الرائدة في صحافة الموبايل

في السجال بين ديكارت وهوبز حول الانفعالات

أحمد رباص – دنا بريس

كان رينيه ديكارت (1596-1650) وتوماس هوبز (1588-1679) معاصرين التقيا لفترة وجيزة ولكن ليس بطريقة ودية، وانخرطا في سجال منشور حول القضايا التي أثارتها تأملات ديكارت، وكانا كلاهما ينتقد علانية الفرضيات الأساسية التي ينطلق منها الآخر. قال ديكارت عن فلسفة هوبز الأخلاقية إنها كانت خطيرة للغاية، لأنها افترضت أن جميع البشر سيئون، وبالتالي أعطاهم الفرصة ليكونوا كذلك. رد هوبز بأن ديكارت قد يكون أفضل مهندس في العالم ، لكنه كان عديم الموهبة في الفلسفة.
وجه ليو شتراوس Leo Strauss الانتباه إلى ازدرائهما المشترك للطابع غير العلمي وغير العملي للرسائل القديمة حول الأخلاق، بل لاحظ أن “نسق هوبز الأخلاقي نفسه يتوافق بشكل أفضل مع نوايا ديكارت العميقة عن الأخلاق التي طرح مبادءها في كتاب “انفعالات النفس”.وبنفس الروح، ذهب ريتشارد كينينجتون Richard Kennington إلى أن ديكارت شارك مع هوبز القناعة الحديثة بأن العقل يخدم الانفعالات، وأن ما يميز البشر عن الحيوانات هو أداة العقل البشري الأكثر مرونة، بدلاً من نهاية مختلفة بشكل خاص .
في هذا التأويل علينا أن نفهم أطروحة ديكارت عن الانفعلات في ضوء مشروعه الأساسي، أي تطوير طريقة عالمية تهدف إلى تعزيز التحكم في الطبيعة، مثلما يرفض في كتابه “خطاب في المنهج” الفلسفة التأملية التقليدية السكولائية لصالح فلسفة عملية جديدة ستنتج “ما لا نهاية له من المقالات” لتسهيل تمتعنا بثمار وفواكه هذه الأرض، كذلك تهدف الفلسفة الأخلاقية عند ديكارت إلى تطوير علم عملي هدفه تأسيس “إمبراطورية مطلقة تماما” على الانفعالات.
للإشارة، فإن “انفعالات النفس” أطروحة ديكارت عن الفلسفة الأخلاقية نُشرت في باريس في عام 1649، وضع فيها نظرياته حول “الانفعالات”، أو ما قد يدعوه القراء المعاصرون “العواطف”. حاول ديكارت أن يبرهن أن الانفعالات مسألة تتعلق بالطبيعة وبذلك تتعلق بالجسم. وهي ليست ضارة بالروح بالأساس، طالما تتحكم فيها الأخلاق والإرادة الحرة القادرتان على تقييم الانفعالات.
كان ديكارت جزءاً من تقليد طويل في التنظير حول الانفعالات، إلا أن منهجه النفسي أصبح رائداً وتنبأ بولادة الفسيولوجيا العصبية كفرع من فروع العلوم. وفي سياق النظرة الآلية للحياة التي كانت شائعة في علم القرن السابع عشر، نظر ديكارت إلى الجسم على أنه آلة مستقلة وظيفياً وبالتالي تماشى منهجه النفسي حول انفعالات النفس مع تلك النظرة.
لم يعد يُنظر إلى الانفعالات على أنها أمراض، وإنما أصبح يُنظر إليها على أنها تجليات طبيعية يسعى ديكارت إلى تفسير طرق عملها. كان ديكارت يتبادل الرسائل مع الأميرة إليزابيث، أميرة بوهيميا، عن مواضيع فلسفية متعددة، كان أحدها يدور حول موضوع الأخلاق. هذه الأطروحة عن انفعالات النفس هي ثمرة لخطاباتهما المتبادلة.
إن تشديد ديكارت على أولوية انفعال التعجب وعلى الأسبقية الأخلاقية لفضيلة الكرم يشهد على فهم مختلف جذريا للتفاعل بين العواطف والعقل. على الرغم من مقاربته الميكانيكية لحركات الجسم، لم يختزل ديكارت العاطفة أبدا إلى تفاعل بين القوى. إن الانفعال ظاهرة معقدة، تنطلق مع انعكاس لا إرادي للآلية الجسدية ويدعمه استسلام جزئي لحرية الروح. وبالتالي، فإن مهمة العقل لا تتمثل فقط في إدارة القوىالانفعالية المتضاربة، ولكن أيضا في تمييز دور الروح في الحفاظ على قوة الانفعال وتضخيمها. وإذا كان هوبز يستمد الفضول الفكري من القلق والحكمة من الخوف من الموت، فإن ديكارت يصف التعجب على أنه أول الانفعالات وأكثرها بدائية ويربط الحكمة بالفرح الذي يصاحب العمل السخي. علاوة على ذلك، يرى أن التحكم في العواطف المضطربة هو أمر جيد، ليس لأنه يسهل الاستغلال المستمر للطبيعة، ولكن لأنه ينتج تعجبا غير مبالٍ وسخاء فرحا هما أنبل الأنشطة البشرية.
كتب كل من ديكارت وهوبز باستفاضة حول موضوع الانفعالات. ناقشها هوبز في كتابه «مبادئ القانون الطبيعي والسياسي» (1640)، الذي ظهر جزءان منه في عام 1650 تحت هذين العنوانين: Ruman Nature و De Corpore Politico . ظهرت أطروحة ديكارت ، “انفعالات النفس” في عام 1649، أي الوقت الذي فرغ فيه هوبز من تأليف “التنين” Leviathan، ويبدو أن عمل ديكارت مارس تأثيرا على تفسير هوبز لفضيلة الشجاعة طي كتابه الأخير. كما نجد العديد من التعليقات حول تجاوزات الانفعالات وأفضل الوسائل للسيطرة عليها في رسائل ديكارت إلى الأميرة إليزابيث.
أخيرا، يسرد هوبز الانفعالات السبعة البسيطة على أنها: “الشهية، الرغبة، الحب، النفور، الكراهية، الفرح، والحزن” ويشتقها من “البدايات الصغيرة للحركة داخل جسد الإنسان. وإلى ذلك يضيف أن “الشهية” و”الرغبة” هما في الواقع كلمتان مترادفتان .في حين يؤكد ديكارت أن هناك ستة انفعالات أولية: تعجب، حب، كراهية، رغبة، فرح، حزن”. نلاحظ أن ديكارت يستبعد النفور من القائمة بحجة أن الرغبة سواء كانت ميلا إلى الخير اونفورا من الشر المعاكس تبقى دائمًا حركة متطابقة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد