الرائدة في صحافة الموبايل

عبد الرحمان اليوسفي.. اسم بارز في تاريخ المغرب السياسي المعاصر

الدكتور إدريس الكنبوري

رحل إلى دار البقاء فجر اليوم الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، الوزير الأول الأسبق الذي قاد حكومة التناوب عام 1998، وارتبط اسمه بحقبة التحول السياسي في آخر عهد الملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله. وأعتقد أن هناك ثلاثة أسماء سيحتفظ بها تاريخ المغرب السياسي المعاصر ارتبطت بمراحل حاسمة في العلاقة بين الدولة والمجتمع السياسي: عبد الله إبراهيم، عبد الرحمان اليوسفي وعبد الإله بنكيران.

بدأ اسم عبد الرحمان اليوسفي يظهر في الواجهة السياسية بالمغرب بقوة في بداية التسعينات مع إنشاء”الكتلة الديمقراطية” عام 1992. يومها كنت في السنة أولى جامعي وكنا نتابع الشأن السياسي بنهم وننتظر أن يتغير المغرب كما نريده.

كانت صورة قادة الأحزاب السياسية المؤسسة للكتلة آنذاك وهم يرفعون أيديهم في الهواء واعدة: اليوسفي، بوستة، يعتة ومحمد بنسعيد آيت يدر. ولا أعرف لماذا ارتبطت تلك الصورة في مخيلتي وقتها بصورة أخرى، هي صورة قادة البلدان المغاربية لدى إنشاء اتحاد المغرب العربي في مراكش، وهم يقفون على الشرفة ويرفعون أيديهم في الهواء، فشلت الكتلة وفشل الاتحاد.

كان اليوسفي معروفا من قبل طبعا، من خلال مساره السياسي والحقوقي والصحافي في “المحرر” و”التحرير”، حسبما كنا نقرأ ذلك، ولكنه لم يصبح معروفا على المستوى العام إلا مع الكتلة.

وفي عام 1993 سيكون الخطاب الحاسم للحسن الثاني الذي رفض مقترح بوستة بإبعاد إدريس البصري كشرط للمشاركة في الحكومة. رفض الحسن الثاني وتراجعت الكتلة وتأخر التناوب. كان قادة الأحزاب السياسية آنذاك رجالا يوزنون بالذهب اليوم.

بعد الانتخابات سيغادر اليوسفي المغرب إلى كان الفرنسية، وقيل إنه كان غاضبا من نتائج الانتخابات. وفي عام 1998 سيعود لكي يتسلم مفاتيح مقر الوزارة الأولى كثاني وزير اتحادي بعد عبد الله إبراهيم.

إنه التناوب الثاني بعد الله إبراهيم كما كتب محمد باهي، والأول بعد المهدي بن بركة كما كتب عابد الجابري. وكان وراء كل ذلك رجل من عيار خاص: الحسن الثاني. ففي اليوم الذي كان مقررا لكي يقدم اليوسفي أمام البرلمان برنامجه الحكومي، أتذكر أن الساحة المقابلة للبرلمان كانت تغص بالمواطنين. لأول مرة هناك اهتمام بشيء اسمه البرنامج الانتخابي ولأول مرة يعرف المغاربة أن هناك حكومة في المغرب.

لقد حصل تحول سياسي فعلي وحقيقي في المغرب على المستوى الرمزي على الأقل، فلأول مرة يصبح الوزير الأول مذكورا بين الناس ويصبح إسمه مرتبطا باسم الملك. قبل ذلك كان الناس يعرفون الملك فقط وحكومة جلالة الملك، بعدها صار يقال حكومة اليوسفي. على المستوى السيمانتيكي كان التغير مهما وملحوظا. وتلك كانت شراكة بين الحنكة السياسية للحسن الثاني ونضوج المعارضة الاتحادية التي ربحت أخيرا ما نادت به عام 1975: الانتقال الديمقراطي. لكن الانتقال الديمقراطي بعد أكثر من عشرين عاما صار انتقالا مختلفا.

واجه اليوسفي مشكلات كبرى سيتحدث عنها في محاضرته الشهيرة في بروكسيل بعد انتهاء دوره السياسي. لقد كان دائما يتحدث عن “جيوب المقاومة” وهو في الحكومة، كما سيتحدث بنكيران عن “التماسيح والعفاريت” بعده وهو في الحكومة. فقد وقع تحت ضغط اليسار المتشدد والحقوقيين من جانب، وتحت ضغط الانتهازيين من حزبه من جانب ثان، وتحت ضغط وجود البصري في الحكومة من جانب ثالث، وتحت ضغط إكمال ما أتى من أجله من جانب رابع. ولكن اليوسفي مات ولم يقل كل شيء، ولم يكشف عن مضمون القسم الذي أداه أمام الحسن الثاني على المصحف. رحمه الله وتغمده بواسع رحمته.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد