الرائدة في صحافة الموبايل

شارل مونتسكيو.. يجب أن يكون القانون كالموت الذي لا يستثنى منه أحد.

ضمن العدد السابع من سلسلة “أساطين الفكر على مر التاريخ”، فكرة وإعداد ياسين شكور



شارل دي سكوندا، بارون دي مونتسكيو (Charles de Secondat, baron de Montesquieu)؛ فيلسوف فرنسي، درس التاريخ والقانون والفلسفة. ولد مونتسكيو في جنوب غرب فرنسا بالقرب من مدينة بوردو عام 1689. كان سليل أسرة غنية تنتمي إلى طبقة النبلاء في جنوب فرنسا، وما أن بلغ السابعة والعشرين من عمره حتى أصبح رئيس برلمان مدينة بوردو، وأثناء شغله هذا المنصب، انكب على دراسة الفيزياء والفلسفة الأخلاقية والتاريخ، هذا المنصب الذي سيتخلى عنه عشر سنوات بعد ذلك ليقوم بجولات طويلة تعرف من خلالها على دول من مثل إيطاليا، النمسا، سويسرا، هولندا وانكلترا، تمكن من خلالها رصد جميع الوقائع الاجتماعية والسياسية التي تميز هذه الدول المعاصرة، وخصوصا نظام انجلترا التي لبث فيها ثمانية عشرة شهرا.
أعجب مونتسكيو بأخلاق الانجليز وسياستهم، كما أعجب بهما فولتير، فبهرته حرية الناس في الحديث عن مساوئ الحكومة مع بقاء هذه الحكومة وطاب له خلوها من معتقل كالباستيل، وهذا سبب كافي له كي يعنون الفصل المتعلق بفصل السلط ب”دستور انجلترا.

من كتبه الشهيرة الرسائل الفارسية عام 1721 الذي قدم فيه نقدا جارحا وجريئا لحياة القصر في أصفهان، وأيضا كتاب “تأملات في أسباب عظمة الرومان وانحطاطهم “وهو عمل تأريخي، ثم الكتاب الأكثر شهرة “روح القوانين” الذي أصدره سنة 1748، والذي يمكن اعتباره حصيلة تأملاته التاريخية والسياسية للدول التي زارها.

لا تتحقق الحقوق، حسب مونتسكيو، إلا بوضع قوانين تقيد سلطة الدولة؛ بحيث لا يستطيع الحاكم مخالفتها، وبالتالي أكد مونتسكيو على فكرة الفصل هذه اقتناعا منه بأنه ما من فرد يتمتع بسلطة إلا ويميل إلى التعسف في استعمالها، ولا يوقف السلطة إلا السلطة، ولا سبيل لوقف السلطة بالسلطة إلا إذا تولى مباشرة السلطات الثلاث- تشريع القوانين، وتنفيذها، والفصل في منازعات الأفراد- رجل واحد أو هيئة واحدة، ذلك لأن هذا الوضع يُمَكن ذلك الفرد أو تلك الهيئة من تشريع قوانين جائزة وتنفيذها بطرق جائزة أيضا.

يبين مونتسكيو أن في كل دولة، توجد ثلاثة أنواع من السلطة: السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية المتعلقة بحقوق الإنسان، والسلطة القضائية المتعلقة بالحق المدني، ومن أجل تحقيق الحرية والمحافظة عليها وقيام حكومة منظمة وعادلة ضرورة تحقيق الفصل بين السلطات، وذلك بتوزيعها على شكل هيئات مختلفة حتى تحد الواحدة فيها الأخرى من دون طغيانها، ومنع من أن يتسلل أحد إلى السلطة ويسيء استعمالها.
يؤكد مونتسكيو أن الحرية قد تغيب إذا لم تنفصل السلطة القضائية على السلطتين التشريعية والتنفيذية؛ ذلك لأن اجتماعها مع التشريع شخصي، أو لهيئة واحدة من شأنه أن يجعل السلطة على حياة المواطنين وحرياتهم تحكمية.

ويجد مونتسكيو أن اجتماع السلطة القضائية مع السلطة التنفيذية يعمل على تكوين جبروت مطلق. أما إذا اجتمعت السلطات الثلاث لشخص واحد أو لهيئة واحدة، فتلك هي مأساة الحرية. لذا فإن مونتسكيو قد جعل من فصل السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية حجر الأساس للعدالة الاجتماعية ومن أجل تحقيق أكبر قدر من التوازن والاعتدال.

يعد مبدأ فصل السلطات إذن من أهم ما جاء به مونتسكيو من فكر، فلم يقتصر أثر هذا المبدأ على الصعيد المحلي، بل إنه صار معتقدا عالميا، فالمادة السادسة عشر من إعلان حقوق الإنسان تقتضي بأن كل مجتمع لا تتأمن فيه ضمان الحقوق، ولا يتكرس فيه مبدأ فصل السلطات، ليس له دستور.

مات مونتسكيو عام (1755م) عن عمر يناهز السادسة والستين عامًا.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد