات لعمليات تفتيش ومراقبة دورية من طرف الوزارة الوصية، وكذلك من طرف وصندوق الضمان الاجتماعي ومصالح الضراب في مناسبات متعددة، ومواد ثمانية تتعلق بعقوبات زجرية صعبة في حالة وجود مخالفات من طرف أصحاب المؤسسات.
وبالتالي، وقبل أن يكون لهذه المؤسسات وجود مادي ، لها أصل قانوني تخرج منه وتنتمي إليه وتخضع لنصوصه ومراقبته وجزاءاته.
2/ مشاركة مدارس التعليم الخصوصي في تربية وتعليم أبناء المغاربة:
إن الأصل القانوني لهذه المؤسسات أعطى لها حق المشاركة في تربية وتعليم أبناء المغاربة إلى جانب المؤسسات العمومية، ولكن ما الذي جعل الآباء يقبلون على هذه المؤسسات ويسجلون أبناءهم بها؟لن أدخل في تاريخ التعليم الحر ودوره التاريخي في تكوين نخبة من المناضلين الذين قاوموا الاستعمار بفكرهم وقلمهم، فليس ها هنا مجاله، وإنما سأحاول أن أجيب عن اختيار معظم أسر الطبقة المتوسطة والغنية، وجزء لا يستهان به من الطبقة الضعيفة مؤسسات التعليم الخصوصي، رغم أن الطبقة الأخيرة تعاني شظف العيش؟
واهم من يعتقد هناك تمكين للتعليم الخصوصي من أجل القضاء على التعليم العمومي، وتخلص الدولة منه لما يكلفها من موارد وميزانية ضخمة!! وذلك بانتقاص جودته باتخاذ تدابير في غاية السوء، من قبيل اكتضاض الأقسام، ضعف تكوين المدرسين واعتماد الأساتذة المتعاقدين، وعدم تطوير مناهجه وبرامجه وتجهيزاته.. فمهما حاولت الدولة ذلك، تلك نظرة قاصرة وأحكام مطلقة ولا ترتكز على حجة أو بينة، والحقيقة أعمق من ذلك، فلن تستطيع الدولة التخلص من التعليم العمومي لأنه واجب عليها وقدرها المفروض عليها حالا ومستقبلا، وسأعود إلى هذه النقطة بقليل من التفصيل في هذا الموضوع. وقبل ذلك، لماذا يفضل الآباء مؤسسات التعليم الخصوصي على العمومي؟
يجب أن نعرف أولا أن جل مؤسسات التعليم الخصوصي تعتمد المقررات والمناهج التي تقرها الوزارة الوصية باستثناء مقررات اللغة الفرنسية التي تتطلب مصادقة الأكاديمية، وبالتالي لا اختلاف في جوهر المقررات والمناهج، ولا تفاوت في الامتحانات الإشهادية، ولا تمايز في ولوج مؤسسات التعليم العالي..
إن مستوى جودة التعليم مرتبط أساسا برؤية الدولة العامة للتعليم، ودوره في وعي الشعب ونضجه وتأثيره في الشأن العام، فكلما ارتفعت جودته كلما ارتقى فكر الشعب، وتحسن وعيه ونضجه، فيصبح عصيا على التدجين والترويض، وهذا ما يشكل هاجسا حقيقيا للدولة العميقة، الأمر الذي جعلها تنتهج منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي سياسة التقويم الهيكلي وانطلاق مسلسل الإجهاز الممنهج على التعليم.. 
بعد ذلك سيلاحظ المتتبع تباطؤ وثيرة بناء المدارس بالمقارنة مع وثيرة النمو البشري وتزايد حاجة الشعب للمدرسة، انخفاض في الميزانيات المرصودة لهذه الوزارة بالمقارنة مع حاجياته المستمرة، انخفاض عدد المدرسين المتخرجين الأمر الذي أدى إلى الاكتظاظ الأقسام.. إغلاق مدارس التكوين أو تقليص مدته وتدني جودته وفعاليته.. الأمر الذي أثر سلبا على المستوى الأكاديمي والمهاراتي للمدرسين.. وغير ذلك من متتالية الإجراءات والقرارات التي أجهزت على التعليم وجعلت المغرب في أدنى الترتيب العالمي.. 
في ظل هذا الوضع، وفي منتصف الثمانينيات أيضا أصبحت تظهر مؤسسات التعليم الخصوصي، وارتفع عددها نسبيا خلال التسعينيات، لتعرف انتشارا واسعا في العشرية الأولى من هذا القرن، وقد نجحت هذه المؤسسات فيما أخفقت فيه المدرسة العمومية، علما أن لهما المناهج والمقررات ذاتها مع استثناء اللغة الفرنسية، فكيف تم ذلك؟
ففي الوقت الذي تعيش فيه المدرسة العمومية على إيقاع غياب المدرسين بسبب الإضرابات أو كثرة الشواهد الطبية الوهمية، نجد المدرسة الخصوصية متشددة وصارمة في موضوع الغياب، وحتى إذا كانت هناك ضرورة يتم تعويض التلاميذ دون تأخر، مع الحرص الشديد على إتمام كل المقررات الدراسية في وقتها وبفعالية كبيرة.
وفي الوقت التي تعرف أقسام المدرسة العمومية اكتظاظا مرعبا يتجاوز أحيانا الخمسين تلميذا، نجد المدرسة الخصوصية ملزمة باحترام دفتر التحملات الذي يفرض متر مربع لكل تلميذ تحت طائلة تعرض المؤسسة لجزاءات قاسية في حالة للمخالفة.
وفي الوقت الذي تغيب عن المدرسة العمومية عملية للتكوين والتكوين للمستمر ، سارعت المؤسسة الخصوصية – في معظمها – إلى استدراك ذلك وتأهيل أطرها التربوية أكاديميا وفنيا.
وفي الوقت الذي تغيب في المدرسة العمومية الأنشطة الموازية التي ترفع من كفاءة التلميذ وتفتحه الفكري والفني والنفسي، نجد أن المؤسسة الخصوصية أبدعت وتفوقت في ذلك إلى حد بعيد.. وغير ذلك من المزايا التي أبدعت فيها المدرسة الخصوصية وساهمت بشكل كبير في تطوير قدرات الطفل وتفتحه على مختلف المجالات المهمة والضرورية في الحياة بطرق عصرية ومتطورة جدا.
لذلك استطاعت هذه المؤسسات استقطاب أزيد من مليون تلميذ في وقت قصير، فأصبحت المدرسة الخصوصية مشاركة بشكل فعال وقوي في تربية وتعليم نسبة مهمة من أبناء المغرب وبجودة عالية مقارنة بالمدرسة العمومية.
إن رقم مليون تلميذ ليس رقما سهلا أو هينا، إنه عدد وازن في تكلفته ومخرجاته، والثانية أهم من الأولى، ذلك أن تعليم وتكوين وتأطير وتربية مليون تلميذ عمل استراتيجي ستظهر آثاره في المستقبل القريب، وذلك بتخرج فئة من الطلاب يختلف تكوينهم ومستواهم، وأهم شيء، فكرهم وشخصيتهم ونضجهم عن متخرجي التعليم العمومي – مع استثناءات موجودة لتلاميذ تفوقوا بشكل ملفت في المدرسة العمومية، وقطعا أن ذلك راجع للتلميذ ذاته أو لأسرته، أو لحسن حظه صادف مدرسين لهم غيرة على التعليم وقيمه، وحتما تفوق هذه الفئة لا علاقة له بالمدرسة العمومية – ذلك أن المقاربة التربوية المعتمدة في جل المؤسسات الخصوصية تختلف عن تلك التي في المدرسة العمومية، حيث تعتمد الأولى في معظمها على احترام التلميذ والتقدير الذاتي وتشجيعه على الإبداع والنقد، مع تفاوتات واختلافات بين مؤسسة خصوصية وأخرى في هذا المجال وفي غيره على مستوى الجودة والرسالة التربوية، ولكن عموما هناك تفوق للمدرسة الخصوصية على المدرسة العمومية في هذا المجال.
وبذلك أضحت المدرسة الخصوصية نقطة الضوء الوحيدة في قطاع التعليم الذي عرف تدهورا مستمرا ومتواصلا منذ الاستقلال، واستطاعت أن تقاوم بكفاءة مسلسل الإجهاز الممنهج على التعليم بمختلف أسلاكه، خاصة خلال فترة الحجر الصحي حيث أبانت هذه المؤسسات على قدرة تواصلية عالية، وفعالية كبيرة في التدريس، ومتابعة دقيقة للتلاميذ مقارنة مع المدرسة العمومية.
وعليه، ما تخوفت منه الدولة العميقة من أن يحصل في المدرسة العمومية وعملت استباقيا على منعه، وجدته في المدرسة الخصوصية حاضرا بقوة دون أن تستطيع التدخل فيه أو منعه، فما الحل ؟ الجواب بعد قليل.
3/ مساهمة التعليم الخصوصي في الحياة الاقتصادية والاجتماعية:
يصل عدد مؤسسات التعليم الخصوصي إلى 5800 أو يزيد، ويشغل أزيد من 145000 من الأطر التربوية والإدارية وباقي المستخدمين، أي يفتح آلاف البيوت والأسر، بكتلة أجور تتجاوز في المتوسط الأدنى مبلغ 507.500.000 درهما، هذا فضلا عن مئات سيارات النقل المدرسي التي تستهلك أطنانا من الوقود. هذه الأرقام ليست للاستعراض، إنها تبين حقيقة مؤسسات التعليم الخصوصي، ومساهمتها في فتح وإعالة آلاف الأسر، ودورها الكبير في التقليل من البطالة، ومساهمتها في تنمية وتحريك الاقتصاد الوطني، إضافة إلى أداءها للضرائب ومساهماتها في صندوق الضمان الاجتماعي، وناهيك عن التكفل المجاني بمئات التلاميذ المعوزين… إنها – وفي معظمها – مؤسسات مواطنة بكل ما تحمل الكلمة من معنى.
4/ أزمة مؤسسات التعليم الخصوصي، الأسباب، الخلفيات، الأهداف والمآل:
لابد أن أوضح ابتداء أن مؤسسات التعليم الخصوصي ليسوا على مستوى واحد من هذه الأزمة، بل تفاوتت حدتها وخطورتها من مؤسسة إلى أخرى، حسب طبيعتها وموقعها وحجمها والمستوى المادي لزبنائها، لذلك لم أفهم تلك الإطلاقية وذلك التعميم الذي استهدف مؤسسات التعليم الخصوصي في تلك الحملة الظالمة و ” المخدومة ” بعناية فائقة.
وهنا، وتوضيحا لمن يحتاج توضيحا، هناك بعض المؤسسات التي تنتمي إلى فصيلة البورجوازية الفاحشة التي تستطيع أن تؤمن مصاريف كل السنة الدراسية بكل أجورها وتسييرها ومشترياتها من خلال تحصيل رسوم التسجيل والتأمين فقط، وتبقى مداخيلها الشهرية لمدة 10 أشهر عبارة عن أرباح صافية، وجل أصحاب هذه المؤسسات هم من فصيلة تلك البرجوازية التي تدور في فلك المخزن، وتحتمي به، وتروج لمشروعه، ولها قرابة مصلحية وشبه اقتصادية مع تلك الفئة التي كانت موضوع المقاطعة الشعبية، وهذه الفئة لا علاقة لها لا بالمناهج الوطنية ولا بمقرراتها ولا بهوية الوطن ولا ولا، وغالبا ما تكون لها ارتباطات بمدارس خارج الوطن، على مستوى المناهج وأسلوب التدريس والاستفادة مما يصطلح عليه بالامتياز التجاري أو العلامة التجارية. وبالتالي الأزمة التي يعانيها قطاع التعليم الخصوصي لا تعنيها في شيء، بل هي أكبر مستفيد منه بعد إغلاق العشرات من المؤسسات لا قدر الله إذا لم تحل هذه الأزمة في أسرع وقت ممكن.
في المقابل، وهذا هو المهم، حديثي سيتركز على المؤسسات التي تعد بالمئات المنتشرة في الأحياء الشعبية وفي المدن الصغرى، سواء كانت كبيرة أو متوسطة أو صغيرة، والتي تعيش على الكفاف وانتظار كل شهر للوفاء بمصاريفها وأداء أجور مستخدميها.. ولنتأمل في قرار وزير التربية الوطنية.
في خطوة مفاجئة، ودون إشراك ممثلي قطاع التعليم الخصوصي الذي يتجاوز عدد مؤسساته 5800 قرر وزير التربية الوطنية توقيف الدراسة الحضورية وإعلان كل المستويات الدراسية ناجحة – تقريبا – باستثناء أولى وثانية باك.
— أسباب الأزمة:فإذا كان هذا القرار مبررا وملائما لفئة التعليم العمومي، فإنه مضر وماحق لمؤسسات التعليم الخصوصي، وذلك للاعتبارات التالية:
أ – الدولة هي التي ستتكلف بأداء أجور مدرسي التعليم العمومي من خلال الميزانية المرصودة لهذا القطاع خلال هذه السنة، في حين أن قطاع التعليم الخصوصي يعتمد في كل مصاريفه على أداء واجبات التمدرس التي يتحصلها من الآباء شهريا. 
ب – بإعلان توقف الدراسة واحتساب نقط أو نتائج سابقة في نجاح التلاميذ، سيتسبب في تراخي هؤلاء عن مواصلة الدراسة عن بعد بعد تأكدهم من النجاح، وسيدفع الآباء إلى الامتناع أو التوقف عن الأداء، وهذا ما حصل فعلا خلال شهر أبريل مع الدراسة عن بعد وخلال شهر ماي بإعلان قرار التوقف..
ج – إن توقف أو امتناع الآباء عن الأداء سيجعل المؤسسات الخاصة في حالة عسر وعجز عن صرف أجور المدرسين والأعوان، الأمر الذي يتسبب في توتر ومشاكل بين الأجراء والمشغلين.. وقد يؤدي ذلك أيضا إلى إغلاق العديد من المؤسسات..
علما أن الآباء – خاصة غير المتضررين منهم – ملزمون بأداء واجبات التمدرس ما دامت المدرسة الخصوصية ملزمة بالاستمرار بالتدريس عن بعد امتثالا لقرار الوزارة، فهذا الأسلوب ليس من اختيار المدرسة الخصوصية، وليست هي من فرضته، وليست هي من فرضت استمرار التدريس، وليست هي من قررت توقيف الامتحانات…فالالتزامات التعاقدية بين المدرسة الخصوصية والأب هي التزام سنوي، تقدم من خلاله المدرسة خدمة تعليمية وتربوية لفائدة التلميذ مقابل أجر متفق عليه سلفا والذي يؤدى مع بداية كل شهر، فالالتزام يهم الموسم الدراسي الذي من خلاله تحصر المدرسة عدد تلاميذها وتضع ميزانيتها وبرامجها السنوية على ضوء ذلك العدد، وإذا كان هناك أي توقف أو انتقال اضطراري فلا يعدو أن كون ذلك استثناء وليس أصلا.
إذن فالأزمة الأولى بدأت بإعلان الدولة حالة الطوارئ الصحية وتوقف التدريس الحضوري لفائدة التدريس عن بعد، وهنا بدأت إرهاصات توقف أو امتناع أغلية الآباء عن الأداء. إن عدم حضورية الدروس هو بمثابة القوة القاهرة التي حالت دون فتح أبواب المدرسة الخصوصية في وجه تلامذتها، وليس بإرادة هذه المدرسة.
والأزمة الثانية هي يإعلان التخلي عن إجراء الامتحانات مع احتساب نتائج سابقة، مما يعني نجاح التلاميذ، مع استمرار الدروس عن بعد، وإن قرار إلغاء الامتحانات أفرغ عملية التدريس عن بعد من مضمونها وجدواها. الأمر الذي شجع أغلبية الآباء على التوقف عن الأداء.
بعض الحلول المقترحة: 
الحل الأول / الدولة الضامنة: 
ومادام الدولة هي من قررت إلغاء الدروس والحضورية، وهي من قررت استمرار الدراسة عن بعد، وهي – قبل ذلك – من فرضت وسنت حالة الطوارئ الصحية وفرض حظر التجول وتوقيف العديد من المهن، وبما أن بعض الآباء تضرروا من هذا القرار بتوقفهم عن العمل وتضرر مداخليهم المادية، الأمر الذي منعهم حسب قولهم من أداء رسوم المدرسة، وبما أن الدولة أعفت الشعب المغربي من أداء مجموعة من الالتزامات كالماء والكهرباء … فعلى الدولة ذاتها أن تدخل رسوم تمدرس الآباء ضمن تحملاتها المالية، نظرا لمحورية ومركزية تعليم أبناء المغاربة، على الدولة – بصفتها ضامنة – أن تحل محل الآباء وتقوم مقامهم وتنوب عنهم في أداء رسوم مدارس أبنائهم، مع إلزام هؤلاء الآباء بما يفيد عجزهم عن الأداء، ويتم إعفاء مدارس التعليم العمومي من حرج المواجهة مع الآباء. وبهذه الطريقة ستساعد الدولة الآباء العاجزين دون أن تساعد المدرسة الخصوصية.
الحل الثاني / التزام الدولة بوعدها:
حيث وافقت الدولة على تعويض إداريي وأعوان وسائقي المدارس الخصوصية الذين توقفوا عن العمل من صندوق كوفيد 19، وهذا التزام يطوق عنقها لا يحق له التحلل منه، وهنا مصداقيتها كدولة راعية على المحك. وإلى جانبه، على الدولة أن تساعد المدارس الخصوصية على إيجاد حل لضمان الحصول على مداخيلها ” المحجوزة ” عند أغلبية الآباء، خاصة غير المتضررين من التوقف عن العمل، باعتبارها الدولة الراعية ، ووزارة التربية الوطنية هي الوصية والحامية لقطاع التعليم المدرسي. فلا يجب أن تترك المدارس الخصوصية تعيش الإفلاس والمصير المجهول، وينتظرها آلاف الأجراء يطالبون بمستحقاتهم بعد أن واصلوا عملهم امتثالا لقرار الوزراة. فإذا عجزت عن ذلك، فليس لها إلا أن تتحمل مسؤوليتها كدولة ضامنة للآباء المتوقفين عن الأداء.
المؤامرة:
— خلفيات الأزمة:
إذا تخلت الدولة في شخص وزراة التربية الوطنية عن رعايتها للتعليم الخصوصي، رغم مساهماته الكبيرة والمشهودة في مجالات شتى، ونكصت عن التزامتها ووعودها، وترك هذا القطاع يواجه إفلاسا محققا ويعيش مذبحة رهيبة على أعتابها، فليس أمامي إلا التحليل التالي.
لقد قلت سابقا أن التعليم الخصوصي نجى من عملية التمييع والتدجين الذي استهدفت التعليم العمومي، واستطاع أن يحقق جودة معتبرة بالمقارنة مع التعليم العمومي، بصرف النظر عن كل المؤاخذات التي عليه، سواء كانت صحيحة أو مبالغا فيها، فإن تفوقه وتميزه ونجاحه في تخريج فئة من الطلاب يتميزون بقوة الشخصية وحرية التعبير، والتقدير الذاتي والجرأة على الكلام والنقد، وجلهم من أبناء الطبقة الوسطى، وهي الطبقة المزعجة للدولة العميقة، فإن من شأن ذلك أن يزيد من توسع هذه الطبقة في المستقبل القريب، ويرتفع وعيها، وتتقوى مطالبها، ويتزايد نفوذها واحتلالها لمواقع مهمة في أجهزة الدولة، فيصعب ترويضها أو تدجينها.
وعلى غرار استغلال جائحة كورونا وإعلان حالة الطوارئ الصحية، حيث ازداد تغول السلطة وظهور معاملات حاطة بالكرامة في مواجهة المواطنين، واستفحال ظاهرة المتابعات والاعتقالات من طرف الأجهزة الأمنية والنيابة العامة، وتهريب مشاريع قوانين سرية مثل مشروع قانون 20.22، فعلى غرار كل ذلك، فإن هذه هي المناسبة للإجهاز على قطاع مهم، يخرج فئة من المواطنين سينتمون مستقبلا إلى الطبقة الوسطى، وذلك بتركه ينهار تلقائيا بقرارات تحمل ضمنها أدوات الإعدام، دون أن يتلقى أن دعم أو مساعدة مستحقة.
— الأهداف والمآل:
قلت إن مؤسسات التعليم الخصوصي موضوع الأزمة الحالية ينتمي إليها تلاميذ معظمهم من الطبقة الوسطى، وستخرج مستقبلا رجالا سينتمون إلى الفئة ذاتها، وهي الفئة التي تزعج الدولة العميقة وتريد أن تقلص من توسعها.
فماذا عن مؤسسات التعليم الخصوصي من فصيلة البرجوازية الفاحشة؟
لقد بدأت بعض المؤسسات بإعلان توقفها وإفلاسها، وإذا لم يتم التعجيل بحل حقيقي ونزيه ومنصف، سيزداد عدد المؤسسات المفلسة، حينها لن يجد الآباء إلا أبواب المدارس العمومية على قلة جودتها وتدهور بناياتها واكتظاظ أقسامها وتدني مستوى الكثير من مدرسيها، وسيعيش التلاميذ في جو الرداءة التعليمية والتربوية والنفسية والصحية.. وتتم السيطرة الفكرية على جيل صاعد، دون مستوى فئة الطبقة الوسطى.
وهذا ما يفسر الحملة الشعواء التي مورست بمنهجية دقيقة، تقدمتها بعض منابر الصحافة المكتوبة والمأجورة، وعلى رأسها جريدة الأخبار ” الكاذبة “، وبعض المواقع الإلكترونية التافهة، واستعملت في هذه الحملة أحدث أدوات الكذب والبهتان والتشهير، وفق خطة مدروسة بعناية، ومصحوبة بحماية، ومؤطرة بسياسة، بهدف إسقاط هذا القطاع وإعدامه.
للأسف انساق مجموعة من الناس، عن غير دراية وتمحص، وراء هذه الحملة الظالمة والمخدومة، واتهموا القطاع بأبشع النعوت والأوصاف القدحية، دون أن يدركوا أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن الهدف هو الإجهاز على ما تبقى من جودة قليلة من التعليم الذي تتميز به المدرسة الخصوصية، وهو تميز خارج عن ترويض أعداء التعليم التنويري والتوعوي، لفائدة تعليم طبقي برجوازي.
بينما في المقابل، ستنتعش المدارس البورجوازية وسيتم التمكين لها كي ترعى وتُخَرِّج نخبة تابعة فكريا وثقافيا لفرنسا، وسياسيا للمخزن، واقتصاديا للبرجوازية المتوحشة، وهذه الفئة هي من سيعهد إليها مستقبلا الحفاظ على أركان وحصون ومصالح الدولة العميقة.
أتمنى أن يساهم هذا الموضوع ولو جزئيا في رفع اللبس والغموض على طبيعة وخلفيات الأزمة التي وضع فيها قطاع التعليم الخصوصي، وخلفيات وأسباب الهجمة الممنهجة والحملة المنظمة التي ووجه بها.. وأن هناك حسابات كبرى، أكبر من أن تفهمها بعض العقول الصغيرة وتعيها بعض النفوس المريضة، وعلى الشعب المغربي النبيه أن يمتلك القدرة على التمييز والإدراك حتى لا تنطلي عليه حيل السفهاء، إنه مشروع الإجهاز على التعليم الذي يبني المواطن الحر الكريم لفائدة تعليم يصنع مواطنا تابعا خانعا مائعا.
التحدي الأكبر أن يعود الاعتبار للتعليم المغربي والمدرسة المغربية سواء كانت عمومية أو خصوصية، ويتخلص هذا القطاع من عبث المسؤولين لتحقيق تعليم تنموي قادر على رفع الوعي والنضج، وبناء الإنسان الحر الكريم، من أجل نهضة مغربية شاملة تحرر الوطن من التبعية والفساد والاستبداد.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد