الرائدة في صحافة الموبايل

آليات التحليل السوسيولوجي (العين السوسيولوجية)

بقلم : أسامة البحري

لطالما كانت فكرة الموضوعية داخل المحاضرات الخاصة بمادة المناهج ، تتحول الى ارضية للنقاش و التساؤالات المصحوبة بالقناعات الثقافية ، فقد كانت هذه النقاشات في أغلب أوقاتها ، تتحول من تحليل بارد ” الموضوعية ” ، الى جدل ساخن (قهرية الحس المشترك) ، و قد كان هذا الاشكال المطروح ، يؤدي في استمرار الى بروز إشكالية : هل يمكننا حقا تجديد الحس الثقافي ( او بالاحرى التطبع الاجتماعي / التنشئة / الهابيتوس ) ، من تطبيع ثقافي عفوي التركبية ، الى خلفية علمية ، منطقية ، و بهذا فقد ارتأينا اليوم رفقة مجموعة من الطلبة المائزين و الطالبات المائزات ، ان نجيب عن هذا الاشكال النظري ، معتمدين على اهم النصوص المؤسسة للبراديغم السوسيولوجي ، و لعل اهمها نصوص اوغست كونت ، و اميل دوركهايم و بيار بودريو .
فاذا ماعدنا بذلك، الى عمل أوغست كونت “دروس في الفلسفة الوضعية ” سنجده قد تساءل عن كيفية خلق إنسجام نظري بين كل من بنية الحقل الفكري وكذا الحقل السوسيولوجي، ويعود مرد هذا الإختلاف بين كل من العقل اللاهوتي والعقل الوضعي، في ابتعاد الانسان عن واقعه المعاش، وذلك عبر تناوله لأمور كان من الصعب عليه الوصول إلى حقيقتها “الميتوس” فأعادها بذلك إلى الأوهام” الارواح الشريرة ” وكذا الى المتعالي “ اللاهوت” ولكنها ستكتسى فيما بعد” طابعها الميتافيزيقي “الحالة الميتافيزيقية”، التي ستقودنا مباشرة إلى فكرة كونت المحورية والتي تؤمن جدلا ، بفكرة ان الإنسان ان ركز على دراسة الظواهر مبتعدا عن التأملات اللاهوتية و الميتافيزيقية ، فإنه سيتوصل مباشرة إلى الجواهر التي تحكم الظواهر وكذا الوقائع الانطلوجية، التي ستجعل منها سهلة المنال وكذا خاضعة لقبضة العقل الانساني (الوضعي)، وهذا من اجل غاية واحدة هي: الاستفادة منها فكرا و عملا.

إهتم كونت ايضا إلى جانب ما سلمنا به آنفا، بتصنيف العلوم، وهي على النحو الآتي: الرياضيات – الفلك – الفيزياء – الكيمياء – البيولوجيا – السوسيولوجيا، ولم يعترف كونت بباقي المعارف لأنه يرى أنها مجرد تطبيق لهذه العلوم، فمثلا السيكولوجيا هي تطبيق للسوسيولوجيا والفيزيولوجيا، ولهذا فقد أصبح من الممكن، بفعل تقدم العلوم الوضعية (الرياضيات – الفيزياء – الكيمياء – البويلوجيا ..) إنشاء علم إجتماعي وضعي يكون للمجتمع كالفيزياء بالنسبة إلى الطبيعة، وهذه هي المهمة الرئيسية للفسلفة الوضعية التي نادى بها أوغست كونت مؤسس السوسيولوجيا ) والتي لا مناص لتحققها مادام أن كل علم غارق في تخصصه، وهذا ما يجعل من بعض العلماء يتجاوزون بعض المواضيع ، تحت دعوى ان العلم لا يجدي فيها شيئا، وفي هذا الصدد سيبلور اوغست كونت فكرة اساسية تدافع عن خلق تخصص علمي جديد يضاف إلى جانب الاختصاصات الأخرى، والذي سيعنى بدراسة التعميمات العلمية، وهذا ما سيكون لنا (فلسفة للعلوم تشتغل كأداة منهجية تفصل بين العفوي و العلمي ” القطيعة الابستيمية”).

ولهذا فإن الباحث حسب كونت يجب أن يهتم بالعلوم ، وذلك عبر فهم جواهرها و مناهجها و غاياتها من اجل القطع مع كل ما هو خارج عن العلم، من اجل غاية واحدة هي الوصول الى درجة التفكير الوضعي الذي سيتبلور مع دوركهايم و بورديو في فكرة الموضوعية (المسافة مع الحس المشترك )و بهذا نفهم جيدا ان براديغم ” السوسيولوجيا ” ، ليس وليد صدفة كما تتداوله العديد من الكتابات الخلدونية ، بل هو و حسب متن اوغست كونت ؛ نتاج توليفات نظرية مرتبطة ببراديغم تاريخ العلوم ( المرحلة الميتافيزيقية _ المرحلة الوضعية ) ، و استنادا على هذا المتن يمكننا القول انه يستحيل على البحث السوسيولوجي (علميا و عمليا ) فصل سوسيولوجيا المعرفة (التنظير) عن ديناميكية التحليل السوسيولوجي (الامبريقي – الاستمارة الخ)،لأن هذا الأول يشتغل بكونه مصفاة نظرية (التنبه المنهجي – بورديو *) ينقح المعرفة السوسيولوجية من خلال فصل كل البنيات المتطبع بها إجتماعيا ، عن النظرة السوسيولوجية ، المطالبة نظريا بجعل كل مثير فينومينولوجي “شيئا ” ، و بهذا يمكننا القول بأن السوسيولوجيا كمعرفة تشتغل من خارج الانساق الثقافية و ليس من داخلها .
بقلم الطالب : حمد عبد المولى
إن السوسيولوجيا في تأسيسها مرت من مجموعة من الإرهاصات و الدراسات الاجتماعية يمكن اعتبارها أبحاث اجتماعية على سبيل الذكر لا الحصر(ابن خلدون) و التي ،يسميها بورديو دراسات سوسيوغرافية التي لا ترقى الى الأبحاث السوسيولوجية،وذلك لأنها لم تقم على مبادئ وأسس سوسيولوجية . التي كما نعلم قد تجاوزت الفكر اللاهوتي و الميتافيزيقي.وأصبحت تقوم على الوضعية(الفلسفة العلمية و التجربة مع Comte. كوضعية كلاسيكية إلا أنها ظهرت بشكل جلي مع Emil Dourkheim الذي سنعرف معه موضوع علم الإجتماع الذي هو الظاهرة الإجتماعية و هي قوة قاهرة خارجية، وأأنها تباشر هذا القهر على أفراد المجتمع، أو يمكن أن تباشره عليهم(2). هذه الظاهرة تتميز بمجموعة من الخصائص: ظاهرة خارجية توجد خارج شعور الأفراد؛بمعنى أن وجود الظاهرة سابق على وجودهم الشخصي،فمثلا العادات والتقاليد و المعتقدات الموجودة حاليا وجدت قبل أن يولد الإنسان.القهرية و الإلزامية: تتسم الظاهرة الاجتماعية بخاصية الاكراه و الإلزام، حيث أن الفرد ملزم على التقيد بسائر ما أمر به(الظاهرة الاجتماعية هي نتاج الضمير الجمعي).
العمومية: الظاهرة الإجتماعية ظاهرة عامة يشترك فيها جميع الأفراد سواء بسواء كما أنها لا تستثني أي مكان.
واقعة تاريخية تعبر عن لحظة من لحظات تاريخ الإجتماع البشري؛ أي أن الواقعة الإجتماعية واقعة متحركة و متحولة بحكم تأثرها الشديد بتغيير الأفراد و الظروف المنتجة لها،إضافة الى تأثرها بمعطيات خارجية. كما يعرف الوضعيون(كونت،دوركهايم) على أنه يمكن تحقيق الموضوعية في علم الاجتماع إذا التزم الباحث بالشروط التالية:-ملاحظة الظواهر على أنها أشياء Comme des choses من أجل أن تكون الدراسة موضوعية و غير مزيفة،واعتبار الظاهرة الاجتماعية/الإنسانية شبيهة بالظاهرة الطبيعية و الإقتداء بنموذج العلوم التجريبية(المنهج التفسيري).
هذه القواعد السوسيولوجية التي وضعها دوركهايم سيقوم بتفكيكها على أرض الميدان في عمله”الإنتحار” حيث يعتبر أن ظاهرة الانتحار ليست ظاهرة عضوية أو نفسية،بل هي ظاهرة اجتماعية، إلا أن هذه الدراسة ستتعرض الى النقد من قبيل علماء النفس خاصة،و ذلك لأنها حاولت أن تبعد الأبعاد النفسية لوجودها(ظاهرة الإنتحار)،كما وجهت المدرسة اللاوضعية في العلوم الإنسانية(بياجيه،دلتاي، فرنسوا) بدورها نقدا لاذعا للمدرسة الوضعية التي تتمثل في إمكانية تحقيق الموضوعية في هذه العلوم إذا التزم الباحث بالشروط التالية:
اختلاف الظواهر الانسانية عن الظواهر الطبيعية.
اعتماد منهج الفهم بدل التفسير.ثم بلورة نموذج جديد يتلاءم و الظاهرة الإنسانية.رغم ما وجه من نقد للوضعية وبخاصة دوركهايم إلا أن هذه الأبحاث السوسيولوجية فرضت نفسها بشكل جلي وواضح، وخاصة حين تبينت في بحثه السوسيولوجي لظاهرة الانتحار. فالإحصائيات ذهبت كما رسمها دوركهايم مع هامش خطأ بسيط، مما جعله أب و مؤسس للسوسيولوجيا.
فدوركهايم في أعماله(تقسيم العمل، الإنتحار،الاشكال الاولية للحياة الدينية)، أعمال تشتغل على ضوء مفهومي المجتمع الحديث و الحداثة.و هنا لا بد الإشارة الى أن دراسات دوركهايم التي وضع أسسها في قواعد المنهج في السوسيولوجيا تحققت عن قيام إعمال قطيعة إبستيمولوجية La repture épistémolgique مع أجزاء الضمير الجمعي
بقلم : إنصاف الناتي
يعد إيميل دوركهايم ، المؤسس الرئيسي للسوسيولوجيا بالمعنى الأكاديمي والجامعي، إذ بفضل جهوده وإصراره على أن الدراسات الإجتماعية تختلف نوعيا عن الدراسات الفلسفية والنفسية، وبذلك عمل على تأسيس كرسي أكاديمي للسوسيولوجيا في شكل مؤسسي ، كما أن نظرياته وكتاباته قد اسهمت في إرساء أسس السوسيولوجيا كعلم حديث.
إن المسائل الإجتماعية كانت موضع اهتمام المفكرين منذ البداية ، إلا أنها كانتعبارة عن محاولات في تاريخ نشأة السوسيولوجيا ، هذا العلم الذي لم يهيكل نفسه كعلم إلا في أواخر القرن 19 عشر حينما حدد مجال اشتغاله والطرق العلمية قصد الكشف عن القوانين التي تخضع لها الظواهر الإجتماعية. وهكذا يعد دوركهايم مؤسس المدرسة الفرنسية لعلم الإجتماع وهو الذي حدد مجال بحثه وطرقه العلمية، حيث كان قد عالج مسألة ” تقسيم العمل الإجتماعي ” كأول مسألة اجتماعية ثم بعدها حدد قواعد المنهج السوسيولوجي في مؤلفه ” قواعد المنهج في علم الإجتماع ” les regle de la mèthode sociologique ، هذا الكتاب الذي وضعه في صدارة الأساتذة الكبار كما أصبحت هاته القواعد دستور علماء الإجتماع ومرجع الباحثين.
ففي سياق حديثنا عن المنجز الدوركايمي العظيم لابد من الإشارة لمنهج دوركهايم في تأليف هذا الكتاب، إذ يرى أن علم الإجتماع ليس تكملة لعلم النفس بل هو علم قائم بذاته ويدرس الظواهر الاجتماعية التي لا يشاركه في دراستها علم أخر وبطريقة جديدة ومغايرة لتلك المألوفة لدى العامة؛ كما يرى أن للظواهر الإجتماعية صفاتها النوعية التي تتميز بها وهي توجد خارج شعور الفرد وليس باستطاعته أن يغير طبيعتها كما يشاء وهكذا يرى أن الظواهر الإجتماعية أشياء خارجية ومستقلة عن الظواهر البيولوجية والنفسية وأنها توجد قبل وجود الفرد ولابد من دراستها بشكل موضوعي وأنه لن يكون علم الإجتماع علما إلا إذا اعتمد على الطرق التجريبية باعتباره متأثرا بالعلوم الطبيعية ومناهجها و يدعوا لاتباعها.

وبالتالي وفي هذا الصدد سنتطرق إلى ما جاء به دوركهايم في الفصل الثاني من مؤلفه ” قواعد المنهج السوسيولوجي ” محاولون إبراز القواعد الخاصة التي حددها دوركهايم لملاحظة الظواهر الإجتماعية؛ غير أنه قبل الخوض في تحديد وتحليل كل قاعدة على حدة وجب علينا الوقوف عند تعريف الظاهرة الإجتماعية حسب إيميل دوركهايم .
فما هي الظاهرة الإجتماعية حسب دوركايم؟
جوابا على هذا التساؤل فإن من بين اهم ما اهتم به دوركهايم هو محاولته لتحديد الظاهرة الإجتماعية وتشخيصها بوصفها الموضوع الأساسي لعلم الإجتماع، فنجده يعرفها ويوضح طبيعتها بكونها ضرب من السلوك الذي يعم المجتمع ويباشر على الفرد قهراا خارجيا وله وجود خاص مستقل عن الصور التي يتشكل بها كل شعور فردي.
وبالطبع محددا لها خصائصها التي يفيد التركيز عليها، أولا فهو يرى الظاهرة الإجتماعية “تلقائية ” بمعنى الفرد ليس بصانعها لأنها موجودة قبل أن يوجد الأفراد، ثانيا هي ” جبرية وملزمة” فليس الفرد حرا في اتباع النظام الإجتماعي أو الخروج عليه.. ثالثا كونها ” عامة” أي انها لا توجد في مكان دون الأخر وأخيرا فالظاهرة الإجتماعية هي ” خارجية ” بمعنى أن لها سابقة على الأفراد ومستقلة عنهم بما يمكن من دراستها دراسة موضوعية.
وهكذا بعد تعريف الظاهرة الإجتماعية وتحديد خصائصها سننتقل لإبراز القواعد الخاصة بملاحظة الظواهر الإجتماعية والتي قد سبق أن عبر عنها دوركايم، بأن علم الإجتماع هو علم يهتم بدراسة المجتمع دراسة علمية وصفية تحليلية ولكي يحقق هذا العلم هذه الغاية لابد من منهج علمي يستطيع بفضله للوصول إلى قوانين الظواهر.
فالقاعدة الأولى عنده والتي هي أكثرها أهمية ، هي دراسة الظواهر الإجتماعية كأشياء، فقد سعي بذلك الى إبراز أهمية الوساطة التقنية بمعنى أن تخضع للملاحظة والتجربة ، وذلك لأن دوركهايم يريد أن يكون علم الاجتماع علما وضعيا ، أي يجب ان تكون دراسة الظواهر الإجتماعية بالطريقة التي تدرس بها العلوم الطبيعية ولن يكون ذلك إلا إذا نظرنا إلى الظاهرة الإجتماعية على انها شيء خارجي؛ أي يجب ان تكون هنالك ضرورة استبعاد كل الأفكار المسبقة أو الغير الممحصة وكل ذلك يتطلب من الباحث مجهودا خاصا لأن المعرفة العلمية ليست معرفة مباشرة بل يجب أن تتجاوز كل ماهو سطحي وظاهر قصد الوصول إلى ماهو أساسي وجوهري ( لأن ماهو ظاهر فهو ظاهر لا حاجة للفرد بأن يبحث في ثناياها فهو في الأصل موجود ) . ” إذ لاعلم إلا بما هو خفي ” على حد تعبير غاستون بشلار. إنها عملية ذهنية خالصة.
وبما أن الظواهر الإجتماعية ليست أشياء في الواقع فإن السوسيولوجيا تولها من ظاهرة اجتماعية إلى ظاهرة سوسيولوجية وهنا نلتقي مع فكرة دسوسير اللغوي القائل بأن وجهة النظر تخلق الموضوع ” قل لي كيف تفكر أقل لك من أنت ” .
أما القاعدة الثانية فهي القائلة بأنه يجب على عالم الإجتماع أن يحرر بصفة مطردة من كل فكرة سابقة أو غير ممحصة والإعتماد على بحثه الخاص، وتتجلى لا أهمية هذه القاعدة في كونها أساس لكل طريقة علمية من أجل الوصول إلى ماهو جوهري في أي وظاهرة اجتماعية حتى لا يقع الباحث أسير أفكاره الشخصية .
أما فيما يتعلق بالقاعدة الثانية فتتمثل في أنه على الباحث أن يبتدأ بتعريف الظاهرة الإجتماعية التي يتخذها مادة للدراسة ، بحيث أن تعريف موضوع الدراسة يشكل خطوة أساسية منهجية في كل بحث سوسيولوجي وبل تعتبر هذه الخطوة أولية وأكثر أهمية في البحوث الإجتماعية، لأن تعريف الموضوع كما هو معلوم لدى السوسيولوجيين هو إحدى المبادئ الأولية والأساسية في الممارسة السوسيولوجية وهي عملية ضرورية لتخليص الموضوع من كل ماهو معلق به من معاني وتعريفات تنتمي إلى المعرفية الحسية العامية العفوية أو إلى الحس المشترك والمتداول أو بالأمس الأزلي بلغة ماكس فيبر. إنها عملية القطع المنهجي الذي يعنى بالقطع مع المفردات الشائعة والبديهيات المضللة وذلك من أجل إبراز النسق العقلاني الجديد القائم على العناصر المكونة للظاهرة الإجتماعية، لذلك فدوركهايم يقرن هذا القطع المنهجي بالتحديد المسبق للموضوع وجعل من مسألة التعريف قاعدة من قواعد ملاحظة الظواهر الإجتماعية المراد فهمها وتفسيرها.
وبخصوص القاعدة الثالثة فيجب على الباحث عند دراسة طائفة خاصة من الظواهر الإجتماعية أن يبذل قصاري جهده في ملاحظة هذه الظواهر من الناحية التي تبدو فيها مستقلة عن مظاهرها الفردية، وحصر موضوع البحث في طائفة خاصة من الظواهر التي سبق تعريفها ببعض الخواص الخارجية المشتركة بينها، ومن الواجب أيضا أن ينصب نفس البحث على كل الظواهر التي تتوفر فيها شروط ذلك التعريف.
وكأخر قاعدة حددها دوركهايم في مؤلفه هذا هي عدم استخدام المدركات الحسية التي يحتمل أن يغلب عليها الطابع الشخصي لدى من يقوم بملاحظة الظواهر وهي تنص على الإعتماد فقط على تلك المدركات الحسية التي تنطوي على الطابع الموضوعي إلى حد فيه الكفاية، ويمكن القول بصفة مبدئية بأن الظواهر الإجتماعية كلها جردت من الصور الفردية التي تتشكل بها والتي يستطيع الباحث إدراكها حسب ما توجد عليه في حقيقة الأمر. وبالتالي فإنه يلاحظ أن كل قاعدة من هاته القواعد السابقة الذكر هي تتقاطع فيما بينها أو بالأحرى مكملة لبعضها البعض.

عايدة علام
فكما جاء اعلاه تعتبر القاعدة الاولى و الثانبة من كتاب دوركهايم ، من اهم القواعد الاساسية التي يجب ان يتوسع فيها كل باحث لكي نفهم جيدا اسس التحليل السوسيولوجي او بالاحرى لكي تصبح له العين الوسيولوجية ، و التي هي نتاج القاعدة الاولى و الثانية من قواعد دوركهايم و المتمثلة في ” انه يجب على الباحث او عالم الاجتماع أن يتحرر بصفة مطردة من كل فكرة سابقة وغير منقحة”، وهذا الأمر لا يختلف عن قاعدة الشك المنهجي عند “ديكارت”، الذي أخذ على عاتقه مهمة الشك في جميع الآراء التي سبق أن تلقاها من الآخرين، ونفس الفكرة نجدها مع “بيكون” في نظرية التحرر من الأصنام، وهذه القواعد (قاعدة ديكارت و بيكون) ما هي إلا تطبيقات فرعية لقاعدة دوركايم الأولى، التي تؤكد على ضرورة تحرر الباحث السوسيولوجي من كل فكرة سبق أن كونها عن الظواهر الاجتماعية، واستبعاد كل شعور فردي، شخصي وسطحي يعيق ويشوه مسار البحث العلمي، لذلك على الباحث ان يضع قطيعة ومسافة مع الحياة الفردية والعاطفية، لأنها حسب “دوركايم” ليست مقياسا للحقيقة العلمية، بل ما تقوم به هو التأثير في كيفية فهمنا للظواهر، وبذلك يجب على الباحث دراسة الظواهر الاجتماعية كأشياء خارجية، والتحلي بأكبر قدر من الموضوعية وفق منهج علمي،من أجل الوصول إلى ما هو جوهري علمي محض.
القاعدة الثانية : تتجلى القاعدة الثانية في أهمية وضرورة تسيج موضوع البحث وحصره في طائفة خاصة من الظواهر التي سبق تعريفها ببعض المميزات الخارجية المشتركة بينهما؛ بمعنى قبل شروع الباحث في دراسة الظاهرة الاجتماعية ما عليه اولا ان يعرفها ويميزها عن الظواهر الاجتماعية المجانسة والمشابهة لها ،وتحديد عناصرها وخواصها العامة، ودراستها بعيدا عن الصور التي تتشكل بها في الحالات الفردية وفي هذا النحو أعطى” دوركايم” أمثلة عن ذلك مثل:
ظاهرة الأسرة، العشيرة …والظواهر الاجرامية التي احالتنا على علم خاص وهو علم الإجرام.

بقلم كريم بكرار

و انتقالا من كونت و دوركهايم الى بورديو و باشلار نجد هذا الاخير ، يرى ان ” أول عقبة ينبغي تخطيها من أجل إنتاج معرفة علمية هي الرأي العام فالعقل العلمي يمنعنا من تكوين رأي حول قضايا لا نفهمها وحول قضايا لا نحسن صياغتها” ( ص 14 غاستون باشلار ، تكوين العقل العلمي ) ” لذلك يجب على الباحث أن يمتلك خاصية التنبه المنهجي التي تصبح بمثابة عين سوسيولوجية أو حدس بلغة برغسون ، و التي تمكنه من الفصل بين الرأي العام الشائع والخطاب العلمي ، “وذلك عملا بالقاعدة الدوركهايمية التي إستلهمها من العلوم الطبيعية التي تقضي بدراسة الظواهر الإجتماعية على أنها أشياء “( ص 72، دوركهايم ، قواعد المنهج في علم الاجتماع ) “عن طريق الاستعانة بمجموعة من التقنيات تمكن الباحث من انجاز القطيعة مع المعرفة التي تشكلت خارج العلم إذ يعتبر بورديو أن دراسة الواقعة الاجتماعية تنتزع بمعاندة وهم المعرفة ، فيجب على الباحث أن يقوم بقطيعة إبستيمية مع ما يسمى المفردات الخام أو المعاني العامة الساذجة التركيب ، “فإذا لم نتخلص من هذه المفردات الخام سنكتفي باستحضار التمثلات عن الظاهرة في شعورنا لكي نحللها ونؤلف بينها بدل أن نتجه إلى الظاهرة نفسها” ( ص 71، دوركهايم ، قواعد المنهج في علم الاجتماع ) وفي هذا الصدد يتحقق القطع من خلال النقد المنطقي للمفردات الذي يؤمن الشرط المسبق والضروري لصياغة المفاهيم العلمية صياغة محكمة ، والتحليل الإحصائي الذي يخضع البديهيات المضللة من خلال تفتيت الكليات العيانية الجلية من حيث ظهورها للحدس واستبدالها بمجموعة من المعايير المجردة التي تحددها نوع المعطيات المتوفرة ، كذلك يجب الاعتراض عن معطيات الظاهر لأنها قد تعرضنا الى إيقاظ التصورات الأشد سداجة ، لكن تبقى معظم هذه التقنيات عاجزة كما يقول بورديو طالما أنه هناك مايسمى بالسوسيولوجيا العفوية التي تتمخض من داخل السوسيولوجيا ، والتي تعتبر أنه يمكن تفسير الظواهر بمجرد الجهد التفكري الخاص فذلك يؤدي فقط الى إيقاظ التصورات والافترضات المسبقة بصورة لاواعية وبالتالي إعادة إنتاج المفردات الخام عينها ، كذلك يجب الحذر من بعض المفاهيم التي تبرر وجودها بمفهوم الطبيعة الإنسانية من خلال الاستخدام الساذج لبعض المعايير التحليلية مثل الجنس العمر المؤهلات الثقافية وذلك عندما تعتبر هذه الميزات بمثابة معطيات طبيعية وضرورية وأبدية يمكننا إدارك فعاليتها بمعزل عن السياق التاريخي والاجتماعي لذلك يجب الوقوف عند قاعدة دوركهايم التي تؤكد على تفسير الإجتماعي بما هو إجتماعي وقاعدة ماركس التي تحرم تأييد من ينتجه التاريخ بتضمنه في طبيعة ما .

والواقع أن علم الاجتماع يواجه صعوبة تعوذ بالأساس الى العلاقة بين التجربة العلمية والتجربة الساذجة التي تتطبع بالمحيط الإجتماعي ، إذ لا يكفي أن نرفض ما يسميه بورديو موهوم الشفافية ومبدأ اللاوعي للقطع مع السوسيولوجيا العفوية ، فهناك إرث من الكلمات والأفكار تختزن الكلام المألوف محتجبة بمظاهر الصياغة العلمية وتشق طريقها في الخطاب العلمي دون أن ينتقص ذلك من مصداقيتها ، وفي هذا الصدد يعتبر بروديو أن تحليل ونقد منطق اللغة الشائعة هو الذي يمكن أن يحدد المفاهيم والمقولات والمسائل والرموز العلمية من الشائعة ، إنه حين لا نخضع الكلام الشائع الذي هو الأداة الأولى لبناء الموضوع لنقد منهجي نخاطر بأن نجعل من الموضوع المركب سلفا في اللغة الشائعة أو بواسطتها مسلما يقينيا ويبقى هم التوصل الى الدقة في التحديد باطلا أو مضللا طالما أن المبدأ الجامع بين الموضوع المخضع للتحديد لم يخضع هو أيضا للنقد ، وهنا بعض الرموز التي غالبا ما تؤخد من المدار البيولوجي أو الفيزيائي : توازن ، ضغط ، إنعكاس ، توثر ، إنجذاب ، خلية ، إفراز … والتي تتستر تحث إستعارات أو كنايات لا تتناسب مع الحياة الإجتماعية ، والواقع أنه ليس ذلك فقط ما يوقظ المعرفة الاجتماعية العفوية فهناك ما يسميه بورديو إغراءات النبوة التي تتجلى وتظهر عندما يقيم الباحث علاقة مع الفاعلين الاجتماعيين فتصبح أشبه بعلاقة النجم مع جمهوره أو النبي مع أتباعة وهنا يقبل الباحث أن يتعرض الى تقييم من جمهور غير المتخصصين في السوسيولوحيا ، لذلك يقول بورديو أن ” على عالم الإجتماع أن يقاوم النبي الإجتماعي المطالب بتجسيده من قبل جمهوره” (ص 33 ، حرفة علم الاجتماع )، ويضيف بورديو مسألة أخرى تتعلق بالنظريات العلمية السابقة فإذا كان كما يعبر باشلار أن تاريخ العلم هو تاريخ إنقطاع وانفصال فإن على الباحث تجاوز الثرات النظري عن طريق نقد هذا التراث ، فالموضوع الضعيف هو وليد التنازلات والمساومات التي تنشأ على قاعدتها النظريات الكبرى ذات الطموحات الشمولية .
بقلم اسامة البحري :
و من خلال ما تقدم به الزميل حول المنهج البوردوزي ، يمكننا بذلك ان نعيد ترتيبه بشكل منهجي على النحو الاتي ، و طبعا على ما ضوء ما جاء بالفصل من كتابه حرفة عالم الاجتماع :
1 التنبه المنهجي او العين السوسيولوجية ، كيف تتمخض ؟
اولا التنبه المنهجي الأصولي حسب بورديو هو من أساسيات البحث بالعلوم الإنسانية ، حيث ينفصل الخطاب العلمي عن الرأي الشائع عبر مفارقة نقدية تفصل العفوي عن العلمي ، وبهذا فإن العوائق المحورية لعالم او عالمة الإجتماع ، تتمثل في إلتحامهما المطلق مع ثقافتهم الاجتماعية ” التطبع الإجتماعي = الهابيتوس” ، و هذا ما يجعلهما حسب بورديو أمام عائق منهجي – أولي ، فهذا العائق المنهجي إذن ، يكون نتاج الإرتباط السميك و القوي ، للباحثة أو الباحث مع ماضيهما السوسيو – ثقافي ، الذي يتكون من مفاهيم تتعلق بمدارهنا الاجتماعي ، و التي تتكون حسب بورديو من أسس “إجتماعية عفوية 1” ، لذلك وجب في سياق تحليل بورديو هذا ، أن تخلق الباحثة أو الباحث هوية إبستيمولوجية ، من خلال إجراء جدل و نقد لاذغ لكل البديهيات المضللة ، التي يتطبع بها الذهن إجتماعيا ، و طبعا لموضوع نقد الماضي هذا ، نقاش طويل بتاريخ الفكر ، سنختصره على الشكل التالي : النظرة العلمية هي نظرة تراكمية ، تبتدأ من الوقوف على الماضي و الحاضر مع نقدهما و تحليلهما ، بحيث يصبح الماضي المنظم و المحلل ، حاضر يحلل و يتحلل بالنسبة للماضي ، في علاقة مستمرة – تراكمية و متدرجة نحو ميكرو- فيزياء المعرفة ، بمعنى مبسط ؛ لا يمكن للذهن الباحث أن يعي المفارقات التي تحكم الظواهر في علاقتها بأسبابها إلا من خلال تطبيق نقد لاذغ يفصل العفوي الماضوي عن الوعي الحاضراتي فهذه التقنية العلمية اذن حسب بورديو هي الوحيدة الكفيلة بخلق معرفة نظرية باسس القواعد التي تحكم الظواهر الخارجية .
2 – العين السوسيولوجية و المصفاة مع الشائع
ينطلق بورديو مرة اخرى من فكرة أساسية ، و هي تأثر اللغة العلمية باللغة الشائعة ، حيث تتحقق هذه العلاقة بوساطة مفهوم النقد المعجمي و العقلاني لبنية المعاني الثقافية المتطبع بها اجتماعيا ، و الذي يؤديمن خلاله ” مفهوم النقد” الى تحقق القطيعة المعرفية مع الشائع و العفوي من ثقافة المجتمع ، فالنقد كما يرى بورديو هو : مصفاة للماضي المكون من شيوعية التفسير الابستيمولوجي 2 ، فخط العفوي – ثقافي هذا اذن، يبتدأ من الرأسمال اللغوي * الذي نتطبع به إجتماعيا ** ، ليتحول حسب بورديو الىتصورات اجتماعية كونية *** ، و الخطير في الأمر حسب بورديو ، هو أن هذه الملفوظات الاجتماعية العفوية ، ك”حشومة / حرام / عيب / أخي / أختي / انت كائنة لطيفة / أنت كائن شرس ” إن لم تقطع بنقدها و العودة الى أسسها التاريخية من أجل إبطال عملها العفوي ، ستدخل الى عوالم التفسير السوسيولوجي ، لتصبح أفكارا ساذجة عفوية مكسوة بغشاء العلمي ، لهذا فالنظرة السوسيولوجية العلمية ، حسب بورديو تتمخض عن الأسئلة حول صحة الثقافة ، التي تؤدي الى تحقيق نقد معجمي و لغوي – لفظي لكل المفاهيم التي تتحكم في ذهن و جسد الباحثة او الباحث ، و النقد هو تحليل بطيء للتمثلات ، اللغة ، الصور الذهنية و المرئية عبر تتبع المسار التاريخي للألفاظ مع مقارنة الالفاظ الثقافية بسياقها الإجتماعي و تحليلها بنقد تفكيكي خالص ، من اجل جعل كل تصور حول قضايا الاجتماعي مفهومة ابستيمولوجيا ، . بمعنى مبسط : الثقافة تجيب داخل ذهن الفرد عن كل مثير بكل الكون . و مادامت هذه الافكار تجيب عن اشكاليات الكون . فان دماغ الباحث/ة يعتبر هذه الاجابات حقيقة مطلقة او حسب تعبير بورديو بعمله ” الهيمنة الذكورية ” تصبح الافكار المتكررة بالنسبة للفرد طبيعية و تتحكم في لا شعور و في السلوكات سواء كانت داخل الجماعة او خارجها . و لهذا فبدون تحليل المتطبع اجتماعيا “الثقافة” سيتسرب لاشعوريا الى التفسير العلمي ايضا . و بذلك وجب حسب بورديو ان نعي الكيفية التي نفسر بها الواقع . فان كانت ثقافية . وجب على الباحث/ة اجراء النقد اللاذغ و البحث عن مصداقية افكارنا الثقافية . هل هي حقا تصلح لان تكون علمية – عقلانية . ام انها افكار عامة و عفوية وجب تغييرها بافكار عقلانية
3 – النقد الدائم للهابيتوس

ينطلق بورديو ، مرة اخرى من فكرة اساسية ، و هي أن علم الإجتماع يواجه صعوبة في العلاقة التي تجمع بين المعرفة العلمية و المعرفة التلقائية الساذجة ، و لكي يغني بورديو نقاشه ، استحضر عمل برانشفيك “إرث من الكلمات ، إرث من الأفكار ” ، الذي ينطلق كما يسلم بورديو من مفردات خام مكونة من كلمات شائعة ، لن تفتح افق و عوالم التحليل النظري الذي سيمكننا من رثق النمطي بأسس النظرية – الاجتماعية ، و بهذا سيقر بورديو ، بأنه مادام الخطاب الآجتماعي يحمل بأغواره مجموعة من المفردات الخام المكونة من المعاني الشائعة فإن تفسير الاجتماعي علميا و عقلانيا يبقى وهما ، و لهذا أقر بورديو بأنه مادام الخطاب الإجتماعي ، يحمل بأغواره ثلة من المعاني الشائعة أو الكلمات الشائعة ، المحتجبة و المكسوة بمظاهر الصياغة العلمية التي تعطيها مصداقية و قيمة ، فإن التحذيرات من عدوى المعرفة الإجتماعية التلقائية و الشائعة مجرد وهم ، لهذا فوجب على الباحثة او الباحث ، خلق هوية ابستيمولوجية – علمية ، يؤمن بها تنبهه المنهجي 4 ، بسلاح يتفادى به عدوى المفردات الخام المكونة من معاني اعتباطية شائعة ، كالذكر يجب أن يهيمن على الأنثى لأن قضيبه ينتصب مثلا **** ، فتحليل منطق اللغة الشائعة اذن . هو مفتاح النظرة العلمية – العقلانية ، لأنه من خلال هذا النقد للمفارقات الاجتماعية و للمعتقدات ، يعي الذهن اسس هذه المفارقات “بين الانثى و الذكر مثلا . او بين الواقع و ما وراء الطبيعة ” الذي يجعله قد استبعد اللامنطقي من الجمل . عن المنطقي منها . و هذا طبعا ما ناقشه ديكارت بعمله “تأملات ميتافيزيقية / مقال في المنهج” ، الذهن يجب ان يحقق الشك المنهجي . الذي يعني الشك من اجل الوصل الى الحقيقة ، و ذلك عبر الابتداء من البسيط “اللغة الشائعة “حشومة – عيب ..” من اجل الانتقال الى ما هو معقد ك”التحرش الجنسي / الاغتصاب / المخذرات ..” و طبعا هذا ما اتفق عليه ارسطو قبل بيكون و ديكارت الذي تأثر به كل من بورديو و دوركهايم ، فلكي نصل حسب ارسطو الى “تحليل نظري أشد تعقيدا ، يجب أولا أن نحلل البسيط . بنقده و سبر أغواره *****” ، فهذا الديالكتيك النقدي حسب بورديو ، يخلق أداة تحدد و تميز بين المعرفة الشائعة و المنطقية ، و الى جانب التحليل الذاتي الخاص بالفرد و ماضيه ، يرى بورديو انه يجب على الباحث و الباحثة ، إخضاع المقولات و المسائل و الرموز التي تستعيرها اللغة العلمية من اللغة الشائعة الى نقد ايضا ، و ان لم يتحقق هذا النقد بحقل العلوم . سنسقط في الدفاع عن لغة شائعة تتطفل على السوسيولوجيا لا شعوريا . و تصبح عبر دفاعنا عنها افكارا علمية محضة . كقصة آدم و حواء حينما نريد تأريخ مسار البشرية مثلا. او صحة افكار دينية عن أفكار تمخضت عن بحوث عقلانية بامتياز ، لهذا يصر بورديو بهذا الفصل على تحقيق القطيعة الابستيمولوجية ، الواحدة ، القادرة على مساعدتنا على التمييز بين التأويل العلمي و التأويل المصطنع . و يستحضر بورديو هنا غاستون باشلار ليعزز طرحه ، و ليشجع على القطيعة المنهجية . من اجل التخلص من قاعدة الاثبات بتعبير ابيلارد . التي تعني لنا “النقل بدون عقل ” و لهذا يرى باشلار ، أن آلة الخياطة اخترعت بعد ان توقف مخترعها عن التقليد الاعمى ، و يرى بورديو ان هذه الامثولة الكبرى تصلح لان تسقط منهجيا و منطقيا بالقاعدة الاولى للسوسيولوجيا . لانها حسب بورديو تحمل عمقا نظريا يتحدث عن اهمية صوت العقل لوحده بحقل العلوم النظرية التحليلة

5-1 : النقد الدائم مهمة اساسية للباحث،ة

يطرح بورديو مرة اخرى فكرة اساسية ، بعد ان استند الى باشلار الذي يرى بأن على الكيميائي ان يقاوم الخيميائي الذي يسكنه ، مسلما بأن على عالم الإجتماع مقاومة البنى الإجتماعية التي تطالب لا شعوريا داخل الباحثة او الباحث في تجسديها ، و يطالب أيضا من طرف الجمهور اللامكون علميا ، أي من الذين لم يمروا من المراحل التي عرضناها آنفا ، و هي “القطيعة الابستيمولوجية الناتجة عن البحث و النقد عن حقائق الافكار التي تطبعنا بها اجتماعيا و ثقافيا ” فهذا الجمهور حسب بورديو ، سواء طالبات و طلبة أو استاذات و اساتذة أو العامة من افراد الجماعة “اناثا و ذكورا” يكون متناقضا ، و بهذا فيجب على الباحثة و الباحث ان يجعل ذهنه دائم الوعي . لكي لا يسقط في خداع المفردات ابشلئعة المألوفة “كحينما اقوم بعرض سوسيولوجي حول أثر تاريخ البشرية في سلوك البشر الحاضراتي ، حينما اعرض فكرة ان الانسان بالحالة الوحشية كان يشبه القرد . يجب ان لا اسقط عن فكرتي حينما يعارضني المل فكرتي العلمية التي يؤمن بها تاريخ الفكر و تاريخ الابحاث العقلانية ” و من خلال كل ما سلف . سينطلق بورديو من العتبة الابستيمية لباشلار ، ليوافق بين السيرورة و الصيرورة السوسيولوجية . و لهذا سيقر بورديو بأن عالم/ة الإجتماع . قاما بمجهودات نظرية لتحقيق “إنقطاعات متكررة تقيه من اغواءات الحس المشترك 5″ . و بهذا سيقسن بورديو علم الاجتماع الى اتجاهين : إتجاه يدعي إيجاد أصله النظري في ذاته . اي من خلال التحليل و التنظير المزمن و المستمر . و الثاني الذي يقيم علاقة تقليدية مع التراث ، و بهذا فان بورديو قد انتقد الاتجاه الثاني بقوة . و شبههم ” بفقهاء القرون الوسطى الذين جمعوا في مجامعهم الضخمة ما تركته مراجع أباء الكنيسة او الاصول الشرعية من حجج 6″و في هذا الصدد استشهد بورديو بوايتهيد حينما قال ” على اي علم ان ينسى مؤسسيه ”
و نفهم من خلال ما سلف ان الموضوعية في السوسيولوجيا او بالاحرى اكتساب العين السوسيولوجية هي نتاج تراكم و توليد إبستيميه لا منقطع ، و يدخل الامر هنا بشدة في نقطة إرادة المعرفة ، ففي هذا السياق يجد كل مهتم بتخصص موضوعي – علمي ، إنفصالا من حيث الفكر بين ثقافته الإجتماعية و ثقافة البراديغم العلمي المرتبط نظريا مع قواعد تاريخ المعرفة العلمية، و التي تنبني أساسا كما بين ” الوقيدي” في اعماله ، على تجاوز العائق الاديولوجي الذي يفصل بين التراكم العلمي و النظرة العلمية ، فهذا التجاوز حسب ” الوقيدي” يخلق مباشرة كوسمولوجية (ابستيمولوجيا أذهاننا) التي تنتقل نظريا و كذا عمليا من هيمنة المرحلة اللاهوتية/الميتافيزيقية إلى مرحلة التحليل الوضعي ، فهذه الأخيرة كما يتفق مؤرخو المعرفة البشرية و من بينهم ” فوكو” ، هي الوحيدة التي استطاعت عبر قواعدها النظرية أن تجعل من العقل البشري قادرا على استكشاف الرموز الأنثربولوجية و السوسيولوجية التي ” تشكل المشاركة النشطة للذوات 3″ و نفهم من هذا (ضمنيا) أن الأفراد لا يعون أسباب تفاعلاتهم الانثربولوجية و السوسيولوجية لسبب واحد ، يتمثل في تغلغل هذه المكتسبات الثقافية مع تركيبة الأجساد الفردية ، و هذا ما يتكسها داخل الدماغ الى خطاطة شمولية – مقدسة تحكم البنيات اللاشعورية للافراد و كذا كل مثير يتفاعل معه الفرد بواقعه الإجتماعي، وطبعا هذا ما يفتح إستحالة تساؤلات الأفراد عن أسس نظرتهم لمشاكل بنية الواقع الاجتماعي ، فغالبا ما لا ينتبه إليها الفاعلون الإجتماعيون بكونها هابيتوسا يأخذ طابع الشيفرات الإجتماعية التي تتطابق مع كل مثير ماضوي أو حاضراتي بالحياة الاجتماعية ، و هكذا يكون وجه الاختلاف الذي يفصل بين العقل الموضوعي و العقل الخاضع لمعتقدات جماعة معينة ، يتمحور اساسا حول مفارقة سوسيولوجية بديهية ، تتمثل في قدرة الأول ابستيميا على جعل شروط المعرفة حسب تعبير كانط” نقد العقل الخالص” ، تشتغل في استمرار عبر مقارنة الظواهر الاجتماعية بغية تفكيكها و إعادة بنائها سوسيولوجيا ، على عكس الثاني الذي يسهر على جمودها بدعوى أنها الحقيقة المطلقة و السبيل الوحيد لعيش حياة اجتماعية متوازنة ، فقد اتفق المهتمون بتاريخ البشرية و من بينهم فوكو أن هناك عائق منهجي كان حاضرا باستمرار في تاريخ البشرية ، و يشتغل في هذا الصدد بكونه آلية تعيق على حركة المنهج العلمي ديناميكيتها الطبيعية و ترتبط هذه الالية اشد الارتباط بالانساق الثقافية ، فهي البنيات الوحيدة التي كانت تحجب الحقاىق عن الأفراد (تاريخ الجنون – ميشال فوكو – الفصل الاول – سفينة الحمقى) و بما انها كانت تشتغل بآلية الضبط الفعلي و كذا الفكري ، فقد كانت بذلك تحد من رؤية خواص الظواهر التي تشكل أسس الفينومين ، و تفسر هذه العوائق الاجتماعية انثريولوجيا و سوسيولوجيا بكونها (تكتلا من الابعاد الرمزية التاريخانية التي تشكل بنية متناسقة الشكل و التي تستبعد الأذهان عمليا عن التحليل العلمي ) ، فهي عبارة عن نسق خفي (مهذب – العنف الرمزي للغة – اعادة الانتاج – الهيمنة الذكورية) ،يتجسد مرئيا على أشكال و وقائع و ظواهر يألفها المجتمع رغم انها في غالب اوقاتها تعيق على العقل نشاطه النقدي الذي بموجبه يتمكن من تحليل الواقع سوسيولوجيا ، و لهذا فإذا ما واصلنا مع ميشال فوكو بعمله “حفريات المعرفة ” سنجده يسلم بفكرة أساسية و هي أن عائق التفكير الذي يتكون من ” الايمان بتأويلات الدين ، الثقافة – التشبت اللدوغمائي بهذه التأويلات ” ينعكس على شكل غمامات تحجب عن الفرد رؤية خواص الظواهر و كذا كينونتهم و ماهيتهم الطبيعية التي تستبعد من طرف مشروعية هذا الرأسمال الثقافي ، و لكن رغم ذلك فإن العقل البشري حسب فوكو مكون بإحكام ليصل إلى هذه الأبعاد الخفية التي تضبطه اجتماعيا ، و يتحقق ذلك عبر الابتداء بأول مقارنة بين ما يعيشه الفرد من اشياء اجتماعية و بين ما يطمح إلى عيشه بكونه إنسانا ، فوحدها المقارنات بين ما اكون الان و ما يجب حقا أن اكونه ، هي الكفيلة بفتح إمكانية التفكيك و اعادة بناء كل ما هو معتقد فيه عمليا من أجل تصريفه علميا أمام بنية العقل البشري ، و عبر الاستمرارية في تفكيك معتقداتنا بدل تقديسها ، يتم إزالة غمام الافكار العفوية عن اعين الباحث.ة ، و هكذا تتحقق القطيعة الابستيمولوجية التي نعتها افلاطون ببدايات تاريخ الفكر ” الخروج من كهف الأوهام” ، من أجل تحقيق ما سلم به تلميذه أرسطو ” العلم بالأسباب و العوامل و العناصر الأولية ، و ذلك عبر معرفة البنية الأساسية للجواهر المدروسة ، بحيث تكون الأولوية دائما للبسيط على المركب و بحيث تسبق المبادئ ما يترثب عليها 6 ″ و في هذا السياق يرى دوركهايم أنه يجب على الباحث التركيز على أسباب الظواهر “خواص الظاهرة : الأجزاء المتحكمة رمزيا في الظاهرة” ، و ذلك عبر التدرج معها كما سلم ارسطو من البسيط الى المركب و طبعا تحت لواء فكرتيهما ” تحليل الوجود بما هو موجود – أرسطو ” / ” تحليل الاجتماعي بما هو اجتماعي – دوركهايم ” ، و التي تعني لنا تحليل الوجود الإجتماعي بكل موضوعية ، ففي هذا السياق سيتمم بورديو نقاشنا حول الموضوعية ، مسلما بالمحور الرابع من عمله حرفة عالم.ة الإجتماع ، بان المسافة مع الماضي “تحليل الاجتماعي بما هو اجتماعي ” ، تخلق أداة داخل ذهن الباحث تنعت بالتنبه المنهجي ، فهي تقنية سوسيولوجية تشتغل في استمرار على التقاط أجزاء الظاهرة ، زد على ذلك انها تعمل ايضا على التمييز بين ما هو عفوي و ما علمي بالحياة الاجتماعية ، فهاتين الاليتين ” المسافة : القطيعة الابستيمية / التنبه المنهجي” هما الوحيدتين القادرتين حسب بورديو على توجيهننا مباشرة إلى القاعدة الأساسية و الأخيرة بعمله حرفة عالم.ة الاجتماع (التفكر المنهجي) و التي تعني القدرة على تفكيك الفينومين و اعادة بناىه على مستوى الفكر ، فهي قدرة يكتسبها الذهن من خاصية القطيعة الابستيمية و التنبه المنهجي ، و في هذا ااصدد يشرح غدنز التفكر المنهجي يانه قدرة على شرح كيفية صياغة البنية من خلال الفعل أو الأفعال ، و في هذا الصدد اقر غدنز ، بأنه ” يستحيل على الملاحظ السوسيولوجي استحضار الحياة الإجتماعية كظاهرة تحت الملاحظة بمعزل عن الإعتماد على معرفته النظرية ، كمصدر يتم من خلاله تأسيسها كموضوع للبحث و التحليل ” بمعنى مبسط و حسب المتن البردوزي ، الواقع لن نراه يوما ما محللا * ، و هنا تكمن ضرورة البحث العلمي ، فمادات الوجود الاجتماعي سديمي من حيث اسس المشاكل ، فيجب علينا نحن كباحثين / باحثات مساءلته من خلال معرفتنا السابقة التي عرضناها للنقد و التحليل و التي منها كونا أداة التنبه المنهجي و التفكر المنهجي التي بفعلها يتمكن العقل البشري من فهم الأجزاء التي تكون واقعنا الإجتماعي

المصادر :

  • أرسطو – دعوة إلى الفلسفة
  • ميشال فوكو – الكلمات و الأشياء

1 : إميل دوركهايم قواعد المنهج في علم الإجتماع – ص : 98

2 : كارل بوبر – المجتمع المفتوح و أعداؤه – الجزء الثاني

• عد/ي إلى القسم الثاني من عمل بورديو ” حرفة عالم،ة الإجتماع”

• عد/ي إلى تعريف الهاببتوس الموجود بالجزء الأخير من عمل بورديو ” الهيمنة الذكورية ”

3 : إميل دوركهايم قواعد المنهج في علم الإجتماع – ص : 98

4 : غدنز – قواعد جديدة بعلم الإجتماع – ص :270″

5 : المرجع ذاته – ص : 230

6 : أرسطو طاليس – دعوة الى الفلسفة – ص 26

  • بيار بورديو – حرفة عالم ة الاجتماع – القسم الثاني – المحور الثاني
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد