الرائدة في صحافة الموبايل

البناء الجُمْليّ والدلالة.. قراءة في ديوان “جمر من جليد ” للشاعر عبد الله الگرني

سعيد تكراوي، مراكش، المغرب.

يضم ديوان “جمر من جليد “(1)  للشاعر عبد الله الكرني(2) بين إضبارتيه أربعين قصيدة، جاءت عناوينها كالتالي: الْأَنْدَلُسُ الْحُلْمُ / مراكش عروس يوسف / محمد الدرة / كَيْ أَحْيَاكِ / الْأَبَدِيَةُ /قَرَارَةُ الرُّوحِ / أُمَّةٌ غَرُبَتْ/ الْقَلْعَةُ الْعَصِيَةُ / الْخُلُودُ والسِّجْنُ والْقُيودُ/ جَلالُ الأَطْلَسِ /أَطلالُ حَيِّنَا / القُبْلَةُ القاتِلَةُ/ النَّبْضُ الأَخْضَر/ فَلْتَكُونِي/ فُسْتَانُ الْعَرُوسِ / لَيْسَتْ كَالْأُممِ / مَحْيايَ ومَدْفَنِي / لا ترجموها بالأحجار/ استوت على أسرارها غِنَاها / خديجة قبل أن تولد  / أقصى الأحكام / المغرب الأقصى/ الحياة الأبدية / تسكنني / الليل بهاء وجلال / أبو عبيد الشرقي المقام/ الوداع / خسوف القمر/ أم الربيع وأطلسي الأب/ الزهرة السرمدية البقاء / قلب أبي / ذوبيني/ أعشقك/ تغيبين/ الجلال يتجلى / خجل القمر/ روعة الليل/ العابر/ رقصة العدم/ الطائر المهاجر.

إن الديوان ثمرة ناضجة  في شجرة التأمل العميق، شجرة وارفة الظلال، ممتدة الأغصان في سماء الروح والوطن والواقع والحياة والوجود …إنه أشبه ما يكون بعقد تنضدت جواهره المتلألئة كي تضيء مجالات مختلفة، وتعكس مضامين وأبعاداً مرتبطة بما هو اجتماعي، ووطني، وقومي، وروحي، وذاتي.

وإذا تأملنا عناوين النصوص، سنجد أنها اختلفت من حيث نوعيتها بين الجمل الاسمية والجمل الفعلية. فالتوزيع تضمن واحدا وثلاثين جملة إسمية مقابل تسع جمل فعلية، على اعتبار أن العناوين تركيبيا إمَّا أن تكون جملاً تامة أو لصيقة  بالنصوص من حيث وظائفها الإعرابية.وعليه، يمكن توزيع العناوين من حيث كونها محمولات جملية كالتالي:

1- الجمل الإسمية: وقد جاءت كالتالي:

• تامة: أي تحققت وظيفتها الإعرابية، فتكونت من مبتدأ وخبر علما أن الخبر إما أن يكون محمولا اسميا مثل: “مراكش عروس يوسف” أو “الليل بهاء وجلال”، أو أن يكون محمولا فعليا مثل  

“أُمَّةٌ غَرُبَتْ”.

• غير تامة: أي أن يكون الخبر متضمناً في النص، وهي على نوعين:

➢ المبتدأ اسما مفردا،مثل : ” الْأَبَدِيَةُ”، “الوداع”، ” العابر”.

➢ المبتدأ جاء:

– موصوفاً مثل:”النَّبْضُ الأَخْضَر”، “الْقَلْعَةُ الْعَصِيَةُ”، “القُبْلَةُ القاتِلَةُ”، “الطائر المهاجر”.

– مضافاً مثل: “قَرَارَةُ الرُّوحِ”، ” جَلالُ الأَطْلَسِ”،” فُسْتَانُ الْعَرُوسِ”، ” خسوف القمر”، ” روعة الليل”، ” رقصة العدم”

2- الجمل الفعلية: وقد جاءت على الشكل التالي:

• مثبتة مثل: ” كَيْ أَحْيَاكِ “، “فَلْتَكُونِي”، ” استوت على أسرارها غِنَاها”،  “تسكنني”، ” ذوبيني “، ” أعشقك”، ” تغيبين”.

• منفية مثل: ” لَيْسَتْ كَالْأُممِ”، ” لا ترجموها بالأحجار”. 

بناءً على هذه المعادلة، ستتم  مقاربة  بعض نصوص الديوان من خلال الجملة، وذلك على مستويين:

• المستوى النحوي بالكشف عن الأبعاد والدلالات التي تتولد عن التراكيب من حيث نوعيتها، ومن حيث طبيعة 

الأفعال والعلاقات الإسنادية… 

• المستوى البلاغي وذلك بإبراز خرق العلاقات الاسنادية وما يُتَولدُ عن ذلك من صور شعرية تقتضيها الأسيقة.  

أولا: المستوى النحوي:​أول ما يستوقفنا في الديوان جملة العنوان” جمر من جليد”، وهو عنوان شامل أي يحتوي على جُماع نصوص الديوان دون أن يشكل عنوانَ نص منه.

قبل دراسة العنوان، لا بد من التوقف عند مصطلحي الجملة والكلام، وقد أفاض النحاة في الحديث عنهما بالإضافة إلى مصطلح القول. وإن كان المقام لا يتناول هذه المصطلحات دراسةً لكثرة التعاريف ومعالجة هذه المصطلحات في  متون النحو ونظرات النحاة قدامى متقدمين ومتأخرين ومعاصرين، يكفينا في السياق إدراج بعض الآراء مركزين على تصور لغويين قدامى ومحدثين قديمين.

إذاً، فكل عنوان – كما سبق الذكر –  جملةٌ  سواء اكتملت وظيفته الإعرابية أو ظلت رهينة بمحتوى النص، ويقتضي تعريف الجملة الإقرارَ بأنها كلام.

يقول  ابن مالك:

                                 كلامنا لفظ مفيد : كاستقم      اسم وفعل، ثم حرفُ الكَلِـــم (3)

فالكلام ما تحققت فيه فائدة يحسن السكوت عليها، كـ “استقم”.  

والكلام، من هذا المنطلق، معادلٌ للجملة في المتن النحوي، وذلك على غرار ما أشار إليه ابن مالك في الألفية.

كما أن كل جملة كلام شرط حصول الإفادة لقول ابن جني : ” ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻫﻭ ﺍﻟﺠﻤل ﺍﻟﻤﺴﺘﻘﻠﺔ ﺒﺄﻨﻔﺴﻬﺎ ﺍﻟﻐﺎﻨﻴﺔ ﻋﻥ ﻏﻴﺭﻫﺎ، ﻭﺃﻥ ﺍﻟﻘﻭل ﻻ ﻴﺴﺘﺤﻕ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺼﻔﺔ، من حيث كانت الكلمة الواحدة  قولا، وإن لم تكن كلاماً”(4) إذ يحصر ابن جني الكلام  في متواليات من الجمل شريطة أن تستقل كل جملة بمعناها، وأن تتحقق الفائدة/ الدلالة دون الحاجة إلى جملة أخرى لاكتمال المعنى. وهو بذلك يعادل الكلام بالجملة. وفي سياق حديث ابن جني عن الكلام قارنه بالقول معتبراً أن الكلام ما كان ذا فائدة أما القول فهو غير تام إذ  أشار أن كل كلام قول وليس كل قول كلاماً ، فجملة الشرط  دون جوابه قولٌ، وجملة القسم دون جواب القسم قولٌ أيضاً حيث غابت الفائدة، وغاب التمام، وعليه، فالجملتان  تدخلان  في خانة القول وليس الكلام.                                                                                                          

أما ابن هشام فيعتبرالكلام قولاً :”ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻫﻭ ﺍﻟﻘﻭل ﺍﻟﻤﻔﻴﺩ ﺒﺎﻟﻘﺼﺩ ﻭﺍﻟﻤﺭﺍﺩ ﺒﺎﻟﻤﻔﻴﺩ ﻤﺎﺩل ﻋﻠﻰ ﻤﻌﻨﻰ ﻴﺤْﺴُﻥُ ﺍﻟﺴﻜُﻭﺕُ ﻋﻠﻴﻪ.”(5) ونلاحظ أن الإفادة مقرونة بالقول، وبذلك لا يختلف ابن هشام عن ابن جني في النظر  إلى مفهوم القول إذ لابد من حصول التمام والفائدة كما اشرنا سالفاً فجملة الشرط أو القسم إن غابا في أي واحدة منهما  الجواب فهي قول وليس كلاما. ولا يمكن اعتبار الكلام قولا إلا بحصول الفائدة في الأخير، ولزوم الفائدة أي ما دلَّ على معنى يحسن السكوت عليه.

ﺃﻤﺎ ﻋﺒﺎﺱ ﺤﺴﻥ ﻓﻴﻘﻭل:” ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻭﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﻤﺎ ﺘﺭﻜﺏ ﻤﻥ ﻜﻠﻤﺘﻴﻥ ﺃﻭ ﺃﻜﺜﺭ ﻭﻟﻪ ﻤﻌﻨﻰ ﻤﻔﻴﺩ”(6) ﺇﺫ ﺸﺭﻁ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺭﻜﻴﺏ ﺍﻟﻔﺎﺌﺩﺓ ﻓﻲﺍﻟﺘﻌﺒﻴﺭ. فكل من الكلام والجملة تركيب شريطة تحقق الفائدة.

فالجملة  العربية ما تتكون من لفظ أو أكثر، شريطة أن يؤدي اللفظ معنى يفهمه المتلقي دون إسناده إلى لفظ آخر، أي أن الفهم مشروط بالتقدير.

والحديث عن التركيب يفرض الإشارة إلى العلاقات الإسنادية  بين الكلمات داخل الجملة، وذلك بالنظر إلى صدرها، وفي هذا السياق يحدد ابن هشام أنواع الجمل باعتبار صدرها بقوله:” ﻓﺎلإﺴﻤﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺼﺩﺭﻫﺎ ﺍﺴﻡ، ﻭﺍﻟﻔﻌﻠﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺼﺩﺭﻫﺎ ﻓﻌل” (7).

بناءً على ذلك كله، فالعنوان  جملة ” جمر من جليد”، وتتكون من اسم وحرف ثم اسم. أي أن جملة العنوان،  إذن، مكونة من محمولين اسميين توسطهما مكون حرفي. فالمحمول الاسمي ” جمر” ورد  في بداية الكلام، وهو نكرة، لكن “الأصل في المبتدأ أن يكون معرفة، لا نكرةً؛ لأن النكرة مجهولة غالباً، والحكم على المجهول لا يفيد،(…)” (8)، وفي ذلك إجماع النحاة، حيث يقول صاحب الألفية :

لا يجوز الابتداء بنكرة <> ما لم تفد كعــند زيد نمرة

إذن الإفادة شرط من شروط الابتداء بنكرة. وفي السياق نفسه يقول عباس حسن :” إذا أفادت النكرة الفائدة المطلوبة صح وقوعها مبتدأ.” (9)، وعليه فالوظيفة الإعرابية لمكونات العنوان تجلت كما يلي:

جمر:  خبر لمبتدأ محذوف تقديره الديوان، مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.

من :  حرف جر مبني على السكون.

جليد:  اسم مجرور بمن، وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره .

والجار والمجرور متعلقان بالخبر.

وبالإضافة إلى الوظيفة الإعرابية، لا ينبغي إطلاقاً تجاوز طبيعة مكونات العنوان، وقد سلف ذكر ذلك، إلا أنه من المفروض النظر بنوع من التدقيق إلى كل مكون على حدة:

• المكون الأول عبارة عن محمول اسمي نكرة  “جمر” ومن حيث وظيفته الإعرابية سبق الذكر

إلى أنه خبر لمبتدأ محذوف، وباعتباره خبرا فهو مُسْنَدٌ، ذلك أن الخبر كما يقول صاحب ” قطر النَّدَى وبل الصدى”: ” والخبر هو:” المُسْنَدُ الذي تَتِمُّ به مع المبتدأ فائدةٌ”؛ “(10)

وعليه فلا بد من مسند إليه وهو المبتدأ المحذوف حيث التقدير : الديوان، أو نصوص الديوان، يبقى التقدير مفتوحاً ولكنه مرتبط  كامل الارتباط بالعمل الإبداعي الذي يضم مجموعة من النصوص تمت الإشارة إليها أعلاه. 

• المكون الثاني، فيشكله حرف الجر “من” علماً أن حروف الجر كما حددها ابن مالك : 

         هَاكَ حُرُوفَ الْجَرِّ ، وهْيَ : مِنْ ، إِلَى <> حَتَّى، خَــــلَا، حَاشَا، عَدَا، فِي، عَنْ، عَلَى

         مُذْ، مُنْذُ، رُبَّ، اللَّامُ، كَيْ، وَاوٌ، وَ تَــا <> وَالْكَـــــافُ،  والْـــبا،  وَ لَعَـــلَّ،  وَ مَــتَى(11)

وبالتالي فحروف الجر قسمان: أصلية وغير أصلية. وحرف الجر  “من”  أصلي، ومادام أنه حرف جَرٍّ أصلي، فلا بد من تأدية معنى، وفي السياق يقول فخر الدين قباوة :” حرف الجر الأصلي يؤدي في الكلام معنى متميزاً ، ويصل  بين معنى الحدث والاسم المجرور. “(12) 

فحرف الجر “من” إذن يؤدي معنى في تركيب العنوان. ومما لاشك فيه، فإن “مِنْ” باعتبارها حرف جَرّ أصلي :” فهي لبيان :” الابتداء” كما يقول عباس حسن. (13). 

إذن، فقد بينتْ ” مِنْ ” أن ابتداء الجمر هو الجليد، حيث تحكم في معناه الظاهر وجود “مِنْ”. 

• المحمول الاسمي الثاني: مجرور بحرف جَرٍّ “مِن”، وهو حرف جَرٍّ أصلي.

جليد كمحمول اسمي، ورد مجرورا من حيث الوظيفة الإعرابية، ويتعلق بإضافته إلى حرف الجر بالمبتدأ المحذوف.

وجملة العـنوان برمتها ومن خلال التقدير فهي اسمية، وللجملة الاسمية دلالة خاصة مقارنة مثلا بالجملة الفعلية حسب الدراسات.إذ ثمة إشارات تدل على أن الجملة الاسمية تحيل إلى الثبات والسكون .

ولابد من الإشارة في هذا السياق من اختلاف بين الاسمين على مستوى الصيغة الصرفية، فالاسم الأول” جمر” ورد في صيغة الجمع؛ واحدته “جَمْرَة” وفي ذلك تأويل، فالنصوص جَمْر يتأجج بداخل الشاعر. أما الاسم الثاني فقد وردَ  مفردا، فنصوص الديوان “جمر” تشكل في مجموعها كُلَّا مفردا يجثم بين جوانح الشاعر، فيكشف عنها في نصوص كشظايا التي تتقد وتشتعل تلهب سرائر القراء وتحفزهم للفعل القرائي. وتلك  لذة يخلقها الشاعر للقراء، ويضعهم في أفق انتظار خاص.

ومن زاوية أخرى، فإن الإسمين افتتحا بصوتين متماثلين “جمر وجليد” أي بصوت الجيم. 

والجيم كما في”المعجم الوسيط” :”الحرف الخامس من حروف الهجاء، وهو مجهور مزدوج.”(14). فالجيم إذن من حيث الصفة صوت  مجهور (15) تمام حسان اللغة العربية مبناها ومعناها ص: 59و79)  

فلا غرابة من كون الاسمين؛ وإن جمعتهما علاقة قائمة على التضاد؛ مشتركين  في صفة أول صوتٍ منهما، ولا يخلو ذلك من دلالة، ذلك أن:” السياق العام والخاص هو معيار تخويل المعنى للصوت الواحد،(…) “(16)

فالشاعر بتوظيفه لصوت مماثل من حيث الصفة وهو الجيم، يكون بذلك قد منح  للسياق شحنة  دلالية خاصة، أي أن الشاعر أكسب السياق وظيفة تعبيرية ولعل هذه الوظيفة قد أشار إليها أندريه مارتينيه بقوله:”وهناك وظيفة صواتية أخرى،وهي الوظيفة التعبيرية التي تُعْلِمُ السامع عن حالة المتكلم النفسية … “(17)

فالشاعر يجهر بما في حشاهُ، ساعيا إلى إخراجه للقارئ، ونصوص الديوان تأجيج  للصقيع المقيم في الحشا، وكأن بالشاعر بذاك اللظى من النصوص الشعرية التي تسكنه يصرخ : كوني برداً وسلاماً.لننظر إلى محمولين العنوان الاسميين من زاوية أخرى:

• جمر: معنى الجمر في اللسان :” النار  المتقدة واحدته جَمْرَةٌ، فإذا بَرَدَ فهو فَحْمٌ”(18)

• جليد: فالجليد:” ما يسقط من السماء على الأرض من الندى فيجمد(…)، ويقال في الصقيع والضريب مثله. والجليد: 

ما جَمَدَ من الماء وسقط على الأرض من الصقيع فجمد. الجوهري: الجليد الضَّريب والسَّقيطُ، وهو ندى يسقط من السماء فيجمد على الأرض.وفي الحديث: حُسْنُ الْـخُلُقِ يُذِيبُ الخطايا كما تُذِيبُ الشمس الجليدَ؛ وهو الماء الجامدُ من البرد”(19)  

فالاسمان قائمان على علاقة ضدية: الجمر والجليد، وكل واحد منهما تتولد عنه مرادفات. فالجمر يحيل على الاشتعال، ويثوي هذا الأخير دلالات تتجلى في الاتقاد والالتهاب والتأجج والتوهج واللظى والضرام واللهيب والاحتراق …

أما الجليد، فيدل على البرودة مما يحيل إلى السكون والخمود أي إلى أضداد الاشتعال. فلفظة الجليد إذن، تقابل ضدياًّ الانطفاء والخمود والسكون والهمود والخبو.

فالبنية الحملية التي تشكل العنوان ينهل فيها الشاعر من معجم قوي، ذلك أن المعجم يعتبر:” جزءا من اللغة من حيث  يمد اللغة بمادة عملها وهي الكلمات المختزنة في ذاكرة المجتمع.”(20)  فالمعجم على حد قول تمام حسان؛ صامت كصمت اللغة، “وحين يتكلم الفرد يغترف من هذا المعين الصامت، فيصير الكلمات ألفاظاً ويصوغها بحسب الأنظمة اللغوية. فالمتكلم إذاً يحول الكلمات والنظم من وادي القوة إلى وادي الفعل”(21)  فعملية التحويل تعكس الجهر وهنا تنكشف العلاقة بين النظام الصوتي والنظام المعجمي والنظام النحوي أي من خلال عملية التوليف ( توليف الأصوات في اللفظة وتوليف الألفاظ في التركيب) ثم تفكيك التركيب/السياق من حيث العلاقات الإسنادية بين ألفاظه. فيغدو الشاعر هو المتكلم الذي:” لا يستخدم  الكلمات وإنما يحولها إلى ألفاظ محددة الدلالة في بيئة النص.”(22)

من هذا  المنطلق، ما العلاقة بين المتضادين؟ فالجمر خارجي والجليد داخلي: الداخلي هو الوجدان لكن ثمة شيئا يؤجج هذا الداخل، فيذيبه الجمر وينبعث نصوصاً وقصائد ومن تم فإن الشاعر حرص على صيغة الجمع ” الجمر”، ولم يورد الكلمة بصيغة المفرد. وانصهار الداخل ناجم بالدرجة الأولى على صدق الشاعر في استلهام وقائع وعلائق بالأمكنة والقضايا المختلفة على صيغة قصائد. مما يؤكد بشكل جلي البعد الاستعاري الذي يغلف عنوان الديوان.

إن القصيدة الحديثة لا تلزم الشاعر باعتماد السطر الشعري القائم على الجملة التامة، بل يمكن أن يكون كلمة واحدة تخضع للتجربة الشعرية أو الدفقة الشعورية للشاعر. وذلك ما نلمسه في بناء نصوص الشاعر الگرني متوسلاً بإيقاع خاص حيث يعتمد على حاسة موسيقية مُمَيَّزَة تُضْفِي على النص مُسحةً غنائية. وعليه، فإننا نقف أحياناً على مقاطع يشكل الواحد منها جملة كاملة تحققت معها الإفادة. 

  ذلك أن الدلالة لاتكتمل إلا بمجموعة من الأسطر الشعرية ذات الكلمة الواحدة مثلما نجد في قصيدة ” أُمَّةٌ غَرُبَتْ”: “وَلْوِلِي عَلَى نَوَاحِ / الْبُومِ / النَّحِسِ / وارتدي من / اللبوس / كفنكِ / الأسود/ (23) ويمكن أن نطرح أكثر من سؤال في سياق البناء الجمليِّ القائم على  توالي  كلمات تشكل أسطراً شعريةً والسياق الدلالي؟ 

مما لا شك فيه، أن هذا التصور قد يكون صحيحاً إذا ما تناولنا بعض النصوص الذي يمكن، من باب التحفظ ، الحديث عنها بنائياًّ من حيث مفهوم التشتت التركيبي ذو الأبعاد الدلالية، ويمكن أن نلمس هذا المفهوم في سياق الحديث عن قصيدة ” أُمَّةٌ غَرُبَتْ “.

فعنوان القصيدة نحوياً جملةٌ إسميةٌ من مبتدإ وخبر، والمبتدأ عبارة عن اسمٍ والخبر جملة فعلية، والباعث بالابتداء ناتجٌ عن أهمية الإسم في النص بكونه مقصوداً دلاليا، حيث يتحدث الشاعر عن الأمة العربية وما آل إليه وضعها في العصر الراهن، ثم تخصيص الخبر في تركيب جُمْلِيٍّ “غَرُبَتْ”، فالجملة الفعلية في محل رفع خبر للمبتدإ، وتتكون من فعل وفاعل، فعل غَرُبَ، والفاعل التاء كضمير متصل بالفعل يعود بداهةً على الأمة.

ومعنى غَرُبَ (بضم عين الفعل): غَمُضَ، و اِلَتَبَسَ. وغرب عمله: أي كان غير مألوفٍ، وغير عاديٍّ، كان غَرِيباً. فَغَرُبَ يَغْرُبُ غرابةً وغُرْبَةً، فهو غريب والمؤنث غريبة جمع غرباء للجمع المذكر والغرائب للجمع المؤنث. ويمكن لفعل غَرَبَ أن يُؤَدِّيَ معنى غَرُبَ والعكس غير صحيح.

واذا تأملنا فعل الجملة الخبرية، فهو مُكَوَّنٌ من ثلاثة صوامت وثلاث صوائت: الغين، والراء، والباء 

* فحرف الغين باعتباره صامتاً يتسم بالجهر والرخاوة والاستعلاء. ومخرجه أدنى الحلق ويجري عليه انقطاع النفس وجريانا الصوت كما يجري عليه التفخيم باعتبار صفة الإستعلاء.

* أما حرف الراء باعتباره صامتاً فهو صوت قوي جهري مفخم، ومخرجه طرف اللسان مع ما يحاذيه من اللثة.

* أما حرف الباء باعتباره صامتاً فهو صوت جهري شديد مما يكسبه قوةً وانفجاراً، وهو حرف شفوي من حيث المخرج. 

ونلاحظ من خلال صفات هذه الصوامت أن القاسم المشترك بينها هو : القوة. 

أما من حيث الصوائت، فهناك الضمة بين فتحتين : فالفتحة ناتجة عن فتح الشفتين أثناء النطق، وتدل على سكون وثبات، والضمة ناتجة عن ضم الشفتين أثناء النطق، وتدل على السمووالعلو والترفع. 

ومن مرادفات غَرُبَ: أشكل، أغلق، اختلط، صعُب، غَمُضَ، إلا أن الشاعر اختار فعل غَرُبَ من باب فَعُلَ، ومما اتفق عليه العرب أن هذا الوزن يُؤْتَى به للدلالة على الطباع والغرائز. 

بناءً على ما سبق، فإن الشاعر اختار فعلاً اتسمت صوامته بالقوة والانفجار صفاتٍ ومخارجَ، ومن حيث المعنى، فالشاعر يخبرنا مادام أن الفعل مندرِجٌ في التركيب الخبري بكون المخبر عنه يتخبط في دائرة الإشكال والغموض واللبس، وتلك لامحالة حال الأمة، ولعل ذلك ما يصرح به الشاعر في النص:

” شَتَّانَ مَا بَيْنَ

الْحَاضِرِ

الْمُرِّ

وَمَا بَيْنَ

الْأَمْسِ” (24)

 إذن، فالعنوان يشكل مفتاحاً نوعيا لتجليات دلالية عميقة في النص انطلاقا من طبيعته الجُمْليَّة، ولعل ذلك يتناسل عبر تراكيب النص، حيث يوجه الشاعر الخطاب للأمة عبر أفعال كالتالي: ولولي، وارتدي، وارقصي، همهمي، تمرغي، لا تجلسي، لا تتعجبين. وهي أفعال أمر يخاطب من خلالها الشاعر الأمة العربية، علماً أن الأمر يرادُ به :” كل فعلٍ طلب القيام بالشيء أو العمل في زمن المستقبل.”  وتوزعت هذه الأفعال إلى قسمين :

1- قسم غير منفي : ولولي، وارتدي، وارقصي، همهمي، تمرغي.

2- قسم منفي: لا تجلسي، لا تتعجبين( وإن كان الصواب هو لا تتعجبي، فنلاحظ أن الشاعر خرق قاعدة الأمر في السياق).

فالقسم غير المنفي في صيغة الأمر تنوعت أفعاله بين ما هو ثلاثي (ارقصي) وما هو زائد على الثلاثي ( ارتدي/ تمرغي)، وماهو رباعي ( ولول/ همهمي).

أما القسم المنفي، فتضمن فعلين أحدهما ثلاثي، والثاني زائد على الثلاثي.

والزيادة في أفعال القسمين الثلاثية جاءت على وزن افتعل (ارتدى)، وتفعَّل(تمرَّغَ، تعجَّبَ).

ومعاني الزيادة في الأفعال : افتعل :1- المطاوعة، والتصرف، 2- المشاركة، 3- الاتخاذ، 4- المبالغة…

تفعَّل : المطاوعة، التكلف، الاتخاذ، التجنب…

أما بخصوص الفعلين الرباعيين : ولول و همهم فهما على وزن فعلل، وهما مجردان، وجيء بهما على صيغة تكرار صوتين في كل واحد منهما، ومثلهما أغلب الأفعال الرباعية:(حصحص ، شعشع، حثحث، كفكف، لملم، صلصل..)عكس بعض الأفعال الرباعية التي لا يحدث فيها التكرار مثل دحرج، قشعر، فرقع… 

فهذه الأفعال الواردة في أسيقة المتن الشعري يمكن إبراز دلالاتها ومعانيها في بعدين أساسيين وهما المطاوعة. أ ليست الأمة العربية هينة ومطواعة وطيعة في النزول إلى الدرك الأسفل، فالعنوان يَصُبُّ دلاليا في هذا المعنى حيث يستعرض الشاعر تاريخ الأمة العربية المجيد شرقاً وغرباً، مما يضعها في موضع الغموض واللبس بين فترتي الماضي والحاضر، وقد أشار الشاعر إلى الكيان الذي سعى إلى تمزيق الأمة جاعلاً منها شرذمات لن تعود إطلاقا إلى سلفها العتيد:

“الْيَهُودُ

تُعَرْبِدُ

لِيْلَةَ

الْعُرْسِ.”(25)

فالوضع الذي آلت إليه الأمة مثابة عرس بالنسبة للكيان الغاشم الذي أبى إلا أن يحولها إلى أشلاء خرائطَ وساسةً:

” تَدَثَّرَتْ

أَشْلَاؤُهُمْ

بِلِحَافِ

النَّحْسِ

وبِذُلِّ الْعَبِيدِ

وبِلَوْنِ

الْبُؤْسِ.”(26).

إن الدلالة المستنتجة من الجانبين الصرفي والنحوي، تنحو منحى الدلالة التي يفرضها البعد البلاغي، حيث إن الأمر في الأسيقة بلاغيا خرج عن معناه الأصلي، ولا نجازف إذا قلنا أن القرائن دلت على الاحتقار والإهانة لكل من أوصل الأمة إلى هذا الوضع، بل إن الأمة أضحت مهانة ومحتقرة إثر خنوع ذوي لحاف النحس، الذين يرضون بذل العبيد ولون البؤس… إنها صور تكشف عن عُرْيِ ساسة يسعون لإبادة أمة وتدمير مجدها العريق.

إن التشتت الذي عرفته البنية الجُمْليَّة لا يخلو إذن من دلالة، وإذا آخذنا المقطعين الأول والثاني من القصيدة: 

” وَلْوِلِي عَلَى

نَوَاحِ

الْبُومِ

النَّحِسِ.

وارْتَدِي مِنَ

الُّلبُوسِ

كَفْنَكِ

الْأَسْوَدَ

وارْقًصِي”(27).

إذ باستطاعة الشاعر ترتيب المقطعين كالتالي: 

” وَلْوِلِي عَلَى نَوَاحِ الْبُومِ النَّحِسِ.

وارْتَدِي مِنَ الُّلبُوسِ كَفْنَكِ الْأَسْوَدَ وارْقًصِي “.

لكنه ارتأى البناء الأول الذي وسمناه بتشتت البنية الجُمْليَّة، وذلك دليل على تشتت الأمة العربية. 

إنه التشتت الذي ألزمَهُ الشاعر للنص في كل مقاطعه وهو يستعرض البواعث التي يمكن أن نكشف في النص على أنهم:

” رُعاةٌ عَدِيمُو

الرُّوحِ

وَالْحِسِّ .”(28).

قاصداً بذلك من خانوا العرب والأمة العربية، واصفاً إياهم بأوصاف تعكس حقيقتهم وتعري سرائرهم، وفي الوقت ذاته، يستحضر تاريخ الأمجاد البطولي:

” ومَا بَيْنَ حَريرٍ

ألْوانُهُ

نُّورُ الْفَجْرِ

وَالغَلَسِ

ارْتَداهُ مُعْتصمٌ

وصلاحٌ

من الديباجٍ

والسُّنْدُسِ .”(29).

إنه التاريخ العظيم والزاهي، التاريخ الذي صنعته رموز خالدة كالمعتصم وصلاح الدين شرقاً،  وكأنه بذلك يعلن ثنائية البناء والهدم، فما بنته الرموز الخالدة ماضياً، دمرته شرذمة عديمة الروح والحس حاضرا، وكأنهم رعاة يسوسون رعايا، وتلك إشارة إلى أنهم يعتبرون رعاياهم قطعاناً. 

كما يشير الشاعر أيضاً إلى الصقع الغربي للأمة حيث يذكر يوسف بن تاشفين:

” وَتِلْكَ فراشاتُ

بَغدادَ

الْعَبَّاسِ

وعَصافيرُ

فَاسِ

تَنُوحُ

فِي هَمْسِ

عَلَى لَيالِي

زِرْيَابَ عَذْبَةِ

الْأُنْسِ

تَنْوي الرُّجُوعَ

الى ابْنِ تَاشَفِينَ

الأَبِيِّ النَّفْسِ”(30).

فالشاعر لم يتوقف عند حدود ذكر الأعلام، بل يتجاوز ذلك لذكر الأمكنة التي عكست أوج التقدم والازدهار بغداد شرقاً، وفاس غرباً، وكأن الشاعر يزدهي بهذه الأمكنة في صيغة رثاءٍ مضمرٍ كما فعل شعراء الأندلس بعد سقوطها. ففراشات بغداد وعصافير فاس تملأ الأفق نواحاً ويراودها الحنين لماضٍ عذبٍ تشق ضياءه أوتار زرياب، وتفعم عوالمه حكمة وحدس يوسف بن تاشفين. فالشاعر يستحضر القدس ويعتبر ضياعها شبيهاً بضياع الأندلس، إنها مماثلةٌ بين الأمس واليوم، تماثل في الضياع، وإن كان مبنياً على التضاد، حيث سُلِبت الأندلس، في وقت اندحرت القدس على مرأى رعاةٍ عديمي الروح والحس، حيث أضحت ساعة غروب الشمس في سعيٍ للبحث عن قِبْلَةٍ تذرف الدمعَ دماً عليها، وعلى الأندلس، وبذلك يعكس الضياع قمة التشظي الذي آلت إليه الأمة، ليكون بذلك التركيب زفرات وأنات يعانيها الشاعر وجدانيا، حيث التركيب المشتت كما سلف الذكر أعلاه، تشتتٌ متجلٍّ تركيبيا ووجدانياً:

” سَاعَةَ غُروبِ

الشَّمْسِ

بَحَثَتْ روحُ

القُدْسِ

عن قِبْلَةِ

الجنِّ

والاِنْسِ

تَذْرِفُ الدَّمعَ

دَمًا عليها وعليهِ

وعلى

الْأنْدَلُسِ.”(31).       نسيان هدا المرجع  ص 61/ 62

ويروم الشاعر في توضيح أسباب التشتت بقوله:

 ” الْيَهُودُ

تُعَرْبِدُ

لِيْلَةَ

الْعُرْسِ.”(32).

فضياع الأمة عرسٌ يحتفل فيه اليهود بصنيعٍ دنيء معتبرين ذلك حُلْماً لا يُضاهى، ولا يمت لروح الإنسانية بصلةٍ. ويقابل عرسَ اليهود جرحُ العرب، وذلك ما جعل الشاعر يواصل تجليات الجرح ما بين الماضي والحاضر معتبراً الأندلس ميتةً، ورغم موتها فإن دبيب روح الحزن يسري في رمسها عَمَّا لحق القدس: 

 ” وَالأندلسُ

الثَّكْلَى

تُوَلْوِلُ 

داخلَ

الرَّمسِ

سَاعَةَ إحْرَاقِ

الأَقْصَى

الْقُدُسِي.”(33).

ويلقي الشاعر الملام على الرعاة الذين رضوا بالخنوع والانصياع، معاتباً:

” طُغَاةَ

الْعُرْبِ تَمْشِي

على

الرُّؤُوسِ.”(34).

هكذا يرصد الشاعر واقعا مأساوياًّ للأمة في قصيدة بكائية بامتياز وعتابية في الوقت ذاته: البكاء على الحال الذي آلت إليه،

والعتاب عن البون الشاسع بين ماضٍ مجيد وحاضر ذليل، فتغدو الأمة مثل المرأة النائحة التي يأمرها الشاعر بمواصلة نواحها ونطقها واستئناف تعبيرها، والاسترسال في معاينة الذل الذي تعيشه حاضراً بعد مجد زاهٍ :

” هَمْهِمِي

تَمَرَّغِي .”(35).

ثم يطلب منها بألا تبقى على هذا الحال بعد فوات الْـأَوَان: 

” لَا لَا

تَجْلِسِي

قَامَتِ السَّاعَةُ

وَزَاغتْ

شَمْسُهَا

عَنَ الْقُرْصِ

 الْأَرْضُ

تَزَلْزَلَتْ

وأَخْرَجَتْ

عَرُوبًا

مِنَ الزَّمانِ

الْمَنْسِي .”(36). 

تلك صورة تعكس المأساة المطلقة، فَشَبَّهَ الضياعَ بقيام الساعة، وهي إشارة قوية إلى انهيار زمنٍ  فقدت فيه الأمة البوصلة؛ فغدت منهارةً، لذا يأمرها الشاعر بالكف على التعجب: 

 ” لَا  لَا

تَتَعَجَّبِينْ.”(37).

عدم التعجب موصول بالتعبير شعراً عن المأساة حاضراً:

” إِذْ مُعَلَّقَاتُ الْكَعْبَةِ

أُصِيبَتْ

بِالْمَسِّ

بعد نَزْعِهَا

مِنْ جِدَارِ

امْرِئِ

الْقَيْسِ

لِتَأْثِيثِ

حَائِطِ

الْمَبْكَى

النَّجِسِ.”(38).

إنه التلميح الحقيقي للكلمة الشعرية التي كانت تمثل الإفصاح عن جدارة كنه القصيد، والتغني بالذات والأمة العربية من حيث مجدها، لكنه أصبحت همسات مشجبة على حائط المبكى إثر الخيانة العظمى من قبل رعاة لا حس لهم بقضية أمتهم في علاقتهم بالمدمر الحقيقي للأمة والحضارة.

 تخيل الشاعر بعد الضياع الذي آلت إليه الأمة آنيا، الأندلس وهي تبكي وضع الأمة وكأنها بالمرأة التي ترغب في البعث من جديد لاستنهاض الهمم واسترجاع المجد العريق بعد أن طال الزمان عن تحول مآذن المساجد إلى أجراس الكنائس:

” هَذِهِ أَنْدَلُسُ

الْأَغْرَاسِ

والْمَآذِنِ

وَالْأَوْرَاسِ

مَلَّتْ قَرَعَ

الْأَجْرَاسِ.”(39).

فقصيدة ” أُمَّةٌ غَرُبَتْ” بكائية، ونغمة حزينة، مازج فيها الشاعر بين زمنين مبنيان على التضاد: الماضي والحاضر، وفي الوقت نفسه مستعرضا خيانة الأمة التي آلت إلى التشتت، هذا الأخير الذي عكسه الشاعر ببراعة في بناء الجمل والتراكيب داخل متن القصيدة.

يواصل الشاعر هذه البكائية لإظهار أساه وحسرته، وكأن النص السابق  ” أُمَّةٌ غَرُبَتْ” لم تُشْفِ غليله في عرض الانكسارات والهزائم، لذا يأبى الشاعر إلا أن يستمر في تعرية الوضع العربي عبر نص آخر وهو نص: “لَا تَرْجُمُوهَا بالأَحْجارِ” آخذاً من أسلوب النهي في عنوان القصيدة، وكأن الشاعر في هذا النص وبهذا الأسلوب، يكشف عن عمق الجرح العربي، وكلوم الأمة العربية  امتداداً للنص السابق، إلا ما نلاحظه في هذا النص هو إبراز الحسرة والتأسي، وذلك ما أفاده أسلوب النهي لكونه خرج عن معناه الأصلي، حيث يقول:

 ” دَقُّوا في نَعْشِهَا

آخِرَ

المِسْمارِ

حتى انْجَرَفَتْ إِلى الحَضيضِ مِن قُوَّةِ

الإِنْحِدَارِ.”(40).

فالمقطع جملة طويلة موزعة على خمسة أسطر شعرية، وهي جملة خبرية افتتحت بفعل متصل بواو الجماعة وهو الفاعل، وتعريف الفعل ما دل على زمان مقترن بحدث، وبذلك فهو في الماضي زماناً، و الدَّقِّ حدثاً، وما بين الفاعل والمفعول جار ومجرور، وتقديم الجار والمجرور على المفعول خرق الرتبة، و ذلك لا يخلو من دلالة، بحيث إن الجار والمجرور “في النعش” ذو حمولة دلالية قوية تتجلى في شبه الموت على اعتبار أنه استمرار للفعل والفاعل، أما المفعول فهو إحالة إلى شبه الموت المطلق،  مواصلاً الحديث باستهلال السطر الشعري الموالي بمُكَوِّنٍ حَرْفِيٍّ وهو “حتى” الذي يفيد الغاية، والذي نصبَ الفعل المضارع المزيد “انْجَرَفَتْ”، والزيادة بالهمزة والنون، والتي تفيد المطاوعة. فالأمة العربية إذن، مطواعة في الانجراف نحو الدرك الأسفل ما دام دُقَّ آخر مسمار في نعشها. وقد ترتب عن ذلك:

“أَصابَ بُنْيانَها زِلْزالٌ شَديدُ

الدَّمارِ

وإِنْزاحَ عن عَوْرَتِها

الغِطاءُ مَعَ

السِّتارِ.”(41).

فالموت الناتج عن توظيف لفظة النعش، والانهيار الذي انجرفت فيه الأمة شبيه بزلزال قوي، مما أدى بالأمة إلى أمة مكشوفة العيوب، عارية المثالب. وعلى صنيعه في النص السابق، يتوقف الشاعر لاستحضار رمز من رموز التاريخ العربي، وهو هارون الرشيد: 

“أَضْحى تَاجُ الرَّشيدِ

وعَرْشُه بِضَاعَة

الْبوارِ

غَيْرَ قابِلَةٍ

لِلْإِتِّجارِ.”(42). 

فبعد أن قتلوا الأمة، أضاعوا مجد الهرم هارون الرشيد الذي أصبح عرشه بضاعةً آلت للبوار، وتلك إشارة للضياع الكلي والشامل. مما يكشف عن الوجه الحقيقي الذي أضحت عليه الأمة، حيث القناع سقط، والقلاع تدثرت بثياب الحقارة والخسارة والخزي، والذل، والمهانة:

” سَقَطَ القِناعُ

وتَدَثَّرَتِ

القِلاعُ

بِأَسْمالِ

الصَّغارِ.”(43).

فتنجلي عليها علامات الموت والاندحار، وكأنها خريطة تشبه إلى حد ما مقبرةً:  

” تَعْلو مَلامِحَها

اَوْراقُ

التُّوتِ

وأَعْرَاضُ

المّوتِ

والْإِنْدِحَارِ  

(…).”(44).

هكذا يغدو نجمها الآفل:

 ” (…) شَديدَ الوَهَن

شَديدَ

الإِنْشطارِ فُتاتا مِنْ ذَرَّاتِ

الغُبارِ.”(45).

وذلك إحالة إلى وضعٍ متمزقٍ ومتردٍّ، جعل الأمة تعيش حاضرها نقيض ماضيها، وكأنها أمة غدا أوْجُهَا مُقْبَراً، وبذلك شبه الشاعر ذاك الأوج بأنه أضحى: 

” في عِدادِ

الماضِي

كَقوْمَيْ تَمودَ

وعادِ

مُجَرَّدَ

خَبَرٍ من

الأَخْبارِ.”(46). 

إنه مقطع يلخص حال الأمة حاضراً حيث التشتت والتمزق والاندحار بعد أن ضاع ماضيها بل إن مجدها قد تبدد وأصبح خبرا ليس إلا. وهو حاضر مُغَلَّفٍ:

” بِوَصْمَةٍ مَعَ وَشْمِ

العارِ.”(47).

مما جعل الشاعر يعمد تشخيص أمكنة أخرى على غرارالنص السابق، حيث أشار إلى بغداد، وفاس، والأندلس، رغبةً في التعبير عن المأساة التي شملت الأمة في صقعيها الغربي والشرقي: 

 “وشَهيقُ الأَطْلسِ

كَدَوِّ

الإِعْصارِ

ودُموعُ دِمَشْقَ الشَّامِ

كَقَصْفِ الأَلْغامِ.”(48).

فالحس المأساوي يهيمن على النص وفق ما أشرنا إليه سابقاً باعتبار القصيدتين بكائيتين بامتياز. إلا أن الشاعر يراوده حَـنِيـنٌ إلى ذلك المجد، ساعياً إلى استرجاع التاريخ العريق والقوي دون استسلام أو خنوع قائلاً: 

” لِكيْ تُزيلوا الغُمَّة

عن هذه الأُمَّة

العَارِ

لا تَرْجُموهَا

بالأَحْجارِ .”(49).

ولعل النهي عن الرجم دليل على موقف جريء يكمن بالأساس في خلخلة الرؤية نحو هذا الماضي بالكف عن الرجم إحالةً إلى القذف في تاريخٍ مجيد، وعرض للهزائم والانكسارات، بل يدعو بشكل صريحٍ إلى استنهاض الهمم في استرجاع ذاك التاريخ القوي عدلاً وفكراً واجتماعياً وشعراً ونثراً: 

” ارْجُموهَا بِسيفِ

عُمَرَ الفاروقِ

المِغْوارِ

بِفْكرِ الغَزالي عُمْقُهُ

بِعُمْقِ

البِحارِ

بِنُبوغِ خَلْدونَ في التَّطَوُّرِ

والإِعْمارِ

ارْجُموها بالمُعَلَّقاتِ

والبيانِ

وبِبَديعِ الزَّمانِ

بحَمراءِ أَنْدَلُسِ

الأَقْمارِ

قُبالَةَ غَرْناطَةَ

الحَدائِقِ

والأَسْوارِ.”(50).

إنها إشارات تعكس قوة الأمة العربية في مجالات عدةٍ، كي تستعيد الأمة العربية تاريخها ومجدها بمنأى عن الاكتفاء بعرض النكسات والنكبات المتتالية التي حولتها إلى أمة الْخِزْي والعار والاحتقار، والدعوة إلى أخذ العبرة مما آلت إليه بعض الاصقاع في خريطة الأمة حيث بغداد تنتحب في الأسر، ودجلة والفرات المطعونين بخناحر أشقاء الغدر:إنهم الرعاة عديمو الحس الذين أوصلوا الأمة إلى هذا الوضع: 

” أرجموها بِبَغْدادَ تَنْتَحِبُ

في الأَسْرِ

وبالفَراتِ ودِجْلَةَ

المَطْعُونَتَيْنِ

بِسكِّينِ

أَشِقَّاءِ الغَدْرِ.”(51).

لم يقف الشاعر عند ذكر مأساة العراق في الاستحضار، بل أشار إلى جرح آخر يمكن اعتباره درساً وعبرةً نظراً للتمزق الذي يعرفه آنيا: إنه الجرح الشامي: 

” ارْجُموها بِجميلِ

الأَيَّامِ

وبِدِمَشْقَ

الشَّامِ

تَمْشي حَيْثُ

لا تَدْري

من القَهْرِ

دونَ لِثامِ

الطُّهْرِ

مِن بِكارَتِهَا

دَمُ الإِغْتصابِ يسيلُ

ويَجْري.”(52).

الجرح الشامي الذي يعكس قمة التصدع والانشطار، مما جعل دمشق هائمة ضائعةً دونما  اتجاه:” تمشي حيث/لا تدري” إنها إشارة قوية إلى شتاتٍ خَيَّمَ على دمشق الشام، دمشق المغتصبة الـمُرَاقة الدماء.

هكذا يفضح الشاعر عبد الله الگرني واقعاً مرتدياً متمزقاً مشتتاً متوسلاً بتراكيب خاصة لتوليف مقاطعه، وهي التراكيب التي منحناها صفة التشتت إيمانا منا بأن هذه الخاصية تنحو منحى الدلالة التي يتوخاها الشاعر في هذين النصين.

إن هذا التشتت هو ما سيدفع بالشاعر إلى الإنطواء تارة، والتأمل تارة أخرى؛ فالإنطواء يدل على سفر الشاعر في عالم الروح والذات، أو البحث عن خلوات تختلف باختلاف الرؤى، أما التأمل فنحصره في تمظهرات معاينة الواقع والمجتمع والطبيعة.

ولعل من تجليات  انطواء الشاعر في ما أسلفنا معناه يتجلى في الرؤية للعالم الآخر الذي يمثل ولادة ثانية، وهي الولادة الحَقَّة، والحياة المثالية: الحياة المشرقة والمليئة بالضياء، يقول في قصيدة “الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَةُ “:

” فارْتَقَى بَاسِمًا

دونَ

إِيبَاءِ

نَحْوَ الطُّهْرِ

وَالصَّفَاءِ

مُلْتَحِفًا

بِرِداءٍ

من الضِّيَاءِ.”(53).

 فالشاعر يتخيل العالم الآخر المتكامل، المتوحد المتوهّج المضيء، ولعل هذا السفر عبر الخيال، يسعف الشاعر في تجاوز تأمل  الواقع العربي المُتْعب والـمُمِيت،  عساهُ يجد في البعد الروحي خلاص الذات من هزائم الأمة ونكباتها:

” مُنْدَفِعًا نَحْوَ

كَمَالِ

الْجَمَالِ

بِعِصْمَةِ

الْأَنْبِيَاءِ

ونَصَاعَةِ

الْأَبْرِيَاءِ

نَحْوَ الْمُطْلَقِ

والنَّقَاءِ.”(54).

إنه العالم الذي يتحقق فيه الكمال والنقاء، والولادة الحَقَّة والأبدية:

” فَالنَّهَارُ يُولَدُ مِنْ رَحِمِ

السَّناءِ

ويَفْنَى بِعَتَمَةِ

الْمْسَاءِ.”(55).

إشارةً إلى الولادة التي لا يتلوها الفناء كما النهار الذي يفنى بحلول عتمة المساء. كما يشير إلى أن الجسد هيكل فَانٍ، وأن البقاء للروح ليس غير:

” حَيَاةُ الرُّوحِ

دون الْجَسَدِ

سَرْمَدِيَةُ

الْبَقَاءِ

كَإِشْرَاقِ الثُّرَيَا

والزَّهْرَاءِ

تَوَهُّجٌ خَالِدٌ

بِخُلُودِ

الْأَضْوَاءِ

لَيْسَتْ طَيْفَا يَلُوحُ

كَالْبَرْقِ

حَوْلَ

الْأُفْقِ

ثُمَّ يَتَوَارَى خَلْفَ الْأَجْوَاءِ.”(56).

وبقاء الروح خالدة بعد أن تتحرر من سجنها الجسدي دليل قاطع على رغبة الشاعر في الحياة الأبدية، حيث يقول في القصيدة ذاتها:

” وكُنْهُ الْخُلُودِ بِمَعْنى  

الْإِرْتِقَاءِ

كالشُّعْلةِ

الْبَيْضاءِ غَيْرِ قَابِلَةٍ لِلْإِطْفاءِ.”(57).              

وقد نطرح سؤالاً لماذا هذا التماهي عبر سفر الخيال إلى العالم الآخر؟ ثمة فرضيات قد نستنتجها مختزلة في فرضية الرفض القاطع للعالم السفلي المتدني الممثل في الواقع العربي المهزوم إثر الخيانات الكبرى، هذه الأخيرة التي أضاعت تاريخا مجيداً… فالشاعر أقلقه الأسى والحزن والبكاء على هذا الوضع، ورسم الخلاص في السفر المذكور عساه يريح الوجدان المرهق والـمُتْعَب، السفر إلى عالمٍ حيث:

” الْجَمَالُ الْمُطْلَقُ

سِرُّ الْعِنَاقِ

مَعَ الرُّوحِ

وسِرُّ

اللِّقَاءِ.”(58).

أما التأمل فيمكن أن نشير إليه في التفاتات الشاعر إلى الذات في علاقاتها بالذات والآخر والواقع والتاريخ والمجتمع والطبيعة، فرغم الحزن الذي يخيم عليه جراء ما آلت إليه الأمة، فإنه يسعى إلى إخماد أجيج الأسى والحزن  عساهُ يعثر على دفء يبدد جمود الذات، إذ يقول في هذا السياق مخاطباً الأب في قصيدة ” قلب أبي”: 

” وَاغزل

سدى الدمع

الرهيب 

من خيوط 

الشمس 

ساعة 

الْـمَغِيبِ .”(59).

استحضار قوي ينجم عنه ذرف الدمع متضمن لعدول دلالي حيث البكاء المؤدي للمغيب/الفناء، حَـنِيـنٌ خاص للأب عبر خطاب من خلال فعل أمر يروم التوسل لإضاءة العتمة التي أضحت تملأ الأفضية:

” الْـمَعْ

كالبرق 

المهيبِ 

عبر 

السُّحُبِ 

وقتامة

الدروبِ.”(60).

ثم يرتمي في حضن التاريخ الذي يمكنه من نسيان الماضي الضائع، فيشير إلى بعض المعالم كمراكش في غنائية بديعة، حيث يقول في قصيدة ” مراكش عروس يوسف”: 

” اسقيني سلافة

الروح

قُبالةَ 

الدَّوْحِ 

يغريني 

الانتشاءُ 

واجري في يم

النخيل 

وقت 

الأصيلِ 

شراعكِ

الضياء 

مجدافكِ

الصفاء 

والخلود

والارتقاء.”(61).

ولا تفوت الشاعر الفرصة للإشارة إلى مسقط الرآس في قصيدة ” القلعة العصيبة” إحالة إلى قلعة السراغنة حيث يقول مخاطباً هذا العالم بصيغة الحنين للطفولة:

” ضُـمِّينِي مع 

الصغار 

إلى حضنك

واختارت

من وهج الطفولة 

أول الأنوار.”(62).

 ولم يقف الشاعر عند حدود الحنين الذي يراوده لمسقط الرأس، بل أيضا يتوقف عند الدور الذي لعبته قلعة السراغنة في التحرير والنضال حيث أبدت عن شجاعة وقوة:

” ثم تأججي تألقاً

كالنار

الأشد من

شرر الأجراس 

أيام الرصاص .”(63).

مواصلاً في رصد صورة قلعة القوة:

” حسبكِ

الخلودُ

والتمردُ

وعشقُ 

الانتحار.”(64).

إن الشاعر يجول في أروقة الوطن بغنائيات في المعالم والطبيعة والسياسة بتراكيب استثنائية تمنح للنصوص خاصيةً شعرية متميزة ولاسيما على مستويي التركيب والنحو مما يجعل الديوان جمرةً  من جليد ساعيا إلى عرض المآسي والهروب منها بالحنين تارةً ومغازلة الأمكنة تارةً أخرى،  والالتفات إلى الذات مرة ثالثة، و رصد الواقع القائم على التناقضات مرةً رابعة، والارتماء في تمظهرات الطبيعة مرةً خامسةً.

نلمس صيحة الخلود في قصيدة “الحياة الأبدية”، حيث السمو بالروح إلى العلى:

“نادته الملائكة

للإسراء نحو

نحو

السماء 

من أجل

الارتواء 

من النبع

السرمدي

العطاء” (65)

إنه السفر الأبدي حيث الخلود… جرعة وارتواء في السماوات العلى. تلك دوامة الحياة… الحياة التي تعتبر جسرا نحو البقاء الأبدي الطاهر الصافي، تلك نظرة الشاعر للعابر في مقام الزهد لتأمل العابر والعابري فلا بد من استعداد لدار البقاء إذ الالتحاق بالضياء على حد قول الشاعر:

“ملتحفا

برداء

من الضياء”(66).

هكذا يصف الشاعر العبور منتشياً  بما يحمله معه إلى دار البقاء الخالدة. عبور الروح من دار الفناء إلى دار البقاء: البقاء الأبدي الخالد المفعم بكمال الجمال:

” ونصاعة الأبرياء

نحو المطلق والنقاء”(67).

 كلمات تتوالى بإيقاع يجمع بين السرعة والبطء في الكشف عن الأبعاد وعرض القضايا بتراكيب وأساليب ينهل فيها الشاعر من معين الشعر محققا الدلالات المرجوة من الكتابة الشعرية في قالب حديث .

************************

المراجع

(1) عبدالله الكرني ، ديوان “جمر من جليد “، الطبعة الأولى، 2019.

(2) عبد الله الكرني من مواليد قلعة السراغنة سنة 1958 درس بها الابتدائي والثانوي والتحق بالرباط من أجل دراسة  العلوم القانونية. حصل على الإجازة ودبلوم الدراسات العليا ودكتوراه دولة في القانون الخاص وعلى دبلوم المعهد العالي للقضاء. أستاذ جامعي وقاضي من درجة استثنائية رئيس غرفة بمحكمة الاستئناف بمراكش.

(3) بهاء الدين عبدالله بن عقيل ، “شـــرح ابن عقيل على ألــفية ابن مالك “، تحقــيق محمد محيي الديــن عبد الحميد، المكتبة  العصرية بيروت،  الجزء الأول، الطبعة الثانية [ دون ذكر تاريخ الطبع ] ، ص: 13.

(4) ﺍﺒﻥ ﺠﻨﻲ، ﺍﻟﺨﺼﺎﺌﺹ، تحقيق” محمـد علي النجار، ﺩﺍﺭ ﺍلكتـاب العربي،  ﺒﻴــﺭﻭﺕ،[دون ذكر رقم الطبعة وتاريخ الطبع ]ﺝ1، ﺹ:19.

(5)ابن هشام الأنصاري”ﻤﻐﻨﻲ ﺍﻟﻠﺒﻴﺏ عن كتب الأعاريب”، ﺘحقيق حنا الفاخوري، ﻁ1، دار الجيل، ﺒﻴﺭﻭﺕ، 1991، ج2، ﺹ 5.

(6) عباس حسن، “النحو الوافي”، دار المعارف بمصر، الطبعة الخامسة، الجزء الأول، ص: 15

(7)ابن هشام الأنصاري”ﻤﻐﻨﻲ ﺍﻟﻠﺒﻴﺏ عن كتب الأعاريب”، ﺘحقيق حنا الفاخوري، ﻁ1، دار الجيل، ﺒﻴﺭﻭﺕ، 1991، ج2، ﺹ: 7.

(8) ابن هشام الأنصاري ” شرح قطر الندى وبل الصدى ” ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، مصر، ط 11، 1963، ص: 117.

(9) عباس حسن، “النحو الوافي”، دار المعارف بمصر، الطبعة الخامسة، الجزء الأول، ص: 485.

(10) ابن هشام الأنصاري “شرح قطر الندى وبل الصدى”، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة السعادة، مصر، ط 11، 1963، ص: 117.

(11) بهاء الدين عبد الله بن عقيل ، ” شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك “، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد،  المكتبة العصرية بيروت،  الجزء الثاني، الطبعة الثانية [ دون ذكر تاريخ الطبع ]، ص: 3.

(12) فخر الدين قباوة ” إعراب الجمل وأشباه الجمل”، دار القلم العربي، حلب،  سوريا، الطبعة الخامسة 1989، ص: 324. 

(13) عباس حسن، ” النحو الوافي” ، دار المعارف بمصر، الطبعة الخامسة، الجزء الثاني، ص: 435.

(14) المعجم الوسيط “، مجمع اللغة العربية ، المكتبة الإسلامية استانبول تركيا، مجلد من جزأين. الجزء1، الطبعة 

الثانية، 1972، ص103.

(15) تمام حسان ” اللغة العربية مبناها ومعناها”، دار الثقافة، البيضاء، طبعة 1994، ص: 59و79.

(16) محمد مفتاح “دينامية النص تنظير وإنجاز “، المركز الثقافي العربي، الطبعة الثانية 1990، البيضاء، ص: 62.

(17) أندريه مارتينيه، “مبادئ ألسنية عامة ترجمة ريمون  رزق الله، دار الحداثة، لبنان، الطبعة الأولى، 1990،  ص:71/72

(18) ابن منظور، “لسان العرب”، دار صادر بيروت، دون تاريخ الطبع، المجلد 4؛ ص: 144.

(19) ابن منظور، “لسان العرب”، دار صادر بيروت، دون تاريخ الطبع، المجلد 3؛ ص: 127.

(20) ) تمام حسان ” اللغة العربية مبناها ومعناها”، دار الثقافة، البيضاء، طبعة 1994، ص:316.

(21) نفسه، ص: 316.

(22) نفسه،ص:317.

(23) نفسه، ص: 57.

(24) نفسه، ص: 59.

(25) نفسه، ص: 61.

(26) نفسه، ص: 58.

(27) نفسه، ص: 57.

(28) نفسه، ص: 59.

(29) نفسه، ص: 59/ 60.

(30) نفسه، ص: 64/ 65.

(31) نفسه، ص: 61/ 62.

(32) نفسه، ص: 61.

(33) نفسه، ص: 61/ 62.

(34) نفسه، ص: 62.

(35) نفسه، ص: 57.

(36) نفسه، ص: 57/ 58.

(37) نفسه، ص: 63.

(38) نفسه، ص: 63/ 64.

(39) نفسه، ص: 64.

(40) نفسه، ص: 150.

(41) نفسه، ص: 150. 

(42) نفسه، ص: 150/ 151. 

(43) نفسه، ص: 151.

(44) نفسه، ص: 151/ 152. 

(45) نفسه، ص: 153. 

(46) نفسه، ص: 153.

(47) نفسه، ص: 154.

(48) نفسه، ص: 155.

(49) نفسه، ص: 156.

(50) نفسه، ص: 157/ 158.

(51) نفسه، ص: 160.

(52)نفسه، ص: 160.

(53) نفسه، ص: 188/ 189.

(54) نفسه، ص: 190.

(55) نفسه، ص: 191.

(56) نفسه، ص: 191/ 192.

(57) نفسه، ص: 193.

(58) نفسه، ص: 193.

(59) نفسه، ص: 238.

(60) نفسه، ص: 241..

(61) نفسه، ص: 14/13.

(62) نفسه، ص: 67.

(63) نفسه، ص: 71.

(64) نفسه، ص: 72.

(65) نفسه، ص: 188.

(66) نفسه، ص: 189.

(67) نفسه، ص: 190.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد