الرائدة في صحافة الموبايل

شهادات وإفادات لخبراء وأكاديميين حول واقعة انتحار جماعي بضواحي تطوان

الإعلامية نادية الصبار – دنا بريس

تبتدئ حيواتنا جميعا بالولادة ، لكنا نختلف بالنهاية ، فمنا من يموت لكبر أو لحادث طارئ ، ومنا من يموت ميتة طبيعية أو لظروف صحية مستعصية ، وقد يتدخل الأهل احيانا ويطلبون الموت الرحيم ، ومن الناس من يقطع حبل الوريد ؛ فلا يموت لمنية وافته ، ولا لمصيبة او حادثة اصابته ، ولكن يموت منتحرا.

فبحسب منظمة الصحة العالمية، فما يقارب 800.000 شخص ينتحرون سنويا ؛ بمعدل منتحر كل 40 ثانية ، كما أن الانتحار كظاهرة تعرفه جميع مجتمعات العالم وبدون استثناء ، الدينية منها وتلك التي لاتدين .

هذا ويعتبر الانتحار رغم تفشيه بجماعة إنسانية ما كظاهرة اجتماعية ، يستعصي فهمها ورصدها ، لأنه لا يمكن النظر إليه كحالة جماعية بل كحالات فردية ، فكل حالة انتحار لا يمكن النظر إليها كحالة عامة ، فلكل حالة خلفياتها وأسبابها ومسبباتها ، والتي وإن تشابهت تتمتاز بالتفرد من حالة لأخرى .

كما أن الخبراء والمختصين لا يرون ثمة علاقة واضحة جلية بين دوافع الانتحار وفعل الانتحار ، لأن نفس أسباب الانتحار ؛ عند أشخاص آخرين ، لا تؤدي بهم بتاتا إلى نفس النتيجة ” الانتحار “.

فهناك من يرجع أسبابه للفقر، لكن؛ ملايين الفقراء بالعالم يتعايشون معه ولا ينتحرون ، أو يرجعونه للمشاكل العائلية أو وجود الظلم أو القهر المجتمعيين ، لكنها أسباب لا توصل بالضرورة لذات النتيجة “قرار وقف الحياة ” ، فهناك من يفضلون الاستمرار تحت وطاة الحرب والطوارئ والمجاعة وانعدام الأمن و غياب الحقوق والحريات والفقر والحاجة والعوز .

لذلك تبقى ظاهرة الانتحار من الظواهر الشائكة ، والمستعصي فهمها ، فما بالك حين يكون الانتحار جماعيا أو ثنائيا كما وقع بدوار بومزاود بجماعة جبل الحبيب ضواحي تطوان ، حيث وضع شاب ومراهقة حدا لحياتهما، بسبب معارضة الأهل لزواجهما ، لتتفاجا ساكنة دوار بومزاود ، بجثتي الشاب والفتاة معلقتين بجذع شجرة.

فبمجرد إخطار السلطات بالواقعة ، انتقلت إلى عين المكان وفتحت تحقيقا مفصلا في الواقعة ، فيما تم نقل جثة الهالكين إلى مستودع الأموات بمستشفى سانية الرمل بتطوان من أجل التشريح الطبي العام.

وقد استبعدت نتائج تقرير الطب الشرعي وجود شبهة جنائية وراء وفاتهما ، موضحة أن الفتاة لم تتعرض للاغتصاب وكاملة العذرية، بعكس ما تم ترويجه بالمنطقة .

كما ذكرت بعض المواقع الإلكترونية من خلال مصادرها الخاصة ، بأن الشاب الذي يبلغ من العمر 20 سنة والفتاة 16 سنة ؛ أي قاصر ، كانت تربطهما علاقة حب قوية منذ مدة ، ويحلمان بالزواج ، إلا أن والد الشابة رفض الأمر ، ما جعلهما يقرران الإنتحار .

هده الحادثة تعيد إلى الواجهة الجدل حول استفحال ظاهرة الانتحار داخل المجتمع المغربي، فقد كشف تقرير لمنظمة الصحة العالمية أن بلادنا تعرف 5.3 حالة انتحار لكل 100 ألف نسمة ، و أن 16% من المغاربة يفكرون في الانتحار . كما أشار ذات التقرير إلى أن المغرب شهد 1628 حالة انتحار سنة 2012، 87% منهم رجال.

أما على المستوى الوطني ، فيلاحظ غياب إحصائيات رسمية تتعلق بالانتحار وآخر الأرقام المتوفرة تشير إلى أنه خلال الفترة من سنة 2009 إلى سنة 2013، عرف العالم القروي 2896 محاولة انتحار.

فماذا إذا عن هذه الظاهرة من وجهة نظر القانون و الطب النفسي وخبراء الصحة النفسية ومنظور الشرع كذلك؟!

الدكتور نبيل بوحميدي مدير Maroc Droit : ظاهرة الانتحار لا نجد لها مكانا في القانون الجنائي بل خارج دائرة القانون

اعتقد انه لتناول الانتحار من خلال القوانين الوضعية، يتوجب النظر إليه من زاويتين، اولهما المتعلقة بالمنتحر والثانية بالمساعد على فعل الانتحار في حال تواجده ، فالبنسبة للشخص المنتحر نجد ان المشرع لا يعاقبه بأدنى عقوبة، وأعتقد أن ذلك أمرا منطقيا ، لأن الهدف من العقوبة هو الردع ، وبما ان المنتحر في حالة نجاح المحاولة فلا أساس للعقوبة، وفي حال فشلها فلا عقوبة أيضا مدام أنها لا تشكل رادعا ، لأنه المقدم على الانتحار فاقد لبوصلة العقل التي يمكن أن يرى من خلالها ما فيه مصلحته ويمتنع عن المساس بحقه في الحياة .

أما ما يخص الشق الثاني ؛ فهو المتعلق بالشخص الذي يقدم مساعدة للمنتحر كي يسهل عليه الأقدام على فعل الانتحار ، فقد جرمه المشرع الجنائي من خلال الفصل407 من القانون الجنائي. وهنا يلاحظ ان المشرع جرم بشكل خاص ومباشر وضعية المساعدة على الانتحار ولم يكتف بجعلها تندرج ضمن المقتضيات المتعلقة بالمشاركة في جريمة ما وذلك لكون الانتحار ليس بجريمة في حد ذاتها .

يضيف الدكتور نبيل بوحميدي أن المشرع هنا ؛ قد تعامل بذكاء في مقاربة السياسة الجنائية لظاهرة الانتحار ، لتبقى الوسيلة للحد من ظاهرة الانتحار لا نجد لها مكانا في القانون الجنائي بل خارج دائرة القانون ؛ من خلال كل الإجراءات التي يمكنها التخفيف من تفشي الانتحار .

مندوب وزارة الصحة الدكتور “عبد السلام دهبي ” أخصائي الصحة العامة : الانتحار قبل كل شيء مشكل صحي.. يمكن الوقاية منه إلى حد كبير

يعتبر الانتحار مشكلة صحة عامة يتميز بكونه يمكن الوقاية منه وتفاديه إلى حد كبير .حسب منضمة الصحة العامة، يوجد حاليًا ما يقرب من مليون حالة وفاة سنوية بسبب الانتحار. و كل حالة وفاة بسبب الانتحار لها عواقب اقتصادية عاطفية واجتماعية مدمرة لعدد لا يحصى من العائلات الأفراد.

البيانات عن الانتحار في البلدان الأفريقية تبقى نادرة. و تشير التقديرات إلى أن عدد محاولات الانتحار يزيد من 10 إلى 20 مرة عن عدد الوفيات الانتحارية ، و هناك زيادة في السلوك الانتحاري بين الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 25 عامًا.

هناك عدد كبير من الأسباب الكامنة وراء السلوك الانتحاري ، كالفقر والبطالة وفقدان أحد أفراد الأسرة، والنزاعات والانفصال ومشكلات العمل. يلعب التاريخ العائلي بالإضافة إلى تعاطي الكحول والمخدرات والاعتداء الجنسي على الأطفال والعزلة الاجتماعية وبعض الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والفصام دورًا مهما في كثير من الحالات. و يمكن أن يزيد المرض الجسدي والألم المؤدي الى الإعاقة من خطر الانتحار.

كما يمكن لبعض التقارير الإعلامية أن تشجع الانتحار بالتقليد لذا من الضروري على وسائل الإعلام أن تكون حساسة في كيفية تعاملها مع هذه حالات الانتحار المأساوية. يمكن لوسائل الإعلام أيضًا أن تلعب دورًا رئيسيًا في الحد من الاستبعاد والتمييز المرتبطين بالسلوك الانتحاري والاضطرابات النفسية.
و من بين الوسائل الأكثر استخدامًا للإنتحار نجد المبيدات الحشرية والأسلحة النارية والأدوية مثل مسكنات الألم.

و للوقاية من الانتحار هناك تدخلات كثيرة و فعالة. أولاً ، يُعتبر تحديد حالات الاكتئاب والاضطرابات الناجمة عن تعاطي المخدرات و الكحول وعلاجها بشكل مبكر أمراً أساسياً للوقاية من الانتحار على المستوى الفردي، علاوةً على الاتصال للمتابعة بمن سبق لهم محاولة الانتحار وتقديم الدعم النفسي لهم. بالإضافة الى التدخلات الرامية إلى الحد من الوصول إلى وسائل الانتحار، واعتماد التبليغ المسؤول عن الانتحار من جانب وسائل الإعلام، واستحداث السياسات المعنية بالكحول و المخدرات بهدف الحد من تعاطي الكحول على نحو ضار. ومن منظور النظم الصحية، يتعين أن تشمل و تدمج خدمات الرعاية الصحية عنصر الوقاية من الانتحار كمكون أساسي في المنظومات الصحية.
المراجع: منظمة الصحة العالمية

الدكتور محمد بنبراهيم طبيب نفساني للأطفال : لا أعزو الأمر لفرط الرومانسية ، لعله عمل انتقامي


الانتحار بدوافع عاطفية يبقى احتمالا واردا ، لكن يجب انتظار ما ستفرزه التحقيقات، على اي فجوابا على سؤالك ؛ نقول أن هناك حالات متتعددة للانتحار الفردي أو الجماعي، فهو ظاهرة قديمة قدم الأزل لكنه ظل مسكوتا عنه ، ولا زال وللآن من التابوهات .

إذا صح الأمر .. وكانت الواقعة انتحارا ؛ فلا أعزو الأمر لفرط الرومانسية ، لأنها بالأصل فرط في المشاعر أو في تطلعاتنا للمشاعر المقابلة ، أظن أنها مسألة فراغ وقلة وعي فردي ومجتمعي بالأساس ، خاصة وأن مجتمعنا يعقد العلاقات بين الجنسين ولا يخلق بدائل يفرز فيها الفرد طاقاته ومواهبه وهواجسه ، كما يضع الفرد في خندق يعتبر الخروج منه صعبا .. مما يدفع في أحايين كثيرة للتفكير بأنه ما من سبيل للخروج من الخندق إلا عبر الخلاص ، الرحيل ، الهجرة ، الجهاد في داعش او انتحار ثنائي كالحالة الواردة علينا لحياة أبدية مع حبيب مفترض أو إلى عالم آخر.. لأن جحيم المجهول أهون من جحيم الواقع.

فعلى الرغم من خبرتي كطبيب نفسي للأطفال والمراهقين، لا أخفي سرا ؛ أنه في كل يوم أندهش لسلوك معين ، لعله في هذه الحالة سلوك انتقامي من أسرتيهما لرفضهما الارتباط ، فما من حيلة أمام هؤلاء او اختيار إلا تدمير النفس ، وليس غريبا أن يتركز فكر الخلاص في ذهن هؤلاء من خلال الخلاص الذي حسبهم ارتماء كل واحد منهم في حضن من يعشق . وحتى لو حاول الأباء ثنيهم عن هذه العلاقة ، سيكون الأمر كاجتثات شجرة من جذورها ولايكون من بديل سوى الموت ولا شيء غير الموت .

الكوتش صلاح الدين اشرقي مدير مركز كليفر لايف كوتشينغ : الانتحار من الظواهر الشائكة جدا وقد تكون له أسباب كثيرة

تعتبر ظاهرة الانتحار من الظواهر الشائكة جدا والتي كانت ولا زالت قيد درس ، لا سيما مع تفشي الظاهرة على مستوى العالم وشملت اقطارنا العربية كذلك . وجوابا على سؤالكم ، اود الإشارة إلى أنه ثمة صعوبات كثيرة تحيط بملابسات الانتحار والحديث عن ظاهرة الانتحار يجب تناول الموضوع من زوايا عدة . ولعل فاجعة الانتحار الثنائية التي أقدم عليها شابان بعد رفض أهلهما السماح لهما بالارتباط والزواج بشكل رسمي .
إذا اعتبرناها فعلا ظاهرة ، ارى انتشار حالات الانتحار الفردية وربما حالة الانتحار الجماعية هذه استثناء ، يمكننا تناول الأمر من خلال أربعة جوانب أساسية:

تأثير التربية، البيئة والمحيط بشكل عام ، فالتربية لها دور محوري وأساسي في تمتين الصحة النفسية للشباب، رجال الغد.. ففي كثير من الأحيان نركز في تربيتنا على الجوانب التعلمية، و التي لها علاقة بنظرة المجتمع إلينا، ونغفل تقوية مهارات الحياة السلوكية لدى الأطفال الذين سيصبحون شباب الغد ، مهارات لها تأثير مباشر على تقوية ثقة النفس لدى أبنائنا وبناتنا وتمكينهم من التعامل الجيد مع الأشخاص والمواقف، فتمكينهم من المناعة اللازمة لحمايتهم من الانصياع وراء كل النزوات والانجرافات المنحرفة.

أهمية التواصل كحلقة وصل مهمة وفارقة بين الآباء والأبناء، فالتواصل السليم والفعال، يؤثر بشكل لافت في تجنب وقوع الشباب والأبناء بصفة عامة في كثير من المحضورات، كمايساعد على تفادي التعقيدات والتراكمات الطبيعة مثلما الشاذة كذلك ، والتي قد تظهر في بعض الفترات العمرية .

تأثير المجتمع بكل مكوناته من مدرسة ، إعلام ، شارع، وهنا نشير للدور الكبير الذي يمكن أن يلعبه الإعلام بكل مكوناته في التأثير سلبا أو إيجابا. إضافة إلى الدور السلبي الذي أصبحت تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها الخطير، من خلال التطبيل والتشهير لنماذج أقل مايمكن أن يقال عنها أنها هدامة ومدمرة للأجيال التي تفتقد للمناعة النفسية والسلوكية تجاه التعامل مع المواقف والأحداث المؤثرة، إضافة إلا الانفتاح اللاعقلاني على النماذج المجتمعية الكونية ، دون رقيب ودون فلترة أو غربلة.

التربية الدينية وغياب الوازع الديني.. وهنا يمكن أن يكون هذا الجانب سلاح ذو حدين، إذا لم تكن التربية تبنى على منهجية نبوية سليمة، تجسد فيها أخلاق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، من خلال تجسيد حياته الظاهرة من معاملاته وسلوكياته اليومية اتجاه المواقف الحياتية، ثم المستوى الذهني الفكري للرسول عليه الصلاة والسلام من خلال المستويات الذهنية والتفكرية تجاه الأشخاص، والأحداث والمواقف، وفي الأخير من خلال التربية المشاعرية القلبية التي تمكن الفرد من تملك المهارات العملية لإدارة الأزمات .

هند المودني مدربة معتمدة وخبيرة في التنمية الذاتية : : غياب الوازع الديني و انعدام الاتزان النفسي يحول الحب من إحساس نبيل يبني و يعطي طاقة إيجابية للمضي قدما إلى دائرة مغلقة لا يكون الخلاص منها إلا بالموت …

أتأسف كيف لشابين بعمر الورد يائسان يفكران بالانتحار بل و ينتحران، خطوة صعبة و مجرد الفكرة فكيف بالمحاولة و الانتحار.. لست هنا لأحكم، فقط هي الواقعة تثير أكثر من علامة استفهام.

كيف يمكن لهذا أن يحدث و نحن في مجتمع مغربي معروف بتشبثه بدينه وبأعرافه وتقاليده ، فالواقعة تدق ناقوس الخطر .. ففي غياب التواصل البناء وسط الأسرة وتقصير الآباء في لعب ادوارهم كما ينبغي ، التفاني في التربية الصالحة وتلقين اسس الدين و تمرير المبادئ وتثبيت روح المسؤولية و كل ما يساعد الأبناء في تكوين شخصية متزنة و روح طيبة ، تسعى إلى ما هو أفضل بكل طموح و تفاؤل. ابناء يتحملون المسؤلية و يضعون خطوطا حمراء و يعرفون ما لهم و ما عليهم ؛ لا غرابة ان نجد انفسنا امام مثل هذه السناريوهات الاليمة كلما اختلف الآباء و الأبناء .

فكلما غاب الآباء في تربية الأبناء ، كلما كبرت الهوة بينهما وكلما وجدنا جيلا تائها بدون طموح أو اهداف نحو المستقبل ، فتجدهم كاوراق في مهب الريح، شباب يعاني الفقر اللامادي إن صح القول ، فقر العقل ، فقر الروح و العاطفة و فقر المبادئ ، شباب يبحث عن شبه التوازن ويكتفي بشبه الوجود. و عندما يجد أحدهم الشخص الذي يملأ هذا الفراغ يصبح محور الكون و يتمسك به كطوق نجاة…

وهنا يتم تغييب المنطق لتصبح هذه العلاقة او هذا الحب سيد كل المواقف ، وهكذا تأخذ العلاقة صفة الادمان وتتحول من علاقة صحية إيجابية إلى علاقة مرضية مكسوة برداء الحب الافلاطوني الاسطوري، الذي قد يتحول في الغالب الأعم إلى مأساة.

الدكتور محمد لبيتي عضو اللجنة الثقافية بالمجلس العلمي خريبكة ورئيس لجنة التوثيق والنشر بمركز دراسات المعرفة والحضارة : لا لمحاكمة المنتحر على أنه في جهنم، واتهامه بأقسى النعوت دون مراعاة لدواعي ما أقدم عليه

جاء الإسلام شاملا وواقعيا يقدم الإجابات وفق منهجه عن قضايا الناس وتعاملاتهم ، وهو ما يحقق العبودية لله بمعناها الشامل ، ومن القضايا الاجتماعية التي تثيرها هذه الواقعة ، مسألة العلاقة بين الشبان و الشابات ومسألة الانتحار ؛ إن ميل الرجال إلى النساء و تعلق النساء بالرجال أمر فطري وشهوة بشرية لا ينبغي إنكارها ، أقرها الإسلام ، قال تعالى :” زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (آل عمران14).

لكن الإسلام هذب هذه الشهوة وأوجد لها وسائل تصريفها في الحلال، ولا يوجد شكل أفضل من الزواج ، فقد قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم : “ما رأيت للمتحابين مثل النكاح” . والواقع أننا اليوم ، في زمن انفتح فيه الذكور على الإناث ، وفي غياب التربية الجنسية الراشدة التي تنظم العلاقة بين الجنسين بما يضمن فاعليتهما في الواقع دون التركيز على الجوانب الجنسية.

و مع تركيز المجتمع بقيمه المادية على ثقافة الجسد و الإغراء ، صرنا نضيق سبل الزواج و نستصعب الحلال ، و الحالة هاته . فكل ما نشهده في مجتمعنا نتاج لهذا القصور في العناية بالشباب وتحويل تركيزهم عن الشهوة الجسدية إلى تفريغ طاقاهم في الإبداع العلمي و الفني والرياضي وغيره ، وبالتالي يصبح العلاج منصبا على أعراض المرض لا إلى صلب الداء وجذره ، وقضية انتحار الشابين عرض من أعراض هذه الأزمة القيمية التي نعيشها .

إن رد الفعل الاجتماعي على حالات الانتحار تشكل تعبيرا آخر على هذا الوعي المأزوم ، حيث لا يتورع الناس عن اتهام المنتحر بأقسى النعوت ، دون مراعاة لدواعي ما أقدم عليه ، أو كان مصابا باكتئاب أو مرض نفسي أو عقلي قد يجعله ممن رفع عنهم القلم أصلا .

بل إن حكم البعض على أن هذا المنتحر أو ذاك من في جهنم فيه تحكم واضح ، فليس لأحد الحق في إدخال العباد إلى الجنة أو النار، فهذا تأل على الله ، فالله تعالى هو العالم بخلقه و بدوافعهم و أعذارهم ، بل قد نجد الاندفاع في تكفير الناس ومحاكمتهم مرتبطا بأشكال من العقد النفسية التي تدفع المتهم إلى استبعاد التهمة عن نفسه بادعاء الطهرانية ، في حين أن الله يستر عليه ما لو كان له رائحة لأزكم الأنوف ، و صدق رسول الله في قوله : “يا معشرَ مَنْ آمَنَ بلسانه، ولم يدخُل الإيمانُ قلبَه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتَّبِعوا عوراتِهم ؛ فإنَّه من تتبَّع عورة أخيه المسلم تتبَّع الله عورتَه ، ومَنْ تتبَّع اللهُ عورتَه يفضحه ولو في جوف بيته”.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد