الرائدة في صحافة الموبايل

فري فاير والبؤس الجنسي العربي.. مقاربة سوسيولوجية

بقلم اسامة البحري – طالب بشعبة السوسيولوجيا بني ملال

في البداية سأسرد بعض الاثنوغرافيات التي سجلتها و انا أمارس الملاحظة داخل اللعبة ، اول ما تبين لي  ان  اللعبة  يختلف الناشطون داخلها من بلد الى بلد .اي  ان كل جنسية تلعب مع نفس جنسيتها العرب مع العرب و الغرب مع الغرب ، و لكن السؤال الذي طرح علي و انا الاحظ ، هو ما الذي جعل من شركة اللعبة تفصل العرب عن الغرب ، و قد عدت الى بعض اللاعبين القدامى لاجري لاتحدث معهم في الموضوع و تبين لي من خلال حديثهم انه في البداية  حينما كان يلعب الاجانب مع العرب  ، كان العرب  اول ما يفعلونه هو انهم يبداون في التهليل و الصراخ من الفرحة ، لان معهم اجنبي  سيحقق بعض المبتغيات الرمزية التي لخصها لي المبحوث في الهجرة الى الغرب  ، و قد كانت هاته التصريحات بمثابة نافذة لاقدم بعض الاثنوغرافيات حول ما يجري داخل اللعبة و خصوصا ما يخص الجنسانية 

فكما نعلم استطاعت شبكات التواصل الاجتماعية و الرقميات ان تضعنا بكل بداهة امام الظواهر الاحتماعية التي تتكرر ، و هذا ما برهنت عليه لعبة فري قاير و بابجي ، فحينما ندخل هذه اللعبة بجنسيتنا العربية مع عرب آخرين ، نصطدم بأشياء هي على الشكل التالي :

اولا اختراق ثقافتنا و نتائج هذه اللعبة ، فمثلا نجد. ان اللعبة ذكورية بامتياز على عكس  نفس اللعبة و لكن بجنسية اخرى   أجنبية ، فحينما ندخل الى الفيديوهات  التي تنجز حول لعبة فريفاير بفرنسا مثلا سنجد انه داخل اللغبة يحضر مساواة للجنسين ، في الكلاش سكواد مثلا الذي يلعب فيه اللاعبون ضد لاعبين اخرين ، في  السيرفر العربي نجد ان عدد الذكور يفوق جذريا عدد الاناث ، اما السيرفر الفرنسي مثلا فنجد. ان عدد الاناث  يتسواى مع عدد الذكور  ، بالاضافة الى ذلك هناك شيء أساسي اريد ان اضعه للنقاش  وهو انه كلما دخلت فتاة لتلعب  ، يترك اللاعبون في السيرفر العربي لعبهم و يبدأون  في الحديث عبر الميكروفون الذي وضعته الشركة للتواصل و الاتفاق من أجل تحصيل اكبر عدد من النقط .

ثانيا هنالك مفارقة بديهية و هي ان اللاعبات حينما يدخلن يضغطن على زر النوم على الارض  كاثارة جنسية تعبر عن حرمانهم منها في الواقع ،  ثالثا لاحظت بعض الممارسات ايضا و هي  الايحاءات الجنسية بالصوت عبر الميكرو من طرف الذكور   سواء كانت هناك  انثى ام لم تكن ، رابعا اضافت الشركة لبعض الازرار الصوتية كرصد العدو ، ابتعد عن الزون الخ ، و لكن الغريب في الأمر ان جل اللاعبين الغرب قبل ان يبدأوا اللعب يبداون في الضغط على الازرلر بفوضوية و لا نظام . والأكثر من ذلك  انه يحضر التنمر بقوة داخل اللعبة ، فكل من لازال لم يحترف اللعبة يسمى بالبوت و يتعرض هذا اللاعب المبتدئ الى ابشع صور التنمر ، كما ان بعض اليوتيبرز قد استعملوا  هذه الصفة من اجل  الوصول الى دخل  مادي من اليوتيب ، وهو المتمثل في تجسيد شخصية للبوت الانثى و ليس الذكر  ، من أجل جلب التعاطف والتحرش الجنسي او ما يسمى داخل اللعبة “التيم ” ، والغريب في الأمر ان هذه الفيديوهات قد عرفت تصاعدا في الوطن العربي  تماما كفيديهوات الروتين اليومي ، خامس نقطة  داخل اللعبة ، حينما يضرب العدو الآخر و يسقطه  يبقى للاعب الجريح بعض نقط الدم لكي ينقذه صديقه ، الغريب في الامر ان اللاعبين العرب حينما تدخل لاعبة انثى يحاول الكل انقاذها ،  تاركين بذلك   باقي اللاعبين الذكور المتضررين.

فمن أين اذا تتمخض هذه المفارقات و هذا الحرمان ، و كيف يمكننا أن نعالجه سوسيولوجيا ؟ 

اذا ما عدنا إلى عمل ميشال فوكو “تاريخ الجنسانية الغربية “، سنجده سلم بأن بالقرن الثامن عشر بتاريخ الجنسانية الغربية “نشأ حث سياسي وإقتصادي وتقني على الكلام عن الجنس ، لكن؛ ليس في شكل نظرية عامة للجنسانية ، و إنما في شكل تحليل ومحاسبة و تصنيف وتخصيص في شكل بحوث كمية أو سببية . إدخال الجنس في الحساب ، و التحدث عنه في خطاب ليس فقط أخلاقي ، بل خطاب عقلاني.

7” ، على عكس الجنسانية العربية التي استعملت لخدمة طبقة معينة ، و للحفاظ على مصالحها و ظلت في ستاتيكيتها ، فإذا ما عدنا إلى عمل الديالمي حول الجنسانية العربية ، فسنجده اعتبر الجنسانية العربية “في حد ذاتها لا تزال موضوعا شبه ممنوع من الدراسة ، إنها التابو المعرفي بالنسبة للشعوب العربية المختلفة ، و التابو السياسي للأنظمة العربية ، كما بالنسبة للحركات النسائية العربية ، بل حتى بالنسبة للجامعات العربية نفسها ، نظرا لغياب سياسة بحث داخلها ، ولأنها تظل تابعة سياسيا وتمويليا ، و مرجع ذلك؛ أن المجتمع العربي المتخلف والتبعي ، إن كان بدأ يتصور الجنسانية كموضوع تدخل طبي أو نفساني يهم الحياة الخاصة للفرد ، فإنه لم يبلغ بعد تصور الجنسانية كمبحث أساسي في العلوم الإجتماعية ، أي كشرط أساسي في إنجاح التخطيط الدولاتي من أجل التنمية ، من أجل ذلك لم يتم بعد تطبيع دراسة الجنسانية اليومية العادية على مستوى الذهنية العربية ،  رغم أن هذه الدراسة شرط أساسي في تحقيق مجتمع عربي سليم وفي إنتاج فرد عربي مواطن سليم جنسانيا

8”  ، و هذه المفارقة البديهية بين الجنسانية العربية والغربية ، تبين لنا كيف أن الجنسانية الغربية تطورت في ظل العقل و النقد الإبستيميه – جسدي ، على عكس العرب الذي حافظ على ستاتيكية القمع الجسدي، لكن؛ إذا ما قارنا مثلا ، كيف كان ينظر إلى الجسد الانثوي والذكوري حينما يلتقيان بالشارع ، فإنه يخالف جذريا ما يقع الآن ، فقد كان بالمغرب على سبيل المثال بالقرن الثامن عشر ، يمنع جذريا التقاء الانثى مع الذكر ، و يتم حملهم إلى تحقيق الهوية ، و كانوا يقابلون بالرفض من طرف المواطنين ، و كان ذلك يظهر في (نظرات الغير و كلامه حول الجنسانية ) ، لأنها بكل بساطة تخالف التنميط الإجتماعي ، و كل ما هو لا نمطي يكون عدوا لهم ، و لكن الآن يشهد المغرب تطورا ظاهر-جنسانيا في المناطق اللاهامشية ، فنجد مثلا ، ذلك الرد فعل حول “الأجساد في حالة إقتراب جنسي ”  الذي كان يتمخض من طرف الإختراع الذي أخترع بالقرن الثامن عشر لمراقبة الأفراد ، و هو الشرطة ، لم يعد تدخله حول فصل الجسد الأنثوي عن الذكوي كما كان ، و هذا يعود إلى عامل أساسي وهو العالم الإفتراضي وشبكات التواصل الإجتماعي ، الذي قرب الجسد الغربي و جنسانيته إلى الوعي العربي بأكمله ، و الذي دفع بالجسد الكلياني العربي إلى الوعي بجنسانيته كإنسان ، إلا أن هذا التغير الذي وقع هو تغير ظاهراتي، لأنه كما عرضنا مع فوكو حينما أراد الوعي الجنساني الغربي أن يغير جنسانيته وأن يعقلنها إبتدأ من السلطة الحاكمة وتفرعت بالطب وبالمدرسة والتلفاز الخ ، و لكن بالوعي العربي لم يتغير من المحتوى ، بل تغير سطحيا ، لهذا نجد أنه لازالت بالميكرو – سوسيولوجي وخصوصا بالخلايا النووية ، يتعامل مع الأنثى بكونها ذلك الجسد الذي يجب أن يشتغل على الذكر والذي يجب أن يسجن ويهمش ويقصى من العالم الخارجي ، ولهذا فالأنثى يهيئها البيت العربي التقليدي والمحافظ على إيقاع صوتها وعلى هيمنتها من طرف الذكر ، و حينما يخرج هذا المنتوج إلى المدرسة “التعليم الإبتدائي ” التي يعتبرها وعي الأطفال والمراهقين العرب بشكل عام نقطة التعبير عن الجسد المجرد عن تلك التربية ، فهنا نجد أن الأنثى تغير من نبرتها وتعبر بملامحها اللاأنثوية وحتى الذكر يعبر عن ملامحه اللاذكورية “يتكلمون بكونهم عقول إنسانية لا أكثر ”، ويكون الإقتراب الجسدي بين الأنثى و الذكر داخل “الإعدادية أكثر إلتصاقا ، و أكثر حرية ” ، أما في المرحلة الثانوية تحافظ الأنثى على غشاء المجتمع الذي أصلته التربية جيدا والذي يجب أن ترتديه بمجرد خروجها من المدرسة “خضوع ، الإبتعاد عن الذكر ، عدم الإلتصاق مع الذكر ” ، و لكن في معظم تعبيراتها العقلانية “داخل الثانوية” تتجرد عن العديد من السلوكات التي تشكل المركب الغشائي لمنتوج الأنثى الذي تشكله الأجزاء التعليماتية حول هذا الجسد ، فهو يكون عبارة عن كل متشظ من أجزاء فكرة الأنثى ، و بفعل إستمرارية تكرار هذه الأجزاء التعليماتية التي سننعتها ب “مركبات تنظيم الجسد” تتأصل كخطاب واحد يحدد السلوك البسيط والمعقد للجسد ، ويتأصل هذا الخطاب جيدا بالمرحلة الثانوية كما سلمنا ، لأنه مع إستمرار الحشو الإجتماعي تصبح تلك الأفكار جزء من الدماغ و يقع إشباع خطابي بالعقل ، هذا الإشباع الخطابي ، يصبح الجسد كما هو مراقب من طرف هذا الخطاب المنظم الذي يسمعه في استمرار بمنزله ، هو يراقب جسده  في إستمرارية ، لأن الكل الخطابي الذي يشكل كل جزء من الجسد ، يتأصل بعقل الفرد و منه يجنس العقل ، و منه يتحرك وعي العقل ليرى من خلاله الوجود ، و ما وراء هذه المرحلة الثانوية بالمناطق الهامشية “المغرب (فم العنصر  نموذجا)” يتم فرض الإنقطاع عن مواصلة التعليم على الأنثى ، وحتى إن تمت الموافقة عن مواصلة دراستها ، فيكون هناك حراسة لاعقلانية من طرف أداة المراقبة العربية و هي الوالدين ، ومن هنا نفهم أن الوعي العربي يتعامل مع الجسد بلاعقلانية ، و بخوف بعيد تمام البعد عن حضور العقل ، ناتج عن لاتغير الجنسانية بين الطبقات كما عرضنا مع فوكو في نقطة عقلنة الجنس بالغرب  ، و يمكننا أيضا القول و حسب فوكو أيضا أن “القانون هو المكون للرغبة و للنقص الذي يقيمها ، إن علاقة السلطة توجد سلفا في المكان الذي تقوم فيه الرغبة.

9″ ف”السلطة تحدد للجنس نظاما يشتغل في نفس الوقت كشكل للمعقولية ، فالجنس ينكشف إنطلاقا من علاقته بالقانون ، و هو ما يعني أخيرا بأن السلطة تعمل بواسطة النطق بالقانون : فقبضة السلطة على الجنس تتم باللغة

10” ، و من ما لا شك فيه أن السلطة بالمجتمع المغربي تمسك بقبضتها الخطاب العربي المقدس “أي اللغة كما سلم فوكو” ، الذي يخضع الرغبة إلى التكنيك  البين السوسيو – ثقافي ، و للقدرة التي بها كان هذا الخطاب العربي و لا زال قائما في نفس القبضة ، و من بين الخطابات العربية المصادق عليها قانونيا و المقدسة بالوعي العربي نجد مثلا ” (انكحوا ما طاب لكم من النساء متنى و ثلاث و رباع …) فالكلام موجه إلى الرجال و ليس إلى النساء ، و يستعمل فيه كلمة (النكاح) للموضوع (المرأة) ، التي تدل على عملية تكتيكية ليس إلا ، لا تتضمن أي شيء من اللذة أو المشاركة الفاعلة (أو حتى المنفعلة) من قبل المرأة موضوع الجنس ، أما تتمة الآية فتقودنا إلى الزواج الأحادي من الجهتين (الرجل و المرأة) دون تقييد الرجل بذلك و مع ترك القرار له ، و مع ترك منفذ جنسي له هو إستعمال الجواري

11″ ، و من خلال هذا التحليل الذي سلم به المفكر بوعلي ياسين ، تبين لنا كيف أن الخطاب العربي ذكوري ، أو قل إن مفهوم الرجل أو الرجولة هو محور الوعي العربي ، و ما الأنثى إلا شيء يجب أن لا يظهر ، بسبب تهميشها بالأساطير الدينية ك”الرجل (آدم) هو الأصل ، (حواء) هي الفرع  ، المرأة بطبيعتها عاصية ، مغرية ، و تجلب بهذا المتاعب للرجل و لنفسها ، و سبب وجود البشرية هو خطيئة من حواء المرأة تتحملها كل الأجيال القادمة 

12″ و بهذا “تظهر الأوامر الجنسية كتابوات -محرمات و مقدسات ، في خدمة الطبقة أو الطبقات المسيطرة ، لا المتطلبات البيولوجية و الإجتماعية للإنسان  

13″ ، و من خلال كل ما ذكرناه تبين لنا ببداهة ، كيف أن التسرب التاريخي للتهميش الأنثوي ، بالخطاب ، هو محافظ عليه بقبضة السلطة ، و لهذا نفترض : أن الخطاب العربي -تاريخاني-قانوني بقبضة السلطة و محوره هو الذكر ، و أن الأنثى مهمشة بسبب لا نقد علاقة التدفق التاريخاني -ثقافي التي تصب على الوعي العربي العامي ، بعلاقة رضائية ؛ تساهم في تسربها لجل الأعضاء المعقدة و اللامعقدة للمجتمع العربي ، و أن هناك أيضا غياب بديهي و مستمر للمثقف عن هذا الهم العام الذي هو محور الجسد (الجنس).

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد