الرائدة في صحافة الموبايل

على إيقاع التيكنوقراطية والبراغماتية “المغرب وسياسة الجوار الأوروبي”.. من أحادية العلاقة إلى تنويع الشركاء الدوليين

عبدالعالي الطاهري

لا يمكن حصر علاقة المغرب تاريخياً بالاتحاد الأوروبي أو بالقارة الأوروبية عموما في سياق اقتصادي محض، بل يتعلق الأمر بعلاقات عريقة وعميقة ومتنوعة، اختلط فيها التجاري بالثقافي بالحضاري العلمي، فتطورت على مرِّ السنين، حيث بدأت تأخذ شكلها المُمأسس (الإطار المؤسساتي)، من خلال إبرام العديد من الاتفاقيات الثنائية في السبعينيات من القرن الماضي، شملت التبادل التجاري وتصدير المنتجات الفلاحية المغربية لأوروبا، حيث انطلقت هذه العلاقات بتوقيع اتفاق تجاري بين المملكة المغربية والمجموعة الاقتصادية الأوروبية سنة 1969، واتسع نطاقها بإبرام اتفاق تعاون في العام 1976، ثم تعزَّزت أكثر بعد اعتماد اتفاق شراكة في سنة 1996، وصولاً إلى مخطط عمل الجوار سنة 2005، وبمنح المغرب صفة الوضع المتقدم لدى الاتحاد الأوروبي في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2008. حيث شهد شهر أكتوبر/ تشرين الأول، من العام 2008، منح الاتحاد الأوروبي، على هامش الدورة السابعة لمجلس الشراكة المغربي-الأوروبي، المغرب صفة “الوضع المتقدم”؛ حيث أعطاه شراكة حديثة تعطيه حق المساهمة في العديد من مجالات التعاون الأوروبي، ولكنها ليست بالعضوية الكاملة.
وفي هذا السياق، حصل المغرب على صفة “الوضع المتقدم الذي يُعطَى بموجبه حقَّ ولوج كل مجالات الفعل الأوروبي باستثناء الانضمام الكامل لبُناه وهياكله، لاسيما التشريعية والتنظيمية. ويأتي هذا الوضع ليتجاوز اتفاقية التعاون والشراكة التي أَطَّرَت، ولسنين طويلة، العلاقات بين المغرب ودول الاتحاد الأوروبي، في انتقال تاريخي إلى علاقة شراكة لا تصل إلى العضوية الكاملة في المؤسسات الأوروبية، باعتبار أن المغرب ليس بلدًا أوروبيًّا لكنه في وضع استثنائي لم يُمنح من ذي قبل لأي بلد غير أوروبي، بل لم يحصل عليه حتى بعض الدول الأوروبية كتركيا التي لم يتسنَّ لها، وإلى اليوم، تحصيل بعض امتيازات الوضع المتقدم الممنوح للمغرب.
بتاريخ 27 يونيو 2019 أصدر المغرب والاتحاد الأوروبي بيانا مشتركا إثر انعقاد مجلس الشراكة المغربية الأوروبية، مُبيِّناً خطة الأولويات ومجالات التعاون في السنوات المقبلة، حيث فتحت هذه الدورة المجال لتقوية وتعميق التعاون في مجالات متعددة في الشهور المقبلة. وشجّع البلاغ الصادر من كلا الجانبين على ضرورة عقد شراكة قوية وشاملة من خلال خطة عمل طموحة في نطاقها، رغم أن حصول هذه الشراكة يتم على حساب العديد من القيم السياسية هي موضع اختلاف، مع التأكيد على أن هذه الشراكة تبقى تكنوقراطية براغماتية وتقتصر بشكل أساسي على عقد الصفقات.
إلى ذلك تعتبر الباحثة الأوروبية والمستشارة في شؤون منطقة شمال إفريقيا، كلوي تيفن، « هذه الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي واحدة من الشراكات المتقدمة مع دول جنوب المتوسط الواردة فيما يعرف بقانون الجوار الأوروبي European Neighborhood Policy (ENP)، حيث تضم واحدة من العلاقات التجارية المتقدمة للاتحاد الأوروبي مع بلد خارج أوروبا، بالإضافة إلى مبادرات متنوعة بما في ذلك التبادل البرلماني والتعاون في مجال الأمن والهجرة وكذا تقديم المساعدة ضمن آلية الجوار الأوروبي European Neighborhood Instrument (ENI) حيث وصلت إلى حوالي 200 مليون دولار سنويا ما بين 2014 و2017 ».
وتُضيف كلوي تيفن « إنَّ انعقاد هذا المجلس ليُعتبر علامة على إصلاح وتقوية العلاقة بين الجانبين، التي كانت متوترة في السنوات الأخيرة على أعقاب الأحكام الصادرة من طرف محكمة العدل الأوروبية سنوات 2015 و2018، والتي اعتبرت اتفاق الشراكة وتحرير المبادلات (والتي تضم قطاع الفلاحة والأغذية والمنتوجات البحرية) وبعض اتفاقيات الصيد البحري، لا تغطي منطقة الصحراء المغربية. وحتى قبل هذه الأحكام فقد كانت العلاقة بين الطرفين متوترة ».
لكن السالف ذكره لا ينفي السعي الحثيث والدائم للاتحاد الأوروبي من أجل تطوير وتحسين الاندماج الاقتصادي المتزايد للمغرب في السوق الأوروبية الموحدة، كما ينظر أيضا للمغرب باعتباره حليفا أساسياً في مجالات الأمن والتعاون من أجل مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية إلى أوروبا. ورغم ذلك، فإن شراكات الاتحاد الأوروبي مع جيرانها في دول جنوب المتوسط تبقى محدودة الطموح، حتى في حالة المغرب الذي سعى لعقود من الزمن إلى تحقيق تقارب أوسع في علاقته مع الاتحاد الأوروبي. ومن جهة أخرى، فإن وعي المغرب بمحدودية هذه العلاقة جعله يركز جهوده السياسية والدبلوماسية في سبيل بناء علاقات متينة وقوية في إفريقيا ومناطق أبعد، كما بدأ أيضا في استثمار نفوذه في مجالات الأمن والهجرة من أجل المطالبة بتعاون اقتصادي أفضل وتبادل أوسع للخبرات، في الوقت الذي أصبح المغرب يصعّد من لهجته اتجاه أي شيء يرى فيه تدخلاً سياسياً على مستوى سيادته وكذا شؤونه الداخلية.

أحكام محكمة العدل الأوروبية..الصدام ثم تجديد العلاقات

على إثر الأحكام الصادرة سنة 2015 من طرف محكمة العدل الأوروبية، عَلَّق المغرب تواصله الدبلوماسي مع مفوضية الاتحاد الأوروبي بالرباط لفترة من الزمن، حيث بقيت العلاقات غير مستقرة إلى غاية سنة 2019 عندما اعتمد البرلمان الأوروبي نسخة معدّلة من اتفاق تحرير المبادلات بين الطرفين، والذي ضَمَّ هذه المرة الصحراء المغربية، واُعتبر بذلك لحظة تجديد للعلاقات بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي. كما تَمَّ تجديد اتفاق الصيد البحري بعد ذلك بوقت وجيز. وفي الحين الذي لجأ فيه ناشطون محسوبون على « جبهة البوليساريو » الانفصالية إلى تقديم طعون قانونية إلى محكمة العدل الأوروبية ضدا على إدراج الصحراء المغربية في الاتفاق الجديد، فقد استحسنت السلطات المغربية ووسائل الاعلام المحلية قرار المحكمة الأوروبية واعتبرته نجاحاً كبيراً للدبلوماسية المغربية. ومن خلال زيارة إلى الرباط في شهر يناير / كانون الثاني 2019، أكدت السيدة فريديريكا موغريني: « إننا نتطلّع الاَن مجتمعين إلى نقلة نوعية في علاقاتنا من أجل بناء شراكة في النطاق الإقليمي، والتي ترقى إلى تطّلعاتنا، والتي سوف تجعلنا نصل إلى أهدافنا المشتركة في كل من البحر الأبيض المتوسط وإفريقيا ».

الاتحاد الأوروبي والعلاقات « شمال ـ جنوب »: شراكة بآفاق محدودة

ما فتئ مسؤولو الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء يؤكدون على أهمية علاقة المغرب والاتحاد الأوروبي، ورغم ذلك فإن بنية “سياسة الجوار الأوروبي” مع دول جنوب المتوسط لأوروبا يعرقل أية محاولة للاندماج مع الجيران الجنوبيين، بما في ذلك شركاء طموحين مثل المملكة المغربية. وعلى عكس بلدان الجوار الشرقي لأوروبا، فإن دول الجوار في الجنوب لا يحضون بنفس امتيازات دول شرق أوروبا، بما في ذلك توقيع اتفاقيات الشراكة والحصول على تمويل في مستويات عالية، في حين أن وتيرة تحرير التأشيرات للجيران الجنوبيين كانت بطيئة للغاية باستثناء إسرائيل. وترتكز آخر التطورات في الدول الجنوبية لأوروبا على توقيع اتفاقيات التبادل الحر، وعلى تطوير الاقتصاد ولو بشكل محدود، ثم على الدعم التقني. ورغم ذلك، فإن لدى المغرب واحدة من أكثر العلاقات التجارية تطوراً مع الاتحاد الأوروبي، وتشمل منطقة التجارة الحرة التي تَمَّ إنشاؤها سنة 2000 لتحرير تجارة السلع بين الطرفين، واتفاقية الشراكة والتحرير المذكورة أعلاه، وإنشاء آلية ثنائية لتسوية المنازعات، وبدء مفاوضات لإقامة اتفاقية تجارة حرة عميقة وشاملة (DCFTA) في عام 2013. وقد صاحب ذلك كذلك التعاون الأمني المتزايد بين المغرب والاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء.
بالمقابل، هيمن موضوع الهجرة على معظم نقاط أجندة الأوروبيين خلال السنوات الأخيرة، وهو الشيء الذي انعكس على علاقاتهم مع المغرب. ومع أن أعداد الأشخاص الذين يعبرون إلى أوروبا عبر المغرب قليلة بالمقارنة مع نسب الهجرة الدولية، إلا أن محور غرب البحر المتوسط أصبح الطريق الرئيسي للعبور إلى أوروبا في العام 2018 وبداية 2019. ففي السنوات الأخيرة، لم تكُف إسبانيا عن الدعوة إلى تعميق الشراكة المغربية الأوروبية في مجال الهجرة، وهي التي تشتغل عن قرب مع المغرب في هذه الجبهة، وكذا الدعم المالي من أجل منع المهاجرين من الوصول إلى إسبانيا.

المغرب والتعاون الأوروبي.. دقَّت ساعة « الانعتاق » من خلال تنويع الشركاء الدوليين

يُعتبر الاتحاد الأوروبي حليفا مهما بالنسبة للمغرب لاعتبار القرب الجغرافي، ولحجم علاقاته الاقتصادية والبشرية مع هذا الاتحاد، هذا الأخير الذي يعد من أبرز الشركاء الاقتصاديين بالنسبة للمغرب حيث يمثل 59،4٪ من تبادلاته التجارية في عام 2017، بما في ذلك 64،6٪ من صادراته. كما وصلت مساهمات بلدان الاتحاد الأوروبي من الاستثمار الأجنبي المباشر في المغرب حوالي 70٪ سنة 2018. إضافة إلى ذلك، تمثل الجالية المغربية ببلدان الاتحاد الأوروبي رابطة إنسانية مهمة ومصدرا مهما للتحويلات المالية التي تمثل حوالي 6.2 ٪ من إجمالي الناتج المحلي المغربي، حيث يأتي معظمها من بلدان الاتحاد الأوروبي.
بالمقابل، وبالرغم من أنه كان يطمح لعلاقة أكثر متانة منذ عقود، إلا أن مواقف المغرب من الاتحاد الأوروبي تغيرت منذ العام 2008. فلقد ساهمت الأزمة الاقتصادية في أوروبا، وعدم وضوح الرؤية في علاقته بالاتحاد الأوروبي إلى تغيّر في خطاب المغرب ولجوئه إلى تنويع شركائه الدوليين، وتعديل في سياساته الخارجية خصوصاً اتجاه القارة الإفريقية. وفي نفس الوقت، أصبح المغرب في علاقته بأوروبا أكثر تركيزاً وإلحاحاً على تطوير الجبهة الاقتصادية على حساب الجبهة السياسية، مطالباً من جهة أخرى بعلاقة متساوية. ويعكس هذا التغيُّر إحساس المغرب بتزايد نفوذه، وثقته السياسية والدبلوماسية المتزايدة في نفسه نتيجة لسياسته التي تم الترويج لها على نطاق واسع في إفريقيا، وكذا تمكّنه من تعميق العلاقات مع القوى الإقليمية والعالمية الأخرى مثل الصين وروسيا.
وهنا يمكن ملاحظة هذا التغّير في المواقع من خلال الخطابين اللذين ألقاهما الملك محمد السادس، واللذين تَمَّ من خلالهما رسم رؤية المغرب للعلاقة مع الاتحاد الأوروبي؛ حيث أُلقي الخطاب الأول في القمة المغربية الأوروبية سنة 2010 في غرناطة، وذلك بعد أن وقَّع الطرفين اتفاقية “الوضع المتقدم” سنة 2008 والتي نصّت على تعاون شامل في مجالات التنمية وفي مجالات أخرى متعددة، وذلك من أجل استكمال العلاقات التجارية المعمقة، وتقوية المشاركة السياسية للمغاربة في الخارج ثم تقوية الروابط الاجتماعية عبر مدخل التربية والتعليم، مع تأكيد المغرب على نيته تعزيز وتقوية مساره الديمقراطي.
بعد تسع سنوات من هذا التاريخ، أصبح خطاب الملك أكثر حزماً وذلك في أعقاب القمة المنعقدة سنة 2019 والتي جمعت الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية، فلقد أصبح موضوع الأمن أكثر تداولاً مقارنة بموضوع الديمقراطية، حيث أكد الخطاب الملكي على مبدأ السيادة وأهمية عدم التدخل في الشؤون الداخلية. كما تزايد التأكيد كذلك على مسألة انعدام المساواة في العلاقة بين دول الاتحاد الأوروبي وجيرانها الجنوبيين، بما فيهم على سبيل المثال الاختلالات التجارية التفضيلية لصالح أوروبا على حساب باقي الدول. ومن جانب اَخر، وفيما كان يطالب الملك المغربي سنة 2010 بمزيد من الدعم الأوروبي لمسيرة التنمية، فلقد تغيّرت اللهجة سنة 2019 حيث أصبح المغرب يتحدث عن “مسؤولية” أوروبا في المساعدة لتحقيق التنمية في العالم العربي. كما يدعو كذلك إلى الإدارة المشتركة لمسائل الهجرة ومكافحة الإرهاب وذلك من خلال نهج مقاربة متكاملة قائمة على المسؤولية المتبادلة وعلى التنمية المشتركة.
لقد أصبح خطاب المغرب تجاه الاتحاد الأوروبي أكثر تأثيراً، بحيث استطاع إسقاط الإشارات التي كانت تركز على مطلب الديمقراطية من طرف الاتحاد الأوروبي، وذلك مع تنامي لهجة الثقة في النفس التي استثمرها المغرب لإيصال الشراكة مع الاتحاد الأوروبي إلى المستوى الذي تسمح به معايير سياسة الجوار الأوروبية. ويعدّ رد المغرب على قرارات محكمة العدل الأوروبية مثالا على كيفية إدارة المغرب، رغم قوته وحجمه المحدود مقارنة بوزن الاتحاد الأوروبي ، لثقله ومكانته الاعتبارية في علاقاته مع الاتحاد الأوروبي. وفي المحصلة، برهن المغرب على قدرته في الحد من التعاون مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي – وليس مع الدول الأعضاء – حتى يتم حل الموضوع بطريقة تحمي المصالح الوطنية للمغرب. وساهم تصاعد أعداد المهاجرين غرب المتوسط منذ نهاية العام 2018 إلى تقوية نفوذ المغرب من أجل المطالبة بمزيد من الدعم التنموي، خصوصا وأن الاتحاد الأوروبي يميل بقوة إلى ربط الدعم التنموي والتجارة مع إشكالية التعاون في مجال الهجرة.

طبيعة الاتفاق المأمولة من كلا الطرفين..

لقد كانت هناك بعض التوقعات التي تشير إلى احتمال لجوء الاتحاد الأوروبي إلى عقد اتفاق مع المغرب بنفس طراز الاتفاق المبرم مع تركيا، لكن هذا الأمر غير مرجح على اعتبار أن أعداد المهاجرين القادمين من غرب البحر المتوسط في تناقص متزايد. بالإضافة إلى أن المغرب يتّجه بشكل متزايد إلى استثمار نفوذه مع الإتحاد الأوروبي من أجل تطوير علاقة واسعة بين كلا الجانبين، رغم رغبة الحكومة المغربية في استعمال دبلوماسية نشيطة وقت الضرورة. وهذا بالضبط ما وعد به البيان المشترك عندما أكد على “شراكة من أجل رخاء مشترك”، وعلى “تعاون متساوي”، والتي ستُبنى على أربع أصعدة وهي: القيم المشتركة، التقارب الاقتصادي والتماسك الاجتماعي، المعرفة المشتركة، التشاور السياسي والتعاون الأمني، وستتقاطع هذه المجالات مع محورين هما: البيئة والمناخ، والهجرة والتنقل .
و يظهر من خلال إعلان الشراكة، أن الاتحاد الأوروبي يُقرُّ بمسؤوليته في مساعدة المغرب في مسيرة التنمية، وهذا ليس فقط عبر برامج المساعدة التقليدية، ولكن عبر اتخاذ مقاربة مرنة في مجال التجارة وتبادل المعرفة والتكنولوجيا. ومن غير هذه الإجراءات، فإن الأولويات المُسطَّر إنجازها تشمل أيضاً مجالات متعددة وهي ذات أهمية بالنسبة للدبلوماسية المغربية الناعمة والصلبة. حيث أنَّ إدراج مواضيع البيئة والتغيّرات المناخية، باعتبارها مواضيع كبرى ستسمح للمغرب بتعزيز دوره كقائد صديق للبيئة، في الوقت الذي يُعَد التزام المغرب بالتعاون الأمني والأجنبي في منطقة الساحل وغرب إفريقيا نقطة قوة ستساعد لا محالة في تعزيز نفوذ المغرب في المنطقة.
ويظهر كذلك أن الاتحاد الأوروبي أكثر تقبلاً لزيادة الدعم الفني والميزانية للمغرب عندما يتم وضع إطار استراتيجي، كان تدشين أولى خطواته بداية عام 2020، وذلك بسبب مخاوف الأوروبيين من موضوع الهجرة. وهي نفس المخاوف المؤكدة من خلال تركيزهم على إدماج وإتاحة الفرص للشباب، وذلك واضح من خلال مجالات التعاون المختلفة بين الطرفين، وبالأخص في تركيز هذه الشراكة على تبادل المعرفة والمهارات. وسيتم إدراج موضوع تسهيلات الحصول على التأشيرة، وهي من بين نقاط القوة الأساسية للاتحاد الأوروبي مع المغرب، في المباحثات المزمع إطلاقها من جديد حول موضوع شراكة التنقل التي ألغتها المملكة المغربية سنة 2015، والتي يتوق الاتحاد الأوروبي إلى استئنافها من جديد. وتصبوا هذه المباحثات إلى ربط التعاون الوثيق في إدارة الهجرة مع تسهيل إجراءات الحصول على التأشيرات بالنسبة للمواطنين المغاربة. وكان المغرب قد انسحب من هذه المباحثات بسبب الخلافات التي حصلت عندما طلب الاتحاد الأوروبي من المغرب قبول رجوع مواطني الدول الثالثة third-country nationals. ومن أجل استئناف هذه المفاوضات، فإنه من المرجح أن يوافق الطرفان على قدر أكبر من المرونة في كيفية تنظيم المفاوضات، وخاصة أن المغرب لا يريد أن يُنظَر إليه باعتباره شرطي أوروبا.
من المهم الإشارة إلى أن “الاستقرار السياسي ومجمل الإصلاحات التي قام بها المغرب” هي من النقاط البارزة التي تجعل من المملكة المغربية شريكًا رئيسيًا للاتحاد الأوروبي في المنطقة، كما أن البيان أشار إلى القيم المشتركة والديمقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون، في حين حضرت نقاط التحديات الأمنية الإقليمية بقوة. ونصَّ البيان كذلك على ضرورة الالتزام المشترك من أجل تنويع الشركاء وتفضيل استمرار التعاون في مجال محاربة الإرهاب، ومحاربة شبكات الاجرام المنظمة العابرة للحدود، وكذا في توفير السلم والأمن في منطقة الساحل، مع إمكانية مشاركة المغرب في بعثات الاتحاد الأوروبي للسلم والأمن EU CSDP. و في الخلاصة، فإنه يظهر جلياً أن الالتزام بالتعاون في مجال توفير الأمن ومكافحة الإرهاب له أولوية قصوى على حساب القيم السياسية المشتركة.
ومن بين الأولويات الأخرى بالنسبة للاتحاد الأوروبي هي إعادة إحياء المفاوضات حول اتفاقية تجارة حرة عميقة وشاملة، بحيث تسمح بالاندماج المتنامي للمغرب في السوق الأوروبية الموحدة. حيث كان المغرب قد علّق المباحثات سنة 2014 والتي بدأت سنة 2013، وذلك من أجل إعداد دراسة الأثر، بسبب المخاوف من النتائج المترتبة عن اتفاقية التجارة الحرة على قطاعات معينة وعلى الاقتصاد كله.
إلى ذلك، يبحث الاتحاد الأوروبي الآن طريقة لتحسين عرضه مع احتمال تحرير الحصول على التأشيرات، حيث صرّح مايكل كولر، المدير العام للضفة الجنوبية في المفوضية الأوروبية، بأنه سيكون ضرورياً تحرير الخدمات التي تتوخاها اتفاقية التجارة الحرة. كما ناقش مسؤولو الاتحاد الأوروبي تكثيف حركة التجارة، إذ يُعَدُّ العامل الرئيسي وراء تحقيق التنمية وخلق فرص الشغل في الضفة الجنوبية لأوروبا. وتجدر الإشارة إلى أن تونس التي تطورت فيها النقاشات بخصوص اتفاقية التجارة الحرة، شهدت تحفظات من طرف العديد من الفاعلين الاقتصاديين من بينهم الاتحاد العام التونسي للشغل – الاتحاد النقابي الرئيسي في تونس، ومن طرف المنظمات المهنية التي تمثل أعضاء من رجال الأعمال والزراعة ومن بعض منظمات المجتمع المدني. ويظهر أن تجديد المحادثات بخصوص اتفاقية التجارة الحرة قد تتعرض أيضا للمعارضة في المغرب، وربما على ضوء هذا، تقاطَع موضوع التعاون في مجال الحكامة الاقتصادية والتنمية مع موضوع اتفاقية التجارة الحرة في البيان المشترك المشار اليه سابقا، فيما يدرك الطرفان أن بسط اتفاقية التجارة الحرة يجب أن يكون تدريجياً.

لقد أصبح المغرب أكثر براغماتياً بخصوص كيفية حصوله على ما يريد من وراء الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يقوم ببناء علاقات متعددة الأطراف في سياساته الخارجية. ذلك أن توافر المستوى العالي من التجارة مع الاتحاد الأوروبي وإمكانية حصول المغرب على مزيد من الدعم التقني والمالي، إضافة إلى حجم اليد العاملة المهاجرة بأوروبا، كل هذا يعني أن المغرب سوف يستمر في الاستثمار في هذه العلاقة لمزيد من الوقت، هذا بالرغم من لجوء المملكة لاتباع دبلوماسية دولية مكثفة سمحت للمغرب بتطوير شبكة دبلوماسية وسياسية دولية واسعة. كما سمح هذا الأمر للمملكة بتقوية ثقتها السياسية المتزايدة من دون أن يفكّ ارتباطه الاقتصادي بالاتحاد الأوروبي. وتمنح الشراكة الجديدة للمغرب وعودا بزيادة الاستثمار الأوروبي والتعاون في مجال التنمية وتبادل المعرفة، وهو ما سيلعب دورا في تحقيق بعض من وعود التنمية التي قطعتها الحكومة المغربية منذ اندلاع الحراك الاجتماعي في بعض المناطق نهاية سنة 2016.
ولا شكّ أن رغبة الاتحاد الأوروبي في سنّ شراكة طموحة مع المغرب نابعة من اهتمامها المتزايد باستقرار الأوضاع في الجارة الجنوبية وفي رغبتها بعقد شراكة ذات قيمة في مجال الأمن والهجرة والتجارة. ويبدو كذلك أن الاتحاد الأوروبي يرغب في نهج مقاربة مرنة مع المغرب في مجال التجارة والتنقل، وذلك من أجل إعادة فتح المباحثات في هذه المجالات، وهو الأمر الذي أظهره البيان المشترك بحيث أبان عن الاستحسان الكبير في عقد الروابط بين التجارة والتنمية والتنقل، وهذا يعبر عن تحسن في المقاربة الأوروبية.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد