الرائدة في صحافة الموبايل

حبيب كروم يكتب عن خيار التعايش مع فيروس كورونا

اضحى خيار التعايش مع فيروس كرونا أمرا واقعيا بعد استمرار المعارك الطاحنة التي دارت و مازالت تدور رحتها بجميع البلدان حول العالم لازيد من خمسة أشهر، و التي خاضت فيها الشعوب والحكومات معا حروبا ضروسا ضد الكائن المجهري الذي بعثر أوراق الساسة و رجال المال والأعمال، و خلق نوعا من الذعر والخوف والقلق في العالم في وقت جد وجيز بسبب سرعة انتشاره وانتقاله .

لقد استطاع أن يغير ملامح ومعالم الحياة ويوقف عجلاتها بمختلف مناحيها وجوانبها ، اختيار التوقف كان اظطراريا واجباريا أطرته قوانين صودق عليها من طرف الحكومات التي الزمت مواطنيها، بالتقيد بمقتضياتها و بنودها من خلال الاستجابة لتعليمات السلطات الصحية والأمنية الرامية الى احترام إجراءات الحجر الصحي وحالة الطوارئ، بغاية محاصرة جائحة كورونا والقضاء عليها من جهة، ومن أجل وقاية وحماية الشعوب من الأضرار و الانعكاسات الوخيمة الناجمة عن تفشي كوفيد_19.

وذلك عبر التقليص والحد من حركة التنقل وحركة النشاطات الاقتصادية والتجارية والسياحية والاجتماعية و لثقافية والرياضية والفنية وغيرها من المجالات الحيوية الأخرى.
في بداية الأمر وأثناء ظهور الجائحة ؛ كانت الحكومات والشعوب التي فضلت ارواح مواطنيها على اقتصادات بلدنها، تأمل وتراهن على مجموعة من الاحتمالات والفرضيات لإنهاء الأزمة و استعادة حياتها الطبيعية، و من ضمنها احتمال الكشف عن لقاح فعال و ناجع يمكن الإنسانية من مناعة تقاوم العدو، كما كان سعيها كذلك ان يتراجع العدو بمرور الوقت حسب علم الأوبئة و التجارب التي اكتسبتها مع اوبئة سابقة، وتطلعت ان تكون نهاية وباء كورونا مع حلول الطقس و المناخ الحار.

كلها آمال تبخرت خاصة مع دخولنا الشهر الخامس لتفشي الوباء دون أن ينجح الباحثون و الفرق العلمية و صناع اللقاحات في إنتاج وتوفير لقاح مضاد لكوفيد_19، ما يشير إلى أن خطر الفيروس سيستمد في التواجد مدة طويلة قد تمتد نحو عام على الاقل، قبل ان يصبح اللقاح جاهز لنيل الموافقة وتوفيره بكميات كافية لاستخدامه على نطاق واسع ” وفق ما نقلت فرانس بريس”، و هو ما أكدته منظمة الصحة العالمية التي قالت مؤخرا على لسان مسؤول فيها، أن تطوير اللقاح سيستغرق عاما على الاقل، كما قالت مجموعة من الباحثين في مجال الفيروسات وكذا الأطباء الصينيون، إنه ليس من المرجح أن ” يختفي” فيروس كورونا المستجد بالطريقة التي حدثت مع فيروس سارس قبل 17 عشر عاما.

و ذلك لأن كورونا قادر على الدخول إلى جسم الانسان و عدم التسبب باي اعراض، على عكس السارس. و يعني هذا، انه من الصعب حصر حالات الإصابة جميعها، و إدخالها في الحجر الصحي لمنع انتشار الفيروس، وفق ماذكرت وكالة ” بلومبيرغ” الأمريكية، فالفيروس وضع العالم امام معادلة صعبة و خيارين كلاهما مر: إما خيار سيناريو التعايش مع الفيروس و الاستمرار في رعاية الاقتصاد والتطور البشري وكأن شيأ لم يكن، و إما الاستمرار في الحجر الصحي والعزل و منع التجوال والمخاطرة بأنهيار الاقتصاد، لكن؛ كان واضحا انحياز أغلب دول العالم لخيار التعايش الذي سيحقق التوازن بين أهمية حياة البشر وصحتهم من جهة، وأولوية ذلك وبين تحريك الاقتصاد والحفاظ على استمراره ونجاحه.

وهذا يستوجب على كل الدول والشعوب أن ترتب نفسها للتعايش مع كورونا إلى حين توصل المنتظم الدولي إلى لقاح يقي الإنسانية من جبروت الفيروس اللعين، مما يفسر أن المعركة تستدعي خطط واستراتجية جديدة تنضاف لسابقتها، لمقاومة العدو و إعادة الحياة التجارية والاقتصادية لطبيعتها، حتى قبل القضاء بشكل كامل على كورونا.

التعايش مع الأمر واقع محتوم، كما أنه أصبح ضرورة ملحة لاستعادة مافقدناه من توقف الاقتصاد الأعمال، فحتما علينا أن نمارس حياتنا بطريقة مسؤولة، ونحافظ على اسرنا وأوطاننا، وهنا وجبت الإشارة إلى أن على كل اسرة أن تعلم أبناءها كيفية التعايش مع الواقع بمسؤولية بعيدا عن الاستهتار.

إن الرفع الجزئي أو الكلي للحجر الصحي لا يعني التخلي عن التعليمات التي تلقينها خلال الشهور الماضية، بل على العكس من ذلك يجب الوقوف سدا منيعا أمام الفيروس بالتحلي باليقضة وحس المسؤولية الذاتية والوطنية للحؤول دون وصوله إلى بيوتنا والطريقة سهلة إن كنا واعين في تصرفاتنا و مسؤولين عن قرارتنا.

فاليوم أصبحنا مسؤولبن عن حماية انفسنا وحماية أسرنا، ليس لكون حكومات العالم تخلت عن مواطنيها، بل لأنه أمر واقع ومفروض مع فيروس سيستمر طويلا كما تشير التقارير إلى ذلك. لذا وجب أن نتعايش مع هذا الوضع، و يجب أن نكون أقوياء وجاهزين لحماية أنفسنا ومن نحبهم من هذا الوباء.

حبيب كروم
رئيس الجمعية المغربية لعلوم التمريض والتقنيات الصحية
عضو الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة
نائب الكاتب الوطني للمنظمة الديمقراطية للصحة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد