الرائدة في صحافة الموبايل

قيلولة.. وهلوسات

مريم ابوري

جمعنا القدر وحدنا في يوم ما وفي مكان ما، وجدتها جالسة مستلقية بأريحية على كرسي. بحث عن كرسي لي ووضعته أمامها، جلست بهدوء حتى لا أخرجها من عالمها ولكي لا أفسد عليها خلوتها، لم أحرك الكرسي كثيرا كعادتي. كانت تبدو سعيدة وابتسامتها رزينة وعيونها مرفوعة إلى السماء بشموخ وطمأنينة.
نظرت إليها بامعان، هي هي فعلا، بشعرها القصير الأبيض. ركزت نظري على وجهها اللادائري ولا المستطيل. بشرتها خمرية، زادها الشباب الشيخوخي جمالا ودفئا..
حركت كرسيي بالخطأ فأدارت رأسها نحوي.. نظرت إلي بريبة.. ياإلاهي أفسدت عليها غوصها في أعماق تفكيرها…
قلت بخجل : معذرة سيدتي أزععجتك .
نظرت إلي..حدقت في وجهي كثيرا ..
قالت :من أنت؟ وماذا تفعلين هنا ؟ وماذا تريدين مني ؟
أجبتها: معذرة سيدتي مرة أخرى على تخويفك .
أجابتني بغضب متحكم فيه: أنت لم تخيفينني ..فأنا أعرفك جيدا .
تعجبت كيف لها وهي الكاتبة المعروفة أن تعرفني أنا التي لا يتجاوز معارفي أصدقاء قليلون . ولست لا بالكاتبة ولا بشخصية عامة معروفة. فسألتها:
كيف لك أن تعرفينني سيدتي و أنا غير معروفة ولست مشهورة مثلك ؟
قالت : أنت نسخة أمثالك …وأمثالك أعرفهن جيدا ..
زاد جوابها من أستغرابي
فقلت : من هن أمثالي سيدتي ..لم أفهم من تقصدين ؟!
أجابت بسخرية : أتسخرين مني ..فهذا ذليل أنك منهن ؟
قلت :لا سيدتي لا أسخر منك ..وكيف لي أن أسخر منك و أنا لا أعرفك إلا قليلا
ضحكت ساخرة مني : فلهذا أنت و أمثالك تسخرن مني.!!
قلت بغضب و أنا أخفيه : رجاء سيدتي، أنا لست نسخة من أحد.
تابعت سخريتها : كيف تقولين أنك لست نسخة من الأخريات، و أنت ملفوفة الرأس كما هي رؤوسهن ملفوفة.
قلت : اتهمتنني بأنني أسخر منك، وأنت الآن؛ ماذا تفعلين، أليست هذه سخرية مني؟
قالت : لا أنا لا أسخر منك بل أصفك …
قلت : حسنا …و لكني أنا لم أسخر منك يوما ..
ردت بقوة : كيف تسمين وصفك لي (بالقردة) …أليس هذا سخرية وسب و قدح ….
أوقفتها : مهلا سيدتي …أنا لم أشبهك يوما بالقردة …فهذا ليس من أخلاقي.
قالت : لماذا تكذبين ..فأنت تدافعين عن جمال حجابك بوصفي بالقبيحة و العجوز الشمطاء …
فبدل أن تقارعين أفكاري.. رفعت سيوفك على خلقتي …
قلت لها و أنا مندهشة : مهلا سيدتي ..كيف لي أن أنعثك بأقبح النعوث و أنت مخلوق إلاهي ..والله جميل ..وكل ماخلق فهو جميل …فالله لا يخلق إلا الجمال.
سيدتي كل مااقترفته تجاهكك و أنا صغيرة ..أنني انسقت لمن خوفني منك …فابتعدت عنك .و كبر معي خوفي منك ..ومن( خطرك) كما صوروه لي .
قالت : ولماذا تقتربين مني الآن؟
قلت : لأنني كبرت وتحررت ولم يعد يجدي تخويفي لا منك ولا من غيرك ..
قالت بريبة أقل وبدون سخرية : وماذا وجدت عندي إذا جعلك تقتربين مني ؟
قلت : فأنت إنسانة قبل أن تكونين كاتبة تدعو لأفكارها بقوة وشراسة..ووجدت أن أفكارك بعضها تستهويني وبعضها لا أتفق معها …
ولكني مادفعني أكثر للتقرب منك و التعرف عليك هو هذا الإصرار لسيدة فكر نال منها العمر و الشيب مانال، ونالت منها الضربات مانالت …ولكنك لازلت معطاءة.
فتحية لك سيدتي على قوة اصرارك. أحترم إيمانك بأفكارك التي لم يمنعك تعب السنين من مواصلة نشرها.
نظرت إلي بنظرات شك …ثم أعادت رفع عينيها. و بإبتسامة عادت لعالمها. فغادرت أنا المكان لأتركها وخلوتها.. في مكان ما ويوم ما ..
رن جرس الباب …أرجعني من أضغاث أحلام غفوة القيلولة..والإبتسامة تزين شفتاي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد