الرائدة في صحافة الموبايل

يتساءل نافع وديع: هل علينا إزعاج الموتى في قبورهم؟!

ما علاقتنا كمغاربة بالماضي؟! هل نستحضر التاريخ في تفكيرنا اليومي، وهل لمسؤولينا حس تاريخي، وهل الدولة بصفة عامة منسجمة مع تاريخها، أم تهاب الموتى وتخشى على سيرهم؟!
أسئلة واخرى تبادرت لذهني وأنا اتابع بشغف النقاش “الساخن جدا ” بين شاعر وروائية وفيلسوف ومؤرخ، هؤلاء يمثلون النخبة  الفرنسية التي استدعيت للمشاركة في أحد البرامج الفرنسية على قناة TV5 الموجهة لشمال إفريقيا.
وكان الموضوع الذي التقى حوله جحافلة الفكر والأدب فترة حكم “نابليون بونابرت “.. هذا القائد الذي نال من الجدل ما نال، فكان بين منزلتين اثنتين، إحداهما رفيعة لمن أشادوا وأخرى ذميمة لم شككوا وذموا وقدحوا.
فمنهم من نظر لنابليون نظرة مجرم حرب ودكتاتورا وسفاك دماء، في حين؛ هناك من بجله تبجيلا، فعده منقذا وملهما بل قائدا حقيقيا وبكل المقاييس.
وإذ احتدم النقاش بين هؤلاء، فما كان من أحدهم إلا أن ضغط على الزناد واعتبر “المحتفى به” وبسيرته في البرنامج أن له اليد العلا والنصيب الأوفر في تخلف فرنسا في وقت كانت هي المتقدمة بين الأقران، فتخلفت وتقدمت دول الجوار.
ناهيك اتهام بونابرت بخذلان فرنسا وسرقة أمجاد الثورة الفرنسية لسنة 1789. وكذا أنه مسؤول عن وقف عجلة التطور التي تطلبت من فرنسا عقودا وعقودا  من الزمن؛ فقام بتجميدها.
وأنا أتابع وكم استغرقني مشهد استحضار تاريخ فرنسا من خلال أهم عقودها وفترات تعد حاسمة في تاريخها؛ لأن تكون في الميزان وتزنها عيون ثاقبة وعقول راجحة… إلا أن أهمس بيني وبين نفسي وأقول “إنهم يزعجون الموتى”. أليس هذا حكم الفقهاء قديما ومازال يعتد به؛ أي الحكم، العوام مثلما الخواص اعتمادا على القياس الرتيب ” اذكروا موتاكم بخير” الآية الكريمة من القرآن الكريم. ففئات واسعة من المجتمع المغربي خاصة والعربي عامة لن تكلف نفسها عناء قراءة التاريخ.
فالسخاوي لم يتوانى عن تأليف كتاب ضخم يدافع فيه عن الموتى فسماه “الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ” ، حيث اعتبر إستحضار التاريخ ومساءلته كفرا وزندقة وإثما يعاقب عليه.
هذا التصور المغربي والعربي للتاريخ يجب أن يدفعنا جميعا لتساؤلات محرجة، عن علاقتنا بالتاريخ أو بالموتى حسب السخاوي، فالموتى عندنا موقرون ومحنطون هم وأفكارهم، فالنبش في علي أو معاوية أو هارون الرشيد أو مساءلة فترة تاريخية معينة قد يعتبر عندنا محرم شرعا ومحظور قانونا. لاسيما إن كان النبش في “قبور / سير ” موتى لفترات حساسة من فترات التاريخ.
إن مساءلة الفرنسيين لتاريخ فرنسا من خلال بونابرت وربطها بتخلفهم الحالي وواقعهم، لايختلف في نظري عن مساءلة فترة الحسن ووصول المنصور السعدي للحكم أو فترة حكم الحسن الثاني وحتى؛ وصول الإسلاميين للحكم، فتاريخ الموتى وسيرهم قد تكون نبراسا ينير طريق السالك والعالم والعارف ويهدي لما فيه خير وصلاح الأمم، لذلك حري بنا إزعاج الموتى في قبورهم.

كتبه نافع وديع مهتم بقضايا التاريخ

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد