الرائدة في صحافة الموبايل

أحكام الميراث وتحديات التطور العلمي “بيوتكنولوجي”

بقلم استاذ حسن حلحول محام بهيئة الرباط.

لقد ارتأيت أن أكتب في موضوع شاق وشيق لم يلتفت إليه فقهاؤنا ولا رجال القانون وهوفي غاية الأهمية، يتعلق بالإرث وعلاقته بالتطور العلمي، فإذا كان علم المواريث فرع من فروع الفقه الاسلامي، فانه كذلك بالنسبة للديانات اليهودية والمسيحية فإن المواريث مرتبط بها أيضا، إذا ما ينطبق على المسلمين ينطبق على اليهود والمسيحيين مع الاختلاف في الأحكام.
إن السؤال الأساسي والجوهري الذي يجب طرحه هو ما علاقة الميراث بالتطور العلمي؟ وهل استطاع العلم أن يعطل مؤسسة الإرث؟ وما هي تحديات العلم على المواريث؟

الميراث في الشريعة

بادئ ذي بدء سنقوم بإعطاء التعريف للميراث لغة واصطلاحا كما حدده الفقهاء، من خلال ذلك سيتبين أن الإرث يتعلق بحالة الإنسان الميت (الموروث أو الهالك ) وعلاقته بحالة الإنسان الحي (الوارث).
١)الإرث لغة كما عرفه اللغويون، هو المواريث والجمع الميراث، ويطلق على معنيين الأول “المصدر” أي “الوارث” والثاني “اسم مفعول” أي “الموروث”.
المعنى الأول: الوارث يطلق على البقاء وهو من الأسماء الله الحسنى أي هو الباقي بعد فناء خلقه.
المعنى الثاني: هو نقل شيء من شخص لآخر، إما حقيقة انتقال المال إلى الواثق موجودا حقيقة.
وإما حكما وهو انتقال المال إلى الحمل قبل ولادته.
المعنى الثاني : المواريث باسم مفعول لغة هو ما يبقيه الهالك من مال بعد مماته (التركة أو المتروك)، أي ما بقي من مال المورث إرثا لورثته .
٢) واصطلاحا : هو كل حق قابل للتجزئة يثبت لمستحقه بعد الموت المورث، كالزوجة والقرابة، كما عرفته الكتاب السادس في المادة 321 من مدونة الأسرة ” التركة مجموعة ما يتركه الميت من مال أو حقوق مالية ” لقوله تعالى “كل نفس ذائقة الموت”.
ومن التعريفات التي جاء بها المشرع المغربي ما ورد في المادة 331 من مدونة الأسرة عندما حدد من هو الانسان الذي يحق بالإرث ولقد جاء فيها: لايستحق الإرث إلا إذا ثبت حياة المولود بصراخ أو رضاع ونحوهما”.
وبعد أن عرفنا الإرث لغة واصطلاحا وإن كان لا يختلف مع تعريف الميراث، وذلك لفهم علاقة الإرث بالتطور العلمي، أرى أنه يلزم أن نعرف الفرائض اصطلاحا، لأهميته بالنسبة للموضوع الذي نحن بصدد عرضه.
وبناء على ذلك قد خصت المواريث باسم الفرائض باعتبارها نصيب مقدر شرعا للوارث، وهو مرتبط بعلوم أخرى كعلم النسب لمعرفة الصلة والعلاقة بين الوارث والميت وعلم الحساب لقوله تعالى : ” نصيبا مفروضا”.

بيوتكنولوجي والإرث.

إن ما يعرفه العالم من التطور العلمي، لاسيما على مستوى بيوتكنولوجي يجعلنا نطرح أسئلة جد معقدة يجب فك لغزها بالاجتهاد والنظر العقلي لمسألة الإرث في علاقته بالعلم.
وهي مسألة لا تخرج عن علاقة الدين بالعلم، باعتبار احكام الإرث تجد مصدرها في النصوص القرآنية مفصلة في كثير من الٱيات تفصيلا فلا مجال في تغييرها لأنها ثابتة، وباعتبار أن القرآن صالح لكل زمان ومكان، فإنني أرى الإشكالية في تطوير آليات الاجتهاد؛ وليس بالضرورة أن يكون من داخل النص، وانما يمكن الاستعانة بالتطور العلمي وربطه بالنصوص الدينية. فما من علم إلا ويحصل به ضرب من الكمال للنفس وبه يخرج النفس من القوة إلى الفعل، كيف لا؟! فهو ( العلم بصفة عامة) كيفية نفسانية وصورة من الصور الكمالية ونور به تنكشف الأشياء؟ ويكون فيه الخير والمنفعة، وبإعتبار أن المنفعة تطلق على وجهين: وجه أعم ووجه أخص، فلا يمكن القول أن الحكمة نافعة في غيرها من العلوم، ويقال مثلا؛ المنطق نافع في الحكمة ولا يقال الدين انتفع من العلم، لأن الدين ليس أدنى من العلم وإنما العكس؛ الدين أعم من العلم ويستغرقه، فكلما جد جديد في العلم يتدخل أولي الألباب من العلماء لحل الإشكال انطلاقا من آليات التأويل.
إن أحكام الإرث يمكن تحديد بنائها :
اولا: أركان الإرث، وهي الوارث المستحق أن يكون قيد الحياة أو الملحق بهم كالمفقود والحمل أو الملحق بهم، هنا أقف على الملحق بهم لطرح السؤال من هم؟ وهل يمكن اعتبار ما توصل إليه التطور العلمي من كون تخزين بيولوجيا الحيوان المنوي والبويضات التخصيب للمرأة،في بنك التخزين يدخل ضمن الملحق بهم أم لا؟ فإذا كان العلم توصل إلى أنه يمكن تخزين الحيوان المنوي لمدة زمنية طويلة، يكون صاحبه قد توفي بزمن طويل.
إن االإشكال المطروح على أحكام الإرث في المدونة من المادة 321 الي المادة 368 أحدده فيما يلي:،
إن الحيوانات المنوية والبويضات المخزونة، يمكن اعتبارها تلتحق بالحي حقيقة بالحمل حكما، وبالتالي يكون من الورثة الذين يحق لهم الإرث. وإذا كان كذلك فهل يتم وقف توزيع التركة إلى أن يتم تخصيب البويضة باستعمال ذلك الحيوان المنوي المخزن؟
ومن تجليات هذا الإشكال.. هل يبقى لمدة العدة بعد وفاة الزوج أهمية والمحددة في ثلاثة قروء وعشرة، وأنه يمكن استخراج الحيوان المنوي من البنك المخزن فيه ليتم الانجاب بعد عشر سنوات حسب الوصية الموصى به الموروث، وهذه الحالة تشبه من يكتب الوصية أن الشيء الموروث ينتقل إلى ورثته من الأحفاد من بعده بالتتابع إلى أن ينتهي النسل، مع الاختلاف في الحكم باعتبار الحيوان المنوي المخزن ولد من الصلب فلا يحق التصرف في التركة دون اعتبار للحيوان المنوي المخزن.
لقد توصل العلم إلى ضمان الإنجاب بالحيوان المنوي المخزن، فهل يمكن اعتباره يدخل ضمن ما نصت علية المدونة في المادة 331 ونحوهما ،النص” لا يستحق الإرث إلا إذا ثبت حياة المولود بصراخ أو رضاع ونحوهما”؟.
وهل يمكن اعتبار أن موانع الإرث ” عش لك رزق” لا يدخل الحيوان المنوي المخزن بعد استعماله وتم الإنجاب لا تنطبق عليه؟ وإذا كان العكس ما هي علة المنع؟
من ضمن أسباب الميراث القرابة وثبوت النسب، فإذا كان الحيوان المنوي مدون في سجلات الإيداع المحفوظة إلكترونيا بالحاسوب حتى لا يطعن فيه؛ فإنه أسباب الإرث متوفرة علميا فلا يمكن حرمان المولود من الإرث.
هل يمكن اعتبار الحيوان المنوي والبويضة المخزنين، اللذان تم تلقيحهما قصد الانجاب في أنبوب اصطناعي من حق المولود أن يرث أباه وأمه المتوفيين.
وفي حالة أخرى تم تلقيح امرأة عاقر بالحيوان المنوي للرجل والبويضة لامرأة أخرى زوجته في رحم هذه المرأة التي لا تلد هل يرث فيهما أم يرث في المرأة التي استأجرت رحمها لذلك؟
وهناك مسألة أخرى توصل إليها التطور العلمي، تتعلق بتجميد إنسان لمدة طويلة، وحتى يتم التوارث فيه هل هو في حكم الميت أو في حكم الحي؟ أم في منزلة بين المنزلتين لا حي ولا ميت؟
وهل يمكن تطبيق المادة 325 و327 من مدونة الأسرة على الإنسان المجمد لمدة زمنية طويلة ليعود إلى الحياة الطبيعية من جديد؛ هل تطبق عليه أحكام المفقود في السلم أم المفقود في حالة الاستثناء
انطلاقا من المبدأ العام أن المال اختار الله له مستخلفا آخر يورثه إياه، فهل هذه الإشكاليات التي يطرحها التطور العلمي ستعطل مؤسسة الإرث حكما وليس حقيقة، أو بعبارة أخرى هل ستعرف أحكام الإرث صعوبة في التنفيذ، إذا اعترضتها مثل هذه الحالات الطارئة في المستقبل؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد