الرائدة في صحافة الموبايل

“كورونا و مسرحية الألم والعلاج”.. مداخلة للدكتور عبد الهادي الحلحولي

مداخلة عبر المناظرة الرقمية ضمن الطاولة المستديرة لمجموعة عمل الاثنوغرافيا و المعرفة التابعة للمجلس العربي للعلوم الاجتماعية 1

نقلها أسامة البحري

قبل عرض المداخلة التي تقدم بها د عبد الهادي الحلحولي 2 حول موضوع كورونا و مسرحية الالم و العلاج ، ارتأيت في البداية ان اقدم اجابة جد مهمة تقدم بها الدكتور في نهاية اللقاء ،و ستكون هذه الاجابة ، بمثابة توطئة نظرية ابستيمية سنفتح من خلالها أفق النقاش الاثنو-طبي الذي سيتقدم به الدكتور عبد الهادي الحلحولي للتحليل و المناقشة في مداخلته ، و قد كان السؤال المطروح على الشكل الآتي :

لماذا هناك دائما صراع بين الطب العصري و الطب الشعبي ، في حين أن المرضى لا يرون ذلك ؟
جواب د عبد الهادي الحلحولي : الصراع لا يظهر للعيان بين مكونين للعلاج ، بل هو صراع ابستيمولوجي ، من حيث النظرة الى الجسد و النظرة الى أسبابه و مظاهره و مسبباته ، بل و هو كذلك صراع على مستوى ما يسمى باستراتيجيات العلاج، لذلك فهو صراع خفي (ابستيميا). لفهم هذه المسألة يكفي الرجوع الى كل ما انتجته التصورات الاثنو طبية في هذا الصدد.
مداخلة د عبد الهادي الحلحولي :
تتأسس هذه المداخلة التي أقترحها عليكم الآن ، على فكرة أساسية ، سوف اقوم باستعارة ما سماه ارفين غوفمان ، مسرحية الحياة اليومية للافراد و ذلك لقرب و وجاهة هذا المفهوم في قراءة و بناء اثنوغرافيا طبية بالعالم العربي و بالمغرب خاصة، زمن كورونا .
لقد خلقت لنا جائحة كورونا في ارتباط مع هذا المفهوم واقعا اجتماعيا ، اي لعبة مسرحية ، لها أدوارها الاجتماعية و فاعلوها و انتظارات الاخرين من هاته الادوار ، لقد انخرط الكل في اللعبة المسرحية و انتهو جميعهم بتملك المشهد المسرحي كمقابل للفظة المشهد المسرحي La scéne و لم يكن من الممكن ان ينفلت اللاعبون من مستلزمات الوضعيات الحقيقية التي يصطدمون بها كل يوم و كل لحظة في حياتهم اليومية ، زمن كورونا و لبسط محاور هاته المداخلة سوف أعرج على بعض الملاحظات الاثنوغرافية التي قمت بتجميعها ما بين الفترة الممتدة ، لحظة اكتشاف اول حالة وباء كورونا ،إلى غاية انتهاء المرحلة الاولى من الحجر الصحي ، و هذه الملاحظات هي على الشكل التالي ، اولا ما سجلناه في هذه المرحلة ، هو ولادة طقوس خاصة للكشف عن المصابين المحتملين بالفيروس ، و طقوس خاصة كذلك لنقل المصابين سواء من المختبرات الطبية أو من منازلهم الى المصالح الطبية التي حدد لهذا الغرض ، ماذا نسجل على المستوى الاثنوغرافي ؟
نسجل حذر زائد للمهنيين ، توجس ، تجمهر الناس حول منزل المصاب ، أسئلة حول مصيرهم الى غير ذلك ، كما نسجل ايضا على المستوى الاثنوغرافي داخل كل مصلحة طبية أعدت لهذا الغرض ، عدم الاقتراب من المصاب من قبل الاطباء ، و من قبل الممرضين او التحدث معه ، بل ان التحدث معه كان خلف الستار و أحيانا الغذاء كان يوضع امام غرفة الاستشفاء ، كما يتم استقبال المرضى و التعامل معهم عن طريق منصة او قاعة جهزت بالكاميرات و مراقبة المرضى عن بعد و بلباس احيانا للعزل و الوقاية او لباس جراحي .
الملاحظة الاثنوغرافية الثانية : و هي تهم ما يسمى بضبابية العلاج و عودة الطب التقليدي في المجتمعات العربية ، المجتمع المغربي تحديدا ، نسجل هذه العودة من خلال إنتشار وصفات على اليوتيب و على الويب بشكل عام من خلال تقديم نصائح لاستعمال و لضرورة استعمال مجموعة من الاعشاب الطبية من قبيل القرنفل ، الشيح ، العسل المغربي ..
الملاحظة الاثنوغرافية الثالثة ، تهم تدبير لحظة الوفاة بكورونا ، و هنا أسجل و نسجل جميعا داخل المجتمعات العربية ، ولادة ادوار جديدة و لعبة جديدة و طقوس جنائزية خاصة بالمستشفى ، سوف اعود لها بالتفصيل لاحقا.
الملاحظة الاثنوغرافية الرابعة : تهم لحظة اعلان الشفاء من كورونا و هي لعبة جديدة لها مراسم احتفالها الخاصة، بحيث نسجل مرور المتماثل الى الشفاء ، بين صفوف العاميلن في المستشفى حاملين الورود و تحت تصفيقات العاملين ، بل يتم حمل ارتساماته أمام باب المستشفى ، كما كان يستقبل الذي تعافى من كورونا بالدف و الزغاريد بمحل سكناه و يتم تقديم التهاني من طرف الأهل ، اذن لمقاربة هذه النماذج الاربع من الملاحظة الاثنوغرافية الطبية سوف أقدم و أقترح الاشتغال و تحليل هاته النماذج الأربع ، من خلال براديغمات نظرية ثلاث .
اولا نحن الآن في زمن كورونا في ضرورة العودة الى ما انتجته الانثربولوجيا الطبية خاصة مع مارك اوجيه و ثانيا في ضرورة تأسيس انثربولوجيا طبية ، و قد اعادت كورونا براديغم الاثنو ميدسين او الاثنو طبي ، و اخيرا البراديغم الثالث هو الخاص بالانثربولوجيا المطبقة في المجال الطبي الاستشفائي ، سوف اقدم مدى وجاهة كل براديغم على حدة ، في ارتباط مع الملاحظات الاثنوغرافية سالفة الذكر .
فيما يخص البراديغم الاول : تكمن اهمية اطروحة مارك اوجيه ، في ان الالم و المرض يشتغلان كدال إجتماعي يقتضي تأويلا جماعيا لا فرديا و لا تقنيا ، كما يشتغل داخل نسبية ثقافية بمعنى الألم و المرض ، فالعلاقة مع الألم المترتب عن الكورونا يجب أن يفسر بناء على النسبية الثقافية و ليس على الكلية الثقافية ، أما التصور النظري الثاني فيشمل كل المونوغرافيات التي اهتمت بالممارسات الطبية سواء في المجتمعات الصناعية أو غيرها ، أذكر على سبيل المثال بعض المونوغرافيات ، كالخاصة بفوريستكريسون ثم لاكركنيش من خلال عمله الجاد الطب ، السحر الدين ، الذي خلص هذا الأخير ، و انا اعتبر هذه الخلاصة ذات وجاهة في قراءة كل هذه الملاحظات الاثنوغرافية ، و المتمثلة في أن الطقوس العلاجية التي أحدثها كورونا ظلت و هي دائما تحضر بصورة دراماتيكية بالمعنى المسرحي للكلمة ، و ترتب وفق مختلف التمظهرات الثقافية و الدينية المحلية ، دون ذلك لا يمكن فهمها ، أما المقاربة بالاثنوميدسين فهي تمكننا بالإلمام من جديد داخل المجتمعات العربية ” المغرب نموذجا” بحدة النقاش منذ ظهور الوباء عن الممارسات العلاجية الخاصة بالطب التقليدي ، و يمكن هنا الاشتغال على الفيديوهات التي تقدم وصفات الطب التقليدي لكورونا .
إن عودة هذا النقاش و السجال بين الطب الاكلينيكي الحديث و فعالية الطب التقليدي ،ينم عن قطبية معيارية داخل المجتمع المغربي تولدت نتاج إنتشار وباء كورونا و هي قطبية انتجت لفهم الوباء و كيفية اشتغاله و وصفه و تفسيره و كذا كيفية الوقاية منه ،بل لقد وصل الحد الى صراع بين المعايير الممكنة من النجاة من الاصابة من الفيروس ، و كذا الشفاء منه و الحيلولة دون الوفاة و هو صراع تقليدي تبرزه الاثنوطبية بين ما يعرف بين الطبيعانية الطبية و العلاج التقليدي ، و نحن اليوم في امس الحاجة الى اعادة التفكير في كل ما انتجته كورونا من صراع حول الخطاب المتمثل في كيفية الشفاء و الحيلولة دون الوفاة عبر هذه القطبية الاثنوطبية، في تفس السياق تبرز لنا الاثنوغرافيا الطبية بالمجتمع المغربي عن عودة نسق من المعتقدات الطبية الخاصة بالنظر الى المرض و الوباء كمرض فوق طبيعي مقابل أمراض طبيعية ، فالاول لا يمكن فهمه و خطورته تتجاوز الطب الحديث و أن العلاج لن يكون مصدره الا من السماء ، اما البراديغم الاخير لقراءة الملاحظة الرابعة فهو يشمل الانثربولوجيا الطبية المطبقة في المجال الاستشفائي في زمن كوفيد ، فمن خلال تتبع كل الفيديوهات و الخطاب الذي انتج على علاقة الفاعلين الطبيين و الممرضين في علاقتهم بكورونا ، نسجل مجموعة من المداخل الكبرى لبناء اثنوغرافيا طبية محلية خاصة سياق كوفيد بالمجتمع المغربي ، و هو اننا سجلنا وجود احترازات ، اجنحة طبية خاصة بالمصابين ، لا يسمح بالاقتراب منهم ، بل حتى انه خصص ممر لسيارة الاسعاف .
ثانيا : نسجل في حالة وفاة أحد المصابين بكوفيد 19 اننا امام طقوس خاصة لتدبير جثة الفقيدة ، و اخرى خاصة بإجراءات الدفن ، التي امتدت الى منع اسرة الفقيد من الاقتراب اليه و تقبيله و توديعه كما انه حذفت طقوس غسل الفقيد .
كل هذه الملاحظات تبين اننا امام وعي بالموت ووعي بالالم امام تدبير جديد للوفاة ، إن هذا التغير الذي لحق طقوس الموت داخل المؤسسة الطبية ، قد اثر الى حد ما على أهم مكون داخلها ألا و هو ما يعرف بتدبير تجارب الحياة داخل المستشفيات ، كما اثر و يؤثر الى حدود اليوم على نفوس العاملين من اطباء و ممرضين ، في هذا الصدد نرى انه تكمن اهمية الانثربولوجيا الطبية ، في احياء التساؤل حول هذا المكون الثقافي الخاص بتدبير الوفاة و الطقوس المرافق لها ، اصبح الفاعل الطبي في ظل كورونا يغمره التوجس و الخوف من الاصابة ، فقد اقصى التدبير الجديد للجثة كل حضور رمزي للاسرة في تقديم تحية الوداع .
لقد تغيرت اذن طقوس توديع الشخص المقبل على الوفاة ، قبل كورونا كان الفاعل الطبي يقدم له الماء و يتحدث معخ ، في ظل كورونا لم يبقى كل شيء من هذه الطقوس ذات البعد الرمزي في علاقتها بالجسد و الذات و الانسان ،اذن نحن امام ممارسة اجتماعية لم تعد قائمة بالمؤسسة الطبية بالمجتمع المغربي و عوضت طقوس اخرى سميت بطقوس كورونا

  • صفوة القول : عبر ممارسة اثنوغرافية طبية بالمجتمع المغربي ، نستطيع مجددا مساءلة العلاقة بين المقدس و المرض و العلاج ، و لقد اعادت كورونا النقاش من جديد بين التفسير العلمي و التقليدي للمرض ، و اخيرا لقد اعادت كورونا أهمية النظرية الفيبيرية حول النظرة الى الكون ” انسان – علاقة -طبيعة -ثقافة”

1- رابط اليوتوب : https://youtu.be/YxmjzidqOvE
2 – يشغل حاليا استاذا للتعليم العالي، تخصص السوسيولوجيا بجامعة السلطان المولى سليمان ببني ملال

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد