الرائدة في صحافة الموبايل

الجسد بين النكران والجحود؟!

كتب نافع وديع

منذ قرنين من الزمن؛ قال أحد الفلاسفة أن الجسد هو بوابة حداثتنا، وقد كان صائبا في ذلك، فلا يمكننا أن نتصالح مع تاريخنا وقيمنا وذواتنا مالم نتصالح مع أجسادنا.
لقد إتهمناه مرارا بالنجس وبالعهر والكفر، كفرناه بإسم نصوص مدسوسة حول كل ما يتحف هذا الجسد، رفعنا سيوف الوهابية والإخوان المسلمين والسلفيات الراديكالية والمتشددة على أعناق الأجساد والأبدان وقمنا بتكفير كل ما يساهم في جماله ونقائه وصفائه، وبذلك صرنا كائنات منفصمة، نكفر بالجسد جهرا ونتغزل به سرا ، بل نقدسه أحيانا كثيرة. وقبل بضعة عقود كنا نعتبر مواد التجميل كلها محرمة ثم أضفنا عليها الحلي والروائح الزكية وما تبقى من مستحضرات التجميل، في نفس الوقت قمنا بتحريم الألبسة الجميلة والراقية التي تتحف الجسد ورفعنا شعار “لا للتشبه بالكفرة ” والذي تبنته فئة نيكروفيلية من الفقهاء لأغراض سياسية كانت مدعومة من بترودولار الخليجي.
فالمجتمع الذي لايقر بحق الفرد سواء كان أنثى أو ذكر في تزيين جسده وتجميله والإعتناء به لايعتبر مجتمعا حداثيا أو مجتمعا إنسانيا. فما الفائدة من مجتمع إن لم يكن نظاما من أجل السعادة ؟ فمردوديته التي يجب أن نحاكمه على أساسها هي ما يضمنه من سعادة لأفراده، وهذا لا يتحقق إلا بالإعتراف بالجسد كمصدر ومنبع لسعادة الأفراد والمجموعات البشرية. فلاشيء منا يوجد خارج أجسادنا وكل إمكاناتنا في الوجود تتضمنها أجسادنا، الرغبة التي تتحرك فيه، والشهوة التي تثبته، ومن يناهض الجسد أو يبني نظاما قيميا لتحقيره، يناهض المشروع الإنساني بكامله، أي مشروعه في الجمال والحياة والسعادة وملامسة المطلق. فلسنا شيئا اخر غير أجسادنا، بل فلسفتنا سيرة لجسدنا كما قال نيتشه، وغياب الجسد يعني العدم.
وخلاصة القول أن الجمال في عمقه إعتراف بقيمة الحواس وسمو شهوتها، مالذي يمكن أن تكونه لوحة جميلة إذا لم تكن مغازلة لشهوة العين وإحتفاء بجاية البصر، وما الذي يمكن أن تكونه معزوفة جميلة إذا لم تكن تقربا من الأذن وفتنة السمع، وما الذي يمكن أن يكونه جسد جميل إذا لم يكن أفقا لرغبة؟! إن الجمال لهو تحفة الحواس، وهكذا يجب أن يكون الجسد بما أنه مكون من مكونات جمالية الوجود فهو كذلك يجب أن يكون تحفة فنية تريح الحواس عند النظر وينثر سحرا خاصا حول العالم.
فهل حان الوقت لنتصالح مع الجسد، ليس بكونه مجال مزايدة لاهوتية بل بكونه جزءا رئيسيا من مباهج الحياة وملذاتها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد