الرائدة في صحافة الموبايل

جيزيل حليمي.. المدافعة المتحمسة عن قضية المرأة في ذمة الله

أحمد رباص – دنا بريس

توفيت المحامية الشهيرة، التي دافعت عن نشطاء جبهة التحرير الوطني خلال الحرب الجزائرية وكافحت من أجل تحرير الإجهاض وتجريم الاغتصاب، عن عمر يناهز 93 عاما.
إذا أردنا الحديث عن جيزيل حليمي التي توفيت يوم 28 يوليوز، الذي يتلو عيد ميلادها، تبرز كلمتان على الفور: مكافحة، متمردة . في 27 يوليوز 1927، في منطقة حلق الوادي، في تونس، عندما ولدت زيزة جيزيل إليز الطيب، لأ أحد احتفل بميلادها. كما تحكي في كتابها “قضية النساء”، تأسف والدها إدوارد بشدة لإنجابه بنتا بحيث مرت عدة أسابيع قبل أن يخبر أصدقاءه بميلادها. هذا الأب الذي لا يحب البنات سيحب ابنته بحماس. في حين كانت العلاقات بين جيزيل ووالدتها صعبة دائما، كما يمكننا أن نقرأ في كتابيها “حليب شجرة البرتقال”، سير ذاتية مؤثرة، و”فريتنا”.
كانت السيدة الطيب تربد بلا شك فتاة أكثر انصباعا. لكن البنت الصغيرة جيزيل قاومت كل شيء، بل ذهبت إلى الإضراب عن الطعام في سن العاشرة لدعم حقها في القراءة. تحدت المشاعر الدينية لعائلتها اليهودية برفضها تقبيل المزوزا* قبل الذهاب إلى المدرسة.
في السادسة عشرة ربيعا، رفضت زواجا مرتبا، حصلت على الموافقة لمتابعة دراساتها في القانون بفرنسا، وعادت إلى تونس لتنضم سنة 1949 إلى نقابة المحامين. وأصبحت المتمردة الثائرة كما هي دائما مناضلة. أولاً من أجل استقلال بلادها، التي لم تتخل عن الانتماء إلبها، حتى وإن حصلت على الجنسية الفرنسبة. لطالما أحبت تونس، وكانت تعود إليها بانتظام، وفي باريس، أحببت طهي الأطباق التونسية لأصدقائها.
عند استقرارها بفرنسا سنة 1956 وزواجها ببول حليمي، مدير مدني، غيرت اسمها وأنجبت ولدين. تطلقت منه، مع الحفاظ على الاسم الذي عرفت به، وتزوجت بكلود فو، الذي كان سكرتير جان بول سارتر. أنجبت منه ولدا ثالثا. لم تلد أي فتاة. ولعل هذا هو السبب في أنها ستقيم، مع حفيدتها، العلاقة العاطفية التي حللتها في “قصة شغف”، آخر كتاب نشر لها.

معركة طويلة ضد التعذيب

عندما بدأت الحرب الجزائرية، كان من الواضح لجيزال حليمي أن تقوم بحملة إلى جانب سارتر وأولئك الذين وقعوا، في سبتمبر 1960، على بيان 121. في عام 1960، علمت أن الجزائرية جميلة بوباشا، 22 سنة، الي بعد أن اتهمت بزرع قنبلة، اعتقلها جنود فرنسيون وعذبوها واغتصبوها، فقررت الدفاع عنها.
ثم بدأت معركة طويلة استدرجت جيزيل حليمي سيمون دي بوفوار إليها. كتبت مقالا ونشرته في جريدة لوموند، أنشأت لجنة، ضمت، على وجه الخصوص، جان بول سارتر، لويس أراغون، جينيفيف ديغول، جيرمين تيليون. تمت محاكمة جميلة في النهاية في فرنسا، بمدينة كاين، في عام 1961. رغم المرافعة اللامعة التي قدمتها جيزيل حليمي، فقد حكم على جميلة بالإعدام، ولكن سيتم العفو عنها وإطلاق سراحها عام 1962 بعد اتفاقيات إيفيان التي وضعت نهاية لحرب الجزائر.
في العام نفسه، عن دار النشر غاليمار، صدر لسيمون دي بوفوار وجيزيل حليمي، بالاشتراك مع آخرين، “جميلة بوباشا” (غاليمار)، وهو كتاب من شهادات حول القضية بأكملها. على الغلاف، تظهر صورة جميلة بريشة بابلو بيكاسو. أصبحت قصة جميلة بوباشا وجيزيل حليمي فيلما تلفزيونيا من إخراج كارولين هوبرت. تم بث “دفاعا عن جملية” لأول مرة في 20 مارس 2012 في القناة الفرنسية الثالثة. لعبت دور جميلة بوباشا حفصة حرزي وأدت مارينا هاندز دور جيزيل حليمي.
منذ ذلك الحين، يُنظر إلى جيزيل حليمي على أنها مدافعة عن القضايا الصعبة. كل من سمعها تتقاضي، حتى في الأمور الصغيرة، يعرف سحر كلمتها.
شاركت جيزيل حليمي دائما في السياسة دون أن تكون ناطقة باسم الحزب. لهذا السبب، أسست عام 1965، مع إيفلين سوليرو، كوليت أودري وآخرين الحركة الديمقراطية النسائية لدعم ترشيح فرانسوا ميتران لرئاسة الجمهورية.
كانت نسوية، حتى قبل أن تعي معنى هذه الكلمة، كانت كذلك منذ طفولتها في حلق الوادي. كذلك، منطقياً، نجدها في عام 1971 بين الموقعين على بيان 343، الذي نشرته مجلة لونوفيل أوببسرفتور. تدعي كل هؤلاء النساء أنهن قد أجهضن، وبالتالي خرقن القانون، ويطالبن بأن النساء لسن مجبرات على تعريض حياتهن للخطر من خلال إجراء الإجهاض بطريقة سرية. في العام نفسه، أسست جيزيل حليمي مع سيمون دي بوفوار حركة “اختيار قضية المرأة”، التي شاركت في جميع المعارك النسوية وانبرت للدفاع عن العديد من النساء المعنفات.

محاكمة بوبينيي

في عام 1972، تمت مقاضاة ماري كلير الفتاة ذات الستة عشر ربيعا، ووالدتها التي ساعدتها في إجراء الإجهاض. طلبتا من جيزيل حليمي الدفاع عنهما. وقد عقدت العزم على الترافع ليس فقط لفائدة هاتين المرأتين، ولكن من أجل تحرير الإجهاض، أحضرت جيزيل حليمي إلى محاكمة بوبينيي شهودا متميزين، منهم بول ميليي، البروفيسور في الطب والكاثوليكي المتحمس والأب لستة أطفال. تم الإفراج عن ماري كلير، وأدينت والدتها دون عقوبة.
كانت تلك خطوة كبيرة إلى الأمام نحو قانون الإنهاء الطوعي للحمل، الذي طالت به سيمون بعد انتخاب فاليري جيسكار ديستان، وسيتم إصداره في يناير 1975. وقد أصبحت هذه الحالة أيضا فيلما تلفزيونيا بعنوان “محاكمة بوبينيي” من إخراج فرانسوا لوسياني. تم بثه في مارس وأبريل من سنة 2006 على عدة قنوات، بما فبها الفناة الفرنسية الثانية. أدت أنوك غرينبرغ دور جيزيل حليمي، وشخصت ساندرين بونير دور والدة ماري كلير.
بالنسبة إلى النسويات، بدأ صراع جديد، يطالب بالاعتراف بالاغتصاب كجريمة. مرة أخرى، تسجل جيزيل حليمي حضورها. في ماي 1978، في إيكس أون بروفانس، أمام جلسات محكمة بوش-دي-رون مثلت شابتين بلجيكيتين تقدمتا بشكوى ضد ثلاثة رجال. في ليلة 21-22 غشت 1974، تم اغتصابهما أثناء تخييمهما في في أحد الخلجان. دفع الرجال الثلاثة عن براءتهم. خارج قاعة المحكمة، تعرضت جيزيل حليمي لموجة من الشتائم والإهانات والدفعات. تم النطق بالحكم الصادر في حق الرجال. مرة أخرى تمهد هذه المحاكمة الطريق لقانون 1980، الذي اعترف بالاغتصاب كجريمة. كانت القضية موضوع فيلم وثائقي سنة 2014 من إخراج سيدريك كوندون وفيلم تلفزيوني بعنوان “الاغتصاب”، من إخراج آلان تاسما تم بثه في عام 2017.

الكتابة.. شغفها الآخر

في عام 1981، أصبح المرشح الذي دعمته جيزيل حليمي في عام 1965، فرانسوا ميتران، رئيسا للجمهورية. ثم أرادت المشاركة في المغامرة وأصبحت نائبة بصبغة اشتراكية في الدائرة الرابعة بإيزير، قبل أن تكون سفيرة فرنسا لدى اليونسكو من 1985 إلى 1986. وفي نهاية كل هذا، عادت بمتعة إلى مهنتها كمحامية، وقررت تكريس المزيد من الوقت لشغفها الآخر: الكتابة.

نشرت حوالي خمسة عشر كتابا بين عامي 1988 و 2011، آخرها “قصة شغف” التي صدرت لها عن سن 84. كانت تلك فرصة للتعبير، في مقابلة مع لوموند، عن مشاعرها حيال الشيخوخة: “الخوف الوحيد، إذا كنت بصحة جيدة، هو من الضعف الفكري. لكني أشعر بكامل قواي. أكثر غنى، بالتجربة. بالطبع، هناك بعض القيود. في الماضي ، بالنسبة لمحاكمة مثل تلك التي حدثت في بوبينيي، كان بإمكاني العمل ليلة كاملة في قضية، والاستحمام، وتناول القهوة والذهاب إلى المرافعة. اليوم لا أستطع تجاوز الواحدة صباحا. لكنه وقت ضيق. ليس من السيئ أن تكبر في السن إذا لم تقطع الحياة إلى مراحل، إذا لم تقل لنفسك، “انتهى الأمر الآن، لقد دخلت الشيخوخة.” نقلاً عن مارغريت يورسنار، التي أعجبت بها، أرادت أن تموت كما عاشت:”وعينها مفتوحتان”.

  • المزوزا هي رق مستطيل الشكل تُكتب عليه الجمل الملائمة من الكتاب المقدس. وعلى الجانب الآخر من الرق تظهر كلمة “شدّاي”، وهي أحد أسماء الرب، وتتكون من الحروف الأولى لكلمات ثلاث: “شومير دلاتوت يسرائيل”، أي “حامي أبواب اسرائيل”. ويتم لفّ الرق لفا شديدا ثم يُعلق على الجانب الأيمن من عضادة الباب في كافة الغرف، فيما عدا غرف الحمام.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد