الرائدة في صحافة الموبايل

الوعي الفكري ودرجاته..

بقلم البتول جمال التركي

يتعرض الفرد منّا يومياً لكمٍّ هائل من المعلومات بعد أن أوصلتنا التكنولوجيا المعاصرة إلى المعلومات بسهولة وسرعة قياسية لم تكن تتوفر للجيل السابق لنا .
هذه المعلومات هي أقلُّ درجات الوعي الفكري الناتج عن تراكم المعلومات في ذاكرته ، ولكن يبقى هذا الوعي مفيداً لصاحبه فقط ولا ينفع المجتمع ، وهناك من يحمل شهادة الدكتوراه في تخصص ما ويمتلك معلومات هائلة لكنه لم يزداد وعيه الفكري ولا نلمس في محاضراته رأياً خاصاً أو وجهة نظره لموضوع المحاضرة بل نراه وكأنه يقرأ من كتاب ولن تسمع منه سوى : قال فلان وقال فلان فهذا الصنف ليس لديه وعي رأسي بل وعيه حفظي أفقي ، لأنَّ الوعي صنفان أحدهما أفقي حفظي بلا وعي أو فهم وهو الوعي الثقافي الاستهلاكي ، والآخر هو الوعي الرأسي التصاعدي الذي لا يشبع من العلوم بل ويفهمها ويعرف مقاصدها ألم نقرأ قول الحق جلَّ جلاله : ( وقل ربِّ زدني علماً ) دائماً يطلب الزيادة لأنَّ الوعي لديه في ارتفاع وتصاعد ويستوعب ما لا يستوعبه غيره وأصحاب هذا الوعي هم من يقدمون لمجتمعهم وللإنسانية فوائد وحصيلة وعيهم وعلمهم .
ومهما كانت كمية المعلومات التي نضيّع عليها ساعات ثمينة من أعمارنا لن توصلنا لدرجة الوعي الحقيقية التي توصل القارئ الواعي ليس إلى فهم النص فحسب بل لما بين السطور وما وراء الكلام المكتوب فهو غالباً ما يكون باحثاً عن الحقيقة حيثُ لا تجذبه بلاغة المقالة بقدر ما يجذبه محتواها الفكري وهل تُثري معلوماته أم أنَّ وقته سوف يضيع سُدىً بقرائتها ؟ أصحاب هذه الدرجة من الوعي تجدهم يعيشون دائماً في غربة ولو كانوا في وسط الزحام يشعر بأنه وحيد والسبب هو لعدم وجود من يفهمه وقد يكون سابقاً لأهل زمانه ، ونرى بأن العالم الفلاني قام بتأليف كتب ولكنه لم يُعرف في حياته ولم يتم تداول كتبه ولكن نرى بعد جيلين أو ثلاثة يشتهر ذاك الكاتب بعد أن يغادر هذه الدنيا ويأتي جيلاً لديه الوعي الفكري لتقبل كلامه ، ومن هؤلاء على سبيل المثال :
العالم (غاليليو غاليلي من 1564 -1642) عالم رياضيات في القرن السادس عشر، وقد قام ببناء أول تليسكوب لدراسة النجوم والكواكب المرئية من الأرض، وكان أول من اكتشف البقع الشمسية وحفر القمر والعديد من الأجرام السماوية الأخرى في الفضاء الخارجي المعروفة اليوم . ولكن في العصر الذي عاش فيه كانت الناس تسترشد بمعتقدات دينية فقط ، كانت نظرياته تعتبر معارضة صريحة لجميع النصوص الدينية .

وهناك أفراد من أصحاب الوعي الفكري وصلوا إلى ما وراء الطبيعة المرئية بقوة البصيرة واتساع المدارك لديهم وهم العلماء الذين ورثوا علم الأنبياء ويسمون العلماء الربانيون وهم كثر في عالمنا الإسلامي ولكن مازال بيننا من يكفرهم ويخرجهم من الملة لعدم فهم كلامهم وكلُّ هذا العلم المخزون لديهم هو من مدينة العلم سيد الكونين صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فهو الوعي بذاته بل هو ملك الوعي والبلاغة ألم يقل وهو يريد وصف الجنّة : ” فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ” وهذا أبلغ وصف لها يناسب العقل البشري حيث لو وصفها كما هي لم تستوعب العقول ولا الخيال شكلها لأنها وراء الخيال ووراء العقول ولا تبلغ فهمها مهما حاولت .
والوعي الفكري هو سمو الروح والرقي بعلمها إلى درجات القرب من خالقها ، ارتقى بروحه وترفع عن سفاسف الأمور إلى عظائم الأمور فكانت له أخلاق راقية ، وكان سيد الخلق صلى الله عليه وعلى آله وسلم متربعاً فوق عرش الأخلاق … ألم نقرأ قول الله تعالى : ( وإنَّكَ لعلى خلق عظيم ) قال : ( لعلى خلق ) ولم يقل إن لك أخلاق عظيمة بل جميع الأنبياء ومن تبعهم وصلوا بأخلاقهم إلى درجة القرب من عرش الأخلاق ولم يتربع على ذلك العرش إلا هو صلى الله عليه وعلى آله وسلم
إن المجتمع الواعي هو المجتمع البارز حضارياً وعلمياً ويكون سبّاقاً للمجتمعات الأخرى .
اللهم ارزقنا وعياً في فهم وفهماً في وعيّ .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد