الرائدة في صحافة الموبايل

نداء: “أطلقوا سراح ابني.. أنا أُمٌّ مفجوعة وحالي يغني عن مقالي”

متابعة

خمسة عشر سنة قضاها المعتقل “حميد مرزوك” مَغلولا في جناية لم يقترفها وجُرم لا يَدَ له فيه، وأُدِينَ على ذمة الإرهاب بفَرِيَّةٍ لم تثبت بدليل وإفك لم يقم ببرهان، ومنذ ذلك الحين وصرخاتنا تعلو أن أقيموا برهانكم وأَعْلُوا عليه بنيانكم، فإن كان مستحِقا فَمَحتومٌ عليه الرّضا وصواب ما فعلتموه، وإن كان غير ذلك فَلِمَ التمادي في القهر والإصرار على مواصلة الحَيْف؟ فُجِعَتِ الأسرة كلها وأنْهَكَتْها الغُصّة وهَدّتْها الصدمات المُتلاحقة حتى خارَت قوى الوالدة وانهارت وهَزمها الفاتك اللعين (فقر دم حاد وفشل كلوي ثم بعد ذلك أصيبت بكورونا، ثم أخبرنا الطبيب بإصابتها بسرطان الدم؛ اللوكيميا)  وهاهي طريحة فراش تكابد فيه عِلَّتَها بِضَيْم وحسرة بعد أن رُزِئت في ابنها الوحيد ما قارب العِقدين، ابنها الوحيد الذي كان يَعولُها ويَبَرُّ بها وترى فيه عمود بيتها وعماد حياتها، إن هذه الأم المسكينة حُلمها قبل أن تغادر دُنيانا أن ترى ابنها الوحيد حُرّا بين أبنائه، يُكْمِل ما تَبَقّى من عمره بين أهله وذويه، مُناها قبل أن تَلقى ربها ضمّة له تخفف عنها بعضاً من ما مضى من أوجاع، وتنعش فيها بصيصا من أمل في الحياة، إن الظلم الذي طاله ونسف في كل ما يشد للدنيا، قد طال هذه المرأة وهذه الأم أضعاف أضعافه، وهي تعض على أَسَاها وتعتصر في دواخلها غُبْنَها ومَرارتها، أذْبَلَتها الأسفار والتّنقلات، وأعيتها مصاريف القفاف ونفقات العيال حتى أنسَتْها مأساةُ ابنها الوحيد نفسَها، وما بالت حتى أُلزمت فراش العضال لا  تقوى على حركة ولا تستطيع نهوضا ولا تملك قِرش ولا درهم استشفاء، فمن لها بعد ربها؟ ومن يرحمها فوق أرض بلاد غصبتها في فلذة كبدها، وتحت سماء وطن ما راعى فيها كبدا مفلوقة وعظما منخورا وبدنا مهدودا وجَيبا مُنهكا…
أطلقوا سراح هذا البريء- فإن لم يكن لأجله هو الذي صُنِع منه الوحش الكاسر – فلأجل أمه المكلومة، عزاءً لها وتعويضاً بالنزر اليسير عن ما طالها من أضرار ولحقها من مآسي
أطلقوا سراحه – فإن لم يكن لأجله هو الذي صُوِّرَ عدوا كائدا ومتمردا فلأجل أبنائه الذين كابدوا اليُتم وقاسَوا الحرمان وشَبّوا وسط مرارات الفقد وتصدعات الرَّزْءِ
أطلقوا سراح هذا البريء – فإن لم يكن لأجله هو الذي وُصم بعنيف التطرف ودموية التوجّه فلأجل شواهده العليا المراكمة ومساره السجني المشهود له بالسلوك المثالي والأخلاق الرفيعة..
هذه الأم هي امرأة في أدبياتكم لها حقوق تخاض لأجلها الحروب، هي تطالب بأدناها لا بأعلاها، تحقيق آخر رغبة في حياتها، رؤية ابنها وحِيدها وقد تخلّص من حبسه وانبعث من رَمْسه.. ابنها البريء الذي إن كان مجرما فلا ترحموه، وإن تلطّخ بدم أو تلبَّس بعظيم جُرم فلا مكان له بين الأحرار، إن فِعلا أفْتى بقتل وحَرّض على إزهاق نفس معصومة فعشرون سنة في حقه قليلة ضئيلة، فلا حياة لِمَن نَزَع من الأبرياء الحياة، له آراء يَعتز بها يروم من خلالها رفعة الأمة ونهضتها، وله تصورات في السياسة والإجتماع وأنماط التدين وطرائق التدبير، لا ينسلخ منها ولا يتبرأ من تَبَنِّيها، لم يُسَوِّقها تحت أزيز مدفع ولمعان مُدية وقرقعة ناسف، بل طرحها على موائد النبلاء ومجالس الحكماء وأعيان الوجهاء، لا يعتقد فيها العصمة ولا يزعم لها الطُّهرانية المطلَقة، بل تُنتَقد بالعلم وتُقارَب بالعدل ويُرَدُّ عليها بالنزاهة والتجرد..
إن كان مجرما فَرَسِّخُوا إقباره ومَتِّنُوهُ بمزيد من الحديد والخرسانة المسلحة، فقط أثبتوا الإدعاء وانقشوا عليه المستحق من العقوبات، وإن كان غير ذاك -وهو غير ذاك- فلأجل أُمّ عليلة في نَزْعِها الأخير، ترجو لقاء ابنها قبل وفاتها..رحمةً بها ورَدُّ حظ ضئيل من اعتبارها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد