الرائدة في صحافة الموبايل

هل هناك مرحلة مابعد كورونا؟!

بقلم الدكتورة ثريا بن الشيخ


من الخطأِ الاعتقاد بعودة الأوضاع إلى ماكانت عليه قبل هذه الجائحة ، وهو اعتقاد لا يخلو من سوء فهم وتقدير . إننا نعيش مرحلة جديدة ، تحققت فيها كل التنبؤات والانتظارات التي كانت تكتسي طابع استعارات تَمّ الترويج لها بطرق متعددة. فتارة تُطل علينا عبر نشر الخوف والرعب بين الناس من أمراض وفيررسات ، وأخرى من خلال استعارات تبرر الرغبة في الهيمنة وبسط النفوذ على بعض الشعوب التي تهدد مصالح الدول المهيمنة على اقتصاد العالم وعلى درجات طموحات ووعي الشعوب المغلوبة على أمرها . نحن في مرحلة مختلفة انكشفت فيها الحقائق والارادات. ففي ظرف وجيز ، عَم الخوف والرعب بين جميع سكان المعمور ، واتضح أن الأهمية لا تكمن في الانسان نفسه وإنما في مصادر الحياة ، والتي هي الماء والهواء والطعام والدواء والعلم . فهل ستعود الحياة إلى ما كانت عليه سابقا ؟ قد تختلف التفسيرات والمفاهيم التي تلتبس بها ، إلا أن الجواب سوف يحوم حول ضرورة إدراك جملة من المتغيرات الجديدة التي سوف تؤثر على وسائل الإنتاج وعلى علاقات الإنتاج وما سوف يترتب عنها من معاملات . إننا نلاحظ اختلافا كبيرا في تدبير الأزمة بين كل من أوروبا وأمريكا وبلاد الصين التي تعتبر المفجر الحقيقي للازمة. وهذا التدبير، منح هذه الدول رتبة أو تراتبية جديدة ، جعلت الصين في الصدارة كما منحت أوروبا امتيازَ حُسن التدبير بالرغم مما لحقها من خسائر في الأرواح وفي الاقتصاد . ويبقى السؤال متشعبا بالنسبة لامريكا التي لم تكشف كل أوراقها وهي تحاول الاحتماء وراء استعارات جديدة لا تخلو من لبس أو التباس. وفي تقدير الوضع العالمي ، اختلفت مقاربات الدول وانكشفت قدرة بعضها على المواجهة بما يلزم من حزم وعزم وقدرات منهجية في استنادها إلى العلم والمعرفة ؛ فلم تفقد هدوءها ، وإنما تدرجت في تدبير الأزمة ، فحققت تقدما ملحوظا على مستوى محاصرة الداء وتوفير الإجراءات اللازمة للتخفيف من حدته . وحين بدأت رفع الحجر ، اعتمدت استراتيجيات متعددة من شأنها تحقيق ما تسعى إليه من رهانات . قد تمتد هذه المرحلة الكورونية لأبعد من سنتين ، إلا أنها لا تعني نهاية الوباء بشكل نهائي ، وإنما قد يتحقق نوع من التعايش معها ومع ما سوف يأتي بعدها من أحداث كانت بالأمس مجرد استعارات تبرر ما تُقدم عليه الدول العظمى من هجمات على الموارد الطبيعية التي تمكنها من تحقيق توازناتها من جهة كما تكرس بوساطتها السيطرة على العالم .
تعدد القراءات : ونحن نستقرىء تفاصيل الواقع ، تواجهنا عدة حقائق من شأنها أن تنعكس سلبا على الانسان نفسه . فانتشار هذه الفيروسات التي ترتبط دائما بمناطق معينة من العالم ، يشير إلى ضرورة تأطير العلاقات الإنسانية وتصنيفها اجتماعيا وقانونيا، خاصة وأنها تهدد أمن واستقرار الصحة العالمية. فحين تعلق الأمر بفيروس ايبولا، فذلك نسبة إلى نهر أفريقي . ولا يخفى على أحد ما نشر حول كونه فيروسا مخبريا يستهدف سكان أفريقيا بشكل خاص . كما ارتبط فيروس الإيدز بالقردة وبافريقيا أيضا وبما توصلت إليه المختبرات العلمية من أسلحة بيولوجية غير معلنة . إلا أن هذه الفيروسات لا تنتقل بسهولة كما هو الشأن بالنسبة لكوفيد 19 ، وَكَأَنّ الواقع يقدم رسالة لم تعد مبطنة ، خاصة وأنها تستهدف الإنسان الذي لم يعد مركز الإهتمام ، وقد أصبح مهددا اقتصاديا واجتماعيا وصحيا، بل أصبح يُحَارَب في مصادر مُتعه الأصلية ( فلا مضاجعة خوفا من الايدز ولا تقبيل خوفا من كورونا ) . هذا تفسير شبه كاريكاتوري ، إنما هو تفسير وارد ولا محالة .
فماذا بالنسبة لنا نَحْنُ ؟
وأقصد بالنُحن ، دول العالم الثالث وخاصة الدول العربية وبقية دول أفريقيا . صحيح أن واقعنا لا يبعث على الإرتياح ، ولكن ليس معنى هذا أن جميع الأبواب موصدة أمامنا. وقد اتضح أن تدبيرنا لهذه الأزمة كان وليد تبصر وبعد نظر . كما أنها كانت فرصة كبيرة لتقدير ما تزخر به البلدان من طاقات علمية لا تقل أهمية عما يوجد لدى بلدان مراكز طالما تم تصنيفها ضمن مراكز البث الوحيدة . أَمَلُنا كبير في الانتقال إلى مرحلة جديدة ننطلق فيها من وعي جديد يتوخى المستقبل الواعد بتحقيق طموحات شعوبنا في غد أفضل ..
وخير ختام أمام موضوع متشعب بهذا الشكل ، هو ضرورة إدراك وحدة الفكر الذي يؤطر للمرحلة التي نعيشها اليوم . فحين تحدث جورج لايكوف عن دور الاستعارات في حياة الشعوب ، فقد ربطها بالدلالة التصورية داخل النسق التصوري لمتكلمي كل لغة على حدة . بذلك فإن الاستعارات الكبرى تمكن الشعوب من التعبير عن رغبتها في صياغة الوجود وفق إرادتها ، فتنتج استعارات تحيا بها في الوقت الذي تنتج فيه أقوى الشعوب ما يناسبها من الاستعارات القاتلة التي تبرر بها ما تقدم عليه من مشاريع توسعية مدمرة ..
الدكتورة ثريا بن الشيخ .
المملكة المغربية .
27 / 05 / 2020 / الرباط.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد