الرائدة في صحافة الموبايل

لايبنيز ينتقد نظرية مالبرانش حول وحدة الروح والجسد (4/2)

أحمد رباص – دنا بريس

في النصف الثاني من القرن السابع عشر، اكتشف لايبنيز وأقام “مذهبا جديدا للطبيعة”، تأسس على فهم جديد للفيزياء، والديناميكا (علم التحريك)، في منظور الترابط الأصلي لمسلمات النزعة الميكانيكية مع المبدأ الميتافيزيقي للقوة، وإعادة نوعية لتأهيل “الأشكال الجوهرية”. في سياق روايته الشخصية التي قدمها لهذا الاكتشاف، ذكر الصعوبة التي واجهها أثناء إرساء هذا النظام والتي تمثلت في اتحاد الروح بالجسم.
كتب عن هذا الموضوع قائلا: “(…) عندما بدأت أتأمل في اتحاد الروح بالجسد، كنت كمن ألقي به في عرض البحر. ذلك لأني لم أجد أي طريقة لشرح كيف أن الجسد يجعل شيئا ما يمر عبر الروح أو العكس، ولا كيف يمكن لجوهر أن يتواصل مع جوهرآخر مخلوق”. هكذا تتجسد العقبة الرئيسية أمام فهم العلاقة النفسية الجسدية في صعوبة فهم طبيعة التبادل السببي المستعرض بين الروح والجسد. لذلك، لا يمكن أن يتفق لايبنيز مع ما ذهب إليه بهذا الصدد ديكارت، الذي يبدو أنه تغاضى عن الصعوبة أو استنكف عن التغلب عليها؛ أضف إلى ذلك أنه (لايبنيز) لم يلتزم، كما رأينا، بالمنظور الظرفي.
لذلك تم رفض مساري “التأثير” و”المساعدة”، من قبل مؤلف «المذهب الجديد في الطبيعة والاتصال بين الجواهر»، الذي يعارضهما، سنعود إلى هذا لاحقا، بفرضية ثالثة عنوانها التناسق الأزلي. بشكل أكثر تحديدا، في كتاب الثيوديسيا (علم العدالة الإلهية)، يكشف نقد النظرية الديكارتية حول اتحاد الروح بالجسد عما يمكن فهمه على أنه تناقض بين فرضية الفعل المتبادل، ولا سيما “التأثير الجسدي” للنفس على الجسد وبين القوانين العامة للطبيعة. وفقا للايبنيز، فإن مسار التأثير المرتبط بالرأي المشترك هو من أصل سكولائي. لكن ديكارت، من خلال إعادة إقحام تمثيل الفعل السببي الفعال للجسد على العقل في نظريته عن العلاقة النفسية الفيزيائية، تخطى بطريقة ما مبادئ الفلسفة الحديثة التي ساهم هو نفسه في تأسيسها، و ولا سيما مبدأ الاستقلالية واستقلالية السببية الجسدية. إن ديكارت، بجعله “جزء من عمل الجسد يتوقف على الروح”، ربما كان، وفقا لصيغة لايبنيز، “يريد ان يستسلم”.
من اللافت للنظر، في هذا الصدد، أن لايبنيز أسس صراحة دحضه للنظرية الديكارتية للحركة الطوعية على حجة من النوع الإبستمولوجي، مستمدة من علم الطبيعة. حسب نسخة لايبنيز الفريدة من هذه النظرية الديكارتية، سيكون للروح القوة، ليس لتعديل كمية الحركة في الجسم، ولكن لتعديل اتجاه الحركة (عبر فعلها في الغدة الصنوبرية)، “إلى حد ما مثل الفارس، على الرغم من أنه لا يمنح قوة للحصان الذي يركبه، إلا أنه لا يتوقف عن التحكم فيه بتوجيه هذه القوة إلى الجانب الذي يراه مناسبا”.
وفقا لهذا التأويل، القابل ربما للنقاش، كان ديكارت قد سعى إلى تكييف مفهومه للحركة الطوعية مع قوانين فيزيائه، وعلى وجه الخصوص مع قانون حفظ كمية الحركة في الكون. ومع ذلك، يوضح لايبنيز، الذي يعارض هنا قوانين الميكانيكا الديكارتية بإنجازات نظريته الفيزيائية، ما هو محفوظ بالفعل في الطبيعة ليس، على عكس ما افترضه ديكارت، كمية الحركة، بله كمية القوة.
هذا الاكتشاف المتميز للديناميكا اللايبنيزية ، يستدعي اكتشافا ثانيا؛ ألا وهو الحفاظ على اتجاه الحركة “في سائر الأجسام التي يفترض أنها تتفاعل فيما بينها، أنها تتصادم بصفة لا محددة”. النتيجة التي خلص إليها لايبنيز هي إن التصور الديكارتي لفعل الروح في الجسد غير مقبول، وقصوره متأت تحديدا من الجهل بالقوانين الحقيقية للطبيعة المادية. حتى أن لايبنيز يذهب إلى أبعد من ذلك ليفترض أنه لو كان ديكارت قد عرف قوانين الفيزياء هذه، فإنه لم يكن ليؤيد فرضية تحديد الجسد من طرف الروح، وبالتالي كان سينقاد إلى ” فرضية التناسق الأزلي “، بعبارة أخرى إلى المفهوم اللايبنيزي الخالص عن تواصل الجواهر واتحاد الروح بالجسد.
(يتبع)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد