الرائدة في صحافة الموبايل

الممارسة السوسيولوجية في المغرب.. تطور مؤسسي وتحديات جديدة

أحمد رباص

تميزت مأسسة السوسيولوجيا في المغرب بفترة طويلة من القطيعة أو حتى الاستبعاد من المجال الأكاديمي. في حين أن ظهور هذا العلم في المغرب ارتبط ارتباطا وثيقا بالفترة الاستعمارية، إلا أن جيلا جديدا جاء بعد الاستقلال ليتبنى هذا التخصص. وفي هذا الإطار، يعكس إنشاء معهد السوسيولوجيا طموح الجيل الأول من علماء الاجتماع المغاربة لبناء أسس سوسيولوجيا وطنية. ومع ذلك، فإن إغلاق المعهد عام 1970 أبطأ تنفيذ هذا المشروع وفي نهاية التسعينيات وجدت السوسيولوجيا مكانها في الجامعات المغربية.
وعند الحديث عن نشأة الممارسة السوسيولوجية في المغرب لا يد من الإشارة إلى أنه على غرار بلدي المغرب العربي الآخرين (الجزائر وتونس)، بدأت الممارسات السوسيولوجية الأولى في المغرب بمبادرة من “المكاتب العربية” (بيرك، 1956).
باعتبارها عمل ضباط عسكريين، تركزت المعرفة الغربية حول دراسة القبيلة، وقائع حركات التمرد، والأسرة الأبوية. ينتمي مؤلفو هذه الفترة الأولى، وفقا لجاك بيرك، إلى الجيل الرومانسي. ويقول جاك بيرك شارحا: “الرومانسية هي معنى إحساسهم بالغرابة، وتحيزهم لصالح الحضارة التي نالوا منها عن جدارة ميزة إظهار نبل المشية وقوة النداء” (بيرك، 1956: 299).
كان إنشاء “البعثة العلمية” في طنجة عام 1904 بمثابة بداية لمأسسة ومراكمة المعرفة الاستعمارية حول البنيات الاجتماعية المغربية. وبهدف إعداد دراسات منهجية للبيئة المغربية، تولت “البعثة العلمية” إصدار “الأرشيفات المغربية و”مجلة العالم الإسلامي” والمجموعة الخاصة بمدن وقبائل المغرب.
شهدت هذه الفترة ظهور العديد من الأعمال الأنثروبولوجية والإثنولوجية والسوسيولوجية التي قام بها نفس الأشخاص، ومن هنا جاءت صعوبة رسم حدود واضحة بين هذه التخصصات.
ولأنها كانت موجهة نحو هدف استيعاب الديناميات الداخلية للمجتمع المغربي، تناولت المعرفة العلمية الاستعمارية مواضيع مختلفة. وهدفت إلى إعادة تشكيل كتالوج المغرب، ودراسة نظامه السياسي “المخزن”، ونظامه القبلي، وزواياه، ومدنه، وعاداته.
تلك فترة ازدهرت فيها السوسيولوجيا النفعية “حيث يختلط الفضول العلمي بالنكهة الأيديولوجية المميزة لسوسيولوجيا في خدمة “السياسة” (بن الطاهر وبووصلة، 1980: 27).
طبع العديد من الباحثين والضباط والإداريين والمراقبين المدنيين والأكاديميين، الممارسة السوسيولوجية “الرسمية” بميسمهم. ومن بين هؤلاء يبرز إدوار ميشو بيلير وروبرت مونتاني (لمزيد من التفاصيل انظر عبد الكبير الخطيبي، 1967).
قبل نهاية عهد الحماية مباشرة، انطلق توجه جديد ينتقد الإنتاج السوسيولوجي الاستعماري بعمل جاك بيرك. بهذا السؤال الذي وجهه بشكل خاص إلى روبرت مونتاني “ما هي قبيلة شمال إفريقيا؟” (بيرك، 1953)، اعلن بيرك عن بداية التشكيك في المعرفة الاستعمارية وإصلاح عميق لأهداف البحث وأساليب العمل.
هذه هي المهمة الموكولة للجيل الأول من علماء الاجتماع المغاربة من أجل بناء معرفة سوسيولوجية “موضوعية” جديدة بمجتمعهم.
وفي سياق مأسسة السوسيولوجيا بالمغرب المستقل، عرف هذا العلم الاجتماعي، بعد اعتماده للمشاركة في بناء الدولة المستقلة الجديدة، مصيرا خاصا في المغرب. وهكذا نجد أن ثلاث لحظات حاسمة ميزت تطور مأسسة علم الاجتماع في المغرب.
ولغاية بناء سوسيولوجيا نقدية وموضوعية، بدأت أول مأسسة اكاديمية لعلم الاجتماع في المغرب مع إنشاء فريق البحث متعدد التخصصات في العلوم الإنسانية في عام 195، مع تدشين معهد السوسيولوجيا بالرباط عام 1960 ومع تأسيس جمعية الباحثين في العلوم الاجتماعية سنة 1965.
هدف تدريس علم الاجتماع في معهد السوسيولوجيا إلى حصول الطالب على ثلاث شهادات في ثلاث شعب: السوسيولوجيا،، الديموغرافيا والإحصاء الاجتماعي، والأنثروبولوجيا الثقافية. التحق به 266 طالبا في موسم 1965-1966 وتخرج 19 طالبا (الخطيبي، 1967: 59). ونظرا لتصور معهد السوسيولوجيا كبنية لكل من التدريس والبحث، فقد أصبح عمليا هيئة تعليمية فقط بسبب نقص المدرسين وضعف الموارد المالية واللوجستية. وفي هذا الإطار، أكد تقرير الخبراء الذي أعده بيير كون، والذي بدأته اليونسكو، على عدم وجود قسم للأبحاث في معهد السوسيولوجيا (كون، 1964).
في الوقت نفسه، أصدر معهد السوسيولوجيا “دفاتر معهد السوسيولوجيا” (عدد واحد في السنة). بالإضافة إلى هذه المجلة، كانت هناك النشرة الاقتصادية والاجتماعية للمغرب (مجلة ربع سنوية تصدر منذ عام 1933 من قبل جمعية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية والإحصائية) ومجلة البحت العلمي الصادرة عن المركز الجامعي للبحث العلمي والتي تضمنت قسما خاصا بعلم الاجتماع.
كان الهدف من إدخال السوسيولوجيا إلى المنظومة الجامعية من قبل باحثين شباب في علم الاجتماع إعادة تأسيس سوسيولوجيا وطنية والارتقاء بالبحث العلمي. هؤلاء الشباب، وفقا لآلان روسيلون، “أفراد مقاومون للجهاز البيروقراطي، ومن بينهم شخصية بول باسكون (1932-1985)، […]، سيضعون الأسس الأولى لحقل علمي محلي، وسرعان ما انضم إليهم حفنة من المثقفين المغاربة الشباب” (روسيون، 2002: 207).
يتعلق الأمر، بالنسبة لهذا الجيل الأول من السوسيولوجيين المغاربة، من ناحية، بالقطع مع الإرث الاستعماري ونبذ مفاهيمه، ومن ناحية أخرى، باللمشاركة في مشاريع التنمية في البلاد من خلال إنشاء “علم اجتماع نقدي وموضوعي.”
وهكذا اتسمت أعمالهم بتفكير عميق، من ناحية، في صحة استخدام المناهج، المفاهيم والنظريات الغربية، ومن ناحية أخرى، في بناء جهاز نظري ومفاهيمي تم تطويره محليا من قبل الباحث السوسيولوجي، وفي كيفية تجريبه في الواقع.
لقد تمثلت المهمة الأساسية لعلم الاجتماع في القيام بنقد مزدوج (الخطيبي، 1975: 1)؛ ما يعني “تفكيك مفاهيم نابعة من المعرفة والخطابات السوسيولوجية التي نابت عن العالم العربي وهي تتحدث عنه. في الوقت نفسه، نقد المعرفة والخطابات التي طورتها المجتمعات المختلفة في العالم العربي عن نفسها.”
يؤكد هؤلاء الباحثون الشباب في منشوراتهم الأولى على الدعوة “المناضلة” إلى المعرفة السوسيولوجية. كتب بول باسكون أن السوسيولوجيا “مدعوة لتوفير الوسائل والوصفات لتحويل المجتمع نحو غاية يفترض أن تكون جيدة. من طرف من؟ من طرف السلطة؟ من طرف السلطة المضادة؟ من قبل الوزارة؟ من قبل الحزب؟» (باسكون ، 1979: 62).
على المستوى المنهجي، أدى هذا الموقف إلى إيلاء اهتمام خاص لدراسة وملاحظة الوقائع الاجتماعية. يعكس مفهوم “المجتمع المركب”، الذي ابتكره بول باسكون، هذا الاهتمام ببناء مفاهيم وأدوات جديدة لجمع الحقائق لأجل تحليل المجتمعات المختلفة (الأبوية، الثيوقراطية، القبلية، الفيودالية)، التي تتعايش، أحيانا في نفس الوقت وفي نفس المكان داخل المجتمع المغربي.
تتطلب الطبيعة المركبة للمجتمع المغربي من الباحثين اتباع مقاربة منهجية محددة (باسكون، 1967). لهذا، قدمت الماركسية لعلماء الاجتماع الشباب الأدوات المناسبة للتفكير وفهم خصوصية الثقافات والبنى الاجتماعية المغربية (بودربالة، 2007).
ترتبط الموضوعات التي يستكشفها علماء الاجتماع ارتباطا وثيقا بمشاريع التنمية التي بدأت بعد الاستقلال؛ إنهم اندرجوا في منطق المعركة الكبيرة ضد التخلف. وهكذا شكل مجال علم الاجتماع القروي أساس التوجهات السوسيولوجية الجديدة.
كما تمثل دور عالم الاجتماع القروي في “فحص طرق ووسائل دخول الثقافة الحضرية، الصناعية، الغربية، المؤدية إلى اغتراب المجتمع القروي، الذي لا يسلم منه المجتمع ككل علاوة على ذلك” (الزكاري، 2007: 299). وكان يُنظر إلى دراسة الظواهر القروية على أنها محلل للتغيرات الاجتماعية.
إن استكشاف هذا المجال الاجتماعي يجعل من الممكن فهم أشكال الهيمنة الاستعمارية والسيطرة الداخلية، وبلترة الفلاح المغربي، وهجرة سكان القرى الذين انتزعت منهم أراضيهم.
كان هدف علماء الاجتماع الأوائل هؤلاء هو الأخذ بعين الاعتبار لهذه الفئات الاجتماعية الجديدة ونظام التقسيم الطبقي الاجتماعي.
في هذا الإطار، اندرج عمل العديد من الباحثين السوسيولوجيين الذين ميزوا بداية السوسيولوجيا في المغرب، كما يتضح من الحصيلة الأولية، التي انجزها عبد الكبير الخطيبي، لعلم الاجتماع في المغرب من عام 1912 إلى عام 1967.
إلى جانب بول باسكون، أصبح جاك بيرك البادئ بتحويل جذري للفكر السوسيولوجي في المغرب (نيكولا، 1961: 539). كما اهتم الباحثان الشابان أندريه آدم وجان بول تريستام، المتعاونان مع روبرت مونتاني وأساتذة المدارس الثانوية، بالقضايا الحضرية والفئات الجديدة في المجتمع المغربي. شخصية أخرى من هذه الفترة هي غريغوري لازاريف، الذي ركز هذا البحث على المسألة القروية في المغرب.
بعد إغلاق معهد السوسيولوجيا بأمر من القصر سنة 1970، استقر البحث السوسيولوجي ابتداء مت 1969 داخل معهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، حيث أدى بول باسكون عدة وظائف: مسؤول إداري، باحث ومدرس. وكان مديرا للمكتب الجهوي لحوز مراكش (1966- 1970) وفي الغرب (1972).
في مجال البحث، واصل بول باسكون، حتى وفاته في حادثة سير عام 1985، مع أعضاء فريقه، وضع أسس علم الاجتماع القروي. تم نشر غالبية أبحاثه، بشكل فردي أو بالتعاون مع أعضاء فريقه، في النشرة الاقتصادية والاجتماعية المغربية. تم إيقاف هذه المجلة، بدورها، عام 1988.
تميزت الفترة التي تلت ذلك بعزلة وانطواء علماء الاجتماع. يتجلى هذا الانطواء إما بتغيير موضوع الدراسة أو مركز الاهتمام (هذه هي حالة عبد الكبير الخطيبي الذي تفرغ لاحقا للكتابة الأدبية)؛ أو بالاستثمار في مهنة أكاديمية (ينتهي البحث العلمي بالحصول على أعلى درجة أكاديمية). وأصبح الإنتاج العلمي بدوره ضعيفا للغاية؛ فقط حفنة من علماء الاجتماع المغاربة، من خلال علاقاتهم الوثيقة مع مجموعات البحث الدولية، واصلوا نشر أعمالهم.
يتميز الإنتاج العلمي، مهما كان ضعيفا، بظهور مواضيع بحثية وتوجهات نظرية ومنهجية جديدة.
بالإضافة إلى التحولات القروية، تظهر موضوعات أخرى للدراسة مثل وضعية المرأة وتطور البنيات الأسرية، والرهانات الاجتماعية للمسألة التربوية، والتحولات الحضرية (بورقية، المرنيسي، الهراس، بن سعيد، شقرون …).
شهدت هذه الفترة أيضا ظهور الأعمال الأنثروبولوجية التي طورت مقاربة نقدية وتحليلية للنموذج القطاعي.
باعتبارها ثمرة مبادرات فردية، يستكشف هذا العمل مجالات مختلفة مثل القداسة، والجماعات الدينية، والعلاقة بين الدين والسياسة (بورقية، حمودي، رشيق، الطوزي …).
على المستوى الأكاديمي، تم تدريس علم الاجتماع (مثل الفلسفة وعلم النفس) في كليتين فقط من كليات الآداب والعلوم الإنسانية: الرباط وفاس. في الكليات الأخرى، يقوم غالبية علماء الاجتماع بالتدريس في أقسام فرعية لا علاقة لها بتكوينهم. هذه الأخيرة هي التي ستتناول الوضع السياسي والاجتماعي (الانتقال السياسي، التهديد الإرهابي بعد أحداث 16 ماي) لإعادة علم الاجتماع إلى الجامعات.
وفي إطار إعادة مأسسة السوسيولوجيا أو الاعتراف الجامعي بها منذ أواخر التسعينيات، شهد تدريس علم الاجتماع تطورا سريعا. يوجد حاليا 10 أقسام علم اجتماع في مختلف جامعات الدولة المغربية. وهكذا أشر إنشاء أقسام جديدة لعلم الاجتماع على استقلالية تدريسه الذي كان تحت وصاية رؤساء شعبة الفلسفة. بالإضافة إلى هذا التعجيل بالمأسسة، هناك زيادة في عدد الطلبة الذين اختاروا هذا التخصص وتوسيع نطاق الممارسة السوسيولوجية.
ومع ذلك، فإن إعادة مأسسة علم الاجتماع تختلف من قسم إلى آخر (حسب السياقات المحلية). وتوقف ذلك على الظروف الأكاديمية لإنشاء القسم، وعلى الأشخاص الذين كانوا وراء هذا الإنشاء، وأخيرا على خلفياتهم المهنية واختياراتهم المبحثية (علماء اجتماع أو فلاسفة أو علماء أنثروبولوجيا).
كما خضع افتتاح أقسام جديدة لمنطق محدد وتم في ظروف أكاديمية صعبة وأحيانا محفوفة بالمخاطر. تبدأ غالبية هذه الأقسام الجديدة بأستاذين أو ثلاثة أساتذة ينتمون إلى تخصصات مختلفة مثل علم الاجتماع أو الأنثروبولوجيا أو الفلسفة. ذلك هو الحال، مثلا، في قسم علم الاجتماع في مكناس.
يعكس اعتراف الجامعة بعلم الاجتماع أيضا إعادة تقييم سياسي واجتماعي للمعرفة الاجتماعية. إن إعادة تقييم تدريس علم الاجتماع وإسهامه في بناء التنمية على أسس متينة هو وسيلة لمواجهة صعود الإسلاموية بين الشباب.
استمر عدد طلبة علم الاجتماع في الارتفاع، حتى لو اختلف من قسم إلى آخر. يعكس حماس خريجي علم الاجتماع الجاذبية القوية للسويولوجيا بالنسبة للجيل الجديد من الطلبة المغاربة، من ناحية أخرى، المكانة الفريدة التي تحتلها السوسيولوجيا حاليا في هذا المجال.
ومع ذلك، فإن علم الاجتماع هو ضحية نجاحه. إن النقص الواضح في أعضاء هيئة التدريس، في الأقسام القديمة والجديدة، يطرح مشاكل لا يمكن التغلب عليها على مستوى التدريس والإشراف على الطلبة وإجراء البحوث، ولا سيما في الأقسام التي يكون عدد طلبتها مرتفعا جدا كما هو الحال بمراكش، فاس، مكناس وأكادير. هذه المشاكل تهدد مصداقية التكوين. لهذا ينتاب معظم أساتذة علم الاجتماع الذين شملهم الاستطلاع شعور بعدم الارتياح بشأن ظروف ممارسة مهنتهم، حيث يواجهون صعوبات كبيرة. ويشك هؤلاء الأساتذة أيضا في تأثيرات هذا الاعتراف المؤسسي بعلم الاجتماع على الدور الذي يمكن أن تلعبه المعرفة السوسيولوجية في عملية التنمية.
ساهم التطور المؤسسي لعلم الاجتماع في الانفتاح على حقول سوسيولوجية جديدة. تتيح المقارنة بين برامج التدريس، ولا سيما في سنة الإجازة، لستة أقسام من علم الاجتماع، التمييز بين نوعين من الحقول السوسيولوجية:
-الحقول الكلاسيكية: تلك التي تم تدريسها في النظام الجامعي القديم (قبل تنفيذ إصلاح LMD عام 2002): علم الاجتماع القروي، علم الاجتماع الحضري، علم اجتماع العالم العربي، علم اجتماع التنمية. هذا الأخير هو أحد الحقول الأكثر شيوعا، حيث يتم تدريسه في سائر أقسام علم الاجتماع الستة. إن هيمنة هذا الحقل هي جزء من التوجه السياسي الجديد الذي يعمل لصالح القضاء على جميع أشكال الإقصاء الاجتماعي من خلال إنشاء مفهوم جديد للتنمية الاجتماعية.
-الحقول الناشئة: حقول جديدة تدرس حاليا في غالبية أقسام علم الاجتماع مثل علم اجتماع الدين أو الصحة أو المقاولات أو المنظمات أو التربية أو الأسرة أو الانحراف أو الجنوح. يمكننا إضافة حقول جديدة من الأنثروبولوجيا (الأنثروبولوجيا الدينية، الفضاءات الأنثروبولوجية، الأنثروبولوجيا الحضرية) والتي يتم تدريسها في أقسام قليلة.
إن اختيار حقول سوسيولوجية معينة هو نتيجة مفاوضات داخلية، ويعتمد على موارد القسم، ومسار الأساتذة وموضوعات بحوثهم. لا يتحدث بعض الأساتذة عن فرض مجال أبحاثهم فحسب، بل يتحدثون أيضا عن مفهوم جديد لعلم الاجتماع (مثل حساسية علم اجتماع الأديان).
هناك أيضا تغييرات في تنظيم البحث السوسيولوجي. على المستوى الوطني، نشهد ظهور بنيات بحثية جديدة (مختبر بحثي، مجموعة بحثية، أو مركز أبحاث) في بعض أقسام علم الاجتماع
والآن سوف أفرد الحيز الأخير من هذا المقال للحديث عن التحديات الجديدة للممارسة السوسيولوجية في المغرب، فأقول إذا كان من الواضح أن علم الاجتماع هو موضوع اهتمام معين من جانب السلطات العمومية وأنه من المتوقع أن يساهم علماء الاجتماع في تحليل الطفرات الرئيسية التي يمر بها المجتمع المغربي، فإن تدخله، مع ذلك، لا يزال محدودا، كما تؤكد ذلك الدراسة الببليومترية لجميع البحوث في العلوم الاجتماعية المنشورة خلال الفترة الممتدة من 1960 إلى 2006 (الشرقاوي، 2009).
هناك عدة عوامل تفسر هذا الوضع: ضعف موارد التمويل، عدم وجود إطار قانوني لتحفيز الباحث، وغياب مجلة متخصصة في علم الاجتماع.
في غياب سياسة عمومية للبحث العلمي، تستند ممارسة البحث أساسا إلى مبادرات فردية أو “شبكات فردية”، تتم خارج المؤسسة الجامعية.
تعتمد موضوعات البحث على الطلبات الخارجية والداخلية؛ إذ هي مرتبطة بالمعايير الدورية بدلاً من استراتيجيات بحثية. اما البحوث الحالية المرتبطة بمشاكل التنمية (الفقر، التهميش، الاستبعاد، الصحة، البيئة) فهي تستجيب للمطالب السياسية والاجتماعية أكثر من استجابتها لاستدامة مشاريع البحث؛ الشيء الذي لا يشجع على التراكم العلمي.
من ذلك، نخلص إلى أن التحدي الرئيس المطروح على علم الاجتماع يكمن في إعادة تأسيسه على أسس جديدة تسمح بتعزيز التعليم العالي والإنتاج العلمي. كما تحتاج ممارسة علم الاجتماع، أكثر من أي وقت مضى، إلى تعريف دقيق لتوجهات البحث ضمن الإطار الوطني وبشكل عام ضمن الإطار الدولي.
وإذا كان الاتجاه، مع الإصلاح الجديد، هو تكثيف بنيات البحث، فإن الخطر، دون تعريف واضح لأهداف البحث، ودون دقة علمية، هو أن تصبح هياكل فارغة. ومن هنا يأتي العمل الأولي للتواصل بين علماء الاجتماع، وتداول المعلومات، وتنسيق وتقييم الدراسات، ما يعد أمرا ضروريا لتخطيط المستقبل العلمي لهذا التخصص.
هناك تحدٍ مهم آخر يتعلق بالمسألة اللغوية في المغرب. يعود تعريب علم الاجتماع إلى أوائل السبعينيات. إنه جزء من منظور السياسة العامة الذي يؤثر على جميع تخصصات العلوم الاجتماعية. من هذا المنظور، يشير تعريب العلوم الإنسانية إلى البعد الثقافي للمجتمعات في العالم العربي الإسلامي.
في الثمانينيات، كان نقاش علماء الاجتماع العرب مستقطبا حول مسألة خصوصية مجتمعاتهم. فقد “عارض بين أولئك الذين يعتبرون أن علم اجتماع العالم العربي يجب أن يساهم في علم “كوني” وأولئك الذين بالنسبة لهم العلوم الإنسانية والاجتماعية لا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تدعي الكونية” (بن سالم، 2004: 91).
سينتهي هذا الوضع في المنطقة المغاربية، لا سيما في الجزائر وتونس، بانقسام بين علماء الاجتماع الناطقين بالعربية والفرنسية الذين يعملون في مجالات وقضايا مختلفة (المليتي؛ المدوي، 2007، محفوظ-الضراوي، 2008).
في المغرب تبدو سياسة التعريب الآن فاشلة. فوفقا لبعض المتخصصين في المسالة اللغوية في المنطقة المغاربية، يتموضع هذا الفشل في علاقة بالهدف الأولي وهو السماح للأطفال المغاربيين بالتجذر في لغتهم الثقافية المكتوبة، وهي اللغة العربية الفصحى وفي نفس الوقت إتقان لغة أجنبية. لكن الجماهير لا تتحكم في أي منهما “(معتصم ، 1993: 168).
وبينما تم تكوين الجيل الأول من علماء الاجتماع المغاربة على التقاليد السوسيولوجية الغربية، تكون توجهاتهم النظرية مستمدة من النماذج العلمية المصاغة في أوروبا، وتعكس أبحاثهم رغبة حقيقية في أن تكون جزءا من المناقشات النظرية والمنهجية للمجتمع الدولي.
إن مسألة وضع الأجيال الصاعدة هي مسألة ملحة للغاية. وتحت تأثير السياسات اللغوية سيئة الإدارة، تجد هذه الأجيال الجديدة نفسها معزولة “عن تراكم المعرفة الذي تحقق بالفعل في تخصصاتهم وعن مجال علمي”عبر وطني”، توفرت للمغاربة الناطقين بالفرنسية إمكانية الوصول الكامل إليهما، في تزامن مع إعادة تنشيط أنماط تنظيم الفكر التي يمكننا التوافق عليها، إن لم يكن وصفها بأنها “تقليدية”، على الأقل باعتبارها منفصلة عن الاتجاهات المعاصرة في العلوم الاجتماعية” (روسيون، 2002: 216).
إن قطع الجيل الجديد مع مصادر المعرفة السوسيولوجية هو عنصر رئيسي يلقي بثقله على مستقبل الممارسة الاجتماعية في المغرب وعلى إدراجها في المناقشات العلمية للمجتمع الدولي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد