الرائدة في صحافة الموبايل

كلمة ياسين عدنان خلال ندوة “لغة الشعر العربي اليوم”

نص كلمة ياسين عدنان كما ألقاها في افتتاح ندوة “لغة الشعر العربي اليوم” التي احتضنتها أصيلة ضمن فعاليات الدورة الخريفية لجامعة المعتمد ابن عباد المفتوحة في موسم أصيلة الدولي الثاني والأربعين.

“هل يمكن الحديث اليوم عن شعرية عربية متعدّدة اللغات واللهجات أم أنّ اللغةَ أصلُ كلِّ شعرية؟ وهل تُطلب خصائصُ شعريةٍ ما خارج اللغة، أو تتحقّق بعيدًا عن معاجمها؟ وبه، هل يمكننا اعتبار ما يكتبه المغاربة اليوم -على سبيل المثال- جزءًا لا يتجزّأ من الشعرية العربية المعاصرة؟ أم أنّ إنتاجنا الشعري المغربي تتوزّعُه شعريات متعدّدة: الشعرية العربية بالنسبة لمن يكتب بلُغَة الضاد، فيما يندرج الشعر المغربي المكتوب بالفرنسية ضمن أفقٍ شعري مختلف. لكن، في هذه الحالة، ماذا عن القصيدة الزجلية المغربية المعاصرة: أين سنُدرجها وضمن أيِّ نسق؟ وماذا عن الشعر المكتوب باللغة الوطنية الأمازيغية؟

ثم ماذا حين نسمع شاعرًا من قيمة محمود درويش يردِّد: “أنا لغتي” و”مِن لُغتي وُلِدت”، ماذا يقصد بالضبط: اللغة العربية التي كتبَ بها دواوينه؟ أم لغتَهُ الشاعرة: تلك اللغة الفردية الخاصة التي يبدعها الشاعر من داخل اللغة المعيار / الخلفية والإطار؟ ثم ما الذي يعني الشاعرَ أساسًا: اللغة / المعجم باعتبارها مادة يشتغل بها ويبني من خلالها خطابه الشعري، تماما كما يستعملها السياسي لبناء حجاجه وإشهار مواقفه أو إضمارها؟ أم أنّ اللغة بالنسبة للشاعر هي موطنٌ ومقام؟ مقصودة لذاتها وفي ذاتها، أي أنها ذاتيةُ الغائية، “تجد غايتَها داخلها” بتعبير تودوروف؟ أمّا الاشتغال عليها بجسارة وافتتانٍ بُغيَة تحرير الكلمات من دلالاتها القاموسية واستعمالاتها المعيارية فلعلّه من صميم المشروع الإبداعي لكلِّ شاعر. وكل تحرير للكلمات من أغلال المعاجم والقواميس إنما هو جزءٌ لا يتجزّأ من مسعى الشاعر الحديث لإنجاز مهمته التي سبق لآرثر رامبو أن حدَّدها في “العثور على لغة”.

لكن الشاعر لا يعثر على لغته هكذا لُقْيَةً في الطريق، ولا يجدها خارج ذاته وخارج اللغة ذاتها. إنّ لغة الشاعر الخاصة تُدْرَك بالمكابدة وعبرها. ونحن سنُطل اليوم على مِرْجَل المُكابدات حيث تغلي الرؤى والمفردات والأحاسيس ونوايا الكلمات. سنرفع الغطاء عن القِدْر، لاستجلاء ما يعتمل وسط الاحتدام المتوتر لدواخل الشعراء، عبر الانصات العميق لبوحهم في ندوة نُريدها مفيدة ونتوَّقُعها قلقة، مفيدة بسبب دقة الموضوع وأهميته، قلقة بسبب قلق الأرواح الشاعرة التي ستتناوب على المنصة خلال هذه الندوة.

من صفحة ياسين عدنان على فيسبوك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد