الرائدة في صحافة الموبايل

أخلاقيات مهنة المحاماة، وتحديات الثابت والمتغير.


بقلم الأستاذ حسن حلحول، محام وعضو مجلس هيئة المحامين بالرباط.

يعتبر موضوع أخلاقيات المهنة من المواضيع التي لم تحض بالاهتمام الكبير والدراسة الكافية، من قبل الهيئات النقابية للمحامين بالمغرب، ومن قبل المهتمين بالشأن المهني، وأن إغفال التطرق الى هذا الموضوع دون أن يحضا بالالتفاتة التي يستحقها، من شأنه أن يبرز مشاكل مهنية كبيرة، ومتاعب لا يحمد عقباها في المستقبل القريب، فإن لم نبادر جميعا إلى النظر في الموضوع بجدية، ونوليه أهمية تضاهي الأهمية التي نوليها لأعراف وتقاليد المهنة، التي راكمتها المحاماة من خلال الممارسة، لمدة تفوق قرنا من الزمن، فإنها ستعيش أزمة حقيقية لا يمكن التكهن بمصير المهنة في غيابها، سيما وأن قاعدة المحامين في اتساع مضطرد، والتحكم فيها بواسطة الأعراف والتقاليد غير كاف، كما أن منظومة العدالة تعرف تطورا مذهلا على المستوى الرقمي، وهذا التطور ألزم المحامين بالانخراط فيه بشكل أو بأخر، وبالتالي فإن الأعراف والتقاليد لن يكون لها الدور الذي كان عندها في السابق ، لأن أسس الأعراف والتقاليد وتراكماتها الأساسية، تكمن في الاتصال المباشر بين الزملاء والزميلات داخل المحاكم، وأن غياب هذا المكون الأساسي بسبب التباعد بين المحاميين، بسبب ما سوف يخلقه التطور التقني والرقمي والسيبراني، سيغير نمط الاشتغال، وهو ما سوف يجعل المحامين يمارسون المهنة من مكاتبهم، بواسطة تقنية العمل عن بعد، وعن طريق وضع المقالات والتواصل مع المحكمة، وأداء مهام الدفاع عن المتقاضين وهم جالسون بمكاتبهم.
إن هذا التباعد والانفصال بين المحامين، سيغير ويربك تلك العلاقات الوطيدة، وذلك التماسك المتين، الذي يجمع المحامين في سبيل الدفاع عن مصالحهم المهنية.
إن السلبيات التي سيخلفها التقاضي عن بعد بواسطة المنصات الرقمية ، سيكون له الأثر الخطير على الجسم المهني، وهو ما يجب أن نستوعبه جيدا ، حتى نتمكن من خلق آليات جديدة، وطرح بدائل وحلول ناجعة، من أجل توقع وافتراض ما يمكن وقوعه في المستقبل القريب (سنة 2030 كتاريخ لرقمنة للعالم، على الأبواب).
وأنه من باب استيعاب ما نحاول قوله، سوف نسوق مثالين اثنين:
أولهما: قد يتذكر الزملاء والزميلات، كيف كانت العلاقة بينهم، قبل تجزئة وتقسيم المحاكم إلى عادية ومتخصصة، فقد كان جميع المحامين يجتمعون سواء بالمحكمة الابتدائية أو الاستئنافية، وكانت العلاقة جد حميمية، وهو ما كان يساهم في طرح كل المشاكل المهنية على الساحة، وكان الكل على علم بما يقع، فإذا مرض أحدنا -مثلا-، يهب الباقي لإسعافه ماديا ومعنويا، وإذا تعرض أحدنا إلى مشكل إداري، نجد الكل يقف وقفة رجل واحد بشكل مباشر، وإذا طرأ أي خلاف أو مشكل بين المحامين، يتم حله وتطوى صفحته، دون عرضه على الملأ، بل حتى إن موظفي المحكمة كانوا لا يطلعون عليه، وهكذا كنا ساهم كل من موقعه في إيجاد الحلول، لتنتهي هذه المميزات بتباعد المحاكم، إذ جُعِلت المحاكم التجارية والإدارية والأسرة في جهة، والمحكمة الابتدائية والاستئنافية في جهة أخرى، وهو ما سبب في خفوت تلك العلاقات التواصلية اليومية، و انتهى معها ذلك الدفيء الذي كان يشد بين المحامين كالبنيان المرصوص، وبدأت تظهر على الجسم المهني، ملامح التفكك، الذي حل محل وحدة وتماسك هذا الجسم، وهو ما زاد وسيزيد استفحالا في عصر الرقمنة والانترنيت، الذي جعل عرض ونشر مشاكل المحامين وخلافاتهم المهنية يتم بشكل افتراضي ويُحل بعضها بشكل افتراضي كذلك، عن طريق منصات وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما جعل أغلب المشاكل التي كانت تحل بشكل سري في السابق، أضحت في زمن الرقمنة والديجيتال والسبيرانية، مشاكل تعرض على مرأى ومسمع الجميع، فلا حميمية ولا سرية، لقد أصبح الفضاء الأزرق مثلا، سوقا مشاعا لفضح الأسرار المهنية وتبادل الاتهامات بين زملاء المهنة الواحدة.
إن تماسك ووحدة المهنة، تستمد قوتها من عدم إفشاء ونشر المشاكل الداخلية للمهنة عبر المنصات الرقمية، والمحاماة في حد ذاتها بمثابة مجتمع مصغر يضم مهنيين نخبة، لا يقومون بعمل عادي، لذا يجدر بنا الحفاظ على ما تركه الأسلاف والقيادمة من المهنيين الأجلاء.
ثانيها: إن التقاضي عن بعد بواسطة المنصات الرقمية، سوف يجعل المحامين متباعدين، ومن ثمة سوف تكون الأعراف والتقاليد، التي كانت تلقن بواسطة الاتصال المباشر داخل المحكمة للمتمرنين، باعتبار المحكمة فضاء تمارس فيه الأعراف والتقاليد، ممارسة حسية، يلمسها المحامي المتمرن بشكل ناجع وفعال، وهي الأعراف والتقاليد التي تبدأ منذ أول يوم يلج فيها هذا الشاب المهنة، إذ أن أول عرف يلقن له، هو أن يتقدم إلى الزملاء القدماء ليعرِّفهم بنفسه ويعرِّفونه بأنفسهم، وهو العرف الميداني الذي تنشأ عنه أواصر الوحدة والتماسك، وهو نفسه العرف الذي سوف نفتقده مستقبلا مع نظام الرقمنة والتقاضي عن بعد.
ثم إن التقاضي عن بعد، سيجعلنا لا نعرف بعضنا البعض، إلا بواسطة تبادل المذكرات عبر المنصات الرقمية، و هي الطريقة التي من المرتقب أن تجعل الزملاء يتطاولون على بعضهم البعض، وهو ما سوف يُفقِد مؤسسة النقيب، ومعها القيادمة، مشاعر الاحترام القائمة على الأعراف والتقاليد.
إن ما هو أت لأمر خطير قد لا يُحمَد عقباه، إن لم نخلق آليات أخرى تعضد صور الأعراف والتقاليد وتمنح شعور الالتزام بها، ونرى أن هذه الأعراف والتقاليد، تتمثل بشكل جلي في القيم والاخلاق المهنية، وهو ما سوف يجعلنا نقرب الصورة أكثر من خلال محاولة تحديد مفهوم أخلاقيات المهنية والتعريف بها، في ما يلي:
بدءا ذي بدء، يمكن تعريف الأخلاق بكونها: مجموعة القواعد والمعايير السلوكية، التي على الإنسان أن يحذو حذوها في حياته المهنية، بشكل لا محيد عنه، وهو ما أكده المفكر &هابر ماس& بقوله: &إن كل مرحلة تمر بها المجتمعات البشرية، يصاحبها التغيير في تلك القواعد السلوكية&.
وإن من المعروف في مهنة المحاماة، بناء على ما ينص عليه قانونها في المادة 3 منه، إذ أن أن سلوك المحامي مقيد بقواعد الأعراف والتقاليد، وهو ما جعلنا نلاحظ وجود تغير لأوجهها في المرحلة المعاصرة بسبب كثرة عدد الوافدين، واتساع قاعدة المحامين، إذ أن الأعراف والتقاليد في شكلها الجديد، الذي عرفته مع الأفواج الكبيرة للمحامين الجدد الرافضين لكل صورها التقليدية المرتكزة على احترام مؤسسة النقيب وما بالمهنة من قيادمة.
لذا ووعيا منا بهذا التحول في بنية عقل المحامين، لزم أن ننطلق ومن باب الملاءمة نحو البحث في المبادىء العامة للقيم والأخلاقيات التي قد تتناسب وطبيعة التحولات التقنية المعاصرة، التي طرأت على المهنة وواقعنا المعاش داخلها.
فإذا أردنا أن نفهم أخلاقيات المهنة، يجب علينا أن نطرح ثلاثة أسئلة محورية تتجلى في:
– ماهي الاخلاق المهنية؟
– ما هي ضوابط المهنة؟
– ما هي روابط المهنة بالاخلاق؟
ولكي نجيب عن هذه الأسئلة، فيجب علينا أن نميز بين الأخلاقيات من حيث هي مادة موضوع، ومن حيث هي ميدان دراسة .
فالاخلاقيون (فلاسفة الأخلاق)، يدرسون معايير السلوك، بوصف الأخلاقيات ميدان دراسة، إذ تعتبر درسا معياريا، وأن الأهداف الأساسية لها هي أهداف إرشادية وتقويمية، أكثر من كونها وصفية وتفسيرية، فإذا كانت الأنماط الإرشادية للسلوك من اختصاص فلاسفة الأخلاق الذين يحددون الدوافع ويبحثون فيها بطرح السؤال لما صدر هذا السلوك، فإن علماء الاجتماع يحاولون فهم الأخلاق ويصفونها بطرح السؤال المحوري: لماذا يُقْدِمُ الناس على هذا الفعل؟ بمعنى أكثر دقة وبارتباط بالممارسة المهنية للمحاماة، نجد أن أعراف وتقاليد مهنة المحاماة، المنصوص عليها في المادة 3 من قانون المهنة، هي العمود الفقري للعلاقات العامة بين المحامين، وهي العلاقات التي تقوم على المعيار الوصفي للفعل.
ونحن بصدد التفكير في معايير السلوك الأساسية لمهنة المحاماة، علينا أن نميز -هنا-، بين الأخلاقيات النظرية، وبين الخلق العام أو ما يسمى بالخلقية العامة، فبالنسبة لهذه الأخيرة، نجدها تتألف من معايير شديدة العمومية، وهي المعايير المنصوص عليها في المادة الثالثة – المذكورة آنفا-، بعبارة: &وما تقتضيه الأخلاق الحميدة&، وهي معايير تنطبق على جميع الناس داخل المجتمع، بغض النظر عن دورهم في المؤسسات الاجتماعية أو المهنية، إذ أنها تتضمن موضوعات فرعية كثيرة منها أخلاقيات النظرية المعيارية، والأخلاقيات التطبيقية، وميتافزيقا الأخلاق، فنجد أن الأخلاقيات المعيارية -مثلا- تهتم بدراسة المعايير والمبادئ، والمفاهيم والقيم، في حين نجد أن الأخلاقيات التطبيقية، تهتم بدراسة المعضلات الأخلاقية، والمعايير في مهن ووظائف ومواقف عينية محددة، كما تدرس كيفية تطبيق النظريات والمفاهيم القيمية في سياقات معينة.
فهي بصفة عامة تميز بين الخير والشر ، وبين الفضيلة والرذيلة، وهو ما يطلق عليه فلاسفة الأخلاق &خلق الحس المشترك&.
لقد اعتبر كثير من الباحثين، بأن هذا الخلق العام، يعلو عن سواه من حيث الالتزامات، فإن كان من واجب المتصف بالخلق العام أن لا يكذب، حتى ولو حتمت عليه وظيفته اقتراف خطيئة الكذب، فإن معايير الخلق العام هي تلك التي تعلِّم وتلقِّن الإنسان في مرحلة الطفولة في البيت والمدرسة، فكرة ألا لايكذب، و ألا يغش، وألا يسرق…. إلى اخره .
أما الأخلاقيات النظرية، فهي في أساسها ليست معايير عامة للسلوك، بل هي معايير تمس مهنة معينة أو وظيفة معينة، فمقولة الأخلاقيات من المنظور النظري، عندما تستعمل بهذا السياق، فإنها عادة ما تكون بمثابة المنسد والمسند اليه، أي بمثابة المضاف والمضاف إليه ، كمثل أخلاقيات الطب، أو أخلاقيات الهندسة المعمارية أوأخلاقيات المحاماة …
واعتبارا لذلك، فإن الملاحظ هو أن الأخلاقيات المهنية، هي معايير للسلوك تطبق على الذين يشتغلون في مهنة معينة، وهي محددة أساسا بالنسبة لكل الأشخاص الذين يلجون إلى مهنة المحاماة، إذ أن المطلوب منهم، أن يلتزموا بمعايير أخلاقيات المهنة، لأن الدولة والمجتمع، بالنظر إلى مركز المحامين الاجتماعي النبيل، يجعلهم في موضع ثقة، من باب أنهم يقدمون خدمات ذات بال، وذات قيمة كبيرة داخل المجتمع، فلا يمكن أن تتوفر هذه المميزات في المحامي إذا لم يحصن نفسه بالأخلاقيات المهنية.
لذا فإن المحامين الذين يفشلون في أن يؤدوا التزاماتها الأخلاقية، فهم بذلك ينتهكون ميثاق الثقة بشكل سافر، فعلى سبيل المثال لا الحصر، نجد أن المحامون هم أشخاص ملتزمون بواجب كتمان أسرار موكليهم ، وهو واجب يتجاوز الخلق العام، الداعي إلى احترام الخصوصيات، فلو أن محام أفشى أسرار موكله، فسوف يجعل الثقة مفقودة وهو ما يحول دون أداء عمل ذي قيمة، فهو بذلك يخون ثقة المجتمع به.
لذا فإنه يجدر بالمحامين أن يتمسكوا بمعايير مهنة المحاماة، مثلما يتمسكون بمعايير السلوك العام، فالمعيار المهني لا يخرج عن كونه آلية جيدة للتحكم في جودة ما يقدمه المحامي من خدمات مهنية، كما أنه نفسه المعيار الذي يساعد في الاحتفاظ بثقة الناس، أما المعايير الخلقية والقانونية، فيمكن أن تلعب دورا مهما في إرشاد السلوك المهني، باعتبار أن المعايير المهنية لاينبغي لها أن تكون متناقضة مع معايير الخلق العام المتفق عليها، وأن هذا الأخير من الممكن أن يكون مرشدا للمحامين، عندما تصطدم معاييرهم الأخلاقية ببعضها ببعض، أو مع معايير أخرى للسلوك، وذلك في علاقة وطيدة للمحاماة بأخلاقيات المهنة، حتى يكون التصور المنطقي لعلاقة المهنة الخلقية بالمحاماة.
وارتباطا بما سبق عرضه بخصوص تعريف أخلاقيات المهنة وتحديد مفهومها، وهو ما يستوجب علينا التطرق إلى مسألة بنيوية، وهي وجودية الأخلاق وعدم وجودها في بنية سلوكات المحامي .
إنه تبعا لذلك، يجعل السؤال المطروح هو: ما المهنة؟ مع أن مهنة المحاماة، تتمخض من مؤسسة حقوقية اجتماعية حرة مستقلة، تهدف إلى تحقيق العدالة، وهي على غرار باقي المؤسسات الاجتماعية، تقوم مهنة المحاماة بدور في غاية الأهمية، في سبيل تحقيق غايات جوهرية بحكمة متعالية في منظومة العدالة، كما تُسهِم إسهاما بارزا إلى جانب مختلف الفاعلين الآخرين، في إنجاز أهداف عامة داخل بيئة اجتماعية كبرى، إذن، فالمحاماة أكثر من مجرد مؤسسة حقوقية واجتماعية، إنها أيضا مهنة لها تاريخ عريق، مما يجعلنا نقول أن: &ليس كل المؤسسات الحقوقية والاجتماعية قد تعتبر مهنة&، فالمحاماة بذلك، تعلو على جميع المؤسسات الحقوقية والاجتماعية الأخرى، وهو ما يجعلنا نحدد هذه المعايير، في سبعة معايير أساسية، وسوف نشرح كيفية اتصال هذه المعايير بالمهنة، في ما يلي:
1-تمكن مهنة المحاماة، المواطنين من تحقيق الحق، وبلوغ أهداف حقوقية ذات قيمة اجتماعية، وفي نفس الوقت يكون لدى المحامين التزامات أخلاقية من باب بذل العناية واحراز هذه الأهداف الحقيقية والدفاع عن القضايا الانسانية، والرسالة الانسانية لمهنة المحاماة.
2- تضمن مهنة المحاماة بشكل صريح أو ضمني، معايير للكفاءة والسلوك، تحكم النشاطات المهنية، وهي تساعد في ضمان انجاز المحامين لعملهم، وفق ما هو منتظر منهم بأخلاق عالية، والذي لاشك فيه هو أن المحام في الوقت الراهن، الذي تلج فيه العدالة الرقمية والانترنيت، مكاتب أغلب محاميي العالم من بابها الواسع، وهو ما قد يجعل المحامي غير الكفء وغير المتخلق، الذي قد يقدم خدمات مشكوك فيها، وهو ما يجعل انتاجه للخدمات المشكوك فيها، طرفا يلحق الأذى بالمواطنين، وهو ما يعطينا محاميا رديئا وضعيفا، يحصد نتائج حقوقية واجتماعية مضرة بالمجتمع.
إن مهنة المحاماة عبر الصيرورة التاريخية، هي مهنة تملك معايير جد هامة من الكفاءة والسلوك الأخلاقي الحسن.
3- يخضع المحامون للتكوين والتدريب لفترات طويلة ومستمرة، وهو ما يؤهلهم لتحمل أعباء المهنة، بشكل رسمي وغير رسمي، وذلك قبل أن يثبتوا في المهنة وهذا الجانب التكويني والتدريبي هو أمر ضروري لتأكيد مدى استيعاب المحامين للمعايير المهنية في شقها المتصل بالأخلاق.
4- للمهنة هيئة نقابية، تمثيلية تتخذ قرارات هامة، في سبيل ضمان حماية معايير تخليق المهنة، إذ أن هذه المؤسسة هي الإطار الوحيد، الذي يجعل هؤلاء المحامون المهنيون، يتفقون على أنهم منضبطون داخلها، وأن أي خروج عن هذا الإطار هو تهديد لمهنة المحاماة، فكيف ما كانت الأهداف والدوافع الكامنة وراء الخروج عن الإطار المؤسساتي، فإن ذلك يعرض المهنة للهوان والضعف، ويفسح المجال للممارسات غير الأخلاقية.
5- إن مهنة المحاماة من الناحية الاعتبارية، هي رسالة ونبل وقيم، تشغل بال المحامي وترافقه أينما حل، سواء بمؤسسات الدولة، أو بالشارع، أو في حياته الخاصة والعامة، كما أنها أيضا من الناحية المادية، نجدها وسيلة لكسب العيش، نظير الدور أو الخدمة التي يقدمها المحامي في سبيل الدفاع عن حقوق المواطنين، والحق أن هذا الجانب الأخير (أتعاب الجهد الفكري)، يبدو مسؤولا إلى حد ما، في تبرير بعض السلوكيات غير الأخلاقية التي تحدث داخل الممارسة المهنية، وهي ظاهرة مستحدثة وغريبة لم تكن تعرفها مهنة المحاماة إلا نادرا، والنوادر لا يقاس عليها.
6- يحضى المحامون بامتيازات وحصانات، معينة لكي يقوموا بأداء عملهم في ظروف حسنة، دون أي ضغط او إكراه من أية جهة كانت، وهذا يساعدهم على أداء مهامهم بمسؤولية ومصداقية، كما يقدمون عملهم في إطار مسؤول وأخلاقي، بناء على هذه الاتمتيازات والحصانات التي تجعلهم مطمئنين، وهم يؤدون عملهم الشريف.
7- ينظر الناس إلى المحامين على أنهم سلطات عقلية داخل حقل المعرفة القانونية والحقوقية، وأن لهم خبرة عالية في التناظر والتخاطب، فهي فضلا عن ذلك تعتبر مهنة علمية، على الرغم من وجود اختلافات مهمة بين المهن العلمية المتباينة، إلا أن هناك بعض التمثلات، وهي إلى حد ما، تتألف لتشكل القاسم المشترك – جزئيا -، مع النموذج المهني القائم على الهوية والابداع والحرية والاستقلالية والزمالة وغير ذلك من الأمور التي تدخل ضمن مكونات المهنة.
إن أخلاقيات المهنة وقيمها، باتت من المسائل الضرورية، كما انها أضحت آلية أساسية في ممارسة مهنة المحاماة، وأن ما شهدته المهنة في الآونة الأخيرة من المهن التي يحاول البعض ضرب مكتسباتها، خاصة في ظل وباء &الكورونا&، الذي يحتم على المحامين إعادة النظر في كثير من الممارسات المهنية، حتى لا يتركوا للآخرين من المتربصين بالمهنة والمهنيين، فرصة تقزيمها والانقضاض عليها.
وارتباطا بالموضوع، فإنه على المحامين أن يستوعبوا المرحلة الحرجة التي تمر بها مهنة المحاماة في العالم، كوننا كمحامون مغاربة نعد جزء من محاميي العالم، فإذا كان 27000 محام في فرنسا قد تخلو عن المهنة، وهو تخل لم يكن بسبب وباء &الكورونا& فقط، بل كان بسبب التغييرات التي حدثت في المهنة قبل تفشي الوباء، خاصة مع ظهور المنصة الرقمية التي جعلت العدالة رقمية، وبالتالي سهلت عملية بلع المحامين، للذين أبانوا عن عدم قدرتهم مواجهة المكاتب العالمية الكبرى، وهو ما جعل 300 محام في مدينة ليون الفرنسية يخرجون في بحر اسبوع الماضي إلى الشارع، حاملين شعارا موحدا يقول: &لا للعدالة المميتة&، وهو شعار يخاطب العدالة الرقمية.
إن التحدي الأساسي هو تحدي قائم بين المحامين المُعولَمِين والمحامين المُعَولِمِين، وأن ما وقع لفرنسا، سوف تتفشى بيننا عدواها وسوفو نصاب بما أصيبوا به من إحباط، ولربما سوف تنتقل إلينا العدوى بشكل أفضع، مما هو الحال عليه بفرنسا، لأن فيروس &الكورونا& عجل في تطبيق العدالة المميتة (العدالة الرقمية)، دون أن تتوفر لدى اغلب مكاتي المحاماة الشروط اللازمة من الناحية المادية والتنزيمية واللوجيستيكية، وهو ما سوف يجعلنا كمحامين، نستوعب المخاطر التي تهدد مهنة المحاماة، فالرهان هو: كيف يمكننا أن نواجه رياح التغيير؟ وماهي المخرجات المستقبلية التي
ستعمل عليها الهيئات النقابية، للحد من هذا التسونامي الذي سيضرب المهنة؟
إنها مسألة وقت فقط، فإما أن نكون أو لا نكون، على حد تعبير الروائي والمسرحي &،شيكسبير&، لذا يجب علينا أن نكون مستعدين لأي طارئ قد يعصف بمستقبلنا المهني.

الأستاذ حسن حلحول، محام بهيئة الرباط

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد