الرائدة في صحافة الموبايل

كان الله ثالثهما..

بقلم الإعلامية والكاتبة نادية الصبار

ملحوظة: كل تشابه في الصفات والملابسات من قبيل الصدفة.

تعرفت عليه أول مرة في لقاء عمل، حيث زاراه معا هي ومديرها، لم يمكثا في مكتبه إلا لحظات تخللتها تحيات متبادلة بعد أن قدمهما مديرها لبعضهما، هذه فلانة وهذا فلان، تشرفت وتشرف.

كان اللقاء لطيفا وخفيفا جدا، لكن لقاء الحروف بينهما كان أطول، كانت دائمة المتابعة لمقالاته التي تستمتع بقراءتها قبل نشرها، ولو أنها ليست معه على الخط وعلى السكة دائما؛ لكنها تحترم الرأي والرأي الآخر وتحترم طريقة الطرح وكيفية البناء.

سنتان وربما ثلاث.. لا تتعدى العلاقة بينهما التواصل عبر الوسائط و رسائل جد مقتضبة واعتيادية: إرسال فنشر فشكر على النشر، لكنه وأكيد؛ أنه الوصال ولو عبر الوسائط، قد يقع ولا يمكن إنكاره والتنكر له بين أرواح تتوافق وعقول للأفكار وإن اختلفت؛ تتجاذب.

هو طبيب وحقوقي وإنسان ذو فكر ثاقب ورأي صائب، وإسمه وصوره تتصدر الجرائد والمواقع، وتجده في كل محفل ومجمع.. وهي كذلك صاحبة كلمة ورأي ولها حضور، وأكيد يتابعها مثلما تتابعه، فلها طلة مشرقة ومونقة وحضرة بهية وزاهية، وتسرد بين الفينة والفينة سربلات أقل ما يقال عنهن أنهن كتبن بصدق أو بعد تهمم.

لم يجل بخاطرها أن تزوره مرة أخرى إلى للقاء عمل.. وهي في غمرة من مشاكلها ومشاغلها والوعكة الصحية التي ألمت بها خاصة بعد فقدها لأحد قريباتها.. فقررت على حين غرة زيارته بعد أن يقنت أن المبررات التي تقدمها لنفسها: العياء، التوتر، الإرهاق، قلة النوم، عدم انتظام في الأكل، شدة وتزول وأبدا ما زالت ولم تشفع المبررات، إنها حقا متوعكة ومتألمة بل باكية وحزينة وشاكية.

ما إن قصدته بعد أن طلبت لقياه فرحب، فهي في حكم الزميلة والصديقة، وما إن دخلت غرفة الفحص بعد أن أذنت المساعدة بذلك حتى قام من مكتبه وحياها، كانت متحرجة من كونها لا تضع الكمامة خاصة بعد أن نبهتها المساعدة وقالت لها لو سمحت: “البسي كمامتك فقد حان دورك”، وهي خجلة من الموقف ووجلة؛ إذا بالطبيب الصديق يستقبلها وعلى وجهه كمامة ومن تحتها ابتسامة كشفتها عيناه المشرقتان..

لم يكن يلبس القفازات، مد يده وصافحها بعمق ورحب، حيته وقالت له كم تمنت لو لقيته في ظروف غير هاته أو أقله أن تلقاه من أجل مقابلة أو حوار صحافي وليس في لحظة ضعف ووهن.

الإعلامية والكتابة نادية الصبار

لا تدري كيف دخلت في شكواها وفيها ما هو للصديق أقرب منه للطبيب، كشفت له بلواها وبعد عنها لم يكشف، أحست ولأول مرة بارتياح شديد لأنها قبل أن تكون أمام الطبيب كانت مع الصديق، سمعها بكل احترام وتقدير، فالشخص الماثل أمامه مكشوفة حكاياه وأحجياته التي تتشاركها بصدق مع قرائها من الحين للحين عبر أثير المواقع والصحف ومادون ذلك من تدوين.

وهو يكشف عنها طلب أن ترفع ثوبها حتى يفحصها بالصدى وبعد الفحص جاء الجس فجس القلب المعتل، سألها عنه وما به، فقالت قلبي.. ولم تكمل ودون أن تنبس ببنت شفة أغمضت عيونها الجميلة والمغرورقة من دمع سال ولاح من آلم تحاول صاحبته الانعتاق…

وبعد الكشف عاد إلى المكتب ليدون تحاليل مخبرية رأى أنها من الضرورة بمكان.. وأكمل الحديث الذي خالجته إنسانية فاقت الوصف، حركت لديها مشاعر مبهمة من الارتياح والاحتياج والسكينة والراحة والعطف والحنان والصدق وكل ما يمكن أن يحسه المرأ من أحاسيس النبل والكرم والعطاء بعيدا عن كل الخلفيات… حتى ذابت كل الهويات هويته كرجل وهويتها كامرأة.. لم يكن إلا خطابا تسمو معه الأرواح إلى أفق لا تصله النفوس المريضة التي لا تجيد النظر إلا الصفاء ولا تعرف طعم النقاء.

وهو يحاول طمأنتها لما خبر ظروفها لأول مرة، وحقا كانت خاصة واستثنائية فهو لم يكن يرى إلا صورة امرأة شامخة واليوم بين يديه طفلة يانعة باكية شاكية تبوح وبين يديه تهوى وتهوى الآنفة ويسقط الكبرياء والصمود؛ قال لها لا تهتمي فهذه ليست إلا مرحلة وسترحل…

وهي تحاول ان تمد يدها لتودعه، شد يدها بقوة وضمها إلى صدره كما تضم السماء الأرض… لم ترفع رأسها من حياء وخجل، فهي تلقاه لأول مرة وحتى حين كانت تحادثه وتشكو إليه همها تنظر إليه ودون أن تحدق، بل حتى وإن فعلت رفعت عينا وأزاحت أخرى، ومع كل هذا الخجل لم تجد خجلا في أن تنضم لضفتيه وتضمه مثلما ضمها وأكثر… بل لم تفكر ولم تكن لتتردد.

غادرت العيادة وهي سكرى من لحظات تعجز كل الأبجديات عن وصفها، فكل الكلمات الرقيقة وإن رقت لن تصف رقة المشاعر وكل الكلام مهما كان أوفى وأصدق لن يصدق في وصف اللحظة ولن يوف حتى وإن وصف.

حاولت أن لا تفلسف اللحظة رغم أن اللحظة وعمق اللحظة يحتاج الوصف والتفسير والتحليل والحكمة وجلالها والفلسفة وبيانها والمنطق واللامنطق والمعقول واللامعقول وكل المتقابلات والمترادفات والأضداد… ومع كل هذا وذاك وإن تجلت لحظة الضم بعد الضم فلن تتجلى ولن تنكشف لأنها لحظة غير مكشوفة ولا تدري بما هي موسومة… فقط كل ما تعرفه أن الله في هذه اللحظة كان ثالثهما.

تعليق 1
  1. يوسف بوش يقول

    الاقصوصة تلخيص لما اصبحت تحتاجه نفوسنا في خضم مشاكل الحياة ،الا و هو شخص يسمع همومنا و احيانا اوهامنا ، تلك الحاجة الى فضفضة اجنحة النفس لتحلق بنا بعيدا داخل دواتنا ،فنحن عندما نتكلم فانما نسمع انفسنا قبل ان يسمعنا الاخر ،اننا بارسالنا الكلام كذاك الذي يلقي احجارا في البركة او النهر و مع كل حجر يلقي هما ،و ينفس كربا ،
    الضم هو اعلى اسلوب لنقل المشاعر و الحب و التعبير للاخر بانه يحس به و بانه موجود الى جانبه …..

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد