الرائدة في صحافة الموبايل

التفاهة في زمن اليوتيوب

إسماعيل المالكي

نستيقظ يوميا على صور ومقاطع لظواهر اجتماعية لن نقول قل نظيرها، بل العكس كثرت واستفحلت، فبينما يشهد العالم ثورة تكنولوجية وصناعية وكذا رقمية سريعة، يعرف المغرب ثورة كبيرة في صناعة التفاهة، بأيدي من لا يهمهم سوى الربح المادي، حيث أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي تعج بالعشرات إن لم نقل المئات من صناع التفاهة، وهذا ما يجعلنا نتوقف لطرح سؤال عميق ألا وهو: ما الذي جعل التفاهة تتفاقم بشكل كبير في المغرب؟

لقد كانت مواقع التواصل الاجتماعي سابقا وقبل أن تنتشر انتشار النار في الهشيم، محصورة على فئة قليلة فقط، حيث كان لا يجيد استعمالها إلا العارف بالمجال التكنولوجي والرقمي، أما اليوم فأصبحت هذه المواقع تستقطب كل من هب ودب، ولا عنوان فيها سوى التفاهة والبحث عن الربح، فما قولكم في مواقع معروفة نصبت نفسها أنها تنتمي للجسم الصحفي؟!، تساهم في هذا المحتوى، والطامة الكبرى أن عدد متابعيها يتجاوز عتبة المليون، كما بلغت فيها نسبة المشاهدة 13 مليار خلال سنة واحدة، لكن ما يزيد الأمر غرابة أن هناك العديد من متتبعي هذه المواقع، لا يعجبهم المحتوى ظاهريا ويسبونها، وهو أمر أشبه بالنفاق الاجتماعي.

وما بالك بنساء أصبح شغلهن الشاغل اليومي هي مواقع التواصل الاجتماعي خاصة اليوتيوب، وخير مثال على ذلك سيدات روتيني اليومي، اللائي تختلف درجات تفاهتهن ووساختهن، مع العلم أن بعض الأسر مشاركة ومنغمسة في هذا العمل الدنيئ، وحينما نجد أن الأموال التي راكمتها تلك النساء الأميات كبير جدا، حتى أن إحداهن وصل حسابها البنكي لقرابة 60 مليون.

فهذه القنوات أو الذين يطلقون على أنفسهم المؤثرين اليوميين، أغلبهم مؤثرون سلبيون، لأنهم يزرعون قيم وأفكار لا تمثل مجتمعنا لا من قريب ولا من بعيد، والخطير في الأمر أن الأطفال الصغار بدورهم باتوا يتابعون هذا الوسخ المنتشر عبر منصات التواصل الاجتماعي، في غياب لرقابة أولياء أمورهم، الذين يتحملون المسؤولية، فكيف يعقل أن يحمل طفل لم يتجاوز حتى العشر سنوات هاتفا، فتجده منغمسا في محتواه يتصفح فيديوهات ومقاطع في غياب المراقبة، وهو ما يعود عليه بالضرر لأن عقله لا زال لم يستوعب بعد ما يشاهده، فماذا سننتظر من هذا الطفل مستقبلا؟، حتى أن هناك مجموعة من الأطفال أصيبوا بإدمان الهاتف النقال، تقول بعض الدراسات أن هذا الإدمان يجعل الأطفال منعزلين عن العالم الخارجي، بالإضافة إلى إصابتهم بمرض التوحد والأمراض النفسية الأخرى التي تنتج عن هذه الاستعمالات العشوائية للهاتف.

لقد تم فرض التفاهة في مجتمعنا المغربي في هذه الآونة الأخيرة بقوة، جعلنا لا نجد المحتوى الهادف إلا بشق الأنفس، ولولا الجانب المهني وما تحتمه أخلاقيات المهنة لاستفضت في قائمة تلك المحتويات التافهة، فبينما تجد هذه الأخرى نسب مشاهدة مرتفعة تصل لأزيد من مليون لا لشيء إلا أنه تافه، تجد المواضيع الهادفة تصارع للوصول لعدد قليل من المشاهدين دون جدوى، ربما مشاهدي المحتوى الهادف هم أقرباء وأصدقاء ومعارف صانع المحتوى .

وقد تجد في الدول الأخرى كأمريكا روتيني اليومي، ليس كما في بلدنا الحبيب هذا، حيث يكون محتوى روتيني اليومي هادفا يستفيد منه الجميع، في حين هنا لا يهمهم سوى الربح المادي، حتى باتت مواقع التواصل الاجتماعي، مثل “الزريبة” يدخلها من يشاء من أبوابها الواسعة، فإن رأيت هذا فاعلم أنك في زمن التفاهة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد