الرائدة في صحافة الموبايل

عطلة شقية..

بقلم الكاتبة والصحافية نادية الصبار

ضمن المجموعة القصصية “عاهرات.. ولكن! ” بقلم الكاتبة والقاصة نادية الصبار، نقترح عليكم: القصة – 3 – بعنوان “عطلة شقية”.

فآجأها بعطلة.. شقية، إنه رجل عملي جدا، يفكر بكل كبيرة وصغيرة، رجل لا يفوته شئ ولكل شئ عنده حيز ومكان بالأجندة، أجندته ملآى عن آخرها. الكل  فيها مرتب ومنظم وفقا للأولويات حسب تقديره الخاص الذي لا يشرك فيه أحدا.

أي نعم؛ رجل عملي جدا وحازم جدا جدا، وهي على النقيض من ذلك، عاطفية جدا ورومانسية جدا جدا، ولكنها والحق لله لا يمكن البتة وصفها بأنها امرأة غير جادة، فقط؛ تفضل أن تعمل القلب بدل العقل، فقلبها دليلها إلى الحياة والحب والحلم والأمل.

نظم العزيز العطلة بشكل يستجيب للأجندة وللجزدان( حقيبة اليد)… والله ذهب بعيدا بغروره وظن أنه قادر على تلبية الحاجات الأساسية: الغذاء والكساء وشئ من الأمان، لا مجال للعاطفة والحب، فالحب عنده ضعف والعاطفة بعقلية الواجب. وهي عنده ليست على الهامش، بل على ظهر الورقة وبالأسفل، آخر سطر، آخر جملة، آخر كلمة وحرف، بل قد لا تكون، فهي قابلة للترك، آيلة لسقوط، بل يمكن إلغاؤها من الأجندة.

اشترى أغراض الرحلة، مزحلقة وأحذية مقاومة للبرودة والثلج وقفازات لها بلون البنفسج، يا الله! يعرف ما تريد وترغب، يعرف أنه اللون الأحب إلى قلبها، فلما لا يستجيب؟! إن عنادا خفيا يحاصره فيحاصرها، ليغتالها ويقتل الصبية عند حافة قدميه وهي تحنو من حب ومذلة لتسكن تحت راحتيه.

لعله يتلذذ بانتحارها عند سرير المحبة، يفرح بفاقتها والعوز، إنها الضعيفة التي استقوت والأربعينية التي رشدت، فبأي ذنب قتلت واغتيلت؟!

يتلذذ، نعم ، يتلذذ، هي التي رغم كبريائها تضعفها الرغبة اللعينة في أن تمارس طقوس الأنوثة، يتلذذ وهي تحترق كشمعة دون أن تضئ.

سافرا معا، ركبا السيارة التي لم تعد إلى قلوبهما تسير، جلست إلى جانبه دون أن تجالسه، فلن تراوده عن نفسه، فلقد قررت أن تعتزل الغناء وأن لا تتخضب بالحناء وأن لا تكون العروس.

الطريق طويل والجو بارد… تجاذبا أطراف حديث متقطع، ضاقت القواميس في حضرتهما.. اعطني قفازاتي.. لا، ليست هذه، تلك التي توجد خلف، فهي التي تصلح للسياقة، خذي النظارات الطبية وحطيها هناك وآتني بالشمسية…

ما إن أدركت عيون الصبية الثلج، حتى لاحت نظراتهم المشرقة المقبلة على الحياة بشغف؛ إلى السماء، طلبوا لحظة توقف، فهم يتوقون لإفران و”ما أحلى جماله”… نزلوا من السيارة وهات يا كرات تقذف هنا وهناك، تبسمت وأدركتها الحياة بعد أن غادرتها، تلذذت وهي تنظر لصبيتها، وبرغم الألم الذي يعصر؛ كانت تستمتع وهم يستمتعون، منت نفسها رغم الخسارات انها حصلت على “أوسكار”.

بدأت تلوم نفسها، وتقول: “أنا أنانية.. علي أن أذوب وأنمحي، فهم الحياة، ولكن؛ “انا” لا تبرحني، ماذا عنها، من حقها أن تتكأ على ظهر يسندها وتستلقي على صدر دافئ وتستقبل أشعة الشمس”.

مرت العطلة على أحسن مايرام، بكل يوم نزهة وصراخ صبية يتعالى إلى السماء، ركبت المزحلقة كالصغار وتزخلقت من سفح مرتفع، فهوى بها ولكن آلاما باقية لم ولن تهوى.

تنتهي النزهة؛ فلكل شئ نهاية، يعودون لمحل الإقامة، يدخل العزيز فيوقد المدفئة ولايوقد فيها الحلم، تتركه لمدفئته، يئست ملاحقة الشبح، إنه حاضر إلا روحه.

تعد عصرونية متأخرة، يلتحقون جميعا ويلتفون حول الطاولة، يأكلون ويشربون ويتكلمون ويتسابقون، يقرعون كؤوس الشاي والحليب بالشكولاته، خبز محمص مع زبدة وعسل ومربى وجبن وتمر وزيتون وزيت، زبدة الجوز والفول السوداني، وحلوى وأكثر… إنها عصرونية لا تقاوم.

ينهون، يغادرون الطاولة، إلا هي، تقرع كأسا وربما اثنين، من الشاي، حتى الثمالة، تترشفها بحب، تحاول من خلالها التفريغ.

الأولاد يلعبون الورق، يتعبون فينامون… يستعد العزيز للنوم، تعود منذ سنوات أن يستقل غرفة لوحده، يأخذ المدفئة ليعدل حرارة الغرفة، وبكل ليلة تنطر ورقة “اليانصيب”، إنها العطلة، لربما يكون لها من الدفء نصيب، تخاله سيستغني عن المدفئة، لعلها تعدل مزاجه ومزاج الغرفة.

تقصد الغرفة في خجل، ما إن يراها، حتى يقول في غاية اللطف والرقة، تريدين “السخان”؛ خذيه، لقد صارت الغرفة دافئة، اطفئي النور من فضلك وأغلقي الغرفة وأنت تغادرين.. تمنت لو قال لها تعالي ولا تغادري وخذيني بين ذراعيك لأتدفأ على صدرك الحنون… تغادر الغرفة وتعود منكسرة وفي قلبها أمنية منتحرة.

يحين وقت العودة، تحس بشماتة كبيرة، تتخلف عن مكانها بالسيارة، يجلس مكانها ابنهما الأكبر، تضرعت بالألم والدوخة، جلست بالخلف، فلم يعد لها مكان بقلبه، ومكانها بالسيارة لا يعني لها الكثير، مجرد موقع.

يصلون بردا وسلاما على إبراهيم، يفتحون باب الشقة، يدخلون الأمتعة، هذه حقيبة فلان وهذه لفلانة، أغراض التزحلق والأحذية بالشرفة، مؤونة باقية من أيام العطلة جعلتها لعصرونية الوصول، لكنها لم تكن بذات الطعم، اختفى البريق.

عاد العزيز للجد والحزم، عفوا فلم يغادرهما، ذهب إلى الحلاق ليقص خصلات شعره وليهذب اللحية، فلطالما كان لا يفعل أثناء العطل لتستريح وجنتاه من موس الحلاقة.

كوى ملابسه، ذهب للمصرف ليحضر مصروف الأسبوع، وبطريقه؛ أخذ السيارة لمحل التنظيف، مسح آثار الرحلة والغبار والطين… صارت نقية بهية ليستعملها العزيز، الذي لا ينسى أي شئ؛ إلا هي.








اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد