الرائدة في صحافة الموبايل

اشتياق..

الكاتبة والمبدعة أمينة الصيباري

طفت على ساحة الأخبار وثيقة مصيرية اسمها ورقة المقدم، تحول بها هذا الأخير إلى مهدي منتظر. الكل يبحث عنه من اجل ورقة السماح بالخروج من المنزل. اعتقد الناس ان كورونا تقف في رأس الدرب كما يقف الشباب العاطل في الدروب الشعبية لا يأمن أحد شرها. الكل يبحث عن المقدم. تزامن القرار مع نهاية الأسبوع. لم نكن نحتاج لنخرج ؛ لأننا قمنا باقتناء حاجياتنا قبل ذلك، فطرح السؤال الكوروني والوجودي الكبير . من هي الشخصية المرشحة للخروج في العائلة؟!

عقدنا اجتماعا مقتضبا كانت نتائج الانتخابات فيه ؟محسومة مسبقا . الشاب يتعايش مع أمراض مزمنة كثيرة ويمكن في أي وقت أن يفاجئك بمستجدات صحية غير مسبوقة وبالتالي خروجه فيه مخاطرة كبيرة. زكي حل ضيفا علينا ولا يمكن إلا أن نكرم وفادته ،عدا كون نظامه لا يتوافق مع نظامنا في أوقات الاستيقاظ والنوم. كان اسمي على رأس الائحة دون وساطة ولا مراوغة. اتصل الشاب بالمقدم فحرر ورقة الخروج باسمي.

قبل ذلك بأسبوع، منعنا الشاب من الخروج تحت أي ظرف، جلبنا له ما يكفيه من الأدوية والفيتامينات لمدة طويلة وطلبنا منه أن يخلق لنفسه فسحا جديدة. بدأ يطوف على المنزل مرات عديدة لاسترجاع عادة المشي اليومي، أ ما زكي فقد جلب عجلات قديمة وضعها على لوحة خشبية ليمارس رياضته المفضلة حمل الأثقال …

كنت مضطرة للخروج بين الفينة والأخرى لقضاء غرض ما والرجوع بأسرع مايمكن ، حتى انهم كانوا يتساءلون إن كنت فعلا قد خرجت ، لكن سرعان ما لاحظت الوجوم في وجوه الشباب كلما قررت الخروج للتبضع، لينتهي بهم الأمر بالانقلاب على الشرعية وصناديق الاقتراع والاحتجاج والتواطؤ.”كي درتي ليها أنت تخرجي وحنا منخرجوش؟

تحججت بأن المسألة ليست امتيازا ولكن ضرورة.اكتشفت أن الشاب يقترب من الاكتئاب بسبب عدم الخروج لفترة طويلة . الثورة على الأبواب ، لا خيار. تدبرا أمر خروجهما فأعفيت من الخروج واحتجبت كامرأة من زمن الحريم. جميل هذا التحول سأتكلف بأمور البيت ولن أخرج. كنت أقضي تقريبا أسبوعا دون أن تطأ قدماي أديم الشارع. لامشكلة لدي لطالما حلمت بالعزلة وكل الكلام الكبير الذي يتفنن الأدب في تجميله، أما الاحساس المسيطر فلم يكن شيئا غير الاحساس بالاعتقال . نحن محتجزون بسلطة القانون وبقوة نواميس الكورونا اللعينة، إذا خرجنا سنموت أو سنتسبب بموت من نحب.سنلتزم حقنا للدماء وحفاظا على حياة الآخرين والبيت له مزية عظيمة : الأشغال فيه لا تنتهي..

بعد استنفاذ كل الممكنات المطبخية ، قررت أن أعيد ترتيب المكتبة بما يحف القرار من مغامرة، لأن الكتب تخفي في جوفها الأسرار.أجد بين تلافيفها أحيانا أوراقا من أزمنة غابرة أكون مضطرة ليس فقط لقراءتها ولكن لاسترجاع سياقها كاملا بتكلفة نفسية ليست بالهينة. أجد قصائد بسمة حين كانت طفلة بالفرنسية أو بالإنجليزية .أصورها وأبعثها لها ..

مرة وجدت قصيدة فضيعة تهجو فيها صديقاتي لأني كنت أقضي وقتا طويلا معهن وهي كان لها رأي آخر.رتبت المكتبة وفق ما تمليه علي عواطفي ، لا التصنيفات المعروفة.كتب أصدقائي وصديقاتي في الواجهات، مع تفصيل بسيط، أن لا أضع المتخاصمين جنبا إلى جنب، لأني لا أضمن مايمكن أن يقومون به في إقامة طويلة بين الرفوف ،خصوصا إذا لم يلتفت أحد إليهم. يمكنهم أن يألبوا الكتاب الآخرين وتقع الكارثة .بين الفينة والأخرى أكتب حماقة على الجدار وأتقاسم ابتسامات افتراضية للتخفيف من ورطة الواقع..

لأول مرة أجد نفسي دون أجندة بعد أن تجمدت المواعيد وانمحت كل النوايا الطيبة في السفر أو الزيارات أو حتى في احتساء قهوة في ركن من الجبل.فجاة ،تقلصت احتمالات الحياة الرحبة في عنوانين بارزين: المأكل والمسكن و ثالثها الضجر. ضجر معتق في جرار دون قعر. يا الله !مالذي فعلناه لنستحق هذا العقاب القاسي؟ اشتقنا للأسواق الضاجة بالناس،اشتقنا لاجترار قصصنا اليومية مع الأصدقاء، اشتقنا للرتابة القديمة، اشتقنا لرؤية الأطفال حين تقذفهم أبواب المدارس، اشتقنا للمقاهي والبصاصين . اشتقنا لآدميتنا؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد