الرائدة في صحافة الموبايل

أنتُم بالتِّيفي ونحنُ بالشُّوفْ!

الشاعر والصحافي محمد بشكار

من فرط التركيز على الحجْر المنزلي، اختلطتْ بُؤر الوباء على أذهاننا حتى ضاق أفقها، ولم يعد ينقص هذه الأذهان إلا العكاكيز لتُكمل مشلولةً مسيرة التفكير، وكلما اكتشفتْ الجهات المسؤولة عن صحتنا بؤرة جديدة، إلا وتسرَّبتْ من تحت عباءتها بؤرة تتفشى بالوباء في غفلة من الجميع على امتداد عشرة مُخالطين، فلا يُفيد بعد الكمامة ومسافة المتر غير المُحترمة، إلا الشِّبر الذي ينتظر الكثيرين في القبر !

ولأن السلطات تعلم بحنكتها في تحليل سيكولوجية النفوس المقهورة، أننا شعب ضجِرٌ ولا يُحب في الفيلم كي ينطلي مَشاهد مكرورة تؤدِّي للخمول والنسيان، فقد سارعتْ لإدهاشنا قبل أن ننصرف عن اللعبة، وابتكرت بؤرة من فيروس جديد لا ينتمي لعائلة كورونا، ولكنه إذا لم يَبُثَّ النشاط في الذاكرة فهو قمينٌ بأن يوسع ويُعمِّق ويمرِّغ شرف الصحافة المغربية في حفرة، أما الفيروس الجديد الذي اكتشفت السلطات بؤرته الخطيرة على بُعد ليلة من عيد الفطر، فمصدره هذه المرَّة: دودةٌ وفأرة !

ومنْ يتساءلُ عن طبيعة هذا الوباء في بلادنا، وحتى لا يذهب بِحَيْرته بعيدا إلى كليلة ودمنة حيث الحيوان ناطقا بلسان الإنسان، ما عليه إلا أن يراجع بلاغة الخيال الشعبي المغربي وهو ينحت الوصف الدقيق الذي يليقُ ببعض الأمراض البشرية ولو كانت مُسْتتِرة الأعراض وبدون ضمير، وقد تذهب ضحية هذا الوصف حيوانات أوحشرات وهي من آفة الدودة والفأرة بريئة، لذلك نجد من يُشَخِّص حالة امرأة شبقة لا تتحكم في شهوتها بالمُعانِية من الدودة، ويُشخِّص الحالة المأزومة لرجلٍ يميل لبني جنسه بمن في عُقره الفأرة، ويبدو أن الفيلم الجديد الذي صوَّره نفس المخرج المهووس بإطاحة بعض الأقلام في فضائح جنسية، قد ذهب بالدُّودة بعيداً وجعلها شَريطيَّةً مُطوَّلة دون تشويقٍ، وزاد من جُرعتها الدرامية بعد أن اتَّهم رجلا ينتمي للجسم الصحافي ما هو إلا سليمان الريسوني الذي أعرفه دون سابق علاقة من خلال ما يكتب، بِهتك عِرْضِ رجلٍ رغم تباهيه بمثليته علانية، والأدهى أنه لم يُقدِّم شكاية إلا بعد أنْ لعق جراحه النازفة من أسفل يا حرام طيلة سنتين، ونصحه الطبيب بإزالة الضماد وكشْف ما تبقى تحته من آثار جيولوجية للعباد !

أعترف أنِّي لا أصدِّق هذا الفيلم رغم التضبُّع الذي أشْعر بحالته المُزرية هذه الأيام، ولا أعرف مصدرها هل من الماء الشروب بعد التحلية أو إشعاعات الكهرباء التي تستدعي إجراء تحاليل للدم، لا أصدِّقُ هذا الفيلم الذي من فرط تكراره بنفس السيناريو والشخصيات والموضوع أصبح مفضوح الأهداف والأرداف، وأقرب ما يتبادر لذِهْن المُتتبِّع لهذا الفيلم في تسلسله الوبائي من توفيق بوعشرين فهاجر الريسوني ثم اليوم جاء دور سليمان الريسوني، أن ثمة من يُريد الإساءة للقطاع الصحافي الذي لا يخلو شأْن كل القطاعات الحيويَّة بالبلد من نساءٍ ورجال شُرفاء أفنوا العمر سطرا تلو سطر خدمة للكلمة الصادقة، وليس ثمة من حُجَّة على تشويه صورة الصحافي المغربي أدلَّ من طريقة الاعتقالات الهوليودية بمداهمة مقرات العمل أو المنازل مع تنافي حالة التلبُّس التي تُحتِّم الإكراه البدني، مُجرَّد استدعاء بسيط للمتهم يفي بالغرض فهو لن يطْوي الأرض هرباً بالطُّول والعرْض، وكأنَّ هذا الصحافي الأعزل بسلاح القلم فقط، زعيم مافيا يُتاجر بالحشيش أو يحْترف تهريب العملات الصعبة بسهولة، لا أعرف من يُطلق من خلف السِّتار الرياح وينْسُج هذه المسرحية الرديئة بمعيَّة الأشباح، ولكنني أعرف أن الاستمرار في عرض فضائحها أمام أنظار العالم بنفْس التُّهم التي تدنِّس قداسة الإعلام الوطني، قد تحوِّلنا بلداً أخرس بدون أصوات حين يضطر كل صحفي في القريب العاجل لوضْع القلم !

لِنقُل إنَّ هذه القضية التي لوثتْ بوبائها المُسْتَجد سُمعة الصحافة المغربية أو صومعة رسالتها النبيلة، حسَّاسة هذه المرة.. بل مُفرطة الحساسية نظراً لجراحاتها التي لطَّخت بدماء العار بلاط صاحبة الجلالة، ولن تنْفع مع هذه الدودة الجديدة أدوية معوية، ولكنها ستتمدَّد في الجسم الصحافي حدَّ الاهْتِراء الذي يجعله مع التحقيق جاري النزيف، وبما أن الصحافي مُتَّهمٌ هذه المرة باقترافه لمجزرة في غرفة العمليات فالقضية تحتاج لشاهِدِ عرْيان !

وأنتم تُمْعِنون في تصوير أفلام اجتماعية تُدهشنا، غيِّروا الموضوعات بتأليف سيناريوهات تكون في حِبْكتها بدون ثغراتٍ أقْرب للواقع وقابلةً للتصديق والتصفيق، لقد انكشفتْ لعبة الدُّودة والفأرة وحان الوقت لترتدَّ بدائها لغيرانِ المُفْسد الذي يبعثها كي تعمَّ الفاحشة بين الناس، ثمة قضايا اجتماعية أخرى غير الاتِّجار الجنسي في البشر، أو إجهاض حمْلٍ ناتج عن علاقة غير شرعية، أو اغتصاب رجل لرجلٍ بدون مثيل، ثمة جرائم غير الفضائح الجنسية التي وهي تضع الحيوانات المنويَّة للصحافيين تحت المِجْهر، إنما تُشوِّه ضمير المجتمع ومِرْآته المُصغَّرة، ثمة جرائم بكلِّ المقاسات يُمْكن تفصيلها بأعين الرقابة وشفرة المقص، بل يُمكن تلبيسها حتى لإبليس، دون أن نكلِّف السجون ضجة عالمية قد يُسبِّبها اعتقال صحافي لموقف سياسي أو رأي خَطَّهُ بقلم ناري، ودون أن يُسيء للتطوُّر الذي حقَّقه بلدنا في صِناعة الكمامات ويحرمنا من التباهي بدولة الحق والقانون، نحن في أمسِّ الحاجة لجرعات أخرى من الدهشة، فصوِّروا أفلاماً أوسع خيالا تحرِّك بأحداثها المُريبة البِرْكة الآسنة لروتيننا اليومي العقيم، وقد تُلْهم المشرِّع المغربي لابتكار قوانين جديدة تتماشى مع روح العصر ولا تحرم أحداً من حرياته الفردية وحتى القِردية، حافظوا على ما تبقَّى من المصداقية في الصحافة المغربية، فهي إحدى القاطرات التي تقود بدورها الرسالي والتنويري ما تُسمُّونه النموذج التنموي، وهاتوا كل ما عندكم من أفلام غير التي نعرف من طريقة بدايتها الحُكْم في نهايتها، فأنتم بالتيفي ونحنُ بالشُّوف!

…………………………………….
حُرِّر يوم الثلاثاء 26 ماي 2020 بالحجْر المنزلي بمدينة الصخيرات

…………………………………….
افتتاحية ملحق “العلم الثقافي” ليوم الخميس 28 ماي 2020
…………………………………….
رابط الملحق على موقع جريدة العلم:
http://alalam.ma/العلم-28-من-ماي-2020/

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد