الرائدة في صحافة الموبايل

بطاقة التعريف الوطنية الجديدة.. بين الهوية الرقمية والهوية الوطنية

ذ. إيمان الغانمي

مما لا شك فيه أن اعتماد الهوية الرقمية ببلادنا المرتقب بداية العام المقبل، عبر إصدار الجيل الجديد من بطاقة التعريف الإلكترونية، قد يعتبر ضرورة أملتها التطورات التكنولوجية المتسارعة التي باتت تفرض على المواطنين(ات) القيام بمعاملات إدارية ومالية تستلزم في الكثير من الأحيان إثبات الهوية بشكل رقمي، وهو الأمر الذي لا يخلو من مخاطر التزوير وانتحال الصفة، وبالتالي تطوير البطاقة الوطنية لتستجيب لشروط الحماية الرقمية باستعمال أحدث التقنيات الأمنية وآخر الابتكارات التكنولوجية ، بما يمكن من الولوج السريع والمبسط و الآمن إلى الخدمات الرقمية للمؤسسات العمومية والخاصة عبر الانترنت دون الحاجة إلى أدنى تنقل؛

وإذا كان التصميم الجديد لبطاقة التعريف الالكترونية يعكس على مستوى الشكل، عراقة المغرب كبلد ذي تاريخ حافل بالأمجاد، ضارب في الحضارة ومتشبث بتراثه وثقافته، فان استبعاد المادة الرابعة من نص مشروع قانون رقم 04.20 تحرير البيانات الخاصة باللغة الأمازيغية، يطرح من جديد وبإلحاح، إشكالية الهوية الوطنية المتعددة في مكوناتها، وهو الأمر الذي حسم من خلال دستور2011 للمملكة والذي نص في ديباجته على أن “المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم وتنوّع مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية -الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية”؛

كما نص الفصل الخامس من الدستور ما يلي:

” تظل العربية اللغة الرسمية للدولة. وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها”؛

“تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء”؛

“يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية”؛

“تعمل الدولة على صيانة الحسانية، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية المغربية الموحدة، وعلى حماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب، وتسهر على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية، وعلى تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم ؛ باعتبارها وسائل للتواصل، والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة، والانفتاح على مختلف الثقافات، وعلى حضارة العصر”؛

“يُحدَث مجلس وطني للغات والثقافة المغربية، مهمته، على وجه الخصوص، حماية وتنمية اللغات العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا. ويضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات. ويحدد قانون تنظيمي صلاحياته وتركيبَته وكيفيات سيره”؛

إن مشروع قانون بطاقة التعريف الوطنية الالكترونية يعتبر تراجعا عن المكتسبات المعتبرة التي حققها المغرب في مجال التعدد اللغوي والثقافي، وعن المصالحة الوطنية والهوياتية التي جسدها خطاب أجدير وإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وعن مسار ترسيم اللغة الأمازيغية منذ التنصيص عليها كلغة رسمية للبلاد إلى جانب العربية، و دخول القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، حيز التنفيذ بعد صدوره في الجريدة الرسمية في سبتمبر 2019، من شأنه إذكاء الصراع الهوياتي داخل الدولة والمجتمع، وإثارة جدل سياسي وحقوقي وتأجيج صراعات لا مبرر لها خصوصا في هذه الظرفية الدقيقة التي تمر بها البلاد علاقة بجائحة كوفيد 19 وتداعياتها؛

كما أن المتأمل لنص مشروع القانون رقم 04.20 تستوقفه لا محالة العديد من المفارقات نجملها في ما يلي:

· اعتباره في مادته الأولى أن البطاقة الوطنية تثبيت للهوية، في حين يلغي أحد المقومات الأساسية للهوية الوطنية وهي اللغة بحسب مقتضيات الدستور الذي رسم العربية والأمازيغية؛ كما أنه يعتبر خرقا القانون التنظيمي لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ، خاصة المادة 21 منه، التي تحتل فيها بطاقة التعريف الوطنية مكانة الصدارة ضمن الوثائق التي يجب تحريرها باللغة الامازيغية الى جانب اللغة العربية ؛

· إدراجه اللغة اللاتينية في البطاقة الوطنية وهي لغة غير دستورية واقصاؤه للأمازيغية وهي لغة رسمية، فحسب المادة 4 من مشروع القانون، تتضمن البطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية، على وجهيها الأمامي والخلفي، الاسم الشخصي والاسم العائلي بالحروف العربية واللاتينية، تاريخ الولادة، مكان الولادة بالحروف العربية واللاتينية، تاريخ انتهاء صلاحية البطاقة، صورة صاحب البطاقة، الرقم الوطني للتعريف، السلطة التي تسلم الوثيقة بالحروف العربية وتوقيعها، رقم الولوج إلى البطاقة، الرقم الوطني للتعريف، النسب بالحروف العربية واللاتينية، عنوان السكنى بالحروف العربية واللاتينية، الرقم الترتيبي لرسم الحالة المدنية، رمز الجنس، مع إمكانية إدراج عبارة ”زوجة” أو ”أرملة” أو ”أرمل”، مع اسم المعنية أو المعني بالحروف العربية واللاتينية؛

· المظهر الحداثي للجيل الجديد من البطاقة الالكترونية التي تساير روح العصر من الناحية التقنية، ولكنها في نفس الآن تعبر عن نوع من الجمود ومقاومة التغيير واحترام الدولة لالتزاماتها في مجال الحقوق والمساواة بين المواطنات والمواطنين؛

· اعتبار حماية المعطيات الشخصية من أهم ما يهدف إليه مشروع القانون المتعلق بالبطاقة الوطنية للتعريف الالكترونية من خلال استثماره للتكنولوجيا في مجال الحكامة الإدارية والأمنية، في حين يطرح السؤال حول مدى احترامه للحياة الخاصة والحريات، في حالة استخدام أحدث وأدق التقنيات التي توسع هامش احتمال اختراق الحياة الخاصة للأفراد وسرية معطياتهم الشخصية المحمية وفقا لأحكام الفصلين 24 و27 من الدستور؛

إن بطاقة التعريف الوطنية ينبغي أن تعكس البناء الوطني الهوياتي المتعدد في مكوناته، والقوي برسوخ وحدته، كما أن الإكراه التقني لصعوبة إدراج بعض المعطيات الشخصية للمواطنين في وثائق رسمية مثل بطاقة التعريف باللغة الأمازيغية من الصعب أن يعتبر مبررا واقعيا، خصوصا في ظل حضور حرف تيفيناغ في فضاء الرقمنة الإلكترونية، وفي ظل التعثر الواضح للأجرأة والتفعيل الواقعيين للطابع الرسمي للأمازيغية، وقد آن الأوان للتعبير عن إرادة سياسية حقيقية بشأن إعطاء اللغة والثقافة الأمازيغيتين مكانتهما المستحقة، انسجاما مع المقتضيات الدستورية باعتبار العربية والأمازيغية لغتين رسميتين، وملكا مشتركا لكل المغاربة، ولا مجال للسماح بجعل الهوية الوطنية موضوعا لمزايدات سياسية حول الوطنية والانتماء.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد