الرائدة في صحافة الموبايل

من أجل مغرب دامج ومستدام.. الانتقال إلى الاقتصاد الأزرق من خلال النموذج التنموي الجديد.

ـ محمد بنعبو * .

من أجل مغرب دامج ومستدام، مغرب الطموح والكفاءات والريادة  والمغرب الذي نريده في أفق 2035، تقدمت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد بتقريرها النهائي من أجل المساهمة في ترسيخ التنمية المستدامة بالمملكة، التقرير الذي أوصى بالإهتمام أكثر بالإقتصـاد الأزرق  من خلال  تعبئـة مجمـوع الفـرص التـي يتوفـر عليهـا المغـرب باعتبـاره بلـدا بحريـا يتوفـر علـى رأسـمال لامـادي جد هـام،  حيث أكد التقرير ضمن الإختيار الإستراتيجي الرابع في صيغته النهائية علــى  التركيز على القطاعــات الجديــدة ذات المؤهـلات العاليــة كتربيــة الأحيــاء البحريــة، تربيــة الطحالــب، المنتجــات الحيويــة البحريــة، بنــاء سـفن وكـذا الطاقـات البحريـة المتجـددة وذلك بنفس القدر من التركيز الـذي يتعين أن يشـمل الإجـراءات المتخـذة في القطاعات الإقتصاديــة التقليديــة، كالصيــد والســياحة وأنشــطة الموانــئ، كما شدد التقرير على أن قطـاع تربيـة الأحيـاء البحريـة يستحق دفعـة قويـة لتحقيـق الأهــداف التــي حــددت لــه ضمــن مخطــط اليوتيس بعدما قام المغرب بخلق وكالة وطنية لتنمية وتربية الاحياء البحرية وبتوفير كافة الوسائل من أجل ضخ دينامية جديدة في قطاع الصيد البحري، وذلك من خلال مخطط أليوتيس الذي أعطى انطلاقته صاحب الجلالة الملك محمد السادس سنة 2009، وتهدف هذه الإستراتيجية الخاصة بتنمية وتنافسية قطاع الصيد البحري إلى ضمان استدامة القطاع من خلال الحفاظ على الموارد السمكية ورفع تحديات العولمة عن طريق احترام المعايير التي تزداد صرامتها باستمرار، وتسـتدعي  التعبئـة الكاملـة والتامـة لقـدرات الإقتصـاد الأزرق كما تشير وثيقة التقرير الذي ركز على  التعجيـل بتنفيـذ مخططـات التنميـة المتعلقـة بالجهات التسـع الســاحلية بالمغــرب، حيث مــن شــأن هــذه المخططــات أن تشــكل رافعــة لتنميــة المجمعــات الســاحليةبهــدف  اسـتقطاب الإسـتثمارات الموجهـة نحـو الأنشـطة المـدرة للدخل والتي ستسـاهم فـي الحفـاظ علـى اسـتدامة السـواحل.

وفي إطار تفعيل مقتضيات الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، قام المغرب بعدة إجراءات مهيكلة لرفع التحديات وكسب الرهانات المرتبطة بحماية البيئة وتثمين الموارد الطبيعية ومواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ، وتحسين الإطار البيئي لعيش المواطن، وهكذا، وعلاقة بالحكامة البيئية، حيث تم إحداث عدة لجن تهم تتبع ومواكبة أهداف التنمية المستدامة من أهمها لجنة تتبع ومواكبة الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، التي أقرت في اجتماعها الأخير أن تقرير لجنة النموذج التنموي يتضمن عدة محاور لها تقاطعات كبيرة مع متطلبات التنمية المستدامة من أجل مغرب دامج ومستدام، بينما أكد وزير الطاقة والمعادن والبيئة السيد عزيز الرباح أن التنمية المستدامة هي خيار استراتيجي جاء لتثبيت المكاسب التي تحققت من خلال تنزيل عدة استراتيجيات ومخططات قطاعية، حيث تم الوقوف خلال هذا اللقاء الهام على مؤشرات تنزيل أهداف التنمية المستدامة عبر ملامسة مدى التقدم المحرز في تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة سواء في شقها المتعلق بتنفيذ ميثاق مثالية الإدارة في مجال التنمية المستدامة، أو في ما يخص المخططات القطاعية للتنمية المستدامة كما تم تقديم المنهجية المقترحة لتقييم الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة وملاءمتها مع المستجدات الوطنية والالتزامات الدولية، وتجدر الإشارة إلى أن الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة والتي تمت المصادقة عليها خلال اجتماع وزاري ترأسه صاحب الجلالة الملك محمد السادس في يونيو 2017، تشكل الإطار المرجعي لكل البرامج القطاعية، وذلك بهدف تحقيق الانتقال نحو الاقتصاد الأخضر الدامج في أفق 2030، ويتم حاليا تفعيل هذه الاستراتيجية من خلال تنفيذ 28 مخططا قطاعيا للتنمية المستدامة بالإضافة إلى مخطط أفقي حول مثالية الإدارة. أما على المستوى الترابي، فقد تم التوقيع على اتفاقيات للشراكة مع مختلف جهات المملكة بهدف تنزيل أهداف هذه الاستراتيجية في المخططات الجهوية للتنمية.

وبينما خلق المغرب عدة لجان للتتبع والمواكبة كلجنة التغيرات المناخية والتنوع البيولوجي والساحل، وفي المقابل قامت المملكة بتقوية الإطار القانوني للبيئة والتنمية المستدامة عبر إصدار مجموعة من القوانين، كقانون الساحل وقانون التقييم البيئي، والشروع في إعداد قوانين أخرى، مثل مشروع قانون بمثابة مدونة للبيئة، ومقترح القانون المتعلق بالمناخ، ومشروع القانون المتعلق بالحصول على الموارد الجينية والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدامها، إضافة إلى إطلاق مسلسل مراجعة القانون المتعلق بتدبير النفايات. كما تم تعزيز المراقبة البيئية والتنسيق مع الهيآت المعنية في هذا الشأن، وتقوية أجهزة الرصد واليقظة البيئية،     وبالإضافة إلى كل تلك المجهودات كان المغرب قد أطلق خلال مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في نسخته الثانية والعشرون والمنعقد بمراكش المبادرة الدولية الحزام الأزرق، مبادرة هادفة إلى تعزيز قدرة البحار والمحيطات على الصمود وضمان استدامتها، وتقتضي المؤهلات الاقتصادية والاجتماعية التي تزخر بها السواحل المغربية، وكذا المخاطر التي تتهددها، اعتماد مقاربة استراتيجيةٍ جديدة للمجال الساحلي للمغرب، ويجدر بالذكر أن المغرب حباه الله بجغرافيا فريدة، ونظام إيكولوجي غني، ومجال بحري شاسع، ورصيد بدأت تتهدده جملة من المخاطر، مما يستلزم وضع استراتيجية وطنية شاملة، حيث تحتضن المناطق الساحلية المغربية 52 في المائة من مجال الأنشطة السياحية و92 في المائة من النسيج الصناعي المرتبط بقطاعات الصيد البحري، وتثمين منتجات البحر، والأنشطة المينائية، والسياحة الشاطئية، وقطاع البترول والغاز، وغيرها. كما أن ثمة قطاعات أخرى بدأت في التطور أو تتطلب المزيد من التطوير في المغرب، مثل تربية الأحياء المائية أو الكيمياء الحيوية أو صناعة السفن أو أنشطة الترفيه البحري، وإذا كانت الثروات التي يزخر بها المجال البحري للمغرب تتيح فرصا كبيرة، فإن استغلال هذا المجال يواجه خطر الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية وتدهور الأنظمة الإيكولوجية، وذلك بالأساس جراء التمركز المتنامي في المناطق الساحلية، والتوسع العمراني، وطرح النفايات، لذلك، يتعين تطوير سياسات مندمجة توفق بين استغلال الموارد وحماية البيئة.

ويتجلى انخراط المغرب في الجهود الرامية إلى رفع تحديات القرن الحادي والعشرين من خلال اعتماد التنمية المستدامة كمشروع مجتمعي حقيقي، وقد مكنت مجموعة من المبادرات التي جاءت تفعيلا لتوجيهات جلالة الملك محمد السادس نصره والواردة في خطابي العرش لسنتي 2009 و2010 من إعداد ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة، تم اعتماده في صيغة قانون إطار  رقم 12.99  الذي يعد مرجعا حقيقيا للسياسات العمومية ذات الصلة بالتنمية المستدامة،  وقد تجسدت هذه الإرادة السياسية في احتضان وتنظيم العديد من المؤتمرات الدولية التي تعنى بالشأن البيئي والمناخي في مقدمتها مؤتمر المناخ في نسخته السابعة ومؤتمر المناخ في نسخته الثانية والعشرون الذين احتضنها مراكش سنوات 2002 و2016 على التوالي، إرادة ملكية زرعت في المواطن المغربي حب تحقيق التغيير الايجابي والمنشود من خلال بلورة الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة هذه الاستراتيجية التي وقفت على خمسة رهانات تواجه التنمية المستدامة، وفي هذا الصدد، سلط الرهان الخامس الوارد في هذه الاستراتيجية الضوء على ضرورة إيلاء عناية أكبر للمجالات الترابية الهشة، ومنها على وجه الخصوص السواحل، وفي هذا السياق، تواجه السواحل، باعتبارها أوساطا هشة، ضغطا كبيرا جراء احتضانها لأنشطة اقتصادية مختلفة وتمركز الأنشطة البشرية والتوسع العمراني فيها، وبغية الحفاظ على هذا المجال الطبيعي وضمان استدامته، تمت المصادقة في سنة 2015 على إطار قانوني وتنظيمي جديد، يتمثل في القانون رقم 12.81 المتعلق بالساحل وكذا النصوص التنظيمية ذات الصلة بتطبيقه، ويحدد هذا القانون المبادئ والقواعد الأساسية لضمان تدبير مندمج ومستدام للساحل بما يكفل حمايته واستصلاحه والمحافظة عليه، ومن بين الآليات الرئيسية الكفيلة ببلوغ هذه الغاية نجد المخطط الوطني للتدبير المندمج للساحل والذي يهدف الى تحديد التوجهات والأهداف المراد بلوغها في مجال حماية الساحل واستصلاحه والمحافظة عليه، مع مراعاة السياسة الوطنية المتبعة في إعداد التراب وأهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية ومقتضيات القانون المشار إليه أعلاه، مع إدماج بعد حماية الساحل في السياسات القطاعية، خاصة في مجالات الصناعة والسياحة والإسكان وأشغال البنيات التحتية، بالاضافة الى تحديد المؤشرات المناسبة الواجب مراعاتها قصد ضمان التناسق بين برامج الاستثمار وتحديد الوسائل الكفيلة بتحقيق الانسجام بين مختلف مشاريع التنمية المزمع إنجازها في الساحل مع التنصيص على التدابير الواجب القيام بها بغية وقاية الساحل من خطر التلوث والتقليص منه مع  ضمان الانسجام والتكامل بين المخطط الوطني للتدبير المندمج للساحل والتصاميم الجهوية للساحل المزمع وضعها، حيث من المنتظر أن يمكن المخطط الوطني للتدبير المندمج للساحل من وضع خارطة طريق من شأنها المساهمة في تحقيق التنمية المندمجة لقطاعات الاقتصاد الأزرق.

ويحتل المغرب المرتبة الأولى من حيث التنوع البيولوجي البحري على صعيد حوض البحر الأبيض المتوسط، ويبقى التنويه الياباني بالجهود المغربية في المحافظة على التنوع البيولوجي واستعادة النظم الايكولوجية وحمايتها من أهم الدعامات التي ستدفع بالمغرب الى المضي قدما في بذل المزيد من الجهود للاستثمار في هذا المجال بطرق مستدامة، هذا وعلى الرغم من أن التكنولوجيا الحيوية البحرية تنطوي على إمكانات تنموية كبيرة، فإنها تظل قطاعا ناشئا لا يمثل سوى أقل من 2 في المائة من السوق الإجمالية للتكنولوجيات الحيوية، حيث تحبل التكنولوجيا الحيوية البحرية بالعديد من الإمكانات التي من شأنها أن تعزز مجال التكنولوجيا الحيوية بالمغرب، وفي هذا الصدد، فإن العديد من المركبات والجزيئات الكيماوية المستخلصة من النباتات والحيوانات البحرية تستخدم في المنتجات الصيدلية وفي مستحضرات التجميل هذا في الوقت الذي يستخدم فيه المغرب بالأساس دقيق السردين لإطعام الماشية وهو مجال يمكن أن تكون له قيمة مضافة أكبر بكثير حيث لا يزال غير مستغل، وعلاوة على ذلك، تتيح التكنولوجيا الحيوية البحرية إمكانات في مجال إنتاج الطاقة، أما في ما يتعلق بالموارد الجينية، فقد صادق المغرب على بروتوكول ناغويا، هذا البروتوكول الذي تم اعتماده عالميا بتاريخ 29 أكتوبر 2010 وبالضبط خلال الاجتماع العاشر لمؤتمر الأطراف لاتفاقية التنوع البيولوجي باليابان، بروتوكول يتعلق بالحصول على الموارد الجينية والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدامها، الملحق باتفاقية التنوع البيولوجي، وذلك بمدينة ناغويا باليابان، بعد ست سنوات من المفاوضات، وباعتباره اتفاقا تكميليا لاتفاقية التنوع البيولوجي، ويعتبر بروتوكول ناغويا واحدا من أهم المعاهدات البيئية متعددة الأطراف التي اعتمدها المغرب ويهدف هذا البروتوكول إلى وضع إطار قانوني دولي ملزم من أجل تعزيز التنفيذ الفعال والشفاف في المستقبل لمفهوم التقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدام الموارد الجينية على المستويات الإقليمية والوطنية والمحلية، وتجدر الاشارة إلى أن بروتوكول ناغويا كان قد دخل حيز التنفيذ في 12 أكتوبر 2014 وبذلك فهو يعزز بشكل كبير الهدف الثالث من أهداف اتفاقية التنوع البيولوجي، من خلال توفير قدر أكبر من الضمانات القانونية والشفافية لمقدمي الموارد الجينية ومستخدميها.

وبفضل موقعه الجيواستراتيجي المتميز والمطل على بحرين: البحر الابيض المتوسط والمحيط الاطلسي انخرط المغرب في دينامية الاقتصاد الأزرق بمنطقة البحر الأبيض المتوسط، وبذلك أصبح المغرب في صلب الاستراتيجيات الإقليمية ذات الصلة بالاقتصاد الأزرق، وبصفته عضوا في الاتحاد من أجل المتوسط، وبفضل شراكاته الاستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي، فإن المغرب يحتل مكانة متميزة في مختلف الديناميات الإقليمية ذات الصلة، ويحظى بدعم استراتيجي مهم، وكان الاتحاد من أجل المتوسط قد أطلق مبادرة التنمية المستدامة للاقتصاد الأزرق في غرب البحر الأبيض المتوسط مبادرة تضم عشر بلدان منها المغرب، ويعد التوجه نحو الفضاء المتوسطي أمرا ضروريا بالنظر إلى أن البحر الأبيض المتوسط يعتبر خامس أكبر اقتصاد في المنطقة، حيث يزخر حوض البحر الأبيض المتوسط بموارد بحرية وثروات سمكية غنية، كما يحتضن 450 ميناء ومحطة مينائية، يمر عبرها نحو 30 في المائة من حجم المبادلات التجارية البحرية على الصعيد العالمي، كما تعتبر منطقة المتوسط ثاني أكبر وجهة لسياحة الرحلات البحرية السياحية في العالم، والتي يتضاعف حجمها أثناء الموسم السياحي.

أما على الصعيد الوطني فيمكن أن يوفر الشريط الساحلي للمغرب الممتد على طول 3500 كيلومتر طاقة ريحية تزيد بعشرين ضعفا عن حجم الطاقة الريحية القارية هذا على الرغم من أن الطاقة الريحية البحرية تشهد نموا متسارعا في السنوات الأخيرة لاسيما في الدول الاسكندنافية، بينما تبقى تكلفة البنيات التحتية ذات الصلة بها تشكل عائقا أمام النهوض بقطاع إنتاج الطاقة الريحية البحرية في المغرب، وبالرغم من كل التحديات تظل المحطات البحرية لتحويل الطاقة عن طريق الضخ بدائل مهمة لإنتاج وتخزين طاقة متجددة ذات مردودية،وتتيح هذه المحطات البحرية تخزين الطاقة الكهربائية المتأتية من مصادر الطاقة المتقطعة كالطاقة الريحية أو الشمسية وذلك من خلال الاستخدام غير المحدود لمياه البحر وقوتها الهيدروليكية، وفي الأخير يمكننا ان نجزم أنه من خلال الاستثمار في التنمية المستدامة القائمة على المحيط يمكننا حماية البيئة ودفع الاقتصاد الأزرق إلى آفاق جديدة وضمان ازدهار المجتمعات والأعمال.

  •  المهندس محمد بنعبو  خبير في المناخ والتنمية المستدامة.
  • رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد