الرائدة في صحافة الموبايل

محددات السياسة الجنائية وأثرها على العقاب.. محورية عنصر العقاب في السياسة الجنائية

حسن حلحول محام بهيئة الرباط

الجزء الثاني

إن السياسة الجنائية تبحث في مظاهر ومعالم الجريمة ومن ثم في العقاب الذي يعتبر ركنا محوريا وأساسيا لبناء السياسة الجنائية لكل بلد بناءا سليما وعقلانيا، فما هي العلاقة التي تربط السياسة الجنائية بالعقاب؟ هل هي علاقة محايثة جوهرية متصلة و لصيقة بها؟ ام هي علاقة ثانوية هامشية منفصلة بعيدة عنها؟.

إن العلاقة بينهما هي علاقة جدلية وطيدة متصلة اتصالا متينا بحيث لا يمكن الحديث عن السياسة الجنائية ،دون التعرض للعقاب، فالعقاب(علم العقاب) الذي أصبح علما قائما بذاته تعرف عليه الإنسان وخابره منذ أن وجد فٱدم عليه السلام عوقب في الجنة عندما أغواه الشيطان بأكل من شجرة التفاح، كما أن الإنسان في علاقته مع الله مبنية على طاعته فيما يرضيه فيكون جزاؤه الجنة ،وفي حالة عصيان تعاليمه وابتعاد عن عبادته فيكون عقابه النار،إذن العقاب هو معيار بين الخير والشر .

فإذا كان علم الكلام من المعتزلة والاشعرية والقدرية والمرجئة قد سبق المدرستين الإيطاليين،وهما المدرسة الوضعية و مدرسة الدفاع الاجتماعي في تناول فعل الإنسان هل مخير أم مجبر عليه ؟ وما يترتب عن ذلك من عدم مسؤولية الفعل الجرمي وبالتالي عدم العقاب ، فإن المدرستين اللتين ظهرتا في القرن التاسع عشر خاضتا في اختيارية واجبارية الفعل الإجرامي للإنسان كما فعلت الفرق الكلامية في القرن الثاني الهجري.مع الفرق وهو أن علم الكلام تناوله أي الفعل في علاقته مع الله وأما المدرستان فقد تناولتا الفعل في علاقته بالإنسان.

إن مدرسة الدفاع الاجتماعي التي تزعمها غرامتيكا ومارك انسل وغيرهم…. خرجت بمخرجات جديدة لم يسبق دراستها وهي التدابير الوقائية العقابية الجديدة التي عرفت تطورا كبيرا مذ إنشاء جمعية دولية للدفاع الاجتماعي في سنة 1949م التي أصبح لها قسم في الأمم المتحدة .والتي تعمل على حماية المجتمع والفرد من الجريمة.
*قبل الخوض في علم العقاب أرى أن نقوم تعريف العقاب لغة واصطلاحا وقانونا كما عرفه الباحثون المختصون .
العقوبة لغة : عقوبة اسم والجمع عقوبات تعني هي جزاء فعل السوء لكل ذنب .

العقوبة اصطلاحا: هي القواعد الآمرة أو الناهية التي يمنع مخالفتها.
العقوبة قانونا: هي الجزاء على مخالفة مجموعة القواعد القانونية التي تشكل النظام القانوني،يفرض باسم المجتمع على أي شخص مسؤول جنائيا عن فعل إجرامي ارتكبه بمقتضى حكم قضائي صادر عن المحكمة يحرم الشخص من حق من حقوقه .

*إن المقاربة التاريخية للعقاب تحيلنا على تطور هذا العلم ،اذ نجد الباحثين يحددونه في القرن السابع عشر ،لأن قبل هذا القرن كان المتهم يسجن من أجل المحاكمة وبعد الحكم ينقل لمكان تنفيذ العقوبة التي كانت أما الإعدام او بتر أحد أعضاء الجسم أو الجلد، ويقسمون مراحله إلى ثلاثة أقسام.

١) الاهتمام بالسجن اي لبنانية السجن وإدارته من أجل بسط سيطرتها على كل مرافقه ، ومعاملة السجناء معاملة قاسية داخل السجون .
٢) الاهتمام بالسجين أي الاهتمام بحقوق السجين بصفته انسان،وتوفيرله كل الإمكانيات من أجل الحفظ على صحته وكرامته.
٣) الاهتمام بالسجن والسجين معا أي بالبناية السجنية و بالشخص السجين بصفته انسان من الواجب احترامه وتوفير له كل الظروف الحسنة وذلك لتحسين المعاملة العقابية ، وجعل المؤسسة السجنية مكان للإصلاح والتأهيل.وأصبحت المؤسسة السجنية مكان وفضاء مفتوح ولم تعد للعقاب القاسي كما كان في السابق.

*إن السياسة العقابية عرفت تطورا كبيرا، ولم يعد المفهوم الكلاسيكي للعقاب تأخذ به الدول المتأثرة بالمدرسة الدفاع الاجتماعي الجديدة، التي نجد المحور الأساسي فيها هو الأخذ بالتدابير القضائية بدل العقاب السالب للحرية، لأن هدفها هو تأهيل المجرم وصلاحه، لا تحقيق العدالة أو الردع العام، فإن معاملة المجرم تقتضي مساعدته في أن لا يعود إلى ارتكاب الجريمة.

هذا الموقف الأساسي تجاه الجناة يؤدي بالضرورة إلى إعادة تنظيم التدابير التي ليست عقابية بمعنى الدقيق للكلمة.إن السياسة الجنائية الحديثة لا تستبعد الموقف التقليدي من الفكرة الجريمة ،بل يعلن ضرورة التحليل القانوني للجريمة العامة والخاصة، ولا ترفض ولا تتجاهل فكرة المسؤولية، التي تعني وعي الفرد بشخصيته وتحقق بالعمل الذي قام به، ولقد رفض مارك أنسل فكرة ازدواجية الجزاء العقوبة والتدبير التي طالب بها الإتحاد الدولي لقانون العقوبات ، ودعا إلى توحيد العقوبات والتدابير الاحترازية ،في نظام واحد يطق القاضي ما يراه مناسبا لشخصية الجاني،بما يحقق إصلاحه ونزع منه السلوك الانحرافي.

*إن العالم يعيش في عصر عولمة الأشياء الحياتية،وأصبح قرية صغيرة بفضل الانترنيت وسيكون أكثر تطورا في المستقبل القريب، ولهذا آن الأوان أن نطلب بعولمة العقاب، طالما أن فاعلية الفاعل للفعل الجرمي واحد ،وقابلية القابل للدوافع الإجرامية في المستقبلة مع التطور التكنولوجي ستكون واحدة ، ولن يتأتى عولمة العقاب للجرائم الإلكترونية، إلا بانعقاد المؤتمر العالمي حول عولمة عقاب الجرائم الالكترونية، إن هذا المقترح موجه إلى السيد وزير العدل قصد إعداد ونداء لعقد المؤتمر الأول حول هذا النوع من الجرائم ،طالما أن هذا النوع سيكون هو السائد في العالم ،ويسيطر على أنماط الإجرام ،وإحداث سياسة جنائية عالمية جديدة متفق عليها،تتجاوز السياسة الجنائية الكلاسكية، فمن بين التدابير العقابية في المستقبل هي قطع عن الجاني جميع الآليات التواصل الاجتماعي الهاتف والانترنت،وقطع عليه الطريق التواصل مع العالم.

وباعتبار العقوبة تحتوي في نواتها على الجزاء والعلاج، فهي جزاء، والجزاء ينطوي على الألم ،إلا أن ألمها الذي يحس به المعاقب لا يهدف إلى الانتقام ،الحديث هنا عن الفاعل الذي مس المجتمع بالضر، وليس على من صدرفي حقه حكما جائرا، وهي علاج لأنها أصبحت وسيلة للإصلاح والعلاج، من يعاني بعدم التوازن في شخصيته بسبب من الاسباب، وهذا المفهوم الجديد للعقاب جعل كثير من التشريعات تلغي كثير من أنواع العقوبات، كالحرق والتمزيق والصلب والوشم والكي بالنار،فضلا على ذلك فإن هناك تشريعات ألغت عقوبة الإعدام ،التي لها مناهضين ومناصرين، لأنها تمس السياسة الجنائية في صميمها.
إن العقوبة لايجوز تطبيقها إلا إذا ورد فيها النص فلا عقوبة إلا بنص،ولا يجوز فرضها إلا إذا صدرت من المحكمة من قبل قضاة نزهاء أكفاء، خول لهم القانون فرضها وتنفيذها لهذا أحدثت في الدول المتقدمة قاضي تنفيذ العقوبة، فهي شخصية لا تمتد إلى غير الشخص المسؤول عن الفعل الإجرامي ،ويشترط فيها المساواة، لأن السياسة الجنائية غير مبنية على المساواة في العقوبة تكون ظامة، بمعنى اخر تتفاد التناقض في العقوبات والتضارب فيها،أي أن العقوبة لجريمة معينة هي واحدة بالنسبة لجميع الناس دون التمييز بينهم من حيث الجنس أو اللون أو الدين أو الانتماء إلى الطبقة معينة ولا ثروة.

يجب أن تكون العقوبة تتناسب في طبيعتها ومقدارها مع الجاني وهذا هو محور نظرية تفريد العقاب، أي أن شخصية المجرم يجب أن يكون المحور الأساسي في القوانين الجنائية ، وأن تكون العقوبة مناسبة وملائمة له، فكل شخص ارتكب فعلا إجراميا يكون لها دوافع متعددة، يلزم أن تراع هذه الدوافع، حتى تكون العقوبة من حيث النوع والمقدار ملائما لحالته لتتمكن إصلاحه وإعادته إلى المجتمع ووسائل تفريد العقاب يحددها المشرع ويترك للقاضي تقديرها.

*لكي نحرر العقوبة من الغلو ومن التوغل يجب أن نحرر القاضي من قبضة كل ما من شأنه يعيق تحقيق العدل، هذا هو روح استقلالية القضاء،للقضاء على الخوف التلقائي الذي يطوق عنق القاضي إذا ما متع المتهم بالبراءة ،كون البراءة يلف حولها شبهة وتجعل القاضي محل المساءلة ومعرض للتفتيش ،علما أن البراءة هي الأصل ودور القاضي هو حماية الحريات وفق 117من الدستور، في الوقت الذي نجد المغالاة في العقوبات والرفع فيها إلى أقصى سقفها لا يعرض القاضي لا إلى التفتيش ولا إلى التأديب ولا إلى حتى إلى المساءلة، بل تجعله في وضع مريح ومحل ثقة يكافأ عنها.
إن القضاة يحملون اكبر أمانة على عاتقهم،وهي أمانة العدل وما ادراك ما العدل،ولا يمكن تبرير عدم احقاقه بما يعرف ويتداول ” تبكي مو وما تبكيش مي” فأي كلام هذا وأي جرأة التي يتحدثون عنها في استقلالية القضاء ، إن تطبيق قواعد العدل والإنصاف ،تعيش أزمة تطبيق العقوبة العادلة ،مما يكون معه تتعارض مع أهداف السياسة الجنائية.

إن العقوبات البديلة التي مافتئ المغرب ،يعمل ويخطط على تطبيقها هي مرحلة متقدمة من مراحل التطور السياسة العقابية، فإذا كان القاضي يقضي بالبراءة بشكل محتشم ،فان تطبيق العقوبات البديلة ستعرف تعثرات ومثبطات في تطبيقها ،الا إذا كانت هناك ضمانات في تطبيقها ونجاحها .

*إن من بين المحدثات السياسة الجنائية الحسنة ، إحداث مؤسسة قانونية ذات أهمية كبيرة في الغرب، وهي مؤسسة قاضي تنفيذ العقوبة ، ولقد احدث المشرع المغربي هذه المؤسسة بمقتضى قانون 1/22. بظهير 2002/10/3 ،غير أن اختصاصات قاضي تنفيذ العقوبة في596 622 625 من ق م ج مازال جد ضعيف تبن لنا اختصاصها الذي يتجلى في تقرير الإشراف والمراقبة وتتبع وضعية المحكوم عليهم وزيارة المؤسسات السجنية ،وأهمها هو له الحق تقديم مقترحات حول الإفراج المقيد بشروط يحددها وهذا لا يمارس

فهذه المهام قاضي تنفيذ العقوبة كلها في غاية الأهمية، بيد أن يجب أن تكون أكبر من ذلك لتحقيق السياسة الجنائية فاعلة، تتماشى وتطوراتها مع نظيرتها في العالم ،ولا ننتظر أن تأتينا الحلول والمقترحات من الغرب، فيجب أن سند له حسب تقديري ما يمكن أن أطلق عليه مشاركة قاضي العقوبات قضاة الحكم في صياغة العقوبة خاصة في الجنايات ،ذلك بأن يكون عضو في الجلسة يحضر المحاكمة فقط، وأثناءها يعد ورقة تحتوي على مجموعة من العقوبات المقترحات والتدابير يقدمها لرئيس الهيئة يعرضها على السادة القضاة المستشارين المكونين للهيئة ،حتى يساهم في تطبيق السليم العقوبة. ليكن من نتائجها القضاء على الاكتظاظ داخل السجن

*إن اكتظاظ السجون بالنزلاء أغلبيتهم الساحقة من المعتقلين من ذوي الاعتقال الاحتياطي يزعج إدارة السجون ،الذين يشكلون 45/100 من مجموع المعتقلين 90 الف نزيل مما يعني أن سياسة الاعتقال في المغرب تعاني من خلل كبير جدا ، وأن عدم إيجاد الحلول لهذه المعضلة ، بواسطة تفعيل التدابير أخرى بديلة لها ،حتى لا يتحول الاكتظاظ في حد ذاته إلى نوع من أنواع التعذيب المعنوي على السجناء بطريقة غير مقصودة،والحل هو أن يتحرر القاضي من الخوف من أجل تمتيع المشتبه فيهم بالسراح المؤقت ،لتوفره على الضمانات القانونية الكلاسكية ،الواردة في قانون المسطرة الجنائية ،وأخرى حديثة يجتهد فيها القاضي تضمن حضور المشتبه فيه أمام المحكمة .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد