الرائدة في صحافة الموبايل

أرجوحة مالبرانش بين ديكارت واوغسطين (6/2)

أحمد رباص

واقترح لافورج أولا على أولئك الذين تساءلوا عن الطريقة التي يجب اتباعها للوفاء بالنصيحة الأوغسطينية قراءة “تأملات” ديكارت باهتمام ليتعلموا منها كيف يتخلصوا من الأحكام المسبقة للطفولة وأفكارهم عن الأشياء المحسوسة، وليصلوا بالتالي إلى فكرة دقيقة عن طبيعة الروح مختلفة عن فكرة حول أي شيء ذي امتداد.
واقترح عليهم ثانيا قراءة مصنف “الإنسان” “لأنه كما بين لا توجد حركة […] يمكن أن تنشأ في آلة لا تكتسب المعرفة، ادرك في نفس الوقت أن هذا الفكر يجب أن يكون شيئا مختلفا تماما عن صفات المادة، وأن لاشيء غيره ينتمي لروح الإنسان؛ لأن كل الباقي يمكن أن يتم بدونه؛ ومن ثم فهو الشيء الوحيد الذي يفكر”.
وفقا لـلافورج، تولد عن قراءة “الإنسان” لدى مالبرانش ميل جارف إلى أوغسطين، لأن كل ما يمكن قراءته طيه يشكل حجة مقنعة لفصل الروح عن الجسد ولتماهي الروح مع الفكر، وتلك أطروحات عزيزة على القديس أوغسطين.
من جهته، سوف يعترف مالبرانش لديكارت بميزة كونه أول من وضع تمييزا صحيحا بين العقل والجسد: “لم يكن الفرق بين الروح والجسد معروفا بشكل كافٍ إلا منذ بضع سنوات.”
ذهب مالبرانش بفصل الروح عن الجسد إلى امدائه القصوى، حتى وصل لليقين بأن الحيوانات هي آلات بحتة، بينما توقف ديكارت عند التأكيد فقط على استحالة إقامة البرهان على أن للحيوانات روحا، وليس من خلال اعتبار أنها تعوزها.
وكما أن الفكر يتماهى مع الوعي، وأن الوعي، بحكم التعريف، لا يمكن الوصول إليه انطلاقا من نظرة خارجية، فمن المستحيل أن نقرر بشكل إيجابي أن الحيوانات ليس لها روح: “رغم أنني أرى أن للحيوانات أفكارا لا يمكن إثباتها، لا أعتقد أنه يمكننا إثبات العكس، لأن الروح البشرية لا تستطيع أن تخترق قلبها لمعرفة ما يجري بداخله.”
على العكس من ذلك، يعتقد مالبرانش اعتقادا راسخا أن الحيواتات ليس لها روح. وحتى لو تحدث القديس أوغسطين كما لو كان للحيوانات روح، يمكننا أن نؤكد أن الرأي المعاكس ينبع من مبادئه ذاتها: “من المؤكد […] أن القديس أوغسطين كان يتحدث دائما عن الحيوانات كما لو كانت لها روح [… ]. ومع ذلك، أعتقد أنه من المعقول أكثر استخدام سلطة القديس أوغسطين لإثبات أن الحيوانات ليس لها روح من إثبات أنها تمتلك نفسا: ذلك أنه من المبادئ التي اعتمدها بعناية، فحصها وأثبتها بقوة، يستنبط أن هذا يعني بجلاء أنه ليس لديها أي روح”.
لو أن أوغسطين فكر بعناية في مبادئه الخاصة – تلك التي من المفترض أنها تتعلق بفصل الجسد عن الروح – لكان قد توصل إلى استنتاجات مماثلة لتلك التي اعتقد مالبرانش أنه يمكن استخلاصها من انقصال الروح عن الجسد كما حظي بدعم ديكارت.
لا يساور مالبرانش أي شك في قيمة الديكارتية حيثما يكون الاتفاق مع القديس أوغسطين ممكنا. هكذا ترتسم ديكارتيكية مالبرانش ببعض كلمات: حيث ان ديكارت يتفق مع القديس أوغسطين (انفصال الروح/الجسد؛ جوهر الروح متماهيا مع الفكر)، وحيث أن القديس أوغسطين ترك مساحة فارغة ولكنها متماسكة مع انفصال الروح عن الجسد، فإن مالبرانش ديكارتي.
(يتبع)

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد